بعد ما يزيد على نصف قرن من انتهاج سياسة عدائية تجاه أمريكا، عقدت كوبا صداقات مع دول تعتبرها أمريكا عدوًا؛ ومن غير المرجح أن تتخلى هافانا عنهم. تشمل تلك الصداقات روسيا وفنزويلا وعددًا من الدكتاتوريين العرب وحركات الإسلام الراديكالي ومنظمات إرهابية معادية لإسرائيل. كما تضم القائمة إيران، وهي علاقة لها حضور بارز على مسرح العالم اليوم.
يعود التحالف بين كوبا وإيران إلى العام 1979، وذلك عندما أصبح فيدل كاسترو أول رئيس يعترف بالجمهورية الإسلامية. ففي خطاب له في حضور آية الله الخميني، أصرّ كاسترو على أنه «ليس هناك تعارض بين الثورة والدين». وهو مبدأ اتبعته كوبا في علاقاتها مع إيران والأنظمة الإسلامية الأخرى. وفي العقدين الذين تليا ذلك، حافظ كاسترو على علاقة فريدة بين كوبا الشيوعية العلمانية وإيران الثيوقراطية، فتوحدا على كره الولايات المتحدة والليبرالية والغرب الديمقراطي، ومواد هامة محل الاهتمام المشترك.
في أوائل التسعينات، بدأت هافانا في تصدير المنتجات الطبية البيولوجية إلى إيران وقامت بتدريب العلماء الإيرانيين على استخدامها. وبنهاية العقد، تحولت إلى تصدير التكنولوجيا الحيوية الطبية وطرق استخدامها، وقدرات تطوير وتصنيع كميات صناعية من الأسلحة البيولوجية. وإلى جانب تدريب العلماء الإيرانيين في كوبا وإرسال العلماء الكوبيين إلى مراكز البحوث الإيرانية، دشن مركز التكنولوجيا الحيوية والهندسة الجينية الذي تديره الدولة مشروعًا مشتركًا لمصنع إنتاج التكنولوجيا الحيوية قرب طهران بتكلفة بلغت 60 مليون دولار، مع مساهمة كوبا برأس المال الفكري والتكنولوجي، بينما توفر إيران التمويل. ويعتقد أن هذه المنشأة هي الأحدث من نوعها في الشرق الأوسط.
كما استفادت إيران أيضًا من صداقتها مع هافانا بطرق أكثر عدوانية. فمن الناحية الجغرافية، مكن موقع كوبا الاستراتيجي إيران من شن هجمات إلكترونية على قطاع الاتصالات الأمريكي الذي شكل تهديدًا على جهاز الرقابة الإيراني. ففي صيف 2003، حجبت طهران إشارات من قمر صناعي أمريكي كان يبث أخبارًا بالفارسية غير خاضعة للرقابة إلى داخل إيران في وقت كان ثمة احتجاجات واسعة في البلاد. وقد تبين من تتبع مصدر التشويش بأنه صادر عن مجمع يقع على مشارف هافانا مجهز بتكنولوجيا اتصالات متطورة. فكما هو معلوم، قامت كوبا باستمرار بتحديث قدراتها لحجب البث الأمريكي إلى الجزيرة، وهكذا قامت بالتشويش على الاتصالات الدولية. ورغم أن الحكومة الكوبية زعمت أن طاقمًا دبلوماسيًا إيرانيًا هو من قام بذلك دون أخذ موافقتها، وبالنظر إلى أن كوبا دولة بوليسية، يقول الخبير الإيراني صفا هايري «إنه من الصعب التصديق بأن إيرانيين قد أدخلوا معدات تشويش معقدة إلى داخل كوبا دون علم السلطات الكوبية».
ونظير ذلك، قامت إيران بمكافأة الحكومة الكوبية بشكل مباشر. فخلال رئاسة محمد خاتمي، عرضت طهران على هافانا تقديم 20 مليون يورو كقرض سنوي. وخلال رئاسة أحمدي نجاد، وسعت إيران من نطاق القرض ليصل إلى مائتي مليون يورو في صورة تبادل تجاري ومشاريع استثمارية. وفي نفس الوقت، قادت هافانا حملة داخل حركة عدم الانحياز لإضفاء الشرعية على برنامج إيران النووي «السلمي» كحق أصيل لكل الدول النامية. وفي يونيو من العام 2008، وافق أحمدي نجاد على منح قرض بخمسمائة مليون يورو إلى نظام كاسترو. فمن وجهة النظر الإيرانية، تستحق كوبا مكافأة على “توافقها مع إيران في وجهات النظر حول القضايا الدولية”.
وبالمجمل، تسلمت كوبا ما يزيد على مليار يورو في صورة قروض من طهران منذ 2005. وبهذا التمويل، بدأت كوبا بالاستثمار بشكل مكثف في إصلاح البنية التحتية المتهالكة للحقبة السوفييتية. حيث تمول إيران الآن حوالي 60 مشروعًا تتراوح بين منح 750 عربة قطار صناعة إيرانية، إلى بناء محطات كهرباء وسدود وطرق سريعة. وقد زاد ذلك من استقرار النظام الكوبي وقلل من خطر الانهيار الاقتصادي بإضافة مصدر تمويل آخر إلى جانب النفط الفنزويلي والتبادل التجاري مع روسيا والتعاون المؤسساتي مع كندا وأمريكا اللاتينية والاتحاد الأوروبي.
ولكن يبدو أن انتخاب حسن روحاني، وانخفاض أسعار النفط، والانغماس الإيراني في منطقة الشرق الأوسط قد منع إيران من منح تمويل إضافي إلى كوبا. إلا أن العلاقة بين البلدين لا تزال وطيدة.
كما أن اهتمام طهران وهافانا بفنزويلا هو مصدر قلق آخر للغرب. فموقع فنزويلا الاستراتيجي ومواردها الكبيرة يجعلها تهديدًا كبيرًا محتملاً لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة عما كان الوضع عليه في الستينيات. فتحالف فنزويلا مع إيران وسوريا والدول الأخرى المعادية للولايات المتحدة ودعمها للمجموعات الإرهابية، يمثل تحديًا هائلاً يماثل تهديد التحالف الكوبي السوفييتي. وبينما الدعم الكوبي لنظام كاراكاس معروف للجميع، فقد عرضت إيران أيضًا مساعدات فنية في مجال الدفاع والاستخبارات والطاقة والأمن. فضلاً عن أن المستشارين الإيرانيين والكوبيين يقدمون المشورة والتدريب لأجهزة الأمن الفنزويلية. الأهم من ذلك، هو أن ثمة احتمالية أن تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم في فنزويلا ونقله إلى إيران.
وإذا كانت الولايات المتحدة تنوي توسيع علاقاتها مع كوبا، تحتاج واشنطن إلى معالجة تحالفات هافانا مع الأنظمة المارقة. فهذه التحالفات، فضلاً عن رغبة الجيش الكوبي بالاحتفاظ بالسلطة ونقل السلطة إلى قادة شبان معادين لأمريكا، تمثل إشارة على أن الإصلاح الداخلي سيسير بصعوبة وببطء. وبصرف النظر عن مدى رغبة واشنطن برؤية كوبا جديدة، فإن اختيار الجزيرة للحلفاء يشي بالمزيد عن مستقبل هذه العلاقة وأكثر من عدد من إعلانات حسن النوايا.