بسم الله الرحمان الرحيم.
الأحد 27 أبريل 2008.
السلام عليكم.
في البداية أتوجه بالتحية للدكتور أحمد صبحي منصور الذي كتب مقالة جيدة بعنوان ( الإعجاز العلمي و معجزات داوود و سليمان عليهما السلام ) على الرابط التالي http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=2542. إذ كانت المقالة فرصة جريئة لإعادة التفكير بإخلاص حول ما حيك من قصص و خرافات حول نبي الله سليمان عليه السلام الذي جعلته تفاسير السابقين كمخلوق أو بطل من أبطال مخيلة ألف ليلة و ليلة و حاشى أنبياء الله جميعا عليهم السلام أن كانوا يعيشون في الوهم و الخيال بل كانوا رواد العلم و العقل الذي كرمنا به الله تعالى و له الحمد و الفضل على ذلك. و منذ قراءتي لتلك المقالة لم أنس الحديث عن الإعجاز العلمي لنبيي الله تعالى تعالى داوود و سليمان إلى أن صادفني إجتهاد جميل سمعته من بعض المجتهدين و استحسنت نشره لنناقشه جميعا, نحن أحباء أهل القرآن و مرحبا بالجميع قراء و معلقين.
- تعرضت في مقالتي السابقة ( النبي سليمان و الشياطين و نظام الإصلاحية ) إلى كون الشياطين التي كانت تعمل لدى سليمان عليه السلام كانت من جنس البشر اللذين يفسدون في الأرض و لا يصلحون, و بالتالي قام النبي سليمان عليه السلام بما يشبه نظام الإصلاحية بإعادة تأهيل المجرمين و إعادة إدماجهم في المجتمع من بعد تعليمهم صنعة يتكسبون منها و الله أعلم. و سأقوم في هذه المقالة بالتعرض للمزيد من الخزعبلات التي حيكت حول النبي سليمان بالإعتماد على القرآن الكريم وحده مع السعي إلى التفسير العقلي الذي يتماشى مع عقلانية النص القرآني, و بالله تعالى التوفيق.
1- تعلمنا في صغرنا أن النبي سليمان عليه السلام كان يمتلك بساط الريح السحري الذي يجوب من خلاله العالم في لحظات, كما لا ننكر أننا استمتعنا بتلك القصة و أشربناها في قلوبنا و صارت مهيمنة على عقولنا البسيطة آنذاك. و مع محاولتي البحث عن الحقيقة تعرضت لتفسير جميل للبساط السحري للنبي سليمان عليه السلام. يقول الله تعالى في سورة الأنبياء ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ – 84 ) و كذلك في سورة سبأ ( وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ – 12 ). المفهوم من هذه الآيات أن الريح كانت مسخرة لسيلمان. و بالتدبر قد نستطيع استنباط كيفية التسخير, و هو أن النظام البحري لقيادة السفن آنذاك كان يعتمد على سواعد صناديد الرجال لتجدف سويا السفينة لتنطلق راكبة البحر بدلال. و قد يكون الله تعالى أرشد نبيه سليمان لإختراع نظام الأشرعة التي تعمل بالطاقة الهوائية أو الريح كما ذكر في القرآن الكريم و معلوم أن أسفل الشراع يكون على هيئة صليب مقلوب يتحكم من خلاله الربان في اتجاه الريح لتجري على هواه أو حسب التعبير القرآني تجري بأمره حيث يشاء بفضل الله تعالى. و الشاهد على كلامي أن الريح هي دلالة على إختراع الشراع هو تحديد الله تعالى للمدة الزمنية التي يستغرقها النبي سليمان للتنقل و هي شهر للذهاب و شهر للعودة و لو كان المراد بالريح كونها البساط السحري لكانت المدة المذكورة أقل من ذلك بكثير. فنحن نعلم أن سرعة الريح قد تصل إلى سبعين أو أكثر من مائة كيلومتر في الساعة و هي سرعة لم يتوصل الإنسان لإستغلالها إلى في عصر الحضارة و المواصلات السريعة من خلال مراكب متعددة تطوي الأرض طيا و قد يكون النبي سليمان قد حقق سبقا علميا آنذاك و تغلب على بقية الحضارات و منافسيه آنذاك. و الله تعالى أعلم.
2- اختلف المفسرون كثيرا حول معنى قوله تعالى في سورة النمل ( قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (3) قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) ). فقالوا أن النبي سليمان عليه طلب من ملئه أن يأتوه بعرش ملكة سبإ قبل أن تأتيه و قومها مسلمين, فتطوع أحدهم يعلم إسم الله الأعظم فدعا ربه تعالى بإسمه الأعظم فجاء العرش لتوه و انهزم العفريت الأول و فرح سليمان فشكر ربه. و حسب رأيي أن هذا التفسير فيه من المغالطات الشيء الكثير, إذ أن طلب الإتيان بعرش ملكة سبإ بدون علمها يعتبر من قبيل السرقة و حاشى نبي الله سليمان أن يكون سارقا, كما نلاحظ وجود تخاريف على شاكلة أن لله تعالى إسما أعظما لا يعلمه إلا القليل من عباده و في ذلك الكلام إفتراء على المولى تعالى الذي يقول (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ – الأعراف -180) و لم يستثن الله تعالى في تلك الآية إسما أعظما و لا هم يحزنون. و لنقوم بتفسير الآيات فلابد أن نركز على الفعل المحوري في القصة و هو ( أتى ) الذي سنحاول إيجاد تعريف له في القرآن الكريم. يقول الله تعالى في سورة الإسراء (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا – 88 ), و من الآية الكريمة نفهم أن فعل أتى يعني القيام بشيء مماثل لأمر ما سواء أن كان معنويا أو فكريا, فتحدى الله تعالى عباده إنسهم و جنهم أن يجتمعوا جميعا و يأتوا بكتاب معجز مثل القرآن الكريم. و لو أردنا قياس فعل أتى في سورة الإسراء على فعل أتى في سورة النمل فسنخرج بنتيجة أن الملك سليمان عليه السلام كان في استقبال ملكة أخرى, و لتكريم الملكة طلب من خدمه أن يصنعوا له عرشا مماثلا للعرش الذي وصفه الهدهد في قوله ( إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ – 23 ) فقال عفريت من الجن متقن لصنعته أنه سيأتيه بالعرش في غضون المدة التي سيقضيها النبي سليمان عليه السلام متفقدا لرعيته أو حاكما بينهم, إلا أن هنالك من أصنع و أعلم من ذلك العفريت فقال أنه قادر على صناعة العرش في مدة قدرها قبل أن يرتد طرف سليمان, و بقراءتنا للتاريخ القديم نرى أن نظام المخابرات كان يسمى بعيون الملك و آذانه أي هنالك أناس منتشرون في الأرض يعلمون الحاكم بكل صغيرة و كبيرة تحدث داخل و خارج المملكة. و بالتالي قد يكون معنى ( قبل أن يرتد إليك طرفك ) أي قبل أن يعود إليك الرقباء اللذين يراقبون مقدم الملكة و قومها و الرقيب يكون بمثابة عين أو طرف الملك مجازا, فحمد النبي سليمان عليه السلام ربه الذي سخر له أناسا لهم من العلم و الصنعة الشيء الكثير. و قد يتساءل سائل ما معنى قوله تعالى في سورة النمل ( فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ – 40) فأقول والله تعالى الأعلم أن ملكة سبأ لم تظن يوما أن هنالك حضارة أرقى من حضارتها و أسبق منها علما و إبداعا بحيث تكون تلك الحضارة قادرة على أن تصنع عرشا أعظم من عرش ملكة سبأ فقال لسان غرورها و تكبرها ( كأنه هو ) أي قللت من قيمة ذلك العرش الذي كان مهيئا لاستقبال الملكة المغرورة و قد أدعم رأيي بقول النبي سليمان عليه السلام في سورة النمل (قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ – 41 ) أي إجعلوا عرشها الذي في سبأ نكرة أمام جمال العرش الذي صنعه قوم سليمان صناع الحضارة و لو قلنا أن معنى كلمة ( نكروا ) تفيد تغيير شكل العرش القديم فإننا سنقضي على قوة المعجزة بفرض حدوثها لأنه لو كان إتيان العرش معجزة لكان أفضل له أن يكون على مرأى و مسمع ملكة سبأ لا قبل قدومها كما أنه لا فائدة ترتجى من تغيير أو تشويه شكل المعجزة, فالنبي موسى عليه السلام مثلا لم يذهب إلى الصحراء أو الغابة ليأتي بحية تأكل ما يأفك السحرة بل كانت معجزة تحول العصا إلى حية تسعى أمام أعين الناس.
أخيرا يقول القائل ما الفائدة في سرد هذا الإجتهاد الذي يخالف السائد المعهود لدينا, فأقول إن التفسير العلمي المنهجي للقرآن الكريم خير من التفسير الأسطوري للقرآن الكريم الذي حولته التفاسير إلى كتاب فصص خيالي و حكايات أمنا الغولة التي هدمها الله تعالى من أولى بدايات القرآن الكريم بكلمة إقرأ أي أنه بداية من عصر الإسلام لن يكون للخرافة مكان بيننا و لكن الخرافة ترجع من جديد في شكل ثوب ديني وجد ما يعضده من أقاويل إفتراها الأفاقون على لسان النبي محمد عليه السلام و من صدق من صحابته الكرام. و إلى اللقاء في الحلقة القادمة أن شاء الله تعالى.