لماذا تنضم النساء الأوروبيات إلى تنظيم الدولة الإسلامية؟
يتركن بيوتهن ودراستهن ومستقبلهن من أجل الانضمام إلى تنظيم الدولة “داعش”، يقطعن طريقًا طويلًا خطرًا من أجل أن يصبحن “عرائس للجهاديين” و”أمهات لأبناء المجاهدين”.
هن النساء الغربيات اللواتي يتم تجنيدهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن تدغدغ مشاعرهن ويجذبهن الحماس لأيديولوجية التنظيم المتطرف، يصلن سوريا والعراق وتبدأ مهامهن الخطيرة كأن يدعن غيرهن للانضمام لتنظيم أو يشجعن أعمال “داعش”، ومع تعدد الأسباب التي تدفعهن إلى هذا الانضمام تجتهد الدول الغربية لوقف هذه الظاهرة التي تؤرقها.
كيف يجند تنظيم الدولة النساء الغربيات؟
تأتي النسوة الغربيات لتلبية الانضمام لداعش من الولايات المتحدة الأمريكية، ومن دول أوروبا الغربية، كفرنسا وبريطانيا وألمانيا، ويعد الإنترنت ووسائل التواصل أحد أهم وسائل الانضمام، إلى جانب امتلاك الفتيات لقريب أو صديقة منضمة إلى التنظيم، وتكاد تتفق التقارير الإعلامية والرسمية على أن “الدولة الإسلامية” تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن الإناث اللاتي يردن الانضمام إليها، حيث يعمل عناصر «داعش» المعنيون بالدعاية الإلكترونية على البحث عن «الهاشتاغات» النشطة في البلدان الأجنبية وأكثر المواضيع تداولًا وأهم المشاهير متابعة لاستخدامها، واختراق تلك السجلات لترويج دعايتهم ودعوة لتجنيد الأجانب ونشر لقطات فيديو الدعوة والإعدامات.
فحسب تقرير مجلة “تايم” اﻷمريكية ينشر داعش رسائله باللغتين الإنجليزية والعربية على وسائل الإعلام الاجتماعي مثل تويتر وفيس بوك، والتي هي بطبيعتها مفتوحة للجمهور، مع أشرطة الفيديو الدعائية، والتي دفعت الرجال والنساء في جميع أنحاء العالم إلى الاعتقاد بأن القضية تستحق الكفاح من أجلها، ويقول خبير الإنترنت والإعلام الاجتماعي “إياد بركات” إن وسائل التواصل الاجتماعي منبر مهم لتلك الجماعات المتطرفة لتجنيد وحشد المقاتلين الأجانب، بل إنها ضرورة قصوى، وذلك لطبيعتها المفتوحة ووصولها الواسع لشرائح الجمهور المستهدفة.
ما هي دوافع التحاق النساء بتنظيم الدولة “داعش”؟
الزواج
تترك الفتيات الغربيات بيوتهن في الدول الغربية وتنضم لداعش من أجل الزواج وإنجاب أطفال للقتال مستقبلًا، فهذا السبب الرئيس للانضمام لداعش الذي يؤكده تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، ويظهر التقرير أن النساء يسافرن إلى سوريا من أجل الزواج من المسلحين والانخراط في بيئة الأزواج المقاتلين، دون أن يحملن السلاح بأنفسهن ويتجندن للقتال، بل تقتصر مهامهن على إنجاب “أطفال برسم الجهاد”.
الصراع السياسي
تقول الباحثة في كلية “سيتي” بنيويورك وأخصائية شؤون المرأة والعنف الجنسي نيمي غوريناثان إن المنضمات لتنظيم داعش يدركن أن المعركة لا تتعلق بحقوق المرأة بل بقضية قيام الخلافة، وبالتالي فهن يدخلن من أجل الصراع السياسي، وهذا أمر لا يفهمه الكثيرون، إضافة إلى أن النساء اللواتي يذهبن إلى “داعش” يبحثن عن أمور بينها الأمان لأنهن يشعرن أن هويتهن مهددة.
حالة الاغتراب في مجتمعاتهن
تواجه العديد من النساء المسلمات في المجتمعات الغربية غالبًا حالة اغتراب في مجتمعاتهن، فمعظم المنحدرات من أصول غربية المنضمات لـ”داعش”، يأتين من أسر ملحدة، أو مسيحية كاثوليكية، ويهودية، وترفض هذه الأسر اعتناق أبنائها الإسلام، على عكس الغربيات ممن ينحدرن من أصول إسلامية وأسر ممارسة لشعائر الإسلام، ما يدفعهن إلى السفر للالتحاق “بالدولة الإسلامية” من أجل العيش في دولة إسلامية لا يشعرن فيها باغتراب، هذا أكدته دراسة المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية في العراق المعنونة بـ”المجاهدات الجديدات: لماذا تنضم النساء إلى تنظيم “داعش”؟
دوافع إنسانية
توجد دوافع تعتبر إنسانية، تدفع العديد من الغربيات للالتحاق بدولة “داعش”، فتلك النسوة نشأت على القيم الغربية، كالعدالة، والمساواة، واحترام حقوق الإنسان، لذا فهن يرفضن بدافع تلك القيم، ترك الشعب السوري يُقتل بتلك الصورة البشعة في ظل تغاضي حكوماتهن الغربية عن ذلك. ولذا تأتي تلك السيدات إلى مناطق “داعش” من أجل تقديم المساعدات الإنسانية للفقراء والجرحى والأطفال الأيتام ممن فقدوا آباءهم في المعارك الدائرة بسوريا والعراق.
الحياة الوردية بسوريا
تظهر وسائل التواصل الاجتماعية المجتمعات المتطرفة في سوريا وكأنها مدينة وردية تجذب النساء الأجنبيات، إضافة إلى تقديم حوافز مالية لهن مثل مصاريف السفر أو التعويض عن إنجاب الأطفال، لكن الحقيقة كما تقول أستاذة الدراسات الأمنية في جامعة ماساتشوستس ميا بلوم، إن الواقع مختلف جدًا إذ أن التقارير بينت أن النساء تعرضن للاغتصاب وسوء المعاملة والبيع في سوق النخاسة أو أرغمن على الزواج.
ما الصفات التي تجمع الغربيات اللواتي التحقن بتنظيم الدولة “داعش”؟
غالبًا ما تُعد الشريحة العمرية ما بين 16- 24 عامًا، أبرز الشرائح العمرية التي تُقبل على الانضمام إلى صفوف الدولة الإسلامية، حيث يشير باحثون من المركز الدولي لدراسة التطرف في كينغز كوليدج أن معظم هؤلاء النساء هن خريجات جامعيات تركن عائلاتهن وسافرن للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية.
وهن غالبًا من أبناء المهاجرين الذين يحملون الجنسيات الأوروبية.
وتشكل نسبة هؤلاء النساء والفتيات نحو 10% من الأشخاص الذين يغادرون أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا لإقامة روابط مع التنظيمات المتشددة، بما في ذلك تنظيم داعش، ففي فرنسا أظهرت الإحصائيات أن 45% من الذين يخططون للانضمام إلى داعش هن من النساء، كما تعد منطقة آسيا الوسطى من المناطق الرئيسية المُصدِّرة للنساء المنضمات إلى التنظيم.
ما هي المهام التي تؤديها النساء الغربيات في تنظيم داعش؟
توضح حسابات بعض الفتيات الغربيات المجندات على مواقع التواصل الاجتماعي أنهن يقمن بمجهود كبير من أجل الدعاية التي تهدف لتشجيع الأخريات على المجيء والانضمام للتنظيم والدعاية بشكل عام لهذا التنظيم.
وتستخدم الغربيات علانية حساباتهن الشخصية على المواقع الاجتماعية في امتداح الهجمات، ويحرضن على سفك المزيد من الدماء، وقطع رؤوس الغرب ويقدمن النصائح والتشجيع لنساء أخريات ممن يفكرن في الانضمام إليهن، وتصف الصحافة الغربية حسابات نساء داعش على تويتر بـ”مصنع الذئاب المنفردة” فخطورتهن تتصاعد يومًا بعد يوم، وتتجاوز الرجال أحيانًا، فهن من يتولين الدعاية للدولة عبر تويتر ويستقطبن الذئاب المنفردة في البلدان الغربية، ويؤكد روس فرينيت خبير شؤون التطرف في معهد الحوار الاستراتيجي أن “الإخلاص للقضية قوي لدى النساء كما هو لدى الرجال تمامًا”.
وتقول جين هاكبيري الأستاذة المشاركة في كلية الحقوق في جامعة دوك المتخصصة في شؤون النساء، ومكافحة التطرف أن العديد من النساء يكون دورهن رئيسيًّا، فإضافة إلى كونهن زوجات وأمهات، فهن يتولين رسم صورة للعالم الخارجي عن الحياة اليومية في المناطق التي يسيطر عليها المسلحون من خلال ما ينشرنه على مواقع التواصل الاجتماعي التي تبث تسجيلات فيديو عنيفة، مضيفة: “إنهن مهمات من حيث إعادة رسم صورة داعش كتنظيم أقل إرهابًا، وكجزء من بناء دولة”.
بل يكشف تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، أن تنظيم داعش يسعى إلى تجنيد النساء من أجل استخدامهن في عمليات إرهابية داخل بريطانيا. وتذكر صحيفة “أوبزرفر” البريطانية أنه مع رفع أوروبا لحالة تأهب عقب اعتقال متشددين مشتبه بهم في بلجيكا وفرنسا وألمانيا, يكشف أن الكثير من هؤلاء الجهاديات أصبحن جزءًا من هذا التهديد المتصاعد الذي تواجهه أوروبا.
كيف تعمل الحكومات الغربية من أجل منع تجنيد النساء الغربيات؟
يؤرق انضمام الشباب الغربي (نساء أو رجال) إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” الحكومات الغربية التي تعمل على مدار الساعة لمنع انخراط مواطنيها في صفوف التنظيم، فهذا التنظيم الذي يركز بقوة على تجنيد النساء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دفع تلك الحكومات لاتخاذ عدة إجراءات من أجل التعامل مع تهديدات تجنيد أبنائها في تنظيم “داعش”.
الولايات المتحدة أصدرت قرارًا ملزمًا قانونيًّا من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من شأنه أن يجبر كل دول العالم على اتخاذ خطوات “لمنع وقمع” تدفق مواطنيها إلى أحضان جماعات إرهابية. وقد قامت العديد من البلدان، بما فيها بعض الدول في أوروبا، بالفعل بمقاضاة المشتبه في صلتهم بجرائم إرهابية بموجب القوانين الحالية، فبريطانيا قامت بمقاضاة ما لا يقل عن 50 من مواطنيها الذين عادوا من سوريا، حيث يخول القانون بالفعل للسلطات سحب الجنسية من مواطن يحمل جنسية مزدوجة وثبتت إدانته بانضمامه إلى إحدى الجماعات الإرهابية. كما أن فرنسا بموجب القانون الفرنسي القائم، تمنع المواطن من مغادرة البلاد والذهاب بالخارج بمقتضى أمر قضائي، فمؤخرًا سحبت فرنسا جوازات السفر من ستة فرنسيين كانوا على وشك التوجه إلى سوريا، وذلك بعد أن أقرت قانون لمكافحة الإرهاب، كما أن المنع الإداري من الخروج من البلاد مدرج في قانون مكافحة الإرهاب، الذي أقر في نوفمبر الماضي، وأحد أهدافه كبح حركة السفر إلى سوريا، لكنه لم يكن طبق بعد.
وتنظر ألمانيا – التي يمكنها بالفعل سحب جوازات السفر في بعض الحالات- في اتخاذ تدابير تمكنها من سحب بطاقات الهوية الوطنية التي تصدر لكل المواطنين الألمان، والتي تسمح لهم بالسفر إلى العديد من البلدان، بما فيها تركيا. واقترحت هولندا أخيرًا تعديل قوانين الجنسية الخاصة بها، بما يمكنها من سحب الجنسية الهولندية حال قيام أحد مواطنيها بالتطوع للانضمام إلى صفوف إحدى المنظمات الإرهابية. كما أن الحكومة الأسترالية قررت نزع الجنسية عن الأشخاص الذين لهم علاقات مع تنظيمات إرهابية وحاصلين على جوازي سفر، وستضع أستراليا تعديلات على قانون الجنسية تتيح نزع أو تعليق الجنسية الأسترالية للذين يحملون جوازين.