وصلت أسعار النفط (خام برنت) إلى أقل من 50 دولارًا للبرميل، بعد أن كانت قد وصلت 110 دولارات للبرميل عام 2011.
“ينبغي الحفاظ على معدلات الإنتاج العادية، لحماية حِصَّة السعودية في السوق من الإمدادات المتزايدة من الولايات المتحدة”. *علي النعيمي، وزير البترول السعودي
ربما يكون الأمر غريبًا لكنَّهُ حقيقي رغم ذلك. النفط الذي تسبب في نقلة نوعية تمامًا لدول الخليج جميعًا، وخصوصًا السعودية، والذي تمتلك السعودية من احتياطيه 42 مليار متر مكعب، لتكون بذلك ثاني أكبر احتياطات العالم من الذهب الأسود. هذا النفط قد ينتهي عهده تمامًا خلال الأعوام القادمة، هل يمكنك أن تتخيل؟! هل ستظلّ السعودية مكتوفة اليدين في انتظار أن تسمع أخبار نهاية عصر النفط؟ بالطبع لا، فما هو الموضوع إذن؟ وما هي خطط السعودية لتلافي نهاية عصر النفط، وعلى يد من؟ حليفها الأهم: الولايات المتحدة!
لماذا قد ينتهي عصر النفط؟
تمتلك الولايات المتحدة الآن ما نسبته من 1.2 إلى 1.8 تريليون برميل نفط صخري! وهو يعد أكثر من احتياطي النفط السعودي بنسبة أربعة أضعاف.
منذ أكثر من عقد تمّ العثور على ما يعرف بالنفط الصخري؛ وهو نوع من النفط الخفيف والذي يتم استخراجه من صخور تحتوي على ترسيبات مادة الكيروجين، يتم تحويل الترسيبات بالحرارة إلى سائل هيدروكربوني كبديل للنفط الخام. يعتبر هذا النفط أحد البدائل المستقبلية لإنتاج الطاقة حول العالم. بالجملة تتواجد هذه الصخور النفطية في 37 دولة فقط حول العالم، على رأسها الولايات المتحدة. تمتلك هذه الدول جميعًا 4786 مليار برميل من النفط الذي يمكن استخراجه من هذه الصخور. الولايات المتحدة تستحوذ وحدها على 3706 مليار برميل، أي ما نسبته 77% من النفط الصخري حول العالم. تليها الصين ثم روسيا.
يمثل الطلب الأمريكي اليومي ما يساوي 20 مليون برميل من النفط يوميًّا، وبهذا فإن الاكتشاف للنفط الصخري في الولايات المتحدة سيكفيها لمدة 400سنة قادمة. الجدير بالذكر أن إنتاج السعودية اليومي من البترول: 10 مليون برميل.
لكنّ أمام كل هذه الأحلام الأمريكية – صرح الرئيس الأمريكي أنه بحلول عام 2017 ستحتل أمريكا الموقع البترولي للسعودية عالميًّا – تصريح أكده تقرير لوكالة الطاقة الدولية في نوفمبر الماضي يتوقع تجاوز الولايات المتحدة للسعودية وروسيا لتصبح أكبر منتج للنفط بحلول 2017. بحلول عام 2035 ستحقق واشنطن الاكتفاء الذاتي، حسب التقرير.
هناك الكثير من التكلفة، والـ”صراع” بالطبع مع الدول المنتجة للبترول، والتي تعتمد عليه في اقتصاداتها الوطنية، كدول الخليج العربي جميعًا، والسعودية بالتحديد. العقبة الأخرى أمام هذه الثروة الهائلة من النفط الصخري التكلفة العالية جدًّا للبرميل. فإنتاج برميل نفط واحد يكلف 7550 دولارًا. مقارنةً بالنفط التقليدي والذي تنتجه دول الخليج بتكلفة تقلّ عن عشرين دولارًا. بالتالي يجب أن تكون أسعار الشراء الطبيعية للنفط أعلى من كلفة الإنتاج، وهذا ما تلعب عليه السعودية لتمديد فترة اعتماد العالم على النفط التقليدي، باعتبارها المُصَدِّر الأول عالميًّا له، وباعتبار اقتصادها سيتواهى تمامًا لو انتهت اقتصاديات النفط فيها، لذلك تلاعبت السعودية في سوق النفط بشكلٍ فجّ خلال الأشهر الماضية.. والآن نحو مزيد من التفاصيل.
وزير البترول السعودي: قيصر النفط حول العالم!
“ستقف السعودية بحزم وحسم مع الآخرين الذين يعارضون أي محاولة لتهميش استهلاك النفط. هناك أولئك الذين يحاولون التوصل إلى اتفاقات دولية للحد من استخدام الوقود الأحفوري، والتي من شأنها أن تلحق الضرر بمصالح منتجي النفط على المدى البعيد”. *وزير البترول السعودي، علي النعيمي
تولى المهندس علي النعيمي وزارة النفط عام 1995، يُشار إلى النعيمي باعتباره قيصر النفط حول العالم، بالطبع لأنه وزير البترول في الدولة الأولى من حيث تصديرها للنفط حول العالم – تراجعت للمرتبة الثانية خلال العام الماضي-. للوزير قصة مشهورة عنه، حين كان عاملًا وهو طفل في شركة أرامكو البترولية كان يريد أن يشرب ماءً لكنّ المهندس الأمريكي نهره قائلًا إن المياه في هذا المكان للمهندسين فقط. بدأ النعيمي رحلته لدراسة الهندسة إلى أن وصل لوزارة البترول عام 1995بعد أن صار مديرًا لشركة أرامكو نفسها. وبهذا يمتلك النعيمي 20عامًا كوزير للبترول. كان النعيمي يتحدث للمقربين منه خلال السنوات الخمسة السابقة أنه على استعداد للاستقالة (يبلغ من العمر ثمانين عامًا، فهو مواليد 1935) لكنَّ المستجدات جعلته يستمرّ في منصبه. حين جاء الملك الجديد (سلمان بن عبد العزيز) أقرّ النعيمي في منصبه رغم التغييرات الجذرية التي قام بها في الهيكل المؤسساتي للدولة.
حين انخفضت أسعار النفط بنسبة 21% لم يتفوه النعيمي بكلمة واحدة في الأماكن العامة. يتحفظ النعيمي على تصريحاته بشكل ملفت، يتحدث خلف الأبواب أكثر مما يتحدث أمام الميكروفونات.
السعودية تخسر:
منذ ما يقارب 6 أشهر أقلق العالم أن يرى انخفاضًا مرعبًا في أسعار النفط، انخفض أولًا سعر البرميل من 115 دولارًا حتى وصل إلى 80 دولارًا فقط. اجتمعت منظمة أوبك النفطية لتقليص المشكلة. طالبت أوبك جميع أعضائها بتخفيض الإنتاج اليومي من البترول لتحقيق توازن في أسعار البترول أمام ضَعف الطلب وزيادة المنتج المعروض. لكنَّ السعودية (الدولة الأكبر إنتاجًا والأقوى في المنظمة) رفضت رفضًا حاسمًا. وبالعكس من هذا ارتفع إنتاج السعودية من النفط. فوصل سعر البرميل الآن لما يقارب الـ50 دولارًا للبرميل! وهو سعر لا تصل إليه الأسواق إلا بزيادة السعودية لإنتاجها!
مربط الفرس في هذه النقطة، أنَّ زيادة السعودية لإنتاجها سيزيد من حالة الفائض في المنتج؛ بالتالي ستنخفض أسعار النفط حول العالم. لماذا تفعل السعودية هذا إذن؟ يمكن الإجمال في عدة نقاط:
- ستحافظ السعودية بذلك على حصتها في الأسواق، لتظل في المرتبة الأولى من حيث ضخ النفط في الأسواق.
- الأمر الثاني وهو الأهمّ، أنها ستضرب بذلك قضية النفط الصخري الذي تتبناه الولايات المتحدة. إلى ذكرنا خلال التقرير أن تكلفة إنتاج برميل النفط الصخري تصل إلى 7550 دولارًا، ما يعني أنَّه يجب أن تكون أسعار البترول عالية للغاية كي تستطيع الولايات المتحدة أن تنافس في السوق العالمي للبترول. وهو ما تقطعه عليها السعودية من خلال تخفيض أسعار البترول.
- وهو أمرٌ قد يكون هامشيّ بالنسبة للسبب السابق؛ أنها بذلك تضرب منافسها الإقليمي: إيران، وكذلك روسيا، من خلال تخفيض أسعار البترول في العالم. روسيا وإيران تعتمدان بشكل رئيسي على العائدات من النفط، وبهذا تكون السعودية قد حاربت اقتصاديًّا على أكثر من جبهة: روسيا وإيران، ثمَّ الولايات المتحدة (على المستوى البعيد). كل هذا فقط لتُطيل أمد اعتماد العالم على النفط الخام، الذي تنتجه.
في المجمل؛ تمتلك السعودية احتياطيًّا نقديًّا يصل إلى 800 مليار دولار، ولكن رغم ذلك من الممكن أن تعاني من ضائقة مالية إذا بقيت أسعار النفط منخفضة هكذا لعدة سنوات قادمة. خصوصًا أن الحكومة تتوقع وجود عجز في الميزانية يصل إلى 39 مليار دولار عام 2015، سيكون هذا العجز في نطاق أوسع إذا لم تنتعش أسعار النفط! ولكن إلى أيّ حدّ سوف تستطيع السعودية الصمود؟!
مجرد مثال على خطورة السعودية النفطية
في السبعينيات، بالتحديد عام 1977؛ قادت إيران تصويتًا بالأغلبية لأعضاء منظمة أوبك لزيادة أسعار النفط بنسبة 15%. لم توافق السعودية على هذه الزيادة، متعللةً بالضعف الذي تعانيه الاقتصاديات الغربية حينها. لكنَّ محللين أرجعوا موقف السعودية إلى أمرٍ آخر، وهو رغبتها في تقويض الاقتصاد الإيراني، فقد كانت إيران حينها تسعى إلى المزيد من المليارات لإنشاء محطات نووية. فعلتها السعودية وأغرقت الأسواق النفطية بالبترول وبإنتاج تجاوز 11 مليون برميل يوميًّا! عجزت إيران بالطبع عن المنافسة (تنتج حاليًا إيران 4.3 مليون برميل يوميًّا) وتراجع الإنتاج الإيراني من النفط بنسبة 38%، وانخفاض الإنتاج الصناعي بنسبة 50%، وهو ما ساهم في تقليص العائدات النفطية الإيرانية، وبالتالي التخلي عن تقديرات الميزانية الإيرانية لمدة خمس سنوات، أفقد ما حدث دعم الطبقة المتوسطة للشاه، وهنا انهارت الملكية مع صعود الثورة الإيرانية 1979.
للقراءة أكثر حول إغراق السعودية لأسواق النفط، اقرأ: فورين بوليسي: لماذا تحطم السعودية عن عمد أسواق النفط؟
السعودية تستمرّ في الخسارة
حسب برقيات وزارة الخارجية الأمريكية الصادرة عن ويكيليكس تبيَّن أن اهتمام السياسيين السعوديين بإطالة اعتماد العالم على النفط، تعود على الأقلّ إلى عقد سابق، حسب برقية السفارة الأمريكية فإن المسؤولين السعوديين قلقون للغاية من معاهدة تغير المناخ، والذي من شأنها أن تقلل من دخلها بشكل كبير.
في نوفمبر الماضي ر"> بدأت السعودية تفقد عملاءها في أوروبا كذلك، أبرز من خسرتهم كانت إيطاليا، مع نجاح العراق في التوصل لاتفاقيات بترولية مع إيطاليا. كذلك قلت واردات السعودية إلى الولايات المتحدة.
مبيعات السعودية من تكرير البترول انخفضت 27٪ في ديسمبر 2014 مقارنة بالعام السابق، وفقًا لبيانات من إدارة معلومات الطاقة.
السعودية تحاول التعافي من “مرض” اعتمادها على البترول!
“إذا كانت نسبة استهلاك النفط تقل بشكل متسارع، فستكون هذه عملية الانتقال الموجع للمملكة العربية السعودية، التي تحصل على ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي من صادرات النفط”. *النعيمي
لم يكن الأمر غريبًا إذن بعد كل هذه المخاطر أن تقوم المملكة بمحاولات سريعة ومكوكية لاحتواء هذه المخاطر، عبر تنويع اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد على عائدات النفط. أنشأت السعودية جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية على ساحل البحر الأحمر، شمال جدة. مهمَّة هذه الجامعة تتلخص في قيادة المملكة إلى عصر ما بعد النفط والغاز. الجامعة بنيت لـ 220 أستاذًا جامعيًّا و2000 طالب دراسات عليا. تنعم الجامعة بحراسة برية وبحرية كذلك! النساء في الجامعة غير محجبات ويوجد اختلاط بشكل طبيعي جدًّا دون عائق من قبل الشرطة الدينية التي تجوب المدن السعودية وتمنع الاختلاط أو أن تكون المرأة دون حجاب، لكن لأجل السياسة كل شيء سيكون سهلًا وبسيطًا.
تحاول الجامعة من خلال باحثيها وأساتذتها الخروج ببحوث ودراسات حول إمكانات الاعتماد على اقتصاديات غير اقتصاديات البترول للمملكة، هناك مبادرات – على سبيل المثال- لتجعل الملكة تستغل الرواسب الضخمة التي تمتلكها من الفوسفات لتصدير الأسمدة والتعدين والبوكسيت. حسب النعيمي تهدف السعودية إلى تصنيع السلع تامة الصنع مثل قطع غيار السيارات وغيرها. بالطبع المشروع برمته تحت إشراف النعيمي.
“إنها ليست سهلة، ولن يحدث ذلك بين عشية وضحاها.. لكنه يحدث”. *علي النعيمي
يخشى النعيمي والقادة السعوديون الآخرون لسنوات من تغيُّر المناخ وارتفاع أسعار النفط الخام وزيادة كفاءة استخدام الطاقة، وتشجيع مصادر الطاقة المتجددة، وتسريع التحول إلى أنواع بديلة من الوقود مثل الغاز الطبيعي، وخاصة في الأسواق الناشئة.
خلاصة:
- تخشى السعودية من اكتشافات النفط الصخري، في الولايات المتحدة. والذي يصل احتياطيه إلى أكثر من أربعة أضعاف احتياطيات السعودية من النفط الخام.
- الولايات المتحدة تخطط لتكون منافسة للسعودية في إنتاج النفط. بل وتخطيها تمامًا من حيث الإنتاج والتصدير عام 2017.
- السعودية تقوم بضخّ منتجها النفطي بزيادة ملحوظة، لتقليل أسعار برميل النفط، لضرب إيران وروسيا (منافستاها) وكذلك لضرب مشروع الولايات المتحدة لإنتاج النفط الصخري، والذي بطبيعته تكلفته عالية.
- لا يمكن التكهن بمدى قوة السعودية في مواجهة المستقبل. تشير الوثائق أن المسئولين السعوديين يحاولون تمديد اعتماد العالم على البترول منذ عقد على الأقلّ. وانخفاض أسعار البترول قد يستمر لسنوات أخرى، لكنَّ كارثة اقتصادية قد تحلّ بالسعودية بسبب أسعار النفط المنخفضة. في هذه الحالة ستكون السعودية مضطرة لاختيار أخف الضررين، وهو الكارثة الاقتصادية على أن ترتفع أسعار النفط وتواجه مصيرها مع النفط الصخري من جديد.
- خسرت السعودية خلال السنوات القليلة السابقة أسواق كثيرة في آسيا وأوروبا.
هل يحمل المستقبل في جعبته الكثير للسعودية؟ هذا سؤال للأيام لا يجيب عنه تقرير صحفي.