كل ما تود معرفته حول طبيعة النظام السياسي في المغرب

في الإثنين ٢٣ - مارس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

حسنا، أنت تتابع الأوضاع السياسية بكل البلدان العربية، تفهم ما يجري في تونس وسوريا والعراق وحتى اليمن، لكن الأمر يلتبس عليك حينما يتعلق الأمر بالشأن السياسي المغربي. لا عليك، هذا المقال كُتبَ خصيصا لك.

يعتبر النظام السياسي المغربي مزيجًا بين التراث الإسلامي والتقاليد السلطانية والأعراف الديمقراطية الحديثة، تلعب فيه المؤسسة الملكية الدور الأساسي والفاعل الرئيس، بفضل اختصاصاتها الدستورية الواسعة وترسانتها الرمزية الهائلة، وهو نظام يمزج بين المضمر والمعلن والمقدس والمكتوب والعرفي والتقليدي والحديث، يصعب التعبير عنه أحيانا إلا بلغة الألغاز والرموز، ورغم كل ما قد يقال فيه إلا أن كثيرًا من الباحثين يرون أن المعطيات المجتمعية والثقافية – كما سنرى- تثبت أنه يتلاءم مع المجتمع المغربي التقليدي المحافظ ومع طبيعة مزاج الإنسان المغربي.

لكن قبل أن نتعرف على طبيعة النظام المغربي، ينبغي أولا التعرف على موقع كل من المؤسسة الملكية والأحزاب السياسية في النسق السياسي المغربي.

1- مكانة المؤسسة الملكية في المشهد المغربي:

“الملك أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية”. “الملك رئيس الدولة وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية. الملك هو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرتها الحقة” الفصل 41 و42 من الدستور المغربي 2011.

تحظى المؤسسة الملكية بالمغرب بمكانة عالية ورفعة ما بعدها رفعة، دستوريا وسياسيا وثقافيا، إنها القلب المحرك لجميع أعضاء الجسم السياسي المغربي ومؤسساته، والعقل المدبر لتوجهات البلد الكبرى داخليا وخارجيا. قال عنها الملك الحسن الثاني رحمه الله يوما ما “إنها صنعت المغرب”، إنها المؤسسة التي تتدخل في كل الحقول الدينية والدنيوية.

وإذا كانت المؤسسة الملكية تتمتع بكل هذه السلطة فإنها تستمد مشروعيتها من رزنامة من المشروعيات القانونية والدينية والتاريخية والصوفية والثقافية، لتنصهر في بوتقة واحدة فتضفي على نسقها السياسي مزيدًا من الصلابة والتفرد والخصوصية.

  • 1. المشروعية الدستورية:

لابد من الإشارة أولا إلى أن الملكية سابقة على الدستور نفسه، فهي كانت موجودة قبله بصلاحياتها الواسعة، وهي مصدر كل الدساتير التي مرت على المغرب، رغم أنها تراعي في ذلك الوضع السياسي المحيط قبل أن تبادر.

يجسد الفصل 41 و42 من الدستور المغربي 2011 سمو المؤسسة الملكية عن كل المؤسسات الأخرى، فالملك قبل كل شيء أمير المؤمنين ورئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة والساهر على احترام الدستور وضامن دوام الدولة والحكم الأسمى بين مؤسساتها.

يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها، وله الحق في إعفاء عضو منها أو أكثر من مهامه بعد استشارة رئيس الحكومة، كما يترأس الملك المجلس الوزاري الذي يتألف من رئيس الحكومة ووزرائها، مهمة هذا المجلس التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة ومشاريع مراجعة الدستور والقوانين التنظيمية وكذا التوجهات العامة لمشروع قانون المالية.

الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وله حق العفو وحق حل مجلسي البرلمان أو أحدهما، وللملك أن يخاطب الأمة والبرلمان، ويتلى خطابه أمام كلا المجلسين، ولا يمكن أن يكون مضمونه موضوع أي نقاش داخلهما، مثلما يرأس الملك المجلس الأعلى للقضاة، وأيضا المجلس الأعلى للأمن، علاوة على حقه في تعيين السفراء والقناصل.

تتمتع الملكية في المغرب بصلاحيات دستورية واسعة، لكنها تنازلت في جزء منها بعد أحداث الربيع العربي لفائدة الحكومة، بيد أن المشروعية التي تكتسبها من النسق الرمزي تمكنها من صلاحيات لا محدودة تستعملها وقت الضرورة، وعندما تتجاوز المؤسسات حدودها كما يرى الباحث المغربي يونس برادة.

  • 2. المشروعية الرمزية:

ينص الدستور المغربي 2011 على أن “الملك هو أمير المؤمنين الذي يسعى إلى حفظ الدين”، ومن ثم فهو يمتلك السلطة الدينية وما لها من دلالات رمزية ارتباطا بالتراث الإسلامي “خليفة الله في الأرض”، فنجده يعمل بمقتضى هذه الرمزية في بعض الطقوس، مثل البيعة وإلإنابة على “الرعية” في أضحية العيد.

 

 

 

 

ولا تقتصر وظيفة الملك على الحكم فقط، بل يلعب أيضا دورًا تحكيميا، سواء بين مؤسسات الدولة أو بين القطاعات المدنية والسياسية المتخاصمة. وقبل أيام فقط احتكم الإسلاميون والعلمانيون إلى الملك بعد اختلافهم حول تقنين الإجهاض من عدمه في المغرب، “فهو راعي الجميع بدون أي مفاضلة بين المواطنين”، مثلما تفيد خطبه، وأيضا بهذه العبارة “باسم جلالة الملك” يبدأ إصدار الأحكام القضائية، في القضاء المغربي.

ويعتقد الباحث المغربي عبد النبي كياس أن للملك رمزية أخرى أيضا تقوي سلطته تتعلق بالانتماء، فهو “الولي الصالح ذو النسب الشريف، الذي يغدق بركاته وهباته على أولياء الله الصالحين، ومن حالفه الحظ من المواطنين وأهل الجاه ونجوم الرياضة والفن والثقافة”.

يقول جون واتربوري الأنثربولوجي الأمريكي: “الملك في تصور الشعب المغربي، هو ذاك الإنسان المتواضع نصير الفقراء والضعفاء، حيث هو الملجأ والمفر عندما تغلق الأبواب (كثير من المظاهرات الفئوية ترفع صور الملك وتستعطفه لتلبية مطالبها)، والمهاب المنزه عن كل الأخطاء”، الذي يستوجب الاحترام والتوقير، فهو شخص لا تنتهك حرمته كما يوصي بذلك الدستور المغربي 2011 في الفصل 51، كما ببدو الملك في تصور كثير من المغاربة كسد منيع أمام “جشع جيش الفاسدين وذو الكلمة الحكيمة الحاسمة بدل مهاترات البرلمان الفارغة”.

ويزيد من ترسيخ هذه الصورة في مخيلة الإنسان المغربي – كما يرى عبد النبي كياس – “صولاته وجولاته وتحركاته” شبه اليومية حيث يدشن المشاريع في كل قرية ومدينة، محاطا “أينما حل وارتحل بمظاهر الاحتفال بشخصه، فضلا عن مظاهر حياة القصور الخاصة التي يحياها السلطان، وطقوس البيعة وعادات اللباس التقليدية وكذا بروتوكولات الحكم الملكي الرسمية”.

وتعد الملكية المحور الرئيسي في التاريخ السياسي المغربي الحديث، مثلما يشير إلى ذلك الباحث المغربي يونس برادة، فلم يعرف المغاربة غيرها منذ 12 قرنًا، حيث دائما تستطيع الحفاظ على بقائها وتستشرف مستقبلها، ما يجعل “المواطن المغربي – على الأقل في وضعه الاقتصادي ومستوى وعيه الراهن – لا يستطيع أن يعيش بدون ملكية، بل لا يستسيغ كيف يمكن للملك أن يسود ولا يحكم”.

 

 

 

 

تتمتع الملكية إذن بشعبية جارفة ولها مكانة خاصة لدى المغاربة – و إن كانت هذه الصورة بدأت تتآكل بعض الشيء بعد تداعيات الربيع العربي – ولا سيما في قلوب الفقراء وسكان القرى والبوادي، تجعلها مصدرا للأمن والأمان والوحدة والاستقرار كما يعتقد الشعب المغربي، الشيء الذي يشرعن لها أن تتدخل في جميع الحقول وتتحرك وتحرك الساحة السياسية في المغرب، إنها المؤسسة الفاعلة الرئيسية في المشهد المغربي بكل مستوياته بدون استثناء، في ظل غياب شبه تام للمؤسسات السياسية الأخرى التي تعاني الفساد والترهل.

2- موقع الأحزاب السياسية في المشهد المغربي:

“فالمؤسسة الملكية بالنسبة لباقي المؤسسات الأخرى، كالأرض بالنسبة لباقي الكواكب، التي تتحرك كلها من أجلها، ومن أجل مركزيتها وإضاءتها وبث الحياة المستمرة فيها، فهي تسبح في نسقها وتبتعد عنها أو تقترب منها بقدر ما تحتاج من أجل الاستمرار والبقاء، تتحكم في أدوارها بإتقان وتحدد مسافة ومساحة حركة كل منها بدقة متناهية”، عبد النبي كياس أكاديمي مغربي.

يعتقد البعض ممن لا يلمون بالمشهد السياسي خارج البلاد أن الأحزاب السياسية هي منافسة للملكية أو ند لها، غير أن ذلك الأمر يعد ضربًا من السذاجة، فالأحزاب مشروعيتها نابعة أصلا من النظام الملكي، والقوى السياسية التي لا تعترف بالنظام الملكي لا يسمح لها بموجب الدستور بإنشاء حزب سياسي رسمي، كالحال لدى جماعة العدل والإحسان، بل هي دعامة ومعين له في تسيير أعباء الشأن العام، دون أن تستطيع الخروج عن التوجهات الكبرى للدولة التي يرسمها الملك، وكيفما كان الحال فهي في الواقع تتسابق دوما لاستجلاب رضاه ومباركته.

 “البرلمان المغربي”

  • 1. صلاحيات الأحزاب السياسية في الدستور المغربي 2011:

تعمل الأحزاب السياسية وفقا للدستور على تأطير المواطنين وتكوينهم سياسيا في ظل المبادئ الكبرى للبلاد; النظام الملكي، الدين الإسلامي، والوحدة الترابية.

ينص الدستور المغربي 2011 على أن للبرلمان الحق في أن يمارس السلطة التشريعية والنيابة عن الأمة، حيث يصوت على القوانين ويراقب عمل الحكومة ويقيم السياسات العمومية.

تمارس الحكومة السلطة التنفيذية، بموجب الدستور، بعد تعيينها من طرف الملك وحصولها على ثقة مجلس النواب بالأغلبية، حيث تعمل تحت سلطة رئيسها على تنفيذ برنامجها الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين، والإدارة موضوعة تحت تصرفها، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية.

ويمارس رئيس الحكومة السلطة التنظيمية، مثلما يعين في الوظائف المدنية والإدارية والمناصب السامية والمؤسسات والمقاولات العمومية.

وطبعا لا يمكن لهذه الصلاحيات، التي خولها الدستور المغربي 2011 للحكومة، أن تخرج عن التوجهات العامة التي يرسمها المجلس الوزاري الذي يرأسه الملك، بالإضافة إلى أن للملك الحق في أن يطلب من مجلسي البرلمان قراءة جديدة لمشروع قانون ما، بل له الحق في حل البرلمان بمجلسيه أو أحدهما.

  • 2. صورة الأحزاب السياسية لدى الشعب المغربي:

وإذا كانت الملكية تحظى بمكانة “خاصة” لدى المغاربة فإن الأحزاب السياسية على النقيض من ذلك.

يمثل البرلمان في المخيلة المغربية، كما يؤكد ذلك تقرير المؤشر العربي، صورة سلبية، فيصفه البعض بأنه ” قلعة للفساد وفرصة لسرقة الأموال والوصول إلى المناصب وتوظيف الأبناء والأقارب”، كما أصبح في السنوات الأخيرة يمثل مجالا للفرجة والتهريج بعد الموجة الشعبوية التي اكتسحته منذ تقلد حزب العدالة والتنمية الإسلامي – بالتحالف مع أحزاب أخرى – الحكومة.

تعاني الأحزاب السياسية فقرا مؤسساتيا وأخلاقيا وسياسيا، جعل كثيرًا من المغاربة يعزفون تماما عن الانخراط فيها.

يشير المؤشر العربي لسنة 2014 أن المواطنين في المغرب لا يثقون البتة في الأحزاب السياسية بنسبة %69، ولم يتجاوز من عبَّروا عن رضاهم بها نسبة %25.

جعلت هذه الصورة السلبية للأحزاب السياسية في المغرب، الكثير من المواطنين يعتقدون أنه لن يستطيع إدارة البلاد إلا الملك، بل أصبحت الأحزاب بالنسبة للبعض “عالة” على الشأن السياسي المغربي.

شاهد هذا المقتطف التلفزيوني الذي يعالج قضية الخطاب السياسي البرلماني في المغرب

 

ويبدو أن حزب العدالة والتنمية، بفضل شعبيته وإجادته اللعب مع القصر، يسترد بعض القيمة للأحزاب السياسية، خصوصا بعدما وطد رئيسه عبد الإله بنكيران ذو الخطاب البسيط علاقته بطبقة الفقراء، وهي إحدى ركائز مشروعية الملكية في المغرب، لكن في آخر الأمر لا يستطيع أن يخرج عن توجهات الملك، فهو لطالما يردد مرارًا وتكرارا أنه مجرد رئيس لحكومة الملك.

3- ما هي إذن طبيعة النظام المغربي؟

“نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديموقراطية برلمانية واجتماعية. يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلطة، وتوازنها وتعاونها، والديموقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة” الفصل 1 من الدستور المغربي 2011.

في الحقيقة يستعصي تصنيف النظام المغربي بواسطة المعايير السياسية الحديثة، إذ هو يجمع بين التراث الإسلامي (إمارة المؤمنين) والحكم السلطاني (الملك بالوراثة) والديمقراطيات الغربية (التعددية السياسية)، ما خلق سجالا دستوريا.

يرى البعض أنه أصبح لدى المغرب ملكية برلمانية بدءا من دستور 2011، وإن كانت لا تشبه الملكيات البرلمانية المتعارف عليها مثل بريطانيا وإسبانيا، التي يسود فيها الملك ولا يحكم، إلا أن طبيعة المجتمع المغربي وخصوصية البلد تقتضي ملكا يسود ويحكم بالإضافة إلى تعددية سياسية وحكومة لها صلاحيات معقولة.

بينما آخرون يرون أن النظام في المغرب هو نظام ملكي خالص شكلا ومضمونا، وما الأحزاب السياسية سوى طلاء ديمقراطي لتصدير صورة حديثة خارج البلاد.

ويقول الباحث الفرنسي ريمي لوفو إن للمغرب دستوريْن، الأول مكتوب والثاني دستور ضمني، يفهم من داخل الثقافة السياسية السائدة في المغرب، حيث الأول وإن كان يعطي للملك صلاحيات واسعة فهي محددة وبالتالي محدودة، بينما الدستور الضمني يعطي صلاحيات لا حصر لها.

وتعتبر كل من القوى اليسارية الراديكالية وجماعة العدل والإحسان أبرز معارضي النظام في المغرب، حيث يتهمان النظام الملكي “بالاستحواذ على كل السلطات، وتفريغ المؤسسات الدستورية من مضمونها الديمقراطي، وتحالفه مع لوبيات الفساد والاستبداد”، ورغم اتفاق القوتين في موقفهما تجاه النظام الحالي، إلا أن لهما رؤيتين مختلفتين.

وبين هذا وذاك يبقى حضور المؤسسة الملكية في المغرب أمرًا واقعا، لا تستطيع أن تتجاوزه حتى حركة 20 فبراير، التي أكثر ما طالبت به هو ملكية برلمانية شبيهة ببريطانيا، إذ رمزية المؤسسة الملكية في المجتمع المغربي جلية، فهي تتحرك وتناور وتتنازل أحيانا دون أن تراوح مكانها على رأس النظام، إنها تجدد آلياتها باستمرار وتتكيف مع الظروف من أجل البقاء، وتستحوذ على مختلف الموارد والنخب، فتخرج في كل مرة تجتاز فيها امتحانا عسيرا – كان آخرها الربيع العربي – بقوة أكثر وبشرعية أكثر وبصلابة أكثر.

إنه نسق خلق ليبقى.

اجمالي القراءات 4610