انصبت الانتقادات الخاصة بالمفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران حول برنامجها النووي على سياسات الأخيرة الإقليمية كإطار للتفاوض. فالبعض يقول إن إدارة أوباما تخلت عن الشرق الأوسط لصالح إيران. والبعض الآخر يجادل دون أدلة مقنعة بأن إيران تنشئ إمبراطورية جديدة. ولكن تلك الانتقادات تركز في مجملها على أن الصفقة النووية التي ستتيح لإيران القدرة على تخصيب اليورانيوم ستسمح لها بتنصيب نفسها القوة العظمى في الشرق الأوسط. إلا أن معظم تلك الانتقادات تفشل في فحص أسباب النفوذ الإيراني في المنطقة.
لم يكن البرنامج النووي، الذي كلف إيران عشرات المليارات من الدولارات بسبب العقوبات، ذا تأثير كبير في منح إيران نفوذها الحالي. بدلاً من ذلك، فإن الغزو الأميركي للعراق والثورات العربية وانهيار الدول الأضعف في المنطقة هو من سمح لإيران بملء الفراغ في المنطقة. لكن إيران ليست وحدها في هذا، فهي تواجه قوى منافسة مثل السعودية وتركيا، التي توسع كل منها نفوذها الآن، ولا تتوافق دومًا مع المصالح الأميركية. فتآكل سلطة الدولة في المنطقة يعزى بالكاد إلى نفوذ إيران الشرير. إلا أن إيران تمثل تحديات بعينها بالنسبة إلى الولايات المتحدة، واختيار النهج الصحيح في التعامل مع تلك التحديات هو أمر حاسم. ولا بد أن يبدأ هذا المجهود أولاً بتحديد المصالح الأميركية الرئيسية.
إن ربط المفاوضات الجارية حاليًا بسياسات إيران الخارجية يسبب مشكلات عميقة. فأولاً، ينظر صناع قرار بارزون في إيران، وخاصة المحافظين، إلى المفاوضات النووية على أنها حيلة لاستعادة نفوذ إيران الإقليمي، وكخطوة أولى محتملة لتحدي النظام الإصلاحي القائم في البلاد. كما أن الجهات الأمنية في إيران تود أن ترى إيران وهي تقاتل أعداءها بعيدًا عن حدود إيران. ولكن عند هذه النقطة، فإن تحدي موقف إيران في المنطقة بشكل صارم قد يثير معارضة للمفاوضات النووية في طهران. يعتقد العديد من الأميركيين المؤيدين لعمل أكثر حزمًا في مواجهة إيران أن طهران لا تتجاوب إلا مع الضغوط، وأن ممارسة ضغوط عليها في سوريا والعراق واليمن ستجبر النظام على التخلي عن البرنامج النووي. إلا أن العكس على الأرجح هو الصحيح.
أظهر المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي الدعم لجهود الرئيس الإيراني حسن روحاني للحد من عزلة إيران الدبلوماسية وإصلاح اقتصادها. على سبيل المثال، منح خامنئي الفرصة لروحاني لاستخدام الدبلوماسية لحماية مصالح إيران. لكنه لو رأى موقف إيران في المنطقة يقع تحت ضغط هائل، فلا يزال على استعداد للتفكير في سياسة المقاومة حيث لن تتخلى إيران عن البرنامج النووي ولن تغير من سياساتها في المنطقة. يعتقد خامنئي أن كلاً من الولايات المتحدة والسعودية وتركيا وإسرائيل حريصون على هزيمة إيران بوصفها قوة إقليمية ثم الإطاحة بالنظام الإسلامي. وهو ليس على استعداد للتخلي عن وضع إيران في المنطقة، حتى لو وقعت طهران تحت عقوبات شاملة.
كما أن إيران ليست المؤثر الوحيد على الأحداث في الشرق الأوسط، ولا يمكن إلقاء اللوم عليها بمفردها فيما يخص انعدام الاستقرار في المنطقة. فتنافس السعودية مع إيران يشعل الصراع الطائفي في المنطقة. فالسعودية تنظر إلى إيران على أنها تحدٍ بارز وخطير لشرعيتها. كما تنظر إيران إلى السعودية كعدو للشيعة، لذا مهما فعلت طهران، فمن المرجح أن تعارضه السعودية بسبب الصراع السني الشيعي.
لا يعني هذا أن إيران بسياستها الرامية لزعزعة استقرار الملكيات الخليجية لا تتحمل جزءًا من حالة العداء الحالية. لكن إظهار إيران هي السبب الوحيد عن الاضطرابات في المنطقة هو توصيف سطحي.
وأخيرًا، من المهم تحديد المصالح الأميركية الحيوية في مواجهة إيران والمنطقة قبل التفكير في سياسات ترمي إلى تقليم تأثير إيران. ففي بعض الحالات، قد تؤدي مواجهة النفوذ الإيراني إلى تقويض المصالح الأميركية. على سبيل المثال، فمن أجل الحد من نفوذ إيران في العراق، سيتعين على واشنطن إضعاف أو إسقاط الحكومة التي ساعدت على تنصيبها في بغداد. وفي سوريا، ربما يؤدي التدخل العسكري الأميركي إلى إسقاط نظام الأسد، لكن ذلك لن يقضي على الحرب الأهلية.
كما أن تقليص النفوذ الإيراني في اليمن ليس مصلحة هامة للأميركيين، وخاصة أن الحوثيين يقاتلون القاعدة في شبه الجزيرة العربية. كما أن إيران ليست السبب في وصول الحوثيين إلى السلطة، بل إن الظروف القائمة هي من مكنتهم من اليمن، وقامت إيران بذكاء باستغلال الموقف. هل كان بوسع الولايات المتحدة تجنب هذه النتيجة؟ بشكل افتراضي، أجل، ولكن بعد جهد سياسي وعسكري هائل والذي كان سيخلق عدوًا آخر للولايات المتحدة دون ضمان القضاء على نفوذ إيران في اليمن.
الواقع يقول إن إيران ستكون قوة إقليمية في الشرق الأوسط لسنوات قادمة. وهذا لا يعني أن على الولايات المتحدة الاستسلام في مواجهة الطموحات الإيرانية. وبقي أن نرى ما إذا كان الاتفاق النووي سيؤدي إلى علاقات إيرانية أميركية أفضل، وإلى حدوث تغير إيجابي في سياسة إيران الخارجية. وهذا يعتمد بشكل كبير على التوازن الداخلي للقوى بين حكومة روحاني والمحافظين.
ولكن لا يجب إبقاء المفاوضات النووية رهينة كل التصرفات التي تقوم بها إيران. إن الصراعات في الشرق الأوسط أكثر تعقيدًا بكثير عما كنا نعتقد من قبل. ووجود حل دبلوماسي لمشكلة البرنامج النووي يمكن أن تتيح لواشنطن فرصة أكبر للتعامل مع نفوذ إيران في المنطقة، إما عبر جهد دبلوماسي أكبر أو ضغوط وحوافز اقتصادية، أو بالردع العسكري، أو كل ما سبق.