أحاول في هذا المقال نقل ثلاث صور بسيطة عبّرت وبشكل فاضح عن مواقف قام بها جورج بوش - إثناء زيارته لدول الخليج - لها مدلولات ومعاني عميقة وفي نفس الوقت مُهينة ومُذلة لحكام تلك الدول. لكن وقبل أن إخبركم بتلك المواقف "البسيطة" لابد من القول، أن هذا المقال لن يتطرق للموضوع السياسي أو الأهداف التي كانت وما زالت وراء زيارة بوش للمنطقة وسوف لن أدخل في التحليل والتفصيل الممل لخطابات وأوآمر بوش المعروفة مسبقاً لحكامنا، ولكن سوف أركز على ثلاث صور عبّرت بصورة لاشعورية أو حتى لو كانت مقصودة من بوش، فقد نطقت بصمت عما كان يعتلج في نفسه وما يفكر فيه طوال الوقت أثناء زيارته لتلك الدول، ولم ولن يفصح عنه – على الأقل في الوقت الراهن - بالكلمات لهؤلاء الحكام الجهلة، حتى لا تتضرر مصالح شعبه وبلاده فيما لو نطق بصراحة عما يفكر فيه بصمت. وهنا أيضاً أحب أن أنوه أننا نعرف جيداً من هو بوش وما هي أخلاقياته وإلى أي مدى يحترم حقوق الأنسان ويصون كرامته ويحافظ على حرية الفرد في عهده الميمون، ولكن ومع كل ما نعرف عنه فقد حاول بتصرفاته تلك إحراج أولئك الطغاة وتحقيرهم والكشف عن معدنهم المتعفن وهو ليس بأفضل منهم بأفعاله وتأريخه ولكن حال تصرفاته في عقر ديارهم يقول: أنتم أوضع مني في معاملتكم لشعوبكم المقهورة. وهنا لابد من أن الإعتراف، بأن بوش كان أصدق الكذابين تصرفاً في مضارب الأعراب.
الصورة أو الموقف الأول حصل في أبو ظبي عندما وصلت طائرة بوش ونزل منها وكان في إستقباله في المطار الشيخ خليفة بن زايد وكان المطر يهطل غزيراً حينها في أبو ظبي، وكون الشيخ خليفة الحاكم المطلق بأمر الله في تلك الإمارة، فلا بد من وجود خادم أو على الأصح "عبد" يحمل له مظلة حتى لا يبتل من المطر – مع العلم أن الله قد حباه بيدين قادريتين على الحمل والرفع والنصب – وكان من المتوقع أن يحمل خادم أخر المظلة لجورج بوش ولكن وحتى يفضح بتصرفه البسيط ذلك، مدى إستعباد هؤلاء الحكام الظلمة لحقوق المواطن وإستغلاله، قام بوش بحمل مظلته بكل فخر وإعتزاز وكأنه يتباهي بها أمام ذلك الجاهل وهو يجرجر عباءته بكل خزيٍ وعار، وينظر إليه بوش بقرف ويقول بصمت: أنا أفضل منك لأني لا أعتمد على غيري فيما أقوى على فعله بنفسي وأنا رئيس أقوى دولة على وجه الأرض.
الصورة الثانية والموقف الثاني لم يكن بوش بصحبة أحد من أصحاب السعادة الأمراء فهو الآن قد يكون موجود في الإمارات أو في البحرين أو قطر أو الكويت أو السعودية غيرها من الأماكن التي يتواجد بها قوات أمريكية وقواعد عسكرية لحماية المصالح الأمريكية ولحماية هؤلاء "الحكام العبيد" من غضب شعوبهم وطول صبرهم على ظلم هؤلاء الجهلة من الحكام. بوش موجود في هذه الصورة بين جنود بلاده – مش جنود إللي خلفوه-، لا أحد يحرسه ولا أحد يحمل له مظلة ولا ولا إلى آخره مما يقوم به حكام بلادنا بحق شعوبهم وجنود أوطانهم، بوش يقف في صف "طابور" ليحصل على نفس الطعام الذي يأكل منه أقل رتبة عسكرية في تلك القاعدة ويحمل جورج بوش أطباقه بنفسه ويبحث له عن مكان بين الجنود الجالسين بدون أن يقوم أحد ليبوس يده ويجلسه في مقعده. هذه الصورة كانت أيضاً درس لهؤلاء الحكام الجهلة حاول بوش عن قصد أو غيره تقديمه لهم عن كيفية التعامل مع حماة الوطن ومن يدافع عن مصالح شعوبه. أنظر وأحكم كيف يتعامل حكام العرب مع جنودهم ومع شعوبهم!!.
أما الصورة الثالثة والموقف الثالث فهو أكثر المواقف إهانة لحكام بلاد الحرمين من آل سعود، فعندما يحل ضيف على مضارب آل سعود يقوم أحد من الخدم أو "العبيد" بعرف آل سعود بتقديم القهوة العربية له، وهذا ما حصل بالفعل مع بوش فقد تقدم منه رجل مسن يحمل دلة القهوة وقدم له فنجان من القهوة وبعد أن شربها بوش "بالهناء والشفاء" رد له الفنجان فارغ ومن ثم أشار له بيده أن يتقدم فلم يفهم ذلك "الخادم" حامل دلة القهوة ما يرد منه رئيس أقوى دولة في العالم ولا يمكن أن يخطر في باله ما سوف يفعله ذلك الرئيس الذي هو سيد من هو عبدهم، فما كان منه إلا حاول أن يسكب له فنجان آخر ولكن بوش قال له أنه لا يريد منه قهوة ولكنه يريده أن يقف بجانبه ويتصور معه كما يفعل أسياده ويا للعجب من ذلك الموقف فقد أمسك بوش بيد الرجل "الخادم" وجلبه إلى يمينه – بالضبط في المكان الذي كان يتسارع عليه عبدالله وسلطان وسلمان وغيرهم من عبيد آل سعود للتبرك به أو ربما قد يدخلهم الجنة – حتى يأخذ معه صورة تذكارية وهو يبتسم مع الرجل بكل إحترام وتواضع – حتى لو كان التواضع مجرد شو من بوش فذلك لن يغيير من واقع هذا التصرف المقصود من بوش في عقر دار هؤلاء الحكام ليضعهم في حجمهم الطبيعي أمام شعوبهم وأمام خدمهم ومن يدور في فلكهم من منافقين ومشايخ سلطان-، صورة عرضتها كل الفضائيات للذكرى والتذكير، لأن الصورة تلك أقدر في التعبير عن آلاف الكلمات التي يمكن أن تقال في هذا المقام. صورة لتذكر الشعوب المغلوب على أمرها، أن هذا الحاكم ما هو إلا بشر ونحن لسنا عبيد وخدم لهذا الحاكم الطاغي.
السؤال الذي لابد من طرحه هو، لماذا أراد بوش القيام بهذه التصرفات في مضارب بني يعرب ولم يقم بها عند الإسرائيلين، على العكس من ذلك فقد إحترمهم وإحترم كل تصرفاتهم وإحترم تصرفاته معهم وكان مؤدب معهم وكان وقح مع حكامنا؟ السبب هو الإنسان وإحترام حقوقه وصون كرامته وحفظ حريته مهما كان عرقه أو لونه أو دينه أو مستواه الإجتماعي. فلو كان حكامنا يحترمون شعوبهم لما حاول بوش القيام بتلك التصرفات في مضارب بني يعرب الكرام وبكل تواضع منه، وصل في بعض الأحيان حد الوقاحة والإستخفاف بتلك الحثالة من الحكام.
السؤال الأخر الذي لابد من طرحه هو، أين دور المشايخ ورجال الدين من حقوق الإنسان وكرامته وحريته وحقوق المرأة خاصة في مجتمع يقهر الرجل والرجل يقهر من هو أضعف منه ويُخرج عقده في المرأة والطفل ومن دونه في السلم الإجتماعي، لماذا يهتم المشايخ بأمور الجنس والجن والدين وقضايا المرأة، ولم يهتموا بحساب الحاكم ومحاسبته ولم يهتموا بحقوق المواطن الإنسان وكرامته وحريته؟
يا مشايخ آل سعود، إن السلف كانوا إذا رأوا رجلاً راكباً وشخصاً يجري خلفه قالوا: قاتله الله من جبار. ( من مختصر صفة الصفوة لابن الجوزي).