يأتيك الوحش من حيث لا يمكنك رؤيته، وفي حالتنا يأتيك الشرطي من صفحتك على فيسبوك بجريمة محادثة صديق في امر غير لائق, ففي السنوات العشر الأخيرة تحول الإنترنت من اختراع تم تصميمه لمنح البشرية مزيدًا من الحرية والانطلاق لأداة للمراقبة والسيطرة وسط خطط سرية لـ”تدويل ” الإنترنت وجعله مصدر سلطة دولتك وأداتها الشرعية ضدك.
تقوم جميع الحكومات تقريبًا بمراقبة نشاط مواطنيها على الإنترنت وفقا لغريزة السيطرة الأقوى لدى كل دولة، لكن هناك البعض أسوأ بكثير من غيره لتُدْخِل كل يوم دولةٌ مواقعَ في القائمة السوداء تحت اسم “محتوى متطرف” لتبرر به حرمان مواطنيها من استخدام الإنترنت بحرية في إجراء لا يميز بين دول متقدمة أو نامية. نلقي هنا نظرة عليه بكل موطن شهد قيودًا على الإنترنت.
1- كوريا الشمالية
بين 24 مليون كوري يستخدم 4% منهم فقط خدمة الإنترنت ولا يستطيع الباقي بأي شكل الوصول اليه, غير أن المواقع المتاحة للقليل من النخبة جميعها خاضعة لسيطرة الحكومة, وتنحصر شبكة الإنترنت الداخلية لكوريا الشمالية على وسائل الإعلام الرسمية ويسمح لأعضاء الحزب الحاكم والأجانب والمقيمين في فنادق معينة بالوصول الكامل لشبكة الإنترنت.
2- كوبا
بكوبا لا يمكنك تحميل أي محتوى على الإنترنت وهذه الخدمة متاحة فقط لأعضاء الحكومة, وتتحكم الدولة بالإنترنت عبر رصد النشاط عليه وتصفية كلمات البحث والصفحات التي تبحث عنها وتاريخ التصفح وغير ذلك لتظل مستخدمًا للإنترنت إذا استطعت دفع ثمن ساعة من خدمة الإنترنت والتي تساوي نصف راتب شهري لمواطن كوبي.
مع ارتفاع تكلفته وسرعته المعدومة تصل نسبة مستخدمي الإنترنت بكوبا إلى 5% فقط وهم من لهم حق استخدام الشبكة العالمية مع 23% يعتمد على إنترنت الحكومة مع محتوى محدود للغاية, ويعتبر الإنترنت بكوبا من “المرافق العامة” ولكي تحصل على الخدمة يجب تسجيل بياناتك وغرض الاستخدام لدى المكاتب الحكومية.
3- المملكة العربية السعودية
تحظر السعودية حوالي 400 ألف موقع وتعاقب على مناقشة المواضيع السياسية أو الاجتماعية أو الدينية وتلك التي تتعارض مع النظام الملكي, وتحتفظ مقاهي الإنترنت ببيانات دقيقة عن زبائنها ويتدرب السعوديون على الإبلاغ عن المواقع التي تنشر مضامين ضارة ولهم اليد في أكثر البلاغات المقدمة بالتعاون بين المستخدم والرقابة.
وتحجب السعودية كل المواقع التي تتعلق بالخلاف على العقيدة الإسلامية كدعاة التشيع والمذهب الشيعي والمذاهب الإسلامية الأخرى ويعتبرون مخالفين بوجهة نظر الحكومة السعودية والسلفيين, كما تحجب المواقع الإلكترونية التي تحرض على الكراهية والعصيان المدني والخروج عن طاعة ولي الأمر والإساءة لتاريخ ورموز الدولة وسياستها.
وكانت آخر قضايا الحرية على الإنترنت قضية المدون رائف بدوي تعرف عليها من خلال تقرير: رائف بدوي.. القصة الكاملة
4- إيران
من أجل أن تصبح مدونًا على الإنترنت بإيران يجب عليك التسجيل في وزارة الفن والثقافة, وإذا خالفت ذلك عرضت نفسك للمضايقة والسجن, تحظر إيران معظم مواقع التواصل الاجتماعي الغربية مثل فيسبوك وتويتر والتي يلتف عليها خادم بروكسي مع أساليب أخرى لتفويت القيود الرسمية.
أعلنت إيران عن خطط لعمل شبكة إنترنت محلية خاصة بها مع محتوى مراقب بالكامل في شكل من القطيعة الكاملة عن العالم، ومؤخرا قدمت الدولة نموذجًا لمشاركة الفيديو يحاكي موقع يوتيوب, وتتهم منظمة العفو الدولية دولة إيران بتعذيب الناشط ستار بهشتي حتى الموت لانتقاده الدولة الإسلامية على مدونته على الإنترنت.
5- الصين
تمتلك الصين برنامج الرقابة الأكثر صرامة في العالم, فتقوم الحكومة بتصفية كافة عمليات البحث والمواقع وتحذف المحتويات “غير المريحة” وتحول مسار كلمات البحث عن استقلال تايوان أو مذبحة ميدان تيانانمين أو عالم نوبل الصيني المسجون لمضامين أخرى وضعتها جهات رسمية.
يتعامل أكثر من 500 مليون صيني مع معلومات مرشحة على الإنترنت ومحظور عنه استخدام فيسبوك وتويتر وصحيفة نيويورك تايمز أو البحث عن مواضيع مثيرة للجدل مثل فضائح الفساد، ويمكن أن توجه لك تهمة التوقيع على “عريضة إلكترونية” عند الإعجاب بمنشور على موقع تواصل اجتماعي, وتعمل شرطة الإنترنت بيقظة فلدى الصين 400 ألف شرطي إلكتروني يتابع ويحظر ويحذف الكلمات الممنوعة والمحتوى الذي لا تقبله السلطات.
6- سوريا
المدونون السوريون يهددون الوحدة الوطنية, هكذا يعتبرهم النظام الحاكم, فيلاحق النظام مستخدمي الإنترنت ويقدم أي مرتاد لمقاهي الإنترنت هويته وغرض الزيارة وإبلاغ المعلومات للسلطات، ومع أي مخالفة يتم الإبلاغ عنه في وقت قياسي والقبض عليه, وتقوم السلطات السورية باختراق الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي ومراقبة المستخدمين ورسائلهم الخاصة, ولدى سوريا جيش إلكتروني ينشر أخبارًا مغلوطة على الإنترنت.
7- تونس
تفرض السلطات التونسية على مقدمي خدمات الإنترنت والشركات تقديم تقرير للحكومة عن عناوين الحسابات الشخصية وتحديد هوية وجميع بيانات ومشاركات مستخدمي الإنترنت لتصب كل حركة إلى شبكة مركزية, وتقوم الحكومة بتصفية كافة المحتويات قبل تداولها وتجند مراقبين لرسائل البريد الإلكتروني.
8- تركيا
مؤخرا تبنى البرلمان التركي إجراءً يجيز للحكومة إغلاق موقع على شبكة الإنترنت من دون قرار قضائي ويسمح لسلطة الاتصالات التركية بحجب صفحة على الإنترنت باعتباره إجراءً وقائيًا إذا اشتبه بأن مضمونها “يضر بالحياة الخاصة” أو ذو طابع “تمييزي أو مهين” ثم يتم إحالة القضية خلال 24 ساعة إلى قاضٍ للمصادقة على الإجراء.
القرار الذي رفضته منظمة العفو الدولية واعتبرته ضد المدافعين عن الحريات ومعارضي النظام الإسلامي المحافظ للرئيس رجب طيب أردوغان, خاصة وأنه منذ عام كثفت الحكومة التركية إجراءاتها في محاولة لحجب الإنترنت والشبكات الاجتماعية التي تمت إدانتها بنشر مضامين تتهم أردوغان بممارسة الفساد.
9- قطر
مؤخرا سنت قطر قوانين للرقابة على الإنترنت شملت عقوباتها السجن والغرامات الجدية للمخالفين لكل من يتورط في نشر أخبار خاطئة بوصفها تهديدا للأمن أو النظام العام للدولة، ويمنح القانون الحكومة صلاحيات واسعة لمعاقبة كل من يقوم بنشر أو تبادل محتوى رقمي يعتبره المسؤولون ضارًا بقيم قطر الاجتماعية أو مصالحها الوطنية.
يتناول القانون القطري تهمًا كسرقة المعلومات وتزويرها وحقوق الملكية وغيرها من الجرائم في عرف القانون الدولي، ولكنه يشترط أيضا على مزودي خدمات الاتصالات القيام بحجب المواقع الإلكترونية وتزويد السلطات بأدلة أو سجلات بناء على طلبها. ويقضي الشاعر القطري محمد راشد العجمي حكمًا بالسجن 15 سنة صدر بحقه لقيامه بنظم وإلقاء قصيدة اعتُبرت أنها تتضمن انتقادات للأسرة الحاكمة، ويُذكر أن قصيدة العجمي لم تحرض على الكراهية أو الطائفية أو العنف.
10- مصر
وهنا يتم ملاحقة مستخدمي الإنترنت قضائيا بدعاوى مختلفة تخطت النشاط العام لهم إلى محادثات ومراسلات الأفراد عبر التطبيقات الرقمية مثل فايبر وواتس آب, وفي خطواتها من الرقابة المحدودة للرقابة الشاملة لأنشطة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ومحادثاتهم الشخصية أعلنت الحكومة المصرية – فور انتهاء الانتخابات الرئاسية الأخيرة- عن مشروع “رصد المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعي” والذي يعتمد منهج المراقبة الشاملة والمستديمة للنشاط الرقمي، عوضا عن التدخل فقط في حالة وقوع فعل يجرمه القانون، أو طلب سلطات التحقيق القضائية من الجهات الأمنية التحري بشأنه.
في مصر دفع العشرات ثمن رقابة الدولة على المحتوى الرقمي بداية، وأشهرهم الحكم على المدون كريم عامر 2007 بالسجن 4 سنوات لإهانته رئيس الجمهورية، والحكم على أحمد بسيوني لإنشائه صفحة على فيسبوك بهدف تقديم معلومات عامة للمتقدمين للتجنيد بعدما قضى فترة تجنيده في الإدارة العامة للتعبئة والتجنيد ليشارك ما لديه من معلومات عامة ومنشورة على كثير من المواقع مع المتقدمين للتجنيد، تضمنت الأوراق المطلوبة ومواعيد التقدم لمكاتب التجنيد وأسباب التأجيل والإعفاء وغيرها من المعلومات، وهي المنشورة بالفعل على موقع الهيئة العامة للاستعلامات الحكومي.
بعد ثورة 25 يناير واعتبار الفيسبوك محركًا أساسيًا لها شهد الإنترنت حقبة جديدة من الرقابة والملاحقات القضائية؛ حيث تم الحكم على المدون ألبير صابر بالحبس لمدة ثلاث سنوات في ديسمبر 2012 بسبب عدد من المقاطع المرئية والمكتوبة على مدونته التي تمس المؤسسة العسكرية والدينية، وتم الحكم عليه بعد استخلاص التهم من رسائله الخاصة مع أصدقائه, ويقضي الناشط علاء عبد الفتاح الآن فترة حبسه بعد استخدام حسابه الشخصي على تويتر كدليل اتهام ضده وهو الأمر الذي تكرر معه عبر سنوات.
وعن الشركة التي تستخدمها مصر لمراقبة الإنترنت اطلع على هذا التقرير:
ماذا تعرف عن شركة بلو كوت “Blue Coat” التي تعاقدت معها الحكومة المصرية لمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي؟