أنا ونهرو نتحدث لغتين مختلفتين

شريف هادي في الثلاثاء ٠٦ - مايو - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

لغتين مختلفتين
كنت أتابع بعض الزوار العرب وهم يتحدثون مع أهل البلاد الذين لا يعرفون غير لغة المندرين الصينية دون عداها ، وهم يقدحون زناد عقولهم لإختيار أفضل كلمات اللغة الانجليزية ليتحدثوا مع من لا يعرفها أصلا ، فاللغة الإنجليزية مثلها مثل العربية بالنسبة للسكان الأصليين الذين لا يفقهون غير المندرين الصينية ، وبعد قليل تبدأ لغة الإشارة والتي هي أفضل الوسائل بين من لا يعرفون لغة بعضهم البعض.
تذكرت هذا المثال وأنا أقرأ رد الأستاذ / نهرو طنطاوي على مقالتي القرآن كلام الله وهو مقدس) ، ذلك لأن الأستاذ الكريم أقام بناء رده على فهمه الخاص لكلمة (محسوس) أنني قصدت – على خلاف الحقيقة – أن الله أنزل كتاب القرآن بأوراقه وأحباره ودفتيه على الرسول ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
في معرض رده على مقالي كتب الأستاذ نهرو تنويه هام يؤكد أنني لم أرسل له المقال لنشره على موقعه ، ولكنه هو الذي قام بنقله ، وأشار إلي أنني كنت قد وعدته بنشره على موقعه ولكنني تراجعت ، وفي الحقيقة كان وعدي له إرساله على بريده الخاص ولم يكن نشره مباشرة على موقعه وقد أعطيته الحق في أن يقوم هو بالنشر من عدمه وقد تحقق شرط العلم بنشره على موقع أهل القرآن وقلت في إحدى مداخلاتي أن الأستاذ نهرو له الحق كل الحق في نقله لموقعه ، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن النشر على موقع الأستاذ نهرو يشترط على ما أعرف المراجعة ، ففي كل الأحوال يكون النشر على موقعه بإرادته المنفرده ، وذلك على خلاف ما تعودناه على موقعنا أهل القرآن.
يقول الأستاذ نهرو (ثم أليس ما قاله للأستاذ زهير الجوهر هو بعينه سوء الظن والرجم بالغيب دون علم أو بينة والتدخل في نوايا الناس كما تعود أهل القرآن على ذلك وأصبح دينهم وديدنهم، مع علم الأستاذ شريف التام بقوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا). ولكن يبدو أن أهل القرآن يتغافلون تماما عن جميع آيات القرآن الكريم التي تدعو إلى تزكية وتهذيب النفس الإنسانية وكف شرورها وظنونها عن خلق الله.)
استغفر الله العظيم أن أكون ممن يتدخل في نوايا الناس أو اسيء الظن بهم وأرجمهم بالغيب ، ولكن قولي عنكم (تعوزه الحجة في إثبات رأيه وينقصه الدليل ولكنه دائما يكابر إنتصارا لعقله حتى على النص القرآني) ، هذا ما قصدته كواقع الحال بناء على إستقراء لكل جوانب الموضوع لا دخل له بالنوايا أو الرجم بالغيب ، فقولكم أن القرآن هو إبداع بشري مطابق للقصد الإلاهي قد بينتموه وقمت بالرد على سؤال الأخت الفاضلة آية وكان قولكم واضح ودليلكم الذي سقتموه لم يكن ليقنع مبتدأ في البحث الديني والمنطق ، كما أنكم أنتم من قلتم بأن العقل لدينا هو جواز المرور للنقل (أليس كذلك؟) فكانت أدلتكم عقلية ترفض نسبة الكلام لله بأنه يتكلم ككلام البشر أو بلغتهم.
وكنت أربأ بكم أنتم أن ترجمونا وكل أهل القرآن بالظن السيء وتعتبرونه واقعا لا يقبل المناقشة في قولكم (كما تعود أهل القرآن على ذلك وأصبح دينهم وديدنهم) وقولكم (ولكن يبدو أن أهل القرآن يتغافلون تماما عن جميع آيات القرآن الكريم التي تدعو إلى تزكية وتهذيب النفس الإنسانية وكف شرورها وظنونها عن خلق الله) ، فأنتم بذلك الذين ترمون الناس بما ليس فيهم ، فإذا قلت أنك أيضا إستقرأت ذلك من كلام شريف هادي ، فأقول لك وما ذنب كل أهل القرآن أن تعمم عليهم حكمك الجائر وترميهم بظنونك وشرورك دون دليل في نفس الوقت الذي تذكرني وتذكرهم بقول الله تعالى فينطبق عليك قوله تعالى "اتامرون الناس بالبر وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون"البقرة 44 ، أفلا تعقلون يا أصحاب مذهب العقل والانسان هو الحل؟؟؟ ، ولا يفوتني أن أذكركم ونفسي بعد تقوى الله بأن التعميم هو عين الجهل وعين الظلم.
ثم إنكم أجهدتم أنفسكم أستاذ نهرو في البحث عن ذات الله والإجابة على سؤالكم المفترض هل استطاع الإنسان أن يثبت وجود الله أم لا؟ وكتبتم في ذلك كتابين الأول: (مكونات الإنسان الإدراكية)، والثاني: (هل تمكن الإنسان من العثور على الله) رغم أن الغالبية العظمى من البشر يؤمنون بالله ، ويكفينا ببساطة شديدة أن نؤمن بأن الله هو قوي قادر عظيم لاحدود لهذه الصفات ولا مقارنة بينها وبين صفات البشر ، كما أنه الخالق الوحيد ، وأنه سبحانه وتعالى يختلف عن خلقه وليس لخلقه أن يعرفوا كنهه فهو لا يشبه جميع خلقه ولا يحتاج إليهم وهم له محتاجون ، وأنه سبحانه أرسل الأنبياء والرسل ومنح بعضهم كتبا ليبلغوها وقد فعلوا دون تقصير. وأقول لكم لو أنكم كتبتم ذلك ليزداد المؤمنون إيمانا على إيمانهم ؟ أقول كيف ذلك وقد إنزلق بكم عقلكم لإنكار نسبة الكتب لله الخالق والمستحق وحده للعبادة ، ولو كتبتم ذلك لإقناع من كفر بوجود الله فإن قولكم أن القرآن ليس كلام الله سيقع في قلبه بردا وسلاما.
وعن قولكم (ولكن يبدو أن ما توارثه البعض من علماء أهل السنة والجماعة وما قاله بن تيمية وبن القيم وغيرهما من علماء السلف في قضايا العقيدة ما زال مترسبا في نفوس البعض بحيث لا يستطيعون المساس به أو مراجعته أو مناقشته أو حتى طرح الأسئلة عليه خشية الوقوع في الكفر والإلحاد كما يزعم البعض) ، أنتم أول من يعلم أننا لا نقسد كلام أحد إلا الله وحده سبحانه وتعالى ، ولو كنا ممن يقدس كلام السلف ما ناقشنا الحديث والتراث بهذه الجرأة ورفضنا كل ما يخالف كتاب الله القرآن ، ثم أنه وإحقاقا للحق فليس كل ما توارثناه شر وغث بل يوجد الكثير من الحق والمنطق فيما توارثناه ، ولولا خلفيتكم العلمية وما تعلمتموه من الأزهر ما كنتم نهرو طنطاوي الذي نحاوره ، فالحق والحق وحده هو المتترس والمترسب في عقولنا مما ترك السلف من تراث ، ونحن نقوم بعملية مراجعة شاملة ونختار منه الحق ونترك الباطل خلف ظهورنا بعد أن نهاجمه ونعريه ونفضحه حتى لا يقع فيه غيرنا غير عابئين بما نخوض من حروب وما نعاني من ضربات ، وحقا قولكم أننا نخشى الوقوع في الكفر والإلحاد ، وهل أنتم لا تخشون ذلك؟
أما عن قول الأستاذ نهرو(فقام البعض بتركيز جهودهم الإصلاحية التجديدية فقط على تكذيب روايات البخاري ومسلم، والسخرية من أبي هريرة وأحاديثه، والنيل من صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام وشيطنتهم وشيطنة تاريخهم، ومناقشة أبوال الإبل ورضاع الكبير ونكاح الصغير وغيرها من الموضوعات التي سبقهم إليها بالسخرية منها والاستهزاء بها متطرفي النصارى والملحدون وأعداء الإسلام من المستشرقين منذ مئات السنين) فأقول لا ضير أن نتفق مع غيرنا في دحض الباطل مهما كان ولكن مع إختلاف في الركائز والأهداف ، فأعداء الإسلام يسخرون من كل هذا مرتكزين على أن ذلك من الإسلام ، ولكننا نرتكز على كون ذلك كله ليس إسلاما ، والفرق لو تعلمون كبير ، كما أن أهدافهم هي نقض الإسلام نفسه ورميه بالنقائص ، أما أهدافنا هي تنقية الإسلام وتنزيهه من النقائص ، وأيضا الفرق لو تعلمون عظيم.
أما عن قولكم (أما قضايا العقيدة الهامة التي تمس جوهر العلاقة مع الله وجذر الدين فيعتبر البعض الاقتراب منها مدعاة للكفر والإلحاد والهلاك، مع أن السلوك الإنساني العام من خير أو شر هو نتيجة طبيعية وحتمية لعقائد الإنسان وفكره وتعاليمه، فما أن تفسد العقائد والتعاليم والفكر إلا ويفسد السلوك حتما، وما أن تصلح العقائد والتعاليم والفكر إلا ويصلح السلوك حتما) فأول هذا الكلام فيه تجن واضح على كل أهل القرآن فمثلا الدكتور أحمد صبحي هو من كبار مناظري الصوفية في كفرهم وإنحلالهم العقائدي ، حتى أنهم كفروه ويبقى كتابه عن البدوي دليلا على ذلك ، ثم أننا ناقشنا من جاء يعرض علينا بضاعته الفاسدة عن الحلول والاتحاد ووحدة الوجود ، وغيرها من العقائد الفاسدة التي حاولوا أن يلبسوها ثوب الإسلام وأوقفنا عبثهم وقد فتحتم لهم ذراعيكم وأحتضنتموهم حتى قالوا أن عقيدة التثليث هي أعلى مراتب الوحدانية وراجع في ذلك موقعكم وما يكتب فيه ، وتعالى الله الملك الحق الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، أما آخر كلامكم فهو حق يراد به باطل ، فنعم يصلح السلوك صلاح العقائد ، ولكن الجهل هو مفسدة لعقائد وإعمال العقل في النص الصريح لتحميل النص ما لم يحتمل من معاني هو صورة صارخة من صور الجهل الذي يرتدي رداء العلم ويتمسح بمسوحه.
وعن تصريحكم بأنكم لا تملكون وقتا كافيا فأقول لكم كلنا هذا الرجل فأنا ويعلم الله أكتب دائما بعد الواحدة صباحا وحتى الفجر وهو الوقت الذي أقتطعه من نومي لأنني لا أستطيع إقتطاعه من وقت العمل ، والله سبحانه وتعالى هو المعين أسأله أن يمنحنا سعة من الوقت لي ولكم نتمكن فيها من تدبر كتابه وهو نعم المجيب ، كما أشكركم على عدم تجاهل مقالتي وهذا عهدي بكم فعلى المستوي الشخصي فأنتم أبنا لي وأخا أحترمه ، وإن كان بيننا خلافا فكريا أو حتى عقائديا فإنه لا يفسد للود بيننا قضية.
يبدو أنني قصرت في عرض فكرتي أو أن عقل الأستاذ نهرو كان قاصرا عن إدراكها أو الإثنين معا والنتيجة واحدة ، أن نهروا وضع فرضية في قوله (فما جاء في مقال الأستاذ شريف هادي عبارة عن مجموعة من الآيات التي انتقاها من سور القرآن الكريم ليبرهن بها على أن الله سبحانه أنزل كتبه ورسالاته على الأنبياء والرسل الكرام نزولا ماديا محسوسا) ، قبل الرد فأنا أتحداه أن يجد في كل كلامي أنني قلت (ماديا محسوسا) ، ولكنني قلت (محسوس) ولم أقل (مادي) وهنا مربط الفرس.
فلو قلت (ماديا) لكان حقا له أن يقول (سبحان الله، والله إني لأعجب لرجل بحجم الأستاذ شريف هادي له مكانته العلمية والفكرية أن يتفوه بهذا الكلام؟؟، بل كيف برجل قرآني بارز مثله قضى سنوات طويلة من عمره في البحث في القرآن وتدبره أن يقول كلاما يخالف نصوص القرآن الواضحة البينة، فكلام الأستاذ شريف هذا يدل بكل وضوح وقد أكون مخطئا على أن الأستاذ شريف لم يقرأ القرآن الكريم كله حتى ولو مرة واحدة، لأن كثرة تلاوة القرآن وتدبره لا يمكن أن تدع المتدبر له أن يقع في مثل هذه الزلة الكبيرة، ولا يمكن أن يغفل قارئ القرآن ومتدبره عن حقيقة موضوع كهذا) لأن هناك فرق بين محسوس ومادي ، فأنا قلت بالحرف الواحد (فهو تنزيل فعلي لكتاب محسوس وقسم إلي آيات ، فكيف لنهرو أن ينقله من مرحلة الحس إلي مرحلة الإلهام؟ دونما دليل يمكن معه حمل التنزيل المحسوس على الإلهام المعنوي) ولم أقل (لكتاب مادي) لأن معنى الحس هو ما يمكن أن أشعره أو يشعره غيري بأحد حواسه الخمسة التي أنعم الله بها علينا ، فالرسول يسمع القرآن (كلام الله) بحاسة السمع لديه ، فهو إذا قرآن محسوس ، وليس إلهاما معنونيا في قلب الرسول دون كلمات محدده والتي يقوم الرسول بإختراعها كما قلتم ، ولكنني لم أقصد محسوسا بمعنى ماديا كما ذهب عقلكم في فهمها فرحتم تكيلون لي الاتهامات بعدم قراءة القرآن ولو مرة واحدة سامحكم الله ، وهل سمعتم أن أحدا قال أن القرآن نزل من السماء كتابا ماديا محسوسا؟ ، ولو كان ذلك كذلك فماذا نقول عمن يسمونهم كتبة الوحي وجمع القرآن ومصحف عثمان وغير ذلك.
ففهم الأستاذ نهرو لكلمة محسوس على أنها (المادي) فقط جعله يسطر هذه المقالة وكأنه أكتشف خطأ فادحا ينسب لي وللقرآنيين فراح يكيل الاتهامات بالجهل ويبدي إندهاشه ولا يسعني إلا أن أقول له ما قاله الله سبحانه وتعالى"... فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وانتم لا تعلمون"آل عمران66
ونعود لقول الأستاذ نهرو(فما جاء في مقال الأستاذ شريف هادي عبارة عن مجموعة من الآيات التي انتقاها من سور القرآن الكريم ليبرهن بها على أن الله سبحانه أنزل كتبه ورسالاته على الأنبياء والرسل الكرام نزولا ماديا محسوسا، ورغم محاولات الأستاذ شريف هادي في إثبات هذا الأمر، إلا أن سيادته قد أوقع نفسه في الكثير من المآزق التي أشك أنه سيجد لها مخرجا) ، وهنا يتضح لنا أن قاعدة المآزق التي تصورها الأستاذ نهرو وحده وما أنزل الله بها من سلطان هي كلمة (مادي) التي أضافها وفقا لفهمه هو لكلمة محسوس على غير فهمنا لنفس الكلمة (محسوس) وعلى غير مقصدنا ، ولنتتبع تلك المآزق ونشرحها رغم أن إيضاحي للقاعدة التي بنى عليها الأستاذ نهرو رده والتفرقه بين المادي والمحسوس تثبت أنه لا وجود لهذه المآزق.
يقول الأستاذ نهرو (يقول الأستاذ شريف هادي في صدر كلامه: (أن فعل النزول في القرآن يكون دائما لمحسوس وليس لمعنوي). وهنا أقول للأستاذ الفاضل شريف هادي للأسف الشديد لقد جانبك الصواب تماما في كلامك هذا، ولو تتبعت فعل النزول والإنزال في القرآن الكريم لوجدت أن النزول يكون للمعنوي كذلك وليس للمحسوس فقط، وإليك هذه الآيات التي تنص على أن الله أنزل المعنوي كما أنزل المحسوس:
(أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنْ بَعْدِ الغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِّنكُمْ) (154_ آل عمران)
(هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ) (4_ الفتح)
(ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤْمِنِينَ) (26_ التوبة)
وسيادتكم تعلم أن النعاس والسكينة ليسا بالشيء المحسوس أو المادي، وإنما هي أشياء معنوية لا تدرك بحواس الإنسان، ولو كان النعاس بالشيء المحسوس فهل تستطيع أن تدلنا على هذا النعاس وكيف ندركه أو نحسه أو نلمسه أو نراه؟؟، ولو كانت السكينة بالشيء المحسوس فكيف ينزلها الله في قلوب المؤمنين؟؟. إذاً فبطل استدلالكم بآيات النزول التي ادعيتم أنها لا تكون سوى للمحسوس في الفقرة السابقة)
خلق الله البشر ومنحهم حواسا خمس (اللمس والنظر والشم والسمع والتذوق) فكل ما يمكن إحساسه بأي من هذه الحواس فهو محسوس حتى ولو لم يكن ماديا له أبعاد ويمكن تحسسه بحاسة اللمس ورؤيته بحاسة النظر ، فمثلا رائحة الورد يمكنك شمها ولكن لا يمكن لمسها أو رؤيتها فما تلمسه أو تراه هو الوردة نفسها أما رائحتها فهي ما يمكن أن تحسه بحاسة الشم ، والتي لو أصابها مرض فلا يمكنك أن تشم رائحة الوردة حتى ولو كانت بين يدك لأنك فقدت الحاسة الوحيدة التي يمكنك بها أن تتعرف على الرائحة ، وكذلك النعاس والسكينة يمكن معرفتهما والإحاطة بهما بحاسة النظر ، فلما تشاهد نعسانا أو نائما لا تخطئه عينك ، وكذلك الكلام فإنه محسوس بحاسة السمع ، وهذا ما قصدته في كلامي أن النزول يكون لمحسوس لأنه مما يخبر الله به الناس فوجب عليهم أن يشعروا به ويحسوه بواحدة من حواسهم الخمس ولا يخطئوه.
ونأتي إلي كلام الله للرسل ففي رأي وعقيدتي أنه كلام محسوس (مسموع) بحاسة السمع لديهم ، وكان الرسول عندما يسمعه يحرك به لسانه ليعجل به حفظا لقوله تعالى"لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)[سورة القيامة]، فلو كان التنزيل إلهام وليس كلام محسوس بحاسة السمع (مسموع) فلا عبرة لأن يحرك به الرسول لسانه
ونأتي لفهمكم لقوله تعالى "وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا او من وراء حجاب او يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء انه علي حكيم" الشورى 51 ، والذي أوجزتموه في قولكم (أما بخصوص قولك أني نقلت فعل التنزيل من مرحلة الحس إلى مرحلة الإلهام، فيا سيدي الفاضل أنا لم أنقل شيئا إلى شيء من عند نفسي، بل ما قلته في مقالي هو ما أخبر الله به في كتابه الكريم حين قال: (ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء). وقد سبق وأن فصلت هذا في مقالي: (هل التوراة والإنجيل والقرآن كلام الله؟) فقد نفى الله نفيا قاطعا تكليم أحد من خلقه إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسول فيوحي الرسول بإذن الله ما يشاء الله، وفي هذه الآية دلالة واضحة وبرهان قاطع على أن الله لم يتكلم مع أحد من خلقه ولم يكلمه أحد من خلقه بكلام كالكلام الذي نعرفه وندرك حقيقته نحن البشر)
وقد جاء فهمكم للآية الكريمة لأنكم دخلتم على القرآن بفكرة مسبقة وهي محاولة نقض كل التراث بصحيحه وفاسده ورفضكم لفهم الأقدمين للقرآن ، ولذلك إقتطعتم الآية الكريمة كجزيرة منعزلة عن باقي الآيات التي تتكلم عن الوحي وفهمتها على أنها تنفي تماما أن الله قد تكلم مع احد من خلقه ، فما تقول في قوله تعالى في سورة النساء الآية 164 "وكلم الله موسى تكليما" ؟ طبعا أجهد نفسك في تأويلها بما يتفق وذهابك حتى لو أضطررت للي عنق الآية لتتماشى وما ذهبتم إليه
ونصل لفهمنا لقوله تعالى "وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ (53)[سورة الشورى]
عدد الله سبحانه وتعالى طرق إتصاله بخلقه رحمة منه وتفضلا عليهم ومنا وهو سبحانه وتعالى واسع الرحمة وواسع المغفرة وعظيم المن ، فأما الطريقة الأولى تكون (وحيا) أي يلقي في روعه أن الله سبحانه وتعالى يريد ذلك منه على سبيل الجزم واليقين ، وقد يكون مناما كما في قصة إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى"فلما بلغ معه السعي قال يا بني اني ارى في المنام اني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا ابت افعل ما تؤمر ستجدني ان شاء الله من الصابرين"الصافات102 ، وهنا أوحى الله سبحانه وتعالى لإبراهيم أن أقتل ابنك وكان ذلك في نفس إبراهيم يقينا أن الله أراد ذلك ، لذلك قال له الله سبحانه وتعالى"وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) [سورة الصافات]، وترى هنا أن النداء الثاني لم يكن بطريقة الوحي الأولى مناما لأن إبراهيم لن يذهب للنوم حتى ينفذ أمر ربه ، فناداه الله بأي من الطريقتين التاليتين وسنتعرض لهما في حينه ، وهذا الوحي الذي يحمل أمر الله سبحانه وتعالى له صور عديده في القرآن فعلى سبيل المثال:
1- قوله تعالى"وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من ارضنا او لتعودن في ملتنا فاوحى اليهم ربهم لنهلكن الظالمين" إبراهيم13 ، فإن وحي الله للرسل كان بأن ألقى في روعهم الطمأنينة بأن الكفار لن ينالوهم بأذى لأنهم هم المهلوكين بظلمهم .
2- وقوله تعالى" واوحى ربك الى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون"النحل 68 ، وهذا الوحي هو نوع من تسخير النحل لأداء مشيئة الله وأمره الذي لا راد له
وقوله تعالى"...واوحى في كل سماء امرها... الآية"فصلت12 ، فوحي ربك للسماء هو أمره لها وخلقه لها على الصورة التي أراد سبحانه وتعالى
وأخيرا قوله تعالى"بان ربك اوحى لها" الزلزلة 5 ، ووحي الله للأرض بأن الساعة قد حان موعدها فعلى الأرض أن تتزلزل وتخرج أثقالها
فكل هذه الأنواع من الوحي تمثل النوع الأول من كلام الله للمخلوقات (وحيا) وهو (بلوغ أمر الله للمتلقي على سبيل اليقين والجزم بمعرفته بمشيئة الله وأمره فعليه الأداء فورا دون تأخير تنفيذا لأمر الله الذي أوحى به إلي مخلوقاته) ، وهذا النوع وحده هو الذي لا يكون بكلام معروف مثل كلامنا ، ولكنه لا يحمل رسالة لتبليغها ولكن يحمل أمرا لتنفيذه ، أو قضاء لإنتظاره (كما في حالة الرسل مع الكفار) أو حالة الأرض إذا زلزلت
النوع الثاني من أنواع الكلام أن يكون (من وراء حجاب) ، وهو النص الذي فهمه نهرو على أنه برهان قاطع أن الله لم يتكلم مع أحد فعليه تأويل قوله تعالى(وكلم الله موسى تكليما) ، ولكن الآية لا تنفي أن يتكلم الله مع البشر إذا أراد ولكن يكون هذا الكلام من وراء حجاب دون النظر لله سبحانه وتعالى ، وقد بين الله لنا ذلك في قوله سبحانه وتعالى"فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12) وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13) إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)[سورة طه] وهذا هو النوع الثاني الذي يكون كلاما مسموعا (محسوسا) بحاسة السمع لدى موسى ولذلك قال سبحانه(وكلم الله موسى تكليما) والمفعول المطلق هنا في قوله تكليما يدل على كثرة ما بينهما من كلام ويدل على تأكيد الكلام ، وكلمة من وراء حجاب لا تنفي الكلام أصلا فأسمع لقوله تعالى"واذا سالتموهن متاعا فاسالوهن من وراء حجاب"الأحزاب53 ، وقوله تعالى"وقالوا قلوبنا في اكنة مما تدعونا اليه وفي اذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل اننا عاملون" فصلت5 ، ولله المثل الأعلى ، ففي الأولى يسئلوهن متاعا وذلك بإستخدام كلمات مسموعة ويكون من وراء حجاب دون نظر أحدهما للآخر ، وفي الآية الثانية تكلموا مع الرسول عليه السلام متصورين حجابا بينهم وبينه لأن قلوبهم في أكنة وفي آذانهم وقر فكان حجابا معنونيا بينه وبينهم ، فلماذ لا يكون قد كلم الله سبحانه وتعالى موسى تكليما حسيا مسموعا ولكن كان ذلك من وراء حجاب ، والدليل أن موسى أراد النظر لله عندما ذهب لميقاته وتكلم معه أولا وبلغ مبلغه من الاستئناس بالله سبحانه وتعالى والحب له والقرب منه فأراد رؤيته فقال له الله سبحانه وتعالى لن تراني أي أنه لم يراه سابقا ولن يراه لاحقا ولنتدبر النص القرآني في قوله تعالى"ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب ارني انظر اليك قال لن تراني ولكن انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما افاق قال سبحانك تبت اليك وانا اول المؤمنين"الأعراف143 ، وهو كلام محسوس بحاسة السمع.
النوع الثالث من أنواع الكلام هو إرسال رسول من ملائكته المقربين لديه ، لتبلغه بكلام الله وتتلوه عليه تلاوة حسية صحيحة يدركها بحاسة السمع لديها ثم يحفظها بحفظ الله بها ثم يقوم بتبليغها والأدلة على ذلك كثيرة نكتفي منها بآية واحدة في قوله تعالى"قل من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك باذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين" البقرة 97 ، وحتى لا يقول قائل على قلبك أي وحيا من النوع الأول ، أقول له القلب موطن العقل والتعقل وهو لايكون كذلك إلا بوسيلة الإدراك والإدراك يكون بأحد الحواس الخمسة ، ولنتدبر قوله تعالى"افلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها او اذان يسمعون بها فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" الحج 46
ثم أن سياق الآية الكريمة يجعلنا نفهم أن الوحي الذي جاء للرسول وقام بإبلاغنا به هو من النوع الثالث لقوله في الآية التالية (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا)
ونأتي لقول نهرو(لذلك أرى أن الأستاذ شريف هادي قد غفل أو تغافل عن أن أساس التواصل بين الله والأنبياء والرسل كان بالوحي وليس بأي شيء آخر، وبالتالي فهو لم يتعرض للوحي في مقاله على الإطلاق، ولا أدري هل كان إغفاله للوحي بقصد أم بدون قصد؟؟) ، الحقيقة أنا أغفلت الكلام عن الوحي في المقالة الأولى بقصد لأنني كنت أظن أنهذا الفهم من المسلمات التي لا نختلف عليها ، ولكنني تأكدت الآن أن نهرو يتكلم لغة أخرى غير التي نتكلمها ، لغة مفرداتها العقل وحروفها الإنسان هو الحل ، أما لغتنا فهي القرآن نفهمه ضمن السياق وفي حدود المنطق ولغته سهلة ميسرة للذكر وإذا كان هناك تعارض ظاهري بين النص والعقل فلعيب في العقل وليس لعيب في النص تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وقد تطرقت لفهمي لمعنى الوحي وهولا يختلف عن فهم جمهور الأمة قديما وحديثا ومرتبط بتعضيد الآيات لبعضها البعض وبالمنطق السليم.
ويقول الاستاذ نهرو(وإن ما يحزنني حقا ويملأني بالإحباط واليأس من أي إصلاح فكري أو ديني وأشعر أني كمن يؤذن في مالطة، هو أن أهل مكة الوثنيين الجاهلين عباد الأصنام كانوا أكثر علما وفهما وإدراكا لطبيعة القرآن والوحي من معظم مستخدمي الإنترنت اليوم في القرن الواحد والعشرين قرن العلم الخائر والحضارة الزائفة، وصدق الله إذ يقول: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ). (7_ الروم)، فأهل مكة كانوا أكثر إدراكا ووعيا وفهما للقرآن من معظم من يمتهنون الكتابة في الدين اليوم، ومن الذين يتشدقون بالعلم والحضارة والمدنية، فأهل مكة كانوا يدركون تماما أن ما يتلوه محمد عليه الصلاة والسلام من قرآن ليس فيه أي دليل مادي محسوس على أن هذا القرآن نزل عليه في كتاب من الله) ، إحدى لوازم الأستاذ نهرو والتي من الصعب التخلص منها وتحتاج لطبيب نفساني أنه يحاول دائما النيل من شخص محاوره ، كما في هذه الفقرة وذلك لأنه تصور على خلاف الحقيقة أنني قلت مادي محسوس وفهم محسوس على أنه مادي ، وفهم مادي على أنني تصورت أن القرآن نزل في صحف من السماء وقراطيس على رسول الله وراح يشهر الأدلة في وجهي على كلام لم أقوله ، ولم يكتفي بذلك بل عقد مقارنة بيني وبين كفار قريش لأنهم فهموا ما لم أفهم ، والغريب أن نهروا عندما يقوم بمحاورة أي من أهل القرآن نراه يبدي أعجابه بالكفار والملاحدة في كل زمان ومكان فلا عجب أنه يفتح لهم موقعه يتقيئوا فيه كيفما شاؤوا كفرهم تحت مسمى الحرية وهي في الحقيقة فوضى سامحه الله عليها.
ونأتي لقول الأستاذ نهرو (وبما أن الأستاذ شريف لم ينقل من مقالي إلا ما يريده هو لحاجة في نفسه فلن أرد عليه إلا من مقالي السابق لأثبت له أن كلامي لا يضاهي كلام الكفار كما زعم الأستاذ شريف ولأثبت له أنني أومن وأوقن بأن القرآن الكريم مصدره الله سبحانه حين أنزله بالوحي على قلب نبيه محمد عليه الصلاة والسلام والنبي محمد عليه الصلاة والسلام قام بنقله من قلبه إلى لسانه بكلام متلو مسموع بالآذان ومخطوط بالمداد في القرطاس، ولم يكن نزول القرآن بالحس كما يزعم الأستاذ شريف هادي، وحتى أثبت للجميع أن الأستاذ شريف إما أنه لم يقرأ مقالي، وإما أنه قرأه ولكنه تعمد أن يسيء إلي ويتهمني في ديني) ، وهو على عهدنا به يأمر الناس بالبر وينسى نفسه ، فيتهمني أنني لحاجة في نفسي لم أكن أميننا في النقل عنه لأثبت أن كلامه يضاهي كلام الكفار وأنني بين أمرين أحلاهما مر إما أنني لم أقرأ مقالته وتصديت للرد عليها أو أنني تعمدت الإساءة له وإتهامه في ديني ولما أنني لم أفعل هذا ولا ذاك ، فما نقلته عنه كان كافيا بدون إخلال فقد نقلت عنه ما نصه (ولذلك فجميع الرسالات المسماة بالسماوية بكلماتها المخطوطة في الصحف والمتداولة على الألسنة وبما تحمل هذه الكلمات من أنباء وأخبار ومعاني وأوامر ونواهي كلها أفعال بشرية محضة، ولم تنزل من السماء بهذه الهيئة التي بين أيدينا ولم يتكلم بها الله كما يظن الناس جهلا منهم، وليس فيها شيء من ذات الله سبحانه) نقل هو عن نفسه ما نصه (إنما هي رسالات أوحى الله بها إلى الأنبياء والرسل أنزلها على قلوبهم وهم قاموا بنقلها إلى كلمات بشرية مسموعة منطوقة، ومرسومة بالمداد على القراطيس والصحف) كما نقل عن نفسه(القرآن بكلماته المتلوة بالألسن المسموعة بالآذان والمخطوطة في الصحف، ومعانيه المفهومة، هو من فعل النبي محمد عليه الصلاة والسلام بتوجيه الله له. فالقرآن كعلم وأحداث تشريعية إخبارية قصصية أخلاقية قيمية سلوكية وأوامر ونواهي وأحكام، هو علم من الله نزله على قلوب الأنبياء والرسل، لا بلسان يتكلم ولا بصوت يسمع)
والسؤال هل خرج ما نقلته عنه عن الكلام الذي نقله هو عن نفسه؟ سبحان الله ، القرآن كمعنى من عند الله وكلفظ من عند الرسول ، وهل قلنا أن نهرو قال غير ذلك تعالى الله سبحانه وتعالى عن ذلك اللغو علوا كبيرا ، وفي كل كلامي ردا على هذا اللغو.
ولكنني سأرد فقط على سؤالك (وأتوجه بسؤال للأستاذ الفاضل شريف هادي فأقول: بالله عليك هل في كلامي هذا أدنى مضاهاة لكلام الكفار الذي اتهمتني بأن كلامي يضاهيه؟؟، وبالله عليك هل تلوت مقالي كاملا ووعيته؟؟) ، وأقول لك نعم هناك مضاها جزئية أنت تختلف عنهم في أنك تثبت أن القرآن علم من عند الله ، وتتفق معهم أن القرآن لفظا من عند رسول الله ، ونحن نقول أن القرآن كله لفظا وعلما من عند الله ، لم يضيف إليه الرسول كلمة واحدة أو إستخدم أسلوبه هو لشرحه للناس ، وقد سقنا لك الآيات الدالة على ذلك وكذلك الدالة على قول الكفار ولا داعي للتكرار
أستاذ نهرو أنت لم تقل إفتراه ولكن قلت (أفعال بشرية محضه) وقلت (قاموا بنقلها إلى كلمات بشرية مسموعة منطوقة، ومرسومة بالمداد على القراطيس والصحف) ، ولذلك لم أقل أنك تقول قول الكفار ولكن قلت (تضاهي) والمضاهاة تعني المماثلة الجزئية ، ولا أنكر أنك قلت أنه علم من الله ، وأنا لم أكفرك لأن هذا بيد الله ولكن أشرت إلي التطابق الجزئي في كلامك وكلام الكفار.
وأنت يا أستاذ نهرو على عهدي بك في قولك (يا سيدي الفاضل أنتم أهل القرآن ما زالت على قلوبكم أكنة من أفكار الأشاعرة وأهل السنة والجماعة، وأكنة من كلام ابن تيمية وابن القيم ولن تستطيعوا لها نزعا إلا أن يشاء الله شيئا.) لا تنسى أن تحقر من القرآنيين وتحط من شأنهم بأن على قلوبهم أكنة
ثم نأتي لقول الأستاذ نهرو (أقول: والله لولا أني شاهدت هذا المقال يحمل اسم الأستاذ شريف هادي بأم عيني في موقع أهل القرآن لما صدقت أن هذا الكلام قد صدر منه، ولكن لا ضير أن نرد عليه، يا سيدي الفاضل إذا كنت لا تعتبر كلمة (قال الله) الواردة في القرآن ليست من المجاز وتعتبر (قال الله) حقيقة، فقل لي بربك هل تكلم الله بالقرآن بلسان يتلو وصوت يسمع؟؟، وإن كنت تعتقد أن الله قال حقيقة بلسان يتلو وصوت يسمع فهل تكلم الله بلسان عربي أم بلسان إلهي؟؟، وإذا كان الله قد تكلم بلسان عربي أليس هذا تشبيها لله بالمخلوقين؟؟، وإذا كان الله قد تكلم بلسان إلهي فكيف استطاع النبي محمد أن يسمع صوت الله الإلهي الذي ليس كمثله شيء بأذنه البشرية المخلوقة المحدودة؟؟ وكيف استطاع الرسول أن يفهم كلام الله الإلهي الذي ليس كمثله شيء ولا يمكن إدراكه؟؟ وأين برهانك من القرآن الكريم على أن الله خاطب نبيه محمد عليه الصلاة والسلام بالقرآن بصوت مسموع أو لسان يتكلم أو كتاب مخطوط؟؟، وإذا كان الله قد أنزل القرآن على النبي محمد بصوت الله وكلام الله وخط الله، فما دور الوحي إذاً؟؟، وماذا تعني هذه الآية الكريمة: (ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء)؟؟.)
أستاذ نهرو أنا لم أقل أن الله سبحانه وتعالى كلم رسول الله كلاما مباشرا من وراء حجاب بالقرآن كما كلم الله سبحانه وتعالى موسى تكليما ولكن قلت أن نوع الوحي الذي نزل على رسول الله هو من النوع الثالث بإرسال جبريل ، فأنت قولتني ما لم أقل ثم رحت تتهمني بالجهل ، أنا لا أعرف أي مقالة قرأت وتقوم بالرد عليها؟ ، أما عن قولي أنه كلام الله فأنا ما زلت أصر أنه كلام الله تكلم به جبريل كرسول من عند الله للرسول محمد عليهما السلام ، وقد سمعه رسول الله محمد بلغة عربية بلسان قريش لغة صحيحة بكلماتها وحروفها ونقلها كما هي كلها من عند الله سبحانه وتعالى ولم يبتدع نصها كما تقول أنت ، أما كل أسئلتك فهي من باب الظن الذي لا يغني عن الحق شيئا فلما تسألني عن دليلي أن الله قد خاطب النبي محمد ، أسئلك عن دليلك أنني قلت أن الله قد خاطب النبي محمد عليه السلام ، أنا قلت خاطبه بالوحي (رسول)من عند الله هو جبريل أعطاه كلاما مسموعا ومقرؤا هو (القرآن الكريم) ، وأول ما قال له وأمره قال له (إقر باسم ربك الذي خلق) ، فأرجوك يا أستاذ نهرو ألا تقول على لساني كلام لم أقله ، لأنه من الواضح أننا نتكلم بلعتين مختلفتين.
ونأتي لقول الأستاذ نهرو(إذا كنا لا نعرف الكيف الذي تكلم به الله، وليس لنا أن نعرف كما يقول الأستاذ شريف، فكيف نوفق بين القرآن الذي نعرفه ونتلوه بلسان عربي بشري، وبين كلام الله الذي لا نعرف كيفه وليس لنا أنعرفه؟؟، وإذا كان القرآن كلام الله كما يقول الأستاذ شريف هادي، إذاً فالله حتما تكلم بالقرآن مع رسوله محمد بلسان عربي بشري، وذلك لعدم علم الرسول بلسان سوى اللسان العربي، أما إذا كان كلام الله غير معروف الكيف وليس لنا أن نعرفه، إذاً فالله لا يتكلم بلسان عربي وبهذا يصبح القرآن الذي بين أيدينا متلوا ومخطوطا بلسان عربي لم يتكلم به الله لأن الله لا يتكلم بلسان عربي وكلامه غير معروف لنا ولا يمكننا معرفته) ، نعم لا نعرف الكيف ولكن اللغة التي أنزل الله بها القرآن وحيا برسوله جبريل على رسوله محمد عليهما السلام ، كانت هي اللغة العربية بلسان قريش لغة صحيحة سليمة لا عيب أو شية فيها ، كما أن اللغة التي كلم الله بها موسى هي لغة موسى نفسه ولسان قومه ، وهكذا، فاللغة أستاذ نهرو تختلف عن الطريقة لأنها هي الكلام نفسه الذي تكلم به الحق سبحانه وتعالى.
أما عن الطريقة التي تكلم الله بها هذا الكلام وبأكثر من لغة ، فهي من علم الله سبحانه وتعالى وحده لا يعلمها إلا هو ، فأرجوك يا أستاذ نهرو لا تخلط المعاني والمدلولات عند الحوار حتى تخرج بما تريد ، وأقول لك نعم تكلم الله سبحانه وتعالى بالقرآن بلغة عربية ، ولكن لم يكن هذا الكلام موجه مباشرة لرسوله محمد عليه السلام ، ولكن تلقى الوحي جبريل هذا الكلام بالكيف الذي أراده الله سبحانه وتعالى ، ثم أبلغه لرسول الله عليه السلام بكلام منطوق ومسموع عربي مبين فهمه الرسول وعقله وحفظه ثم بلغه دون تقصير أو نسيان ونحن على ذلك من الشاهدين ، أرجو أن يكون كلامي الآن واضح لا لبس فيه.
وأخيرا فإن الأستاذ نهرو كما قلت من قبل على المستوى الشخصي وإن كنت لم أشرف بلقاءه من قبل فهو عندي بمنزلة الصديق العزيز والإبن الغالي والأخ ، وإن كنت أختلف معه جذريا فيما يقول ويعتقد عن القرآن ، كما أختلف معه على طريقته التي يدير بها موقعه (وهو حر في ذلك) بأن جعله مرتعا لأصحاب العقائد المنحرفه الذين لا يعرفون الفرق بين المرفوع والمنصوب ، ولا بين التثليث والتوحيد ، كما أرى أننا في هذا الموضوع نتكلم بلغتين مختلفتين تماما أرجوا أن أكون قد أوضحت ، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شريف هادي

اجمالي القراءات 16940