الحرائق السياسية للقاهرة: عندما تُصبح النيران نِتاجًا سياسيًا للسُلطة

في الإثنين ١٣ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

عندما تصبح الحرائق نِتاجًا طبيعيًا لتدهور الأحوال السياسية في البلاد فتظهر النتائج الحقيقية في تداعي النظام القائم، وانفجار الصِراعات بين القوى السياسية المختلفة ومحاولة كل منهم السيطرة على السُلطة ونظام الحكم، أو إحِراج القوى السياسية القائمة على نظام الحكم. ويكون المُتهم الأول دائمًا هو الماس الكهربائي.

لم يحدث هذا فقط في حريق “الأوبرا الخديوية” في عهد “السادات” أو حريق “القاهرة” الأسوأ في تاريخ القاهرة  فحسب، بل العديد من الحرائق الأخرى. في هذا التقرير سنتناول أشهر الحرائق المصرية  ذات التَبعية السياسية وكذلك الأسباب المؤدية إليها من منظور شهود العيان.

1- حَريق القاهرة، مَنْ الجَاني الإنجليز أم الملك أم الإخوان المُسلمون؟

عندما تُذكر الحرائق ذات الطابع السياسي في مصريتحول التفكير تلقائيًا إلى حريق القاهرة، الذي يمثل أكبر حريق عرفته القاهرة في التاريخ. ولكن كيف كانت الأحوال السياسية قبل حدوث حريق القاهرة؟ ومن السبب هل الملك فاروق أم الإنجليز أم الإخوان المُسلمون؟

إلغاء معاهدة 1936 طريقٌ للبقاء أم إلى الإقِصاء؟

بعدما ظل “حزب الوفد” مُبعدًا عن الحكم لما يَزيد عن الخمس سنوات تحت ضغط الملك فاروق، فقد حدث وتَولى الحكم  في يناير 1950، ولكن أملًا في تصعيد مكانته الجماهيرية لدى الشعب، ومجاراة القصر للبقاء في الحكم قام بإلغاء معاهدة 1936 باعتباره مطلبًا جماهيريًا، ولكن هذه الخطوة كانت تؤثر سلبًا على شعبيته، وذلك لأنها أثارت غضب الإنجليز، ووضعت القصر في مأزق حادِ ولكن لم يكن في خياراته إلا مجاراة الأمر لشعبيته مثله  كباقى الأحزاب السياسية فبالرغم من تعارضها مع الوفد لم يكن أمامها سوى مجاراة قراره.

أما الملك فاروق فقد تأثرسلبًا أيضًا، وذلك لأن تأييده لإلغاء المعاهدة  يسيء لعلاقته بالجانب البريطاني، وأيضًا لخوف الملك من استغلال الوفد لمكانته الجماهيرية في مواجهته. لكن الوفد كان يحاول التقرب من الملك ظنًا منه أن هذا سيبقيه في ال"box-sizing: border-box; list-style: none; padding: 5px; margin: 0px; text-align: center; float: right; transition: all 0.2s ease; -webkit-transition: all 0.2s ease;">  

صِراع الوفد مع القصر، وشرارة اندلاع الحريق

ولكن قد اتضحت النوايا الفعلية  للملك سريعًا في عرقلة مسيرة الوفد، وتباطؤ القصر في الاستجابة لمطالبهم ومقابلتها بالرفض. ولكن كانت الخديعة الكبرى  للوفد عندما أوحَى الإنجليز إلى الحكومة  برغبتهم في الجلاء لتهدئة الوضع. وحينها كانت المفاجأة “مذبحة الإسماعيلية” في 25 يناير 1952  التي حدثت وفق خطة مرسومة استهدفت القضاء على حركة الفدائيين في منطقة القناة، وذلك عند قيام قوات الاحتلال البريطاني بحصار ثكنات القوات المصرية ومطالبتهم بإخلاء مبنى المحافظة ورحيلهم منها، وعندها قابل قائد القوات المصرية طلب نظيره البريطاني بالرفض وصمم على الدفاع عن مبنى المحافظة فحدثت المذبحة ونتج عنها  50 قتيلًا و80 جريحا وأُسِرَ الباقون، وفي هذه الظروف المضطربة اندلع حريق القاهرة الهائل في 26 يناير 1952.

 

 

بدأت المأساة في الثانية صباحًا في 26 يناير 1952  بتمرد عمال الطيران في مطار ألماظة (القاهرة) ورفضوا تقديم الخدمات لأربع طائرات تابعة للخطوط الجوية الإنجليزية، تبعها تمرد بلوكات النظام في العباسية تضامنا مع زملائهم الذين قتلوا، والذين تم أسرهم في الإسماعيلية.

زحَف المتظاهرون تجاه الجامعة وانضم إليهم الطلبة متجهين إلى مبنى رئيس الوزراء مُطالبين قطع العلاقات الدبلوماسية مع بريطانيا وإعلان الحرب عليها، لكن عند علمُهم برغبة الوفد في ذلك ورفض الملك توجَهوا إلى القصر وانضم إليهم طلبة الأزهر ساخطين على الملك والإنجليز.

في الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرًا بدأت الشرارة الأولى للحريق باندلاع النيران في كازينو “أوبرا”، ثم في فندق “شبرد”، ونادي السيارات، وبنك “باركليز”، والمتاجر، ومكاتب الشركات، والسينمات، والفنادق، والبنوك ذات المصالح البريطانية.

كانت حَصيلة الحريق التهام النيران 700 مكان ما بين محلات وسينما وكازينو وفندق ومكتب ونادٍ في شوارع وميادين وسط المدينة، أكبر وأشهر المحلات التجارية في مصر آنذاك، مكاتب لشركات كبرى، و117 مكتب أعمال وشقق سكنية، و13 فندقًا كبيرًا مثل “شبرد” و”متروبوليتان” و”فيكتوريا”، و40 دار سينما منها “ريفولي” و”راديو” و”مترو” و”ديانا” و”ميامي”، و8 محلات ومعارض كبرى للسيارات، و10 متاجر للسلاح، و73 مقهى ومطعمًا وصالة، و92 حانة، و16 ناديًا. حيث شلت النيران كل مظاهر الحضارة، ومراكز التجارة بالقاهرة. وسادت الفوضى وأعمال السلب والنهب، فانتهز الملك فاروق هذا الحدث وحمل وزارة النحاس مسئولية ما حدث وأقالها في يوم 27 يناير 1952 وأعلن الأحكام العرفية وكلف “علي ماهر” بتشكيل الوزارة.

إذًا، من الجاني؟!

كان حريق القاهرة حدثًا  كبيرًا حاول كل طرف استغلاله  لصالحه ضد الأطراف الأخرى، ولكن الحدث كانت له نتائج فاقت كل التوقعات وعصفت بمصالح كل الأطراف لصالح ما يريده الشعب.

أنا مش معتقد لغاية هذه اللحظة إن عملية حريق القاهرة بدأت بتدبير مقصود على هذا النحو لكن أنا بأعتقد إنه كان ركام وعود كبريت قرّب من الركام والدنيا ولعت، لكنه أظن إنه العفوي فيه ابتدأ ثم دخل الجزء المنظم.

بهذه الكلمات وصف الكاتب “محمود حسنين هيكل” كيفية حدوث حريق القاهرة ثم اندلاعه ليُحدث تلك الخسائر.

لكن اختلف المؤرخون حول السبب في اشتعال الحريق وتعددت الآراء والأسباب فيقول البعض أن الملك فاروق هو الجاني ليتخلص من وزارة النحاس باشا، وهناك من يقول الإنجليز وذلك للتخلص من وزارة النحاس التي ساءت علاقتها بها بعد إلغاء معاهدة 1936، وهناك من يقول حزب مصر الفتاة والإخوان المسلمون، ولكن لم تظهر حتى الآن أدلة مادية تدين أي طرف في إشعال هذه الحرائق. فيظل حريق القاهرة أكثر الحوادث غموضا في تاريخ مصر ولا أحد يدري حتى الآن من قام به، لذلك سيبقى حريق القاهرة لغزًا ينتظر الحل.

ويمكنك الاطلاع على هذا الفيديو للمزيد:

2- حَريق محكمة جنوب القاهرة؛ ومُحاكمات تاريخية تتساقط هباءً

إنى معتادة على التوجه إلى المحكمة في الصباح الباكر قبل حضور وكلاء النيابة لإنهاء بعض القضايا والدفاتر، ويوم الحادث وَصلت إلى المحكمة في السابعة صباحًا، وبمجرد وُصولي إلى مكتبي سَمعت صوتَ فرقعة صادرًا من الطابق الثالث الذي تقع فيه نيابات وسط القاهرة، ومكتب المحامي العام لنيابات وسط القاهرة، وانبعثت رائحة حريق، فناديت الأمن فصعد على الفور، وتبين أن الحريق بمكتب أحد وكلاء نيابة بولاق أبوالعلا فقاموا بالاتصال بالنجدة والإطفاء، ونظرًا لأن المبنى قديم والسقف من الخشب ووجود أوراق ملفات امتدت النيران بسرعة إلى باقي المكاتب”.

كانت هذه شهادة “سحر محمد” إحدى الموظفات بنيابات غرب القاهرة، والتي أدلت بها إلى النيابة العامة.

فقد استيقظ سكان منطقة “باب الخلق” في يوم 4 أبريل 2013 على حريق هائل شب بمبنى محكمة جنوب القاهرة، طالت النيران الطابق الثالث بأكمله الذي توجد به نيابة وسط القاهرة، ونيابات منشأة ناصر، وباب الشعرية، وبولاق أبوالعلا، وغرف حفظ القضايا الخاصة بوسط القاهرة، وجدول تحديد الجلسات الخاص بنيابة وسط القاهرة، وجداول نيابات غرب القاهرة.

  • لكن من الجاني؟! الماس الكهربائي أم بفعل فاعل؟

     

    تبين من المُعاينة الأولية لحريق محكمة جنوب القاهرة بباب الخلق احتراق كامل للدور الثالث في المحكمة الذي يتضمن العديد من ملفات القضايا الهامة مثل: قضية “مقاومة السلطات” المتهم فيها “أحمد قذاف الدم” مُنسق العلاقات الليبية المصرية، وكذلك قضايا “أحداث المقطم”، و”حرق مقرات الإخوان” بالإضافة إلى التحقيقات الخاصة “بالتحرير”.

    بينما اسَتبعد المستشار “هاني عباس” رئيس محكمة جنوب القاهرة آنذاك أن يكون الحريق نتيجة ماس كهربائي، مؤكدا أنه بفعل فاعل، مبررا ذلك بعدد من الأسباب مثل:

  • أن الحريق كان في السابعة صباحًا، وهذا ينفي فكرة أن الحريق كان بسبب التكييف، لأنه لماذا يعمل التكييف والمبنى خالِ من الموظفين؟
  • طرفا المبنى هما ما اشتعلت فيهما النيران ولم تصل إلى المنتصف، بالرغم من أن المبنى على شكل حرف “U”.
  • قبل 5 أيام من نشوب الحريق انتشر تسجيل فيديو للضابط السابق “عمر عفيفي” أكد خلاله أن المبنى سيتم حرقه، ولكن لم تتُخد الإجراءات القانونية حيال ذلك.

هذا الفيديو يوضح نشوب الحريق في محكمة جنوب القاهرة، ورأي بعض الشهود:

 3- حَريق “اتحاد الكرة” و”نادى الشرطة” بالجزيرة

“الخسائر ضخمة والنار أتت على المبنى بأكمله والتهمت مستندات مهمة بمبنى الاتحاد. سجلات الاتحاد طالتها النيران وسيتم حصر كل ما خلفه الحريق في أقرب وقت”.

  • كانت هذه كلمات “محمود الشامي” عضو مجلس إدارة اتحاد الكرة، والتي أضافها لوكالة الأنباء العالمية “رويترز” عن حريق اتحاد الكرة ونادي الشرطة.
    فعقب النطق بالحكم في قضية “مذبحة بورسعيد” بإعدام 21 متهمًا وسجن 23 آخرين، أقام أعضاء الأولتراس احتجاجاتهم أمام دار القضاء العالي للتنديد بالحكم، ثم بدؤوا في التوافد على الشوارع المحيطة بوزارة الداخلية، وتوجهوا على شكل تجمعات إلى مبنى اتحاد الكرة ونادي الشرطة المجاور له. واندلع الحريق الهائل في مقر اتحاد الكرة، بعدما تمكن المحتجون من اقتحام الجبلاية ونادي اتحاد الشرطة، وحطموا ماكينة البنك المتواجدة أمام مقر اتحاد الكرة، وكذلك محتويات الاتحاد من أوسمة وكؤوس، أمام مقر النادي الأهلي بالجزيرة.

     

    4- حريق مقر”الحزب الوطني” و”أمن الدولة” بجنوب القاهرة

    في مساء يوم الجمعة 29 يناير 2011 اشتعلت النيران في مقر “الحزب الوطني” أهم  رموز الحياة السياسية في عهد “مبارك”، حيث يُعتبر المبنى مهمًا للغاية لما كان يحتويه من ملفات سرية هامة لرموز النظام.

    وقد تَبين من أقوال بعض الشهود أن المُتهم الذي أمرت النيابة بضبطه لم يحرق مبنى الحزب بمفرده، بل كان بصُحبته بعض الشباب الذين وزعوا أنفسهم على طوابق المبنى وبحوزتهم المولوتوف والأسلحة النارية.

    وقد أمرت  النيابة بضبط وإحضار أحد الهاربين من سجن الفيوم العمومي، بعد تأكيد الكاميرات قيامه بحرق المبنى، حيث التقطت له بعض المشاهد وبحوزته زجاجات مولوتوف وسلاح ناري، وأشار أحد الشهود في تحقيقات النيابة إلى حتمية وجود مُحرضين على حرق الحزب قاموا باستئجار المتهم الهارب ومن كانوا معه.

    فيديو يوضح الحريق الناشب في مقر الحزب الوطني:

     

    Video Player
     
     
     
  •  
اجمالي القراءات 3518