جدد إدخال الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز إلى مدينة الملك عبد العزيز الطبية للحرس الوطني في الرياض الجدل حول من سيخلف الرجل الذي صنفته مجلة "فوربس" في المرتبة الحادية عشرة في لائحة الأشخاص الأكثر نفوذاً حول العالم.
ومع تدهور صحة الملك السعودي عبد الله بدأت تظهر ملامح الصراع على السلطة في أكبر بلد منتج للنفط في العالم.
وأصبح "مستقبل المملكة على المحك، لاسيما أنها على وشك تحول تاريخي مقلق بسبب انتقال الحكم إلى جيل أصغر سناً"، وفق الكاتب البريطاني هيو توملينسون الذي أشار إلى أن الملك (90 عاماً) الذي أُدخل إلى المستشفى منذ أسبوعين للمعالجة من الالتهاب الرئوي، "يحاول تأمين أولاده بإسناد مراكز حكم رئيسية لهم".
"الجميع في حال انتظار. هناك الكثير من المشاجرات الحادة تجري بين الجميع خلف الكواليس" يروي أحد المستشارين الحكوميين السعوديين، مضيفاً أن "الوريث لكرسي الحكم معروف، إلا أن المناصب الأخرى غير واضحة".
في 19 حزيران من العام 2012، أصدر الملك عبدالله أمراً ملكياً بتعيين الأمير سلمان بن عبد العزيز ولياً للعهد خلفاً لشقيقه الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز. وفي 27 آذار 2014، عُين عبدالله الأمير مقرن بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد "في حال خلو ولاية العهد، كما يُبايع ملكاً للبلاد في حال خلو منصبي الملك وولي العهد" كما جاء في نص الأمر الملكي الصادر عن الملك عبدالله.
وإذ أشار إلى أن "سلمان يعاني الخرف إلا أنه لا يعرف مدى حدة هذا المرض"، رأى توملينسون إلى أن لا يُنظر إلى الأمير مقرن، رئيس سابق للاستخبارات السعودية، بأنه "الوريث الحقيقي لأنه من أم يمنية تدعى بركة اليمانية وهي من الجواري المفضلات للملك عبدالله مؤسس المملكة العربية السعودية".
وتوقع أنه في حال وفاة الملك فإن عائلة سلمان (أبناؤه وأبناء أشقائه ووالدتهم تنتمي لعائلة السدير صاحبة النفوذ)، "سيكون لديهم خططاً أخرى، ولعل أهمها إعادة وضع يدهم على الحكم في البلاد".
ويتوقع بعض الخبراء أن الأمير سلمان "أكثر تحفظاً" من شقيقه عبدالله، ووفقاً لبرقية ديبلوماسية أميركية في العام 2007 ونشرها موقع "ويكيليكس"، فإن سلمان يرى أن الديموقراطية "لا تناسب المملكة المحافظة ويتبنى نهجاً حذراً في الإصلاح الاجتماعي والثقافي". ولا يُعرف الكثير أيضاً عن توجهات الأمير مقرن أو السياسات التي قد يتبناها.
تحديات هائلة
يواجه المجتمع السعودي اضطرابات هائلة وبيئة غامضة عدائية إزاء تبعات الربيع العربي، ويرى الباحث في برنامج الشرق الأوسط في معهد "كارنيغي" للسلام الدولي فرديريك ويري أن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"-"داعش"، الذي "تنظر إليه فئة محرومة من المجتمع السعودي كعامل جذب"، يمثل الخطر الأكبر بالنسبة لمؤسسة الحكم لأنه تقع على مسؤوليتها حماية الشباب السعودي من تغلغل الأفكار الداعشية في صفوفهم".
وهكذا يمكن الاعتبار أن "داعش قد قطع طريق الإصلاح أمام الملك المقبل العتيد"، وفقاً للباحث الزميل في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة "هيريتدج" الأميركية اليمينية جيم فيليبس.
بصفته خادماً للحرمين الشريفين، سيُواصل الملك العتيد "الصفقة الخاسرة" مع المؤسسة الوهابية المتطرفة و"تمويلها بسخاء".
ويوضح فيليبس أنه على "الجيل الأكبر سناً في السعودية أن يكون واعياً تماماً بأن المتشددين الإسلاميين يهددون شرعيتهم وأن عليهم اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف الدعم المقدم لتلك الحركات".
كما يواجه الحاكم الجديد تحدياً يتمثل في توجيه اقتصاد المملكة الذي يعتمد على النفط خلال فترة انخفاض الأسعار. ويتعين على السعودية تخفيض إنفاقها الحكومي المرتبط بانخفاض أسعار النفط بنسبة 18 في المئة في العام، وفقاً لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية.
ويشير ويري إلى وجود "أزمة اقتصادية تلوح في أفق المملكة، فهي ستضطر لتقليص إنفاقها في المنطقة والمساعدات الخارجية لمصر، من دون المس بالمساعدات والرعاية الاجتماعية".
وستظل طهران تحدياً كبيراً للمملكة السعودية من خلال تأثيرها الواضح في الملف العراقي واللبناني واليمني. "ولم تقدر السعودية على إيجاد آلية لمواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة في وقت سابق ولن تستطيع في هذه المرحلة أيضاً نظراً للوجود الميداني للقوات الإيرانية في المنطقة والتقارب مع واشنطن"، وفقاً لمدير مركز الدراسات الإستراتيجية في جامعة الأردن موسى شتيوي.
وخيب التقارب الإيراني- الأميركي، بسبب المحادثات الجارية حول الملف النووي الإيراني، آملا الكثيرين في السعودية. لكن هذا التقارب لن يحدث أي تغيير جذري في التحالفات.
وترى نائبة رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال افريقيا في معهد "شاتام هاوس" جاين كينينمونت أن "السعوديين لا يثقون بالأميركيين في هذه المسألة، لأنهم يعتقدون أن واشنطن اتخذت القرار الخاطئ".
بدوره، يوضح مدير مركز "بروكينغز" في الدوحة سلمان الشيخ أن للعلاقة بين الرياض وطهران "تاريخاً جيداً وطويلاً، لكنها لم تعد كما كانت عليه من قبل"، معتبراً أن الأمر الأكثر أهمية خلال فترة الحكم المقبلة هو "مدى ترابط العلاقة بين السعودية وهذه الإدارة ".
إعداد نغم أسعد