التقى لفيف من القيادات الإسلامية واليهودية في لندن لمتابعة ونقاش فيلم حديث يحمل عنوان (الوعد بيسا)، ويتحدث هذا الاصدار، عن روايات موثقة لمسلمين حموا اليهود من براثن النازية في ألانيا المحتلة عصرئذ.
نبيل الحيدرى من لندن: بدعوة من مؤسسة الأديان الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية)، ورئيس بلدية لندن، حضرت قيادات إسلامية ويهودية هذا الأسبوع فى المركز اليهودي الإجتماعي لمتباعة فيلم وثائقي (الوعد... بيسا) الذي تم انتاجه برعاية الأمير الوليد بن طلال آل سعود، والفيلم يتحدث عن إنقاذ المسلمين لليهود فى ألبانيا إبان الحرب العالمية الثانية ويتضمن كذلك حوارات وقصصا حقيقية لا يعرف كثيرون عنها شيئا.
مخرجة الفيلم، رتشال جوسلن، عبّرت عن أهمية الفيلم وقالت إنها "تفاجأت بتلك القصص الرائعة التى لم تكن تسمع بها من قبل فى تضحية عظيمة للمسلمين من أجل اليهود، ولم يُسلّم يهودي واحد للألمان من قبل المسلمين بل جاء عدد آخر من اليهود من الخارج إلى ألبانيا ليحميهم المسلمون، وقاموا بحمايتهم لدرجة قول بعضهم إنه مستعد للتضحية بعائلته جميعا وهو يحمى اليهود فى بيته من الأذى والقتل، وقد أخفوهم فى بيوتهم كإخوان لهم وباتت البنات ينظرن إلى الأبوين المسلمين كآباء لهنّ والبنات المسلمات كأخواتهن".
وخلال الحرب العالمية الثانية، وقعت ألبانيا تحت الإحتلال الألماني، وبدأ النازيون يبحثون عن اليهود فى كل بيت وشبر من ألبانيا.
وعام 1941 سيطر هتلر على جنوب أووربا، وفي عام 1943 طلبت ألمانيا من المسلمين الألبان تزويدهم بجميع أسماء اليهود حتى الموجودين على الحدود، فرفض المسلمون ذلك، وأجابوا بأن الموجودين هم ألبان ولايميزون اليهود من المسلمين.
ومع إلحاح الألمان قام المسلمون بوضعهم فى بيوتهم وإلحاقهم بعوائلهم وتسجيلهم فى السجلات الرسمية كأفراد لعائلتهم وهم يشاطرونهم بيوتهم، حيث قسم البعض بيته نصفين ليعطي إخوته اليهود نصف بيته فضلا عن الغذاء واللباس، ويسكن هو في النصف الثاني.
وهم يعتبرون ذلك وعدا إلهيا يسمونه باللغة الألبانية (بيسا) يستحق فاعله الدخول إلى الجنة لأنه أنقذ نفسا بشرية من القتل كما فى القرآن (ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا).
كان يمكن لليهودي حينها أن يطرق باب أى مسلم كان فى ألبانيا فيقوم المسلم بحمايته قطعا ويستضيفه فى بيته.
وقد اعطى الحكام المسلمون لليهود أسماء مسلمة، وهكذا تبدلت أسماؤهم وكأنهم مسلمين ولم يكن الأمر سهلا بتاتا حيث كانت عقوبة الألمان قاسية جدا لمن يخفى فردا يهوديا آنذاك.
ناهيك عن قصص كثيرة فى الجبال من شمال ألبانيا وغيرها قال اليهود إنهم عاشوها وهى محفورة فى ذاكرتهم على مر الزمان عرفانا لجميل المسلمين.
المصور الأميركي نورمان غيرشمان تجول عبر بلدان كثيرة بحثا عن الأشخاص ممن لهم علاقة بالموضوع، ليحاورهم ويصورهم.
يقول: هذه القصة لا يعرفها الناس، فهم لا يتصورون أبدا أن المسلمين يمكن أن ينقذوا اليهود أبدا وهى النظرة الخاطئة السائدة فى العالم وعند عموم الناس".
وذهب المصور إلى ألبانيا وحاور الأبطال المسلمين الذين ضحوا من أجل حماية اليهود في أشد الفترات أزمة لمطاردة اليهود هناك.
قصص خالدة
من الرويات المتداولة، قصة سبعة شباب يهود يبحث عنهم الألمان، فقام المسلمون بإخفائهم فى منطقة جبلية (كروجا) بعيدة، يصعب على الألمان إيجادهم وبقوا هناك لمدة تقرب من العام الكامل حفاظا على حياتهم.
كما تحدثت إحدى اليهوديات عن أمها ذات العيون الزرقاء والشعر الذهبي، حيث جعلتها المسلمة تلبس الحجاب لكى لا يتعرف عليها الألمان وطلب الألمان أن تكشف عن وجهها فقالت :(كيف يجوز للمسلمة أن تكشف أمام الأجانب) فتركها الألمان.
كانت أكبر عقبة هى حواجز الألمان المنتشرة في كل مكان للتفتيش عن اليهود ولو عرفوهم لعاقبوهم كما عاقبوا المسلمين الذين يحمونهم ويغطون عليهم.
وتحدثت عائلة يهودية تضم 4 بنات، وأكدت أنها سكنت عند المسلمين وظلت في حمايتهم رغم بحث الأمان الدائم عنهم ولو وجدهم الأمان لقتل المسلمين الحامين لهم جميعا.
تحدثت إحدى النساء اليهوديات، وقالت إنها كانت معروفة عند جميع المسلمين ويعرفون مكانها ولم يفتن أو يخبر عنها اي أحد منهم إطلاقا، لذلك عادت إلى ألبانيا بعد 26 سنة لتشكر المسلمين على الخلق الكريم.
وروى بعضهم قصة عجوز مسلمة جعلت بيتها مقرا لليهود ولم تقبل أن تستلم منهم فلسا واحدا طول المدة بل اعتبرتهم ضيوفا كراما يجب حمايتهم.
أحد اليهود سلّم فى ألبانيا مسلما ثلاثة كتب يهودية مكتوبة بالعبرية ليرجعها إليه لاحقا لكنه سافر إلى إسرائيل وغيّر اسمه واختفى أثره لكن المسلم أوصى ولده بذلك قبيل وفاته، وهكذا بدأ الإبن المسلم البحث عنهم ويضطر للسفر والمعاناة بحثا عن اليهود وتسليمهم الأمانات التى سلمها والده المسلم الذى أنقذ اليهود، ثم يجدهم أخيرا فى إسرائيل ويعيد لهم الكتب الثلاث فى لقاء حام مع البكاء والذكريات.
الرحمة ومحبة الآخرين
الفيلم يعرض نظرة المسلمين للرحمة فى الإسلام والقرآن والنظر للآخر.
وتحدث بعض رجال الدين الألبان وذكروا الآية الكريمة: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وذكروا قصة وقوف النبى احتراما لموت شخص كان يهوديا فوقف النبى حين مرور الجنازة، فعاتبه البعض (يا رسول الله إنه يهودي) فأحاب النبى (اليس بشرا؟) مما يجعل الإحترام الإنساني لجميع البشر كما ورد فى القرآن مدحا للنبى موسى والتوراة واليهود.
وذكروا آية أخرى هي (كان الناس أمة واحدة) إذ أن القرآن يؤكد أن أصل الجميع من أب واحد هو آدم وأم واحدة هي حواء.
العلاقة بين المسلمين واليهود
اليهود في هذا الفيلم يقولون إنهم مدينون بحياتهم إلى المسلمين، وهكذا وضعوا أسماء المسلمين المنقذين على صخور منقوشة ليتذكروهم طول الحياة.
وبعد نهاية الفيلم اجتمع المسلمون واليهود ليتحاوروا في محتواه.
وذكر العديد من اليهود قصصا مشابهة تظهر محبة المسلمين لليهود وحمايتهم فى الأزمات المختلفة، كما تحدثوا عن المشترك بين المسلمين واليهود وبين الأديان الإبراهيمية الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية وتبعيّتها لإبراهيم والمبادئ الكثيرة المشتركة كالصدق والأمانة وعدم الكذب والقتل والخيانة.
كما تطرق النقاش إلى المشاكل المعاصرة خصوصا بعد حادث باريس الإجرامي وأصدائه وما تعانيه الساحة من مشاكل للتفرقة وإثارة ثقافة الكراهية وحرصوا على الدعوة إلى ضرورة استبدال ثقافة الكراهية بثقافة محبة والتسامح والتعايش.