أشعر برعشة غريبة كأنها خليط من مشاعر الحب، ومتعة الاحساس بالحرية، وبهجة ازالة كابوس من فوق الصدر، وغبطة الإيمان، وسعادة الرضا النفسي.
نساء يسرن مع أطفالهن في شوارع مصر التي كانت إلى وقت قريب تلطم وجهها وتقول عجوز عقيم. وزغاريد فرح في كل حارة وزقاق وعلى كل ناصية. سيارات تجوب الشوارع، ويطل منها شبان يرفعون علَما مصريا كأنه لا يرفرف، ولكن يبتسم، بل لعلي أراه يضحك.
أخيرا احتفلت مصر بعيد الأعياد.
هل تسمحون لي أن أكتب مسودة البيان رقم واحد و القابل للتعديل والتنقيح والاضافة والحذف، ليخرج يوم تحرير مصر من القتلة والمجرمين فتسمعه أذن المصري كأنه كلمات تهنئة يقولها كل منا لأخيه في الوطن؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المواطنون الأحرار،
شهد اليوم نهاية عصر واحد من أعتى الطواغيت الذين حكموا أرض الكنانة، أذاق خلالها شعبَنا الكريمَ مرارة العذاب، وفتح السجون والمعتقلات للابرياء، ومنح الفساد كل الدعم والمؤازرة، وقرّب إليه اللصوص وناهبي خيرات الشعب، واحتقر السلطتين التشريعية والقضائية، وأعطى أجهزة الأمن ضوءا أخضر للمارسة كل صنوف السادية والاهانة والاذلال.
نهاية عصر تراجعت فيه مصرنا على كل المستويات، وتقزّم دورها، وأصبحت تابعة لقوى الشر المتربصة بشعبنا وبأشقائنا.
جرائم الطاغية السابق حسني مبارك تحتاج إلى محكمة عادلة يفتح فيها القضاء النزيه ملفات تجعل مبارك في مقدمة أقسى طغاة العصر، وأشدهم استهانة وازدراء لمصر.
اليوم نقول للعالم كله بأن المصري قادر على أن يحرر وطنه دون الاستعانة بأي قوى خارجية، وأن نفس المصري قادر أيضا، بإذن الله، على اعادة بناء بلده التي دمرها الطاغية، وأننا سنلحق بركب التقدم والديمقراطية.
لأن الخسائر كانت على مدى أكثر من ربع قرن كبيرة، وأن مصر لا تتحمل صراعات حزبية او طائفية أو دينية أو فتنة أو مزايدة من فئة على أخرى بأن لها الفضل في نجاح الثورة المباركة نعلن المباديء العشرين التي نسعى لتحقيقها.
أولا: العفو التام عن كل من وقف مع ثورتنا وكان مضطرا في العهد البائد لطاعة الطاغية مبارك، ويستثنى من العفو كل من اشترك في تعذيب مواطن أدى إلى الموت أو عاهة مستديمة.
ثانيا: نظامنا قائم على الاستعانة بالعقول المستنيرة والعلماء والباحثين والمفكرين والاقتصاديين، وأن أي تجربة ناجحة في أي مكان تصبح بالتالي جزءا من نظامنا، نستعين بها شريطة أن لا تصطدم مع مصالح مصر أو عقيدتها أو تراثنا أو عاداتنا الاجتماعية.
ثالثا: لا تقدم بدون تعديل الدستور والقوانين المقيدة للتطور، وهذا يستدعي ورشة عمل ضخمة يشترك فيها مئات المثقفين والقضاة والمستشارين والعلماء والباحثين والأكاديميين وكذلك أبناء مصر في الخارج الذين أتيحت لهم الفرص للاطلاع على أوجه التقدم وسنستبدل بالقوانين المتخلفة قوانين جديدة سهلة وسلسة وعادلة ومنصفة ومرتبطة بأحدث طرق التقدم في كل مناحي الحياة اليومية .. البريد والمواصلات والتعليم والهواتف والنشر والأحكام والضرائب والاستهلاك وصناعة الدواء والمستشفيات والعلاج والتجنيد وطرق التعليم الحديثة والتربية المنزلية والمشروع القومي للقضاء على الأمية وكيفية وضع حد للأمراض الوبائية والعلاقة بين الموظف والمواطن وحقوق وواجبات المصري في كل مؤسسات الدولة والمساواة الكاملة بين أفراد الشعب وحقوق المصريين في الخارج والرقابة والعنوسة والثقافة وصناعة الموظف الجديد و ... آلاف من الهموم الحياتية اليومية التي تعرقل التقدم.
رابعا: إن مصر لأهلها مهما كانت العقيدة أو الأيديولوجية أو الفلسفة أو المذهب أو الطائفة أو أي انتماء آخر، وكل من يعيش على أرضها يتساوى مع الآخرين في كل الحقوق والواجبات، ونخص هنا العلاقات بين المسلمين والأقباط، وأي جهة خاصة أو رسمية تميّز بينهم في أي صورة من الصور ولو غير مباشرة تُعرّض نفسها لمساءلة قانونية.
خامسا: يظل التجنيد اجباريا ، ويتم البحث في نظام جديد لا يثقل كاهل الميزانية، ويجعل كل مصري مرتبطا بالجيش لثلاثة اسابيع في كل عام، ويتم بحث تجنيد الفتيات، وعرضه في استفتاء شعبي. كما تقام في مصر صناعة اسلحة متقدمة .
سادسا: رئيس الجمهورية يتولى المنصب لسبع سنوات غير قابلة للتجديد تحت أي ظرف.
سابعا: السلطة القضائية لا معقب لحكمها، وليس من حق أي جهة أمنية اقتياد الذي برأته المحكمة إلى مكان آخر، ويتم تعويضه ماديا بما يحدده القاضي.
ثامنا: الصحافة حرة وملتزمة أدبيا وأخلاقيا بالحقائق، وأن يكون لديها الشهود والأسماء والتواريخ، وتراخيص الصحف ينبغي أن تكون سهلة، والإعلاميون خط دفاع عن المجتمع، يبين سلبياته ومواضع الخلل، وتحميهم الدولة، وتضمن لكل إعلامي مسكنه ومأكله ومشربه ومأمنه وكرامته وحريته.
تاسعا: الغاء نظام الانتخابات في الدوائر فهو يأتي بكثير من الوصوليين وفي صفقات مصالح مشتركة ويحجب أصحاب الكفاءات ممن لا يملكون المال اللازم للحملة الانتخابية. والانتخاب سيكون الكترونيا والحملات في الاذاعة والتلفزيون والانترنيت، ومصر كلها دائرة انتخابية واحدة.
عاشرا: تلتزم مصر بكل الاتفاقات الدولية، وأنها ليست في حالة حرب، وأنها صاحبة القرار السيادي في البيع والشراء والأسعار والعملة والبترول وقناة السويس، والسياحة يتم تنقيتها من الاستغلال وتشويه سمعة مصر، وممنوع فتح المجال الجوي أو البحري أو الأرضي لضرب دولة عربية، مالم تقم باحتلال دولة عربية أخرى، وأي قواعد عسكرية أو وجود أجنبي يخالف الدستور.
حادي عشر: مصر دولة عربية وقُطر في أمة عربية واحدة، والدين الرسمي هو الإسلام لكنه لا يمنح المسلم أي حقوق تزيد عن حقوق غير المسلم مهما صغرت ، ولا يمنح أحدا حقا في قمع الفكر والرأي المخالف والاجتهاد، ولا تقبل المحاكم رفع دعاوى ضد الرأي الآخر ما لم يكن طلبا صريحا للاستعانة بدولة أجنبية ضد المصالح المصرية.
ثاني عشر: القضاء على الأمية مشروع قومي تتعهد الحكومة بتنفيذه في مدة أقصاها أربع سنوات يكون فيها كل من لم يبلغ الخامسة والخمسين قد تعلم القراءة والكتابة، ويتحمل المسؤولية الأقربون من الدرجة الأولى الذين يجيدون القراءة والكتابة.
ثالث عشر: البيروقراطية التي يحميها الموظف الخائف تعود إليها معظم أسباب التأخر، لذا فإن تغيير القوانين المتخلفة والبدائية والمعرقلة للتقدم يظل عملا يوميا على كل المستويات، وفي كل مؤسسات الدولة الخاصة والحكومية.
رابع عشر: يتم وضع ضوابط لنظام علاج الطفل مجانا حتى سن العاشرة ، وتتحمل الدولةُ العبءَ وتسديد النفقات للأطباء والمستشفيات.
خامس عشر: كبح جماح الغلاء وجشع التجار والاستغلال الذي يتعرض له المواطنون مسؤولية يتحملها رئيس الدولة، والخبز يتوفر للجميع بسعر لا يمثل حِمْلا زائدا.
سادس عشر: اعادة النظر في مفهوم العلاقة مع الدين، فالدين ليس فقط عبادة الله، ولكنه خلق سعادة للمواطن، وتجفيف منابع الغش والاستغلال والمخدرات والبطالة والاهمال، ورجال الدين هم رجال دنيا أيضا ويجب أن يصالحوا العصر، ويعيشوا مع المواطن في حياته اليومية ومشاكلة وأزماته.
خامس عشر: كبح جماح الغلاء وجشع التجار والاستغلال الذي يتعرض له المواطنون مسؤولية يتحملها رئيس الدولة، والخبز يتوفر للجميع بسعر لا يمثل حملا زائدا.
سادس عشر: المواطن المصري حر في مغادرة البلاد في أي وقت والعودة إليها كما يشاء، ولا تمنعه أي جهة من حضور ملتقى أو اجتماع ما لم يكن مطلوبا للقضاء أو متهربا من حُكم محكمة. وتفتيش البيوت بأمر نيابي، ويعيد من يقوم بالتفتيش كل الأشياء إلى مواضعها، ولا يتم اصطحاب أي متهم أمام الجيران والأهل إلا بصورة كريمة، ولا توضع القيود في غير حالة الخوف من الهروب أو استخدام العنف.
سابع عشر: مفتي الجمهورية هو الجهة الوحيدة المخوّل لها اصدار فتاوى، أما الفتاوى في الصحف والمجلات والدوريات والفضائيات والانترنيت، والفتاوى القادمة من خارج مصر، ومن جمعيات دينية ومذهبية ولو كانت معتمدة من سلطات البلد الآخر فهي مجرد آراء لا يتم الترويج لها في وسائل الاعلام المصرية، ولا تحتج بها أي جهة، ولا يعتمد عليها قضاء أو شهادة أو حُكم محكمة.
ثامن عشر: اللغة العربية هي اللغة المعتمدة رسميا في الدولة، وينبغي الاهتمام بها ورعايتها، وأن يتحدث ضيوف القنوات التلفزيونية المصرية باللغة الفصحى، ما أمكنهم، وكل مقدمي البرامج المصريين يتحدثون الفصحى فقط، وتضاعف الدولة الاهتمام بها، ويتم عقد امتحان في اللغة العربية في كل مراحل الدراسة وحتى التخرج النهائي، وموظفو الدولة مطالبون باجادتها قراءة وكتابة، والكتاب رديف التقدم، ومن لا يقرأ من موظفي الدولة ولا يهتم بالثقافة والكتاب قد يتعرض للنقل أو تأخر الترقية.
تاسع عشر: رئيس الجمهورية مسؤول مسؤولية تامة عن اعتماد كل براءات الاختراع، والأفكار الابداعية في أي مجال يجب الاهتمام بها، وتضاعف الدولة الانفاق على البحث العلمي، ومنظمات حقوق الانسان تعمل في أي مكان في مصر ويتم نشر تقاريرها، ويسمح لأفرادها دون ترخيص بزيارة السجون والمعتقلات وأقسام الشرطة وأمن الدولة والتحقق من أي اهانة لكرامة المواطن، ويسمح لها بالتصوير والتسجيل والاستعانة بالتلفزيون ووسائل الاعلام الأخرى.
العشرون: كل ما نشرته الصحف والدوريات والفصليات والمجلات من مشاكل وأزمات واستغاثات وفساد وانتهاكات لحقوق الانسان ونهب وسرقة وقوانين ظالمة وتجاوزات وجرائم وغيرها في ربع قرن، يتم اعادة تنظيمها، والتحقق من صحتها، وتوزيعها على الجهات المسؤولة، ويقوم رئيس الدولة بتحمل مسؤوليته بمتابعتها.
رئيس الدولة هو الشخص المسؤول أمام الشعب عن أي تجاوزات أو مشاكل أو ما يثقل كاهل المواطن، فهو الذي يقوم بتعيين رئيس الوزراء، والمحافظين، والمسؤولين الكبار، وينبغي أن يتحقق فورا وفي نفس اليوم من شرف ونزاهة أي مسؤول تنشر عنه الصحف أنه لم يؤد مهامه كما ينبغي.
رئيس الدولة لا يتهرب من مسؤولياته، ويرفض النفاق والتزلف والتأهيل والتلميع، ويتابع الصحافة بنفسه، ومساعدوه ليسوا لمنع المتظلمين من الوصول إليه، وله حديث أسبوعي تلفزيوني وإذاعي يبسط فيه كشف حساب كامل لكل أيام الأسبوع، ولا يحضر الحفلات إلا للضرورة القصوى، ويتابع بنفسه الحركة الثقافية والفنية والأدبية والإعلامية، ومسؤول عن انخفاض قيمة العملة، ومطالب بشرح أسباب اختياره لأي مسؤول كبير، والأمن في مصر مسؤوليته الكاملة، وممنوع تسريح المسجلين خطرين لأي سبب حتى يتأكد الأمن أنهم لا يمثلون خطرا على المواطن أو النساء أو الأطفال، والاغتصاب جريمة لا تحتمل التأخير القضائي، وحماية الطفل مهمة كل فرد في المجتمع، والمرأة نصف المجتمع لها من الحقوق وعليها من الواجبات تماما مثل الرجل، ويجب وضع قواعد صارمة للمرور وتخفيض الحوادث إلى الحد الأدنى، وإعادة رسم قواعد التصدير والاستيراد بما يمنع الاحتكار، ويجب ابعاد كل المشبوهين في موانيء مصر، وتجديد شركة الطيران الوطنية، وحماية آثار مصر بوضع قواعد مشددة تمنع التهريب والسرقة، واعادة الاعتبار للأمانة والعمل الجاد واحتقار وازدراء الرشوة والمحسوبية والواسطة، وتجميل مطار القاهرة الدولي ليصبح واجهة مشرفة للوطن، ومنع استقبال أي شخص استقبالا خاصا ما لم يكن ضيفا على الدولة، وإعادة النظر في كل طلبات العاملين في القنوات الفضائية الذين لهم أقارب، ليتم تعيينهم من جديد وفقا للكفاءة، واطلاق مشروعات قومية للنظافة وحماية الشعب من التلوث، وتجريم دفن أي مواد ضارة، وأن يحصل على ترخيص كتابي كل من يستخدم مواد لتحسين الزراعة، وأن يتم تحليل مياه الشرب مرة كل ثلاثة أيام في كل منابعها وتعلن وسائل الاعلام خلوها من التلوث وصلاحيتها للشرب، وتجارة المخدرات تتساوى مع الخيانة العظمى للوطن.
أيها الاخوة المواطنون،
تلك على عجل بعض المباديء التي تلتزم بها ثورتنا المباركة، وبناء مصر الجديدة الجميلة القوية والحرة والمستقلة مهمتنا جميعا، وثقافة التسامح هدفنا، ومجتمع آمن أقصى أمانينا، وتسليم مهام القيادة في كل مؤسسات الدولة، الخاصة والحكومية، لأصحاب الكفاءات العبقرية والمبدعة والشرفاء مسؤولية لو أخل بها رئيس الدولة تصبح طاعته غير واجبة على المصريين.
إن مصر تنتعش من جديد، وتعيد بناء ما دمرته الأيدي الحاقدة والفاسدة وخادمو الطاغية ومتزلفوه، وتصنع من الآن زمنا جميلا، ونتعهد أمام الله وأمام أجيال لاحقة بأننا سنجعل من هذا البلد الطيب الكريم نموذجا لدولة عصرية آمنة ومتسامحة ومتقدمة.
والله أكبر والعزة للمصريين.
بيانات العصيان المدني والتعقيبات والتعديلات والاقتراحات على الموقع التالي:
[url]http://againstmoubarak.jeeran.com/archive/2007/4/202015.html[/url]
محمد عبد المجيد
رئيس تحرير مجلة طائر الشمال
أوسلو النرويج
[email]Taeralshmal@gmail.com[/email]