التاريخ والتأريخ
بسم الله الرحمن الرحيم
ان هذا لهو القصص الحق وما من اله الا الله وان الله لهو العزيز الحكيم ( آل عمران 62)
نحن نقص عليك احسن القصص بما اوحينا اليك هذا القران وان كنت من قبله لمن الغافلين ( يوسف 3)
========================================
التاريخ هو علم تدوين الأحداث التى مضت كى يرجع اليها من يود ان يرجع اليها فى وقت لاحق, والتدوين كان يتم بطرق كثيرة تعتمد على كل عصر وعلى ما توصل اليه الإنسان فى ذلك العصر من امكانيات, فمثلا تم التدوين بالرسوم وتم التدوين بالنقش على الحجاره وتم التدوين بإقامة التماثيل والصروح والمعابد, وتم التدوين بالكتابة على ورق البردى او على جلود الحيوانات , وتم التدوين بالكتابة على الورق المعروف لدينا الأن , وتم التدوين بالصوت ثم بالصوت والصورة, وفى المستقبل قد يتم التدوين ليس فقط بالصوت والصورة ذات البعد الواحد ولكن ربما ذات الأبعاد المختلفة ( المجسمة) , وربما سيتم التدوين بإستنساخ الحمض النووى كى تكون للمدونات بعد ثالث ورائحة خاصة بمن يتم تدوينه ................الخ.
لم اكن بارعا فى مادة التاريخ فى المراحل الأولى من التعليم , وكنت اتجاوز الأمتحان عادة بتقدير( يدوبك) يعنى اقل ما يمكن ان يسمح للطالب بالنجاح, وكانت مادة التاريخ بالنسبة لى مملة, وربما كان ذلك لأن اول مدرسى التاريخ لم يكن قادرا على ان يجذب انتباهى او لأننى لم اكن (مقطوعا) لحب تلك المادة او لأن المواد المقررة فى ذلك الوقت لم تكن ذات جاذبية او ربما خليط من كل ذلك.
وتدوين التاريخ وسرده على من يهتم بمتابعته فيما بعد يعادل الى حد كبير عرض قصة , والقصص كما نعرف قد تكون حقيقية او قد تكون خياليه, والحقيقية منها هو ما يتعرض لما حدث فى الواقع دون اضافات او تغيير, والخياليه هى ما يتخيله الكاتب او المدون وفيه يقوم بعملية تكوين او خلق احداث وشخصيات لم تحدث بالطريقة التى وصفها, ولكنها ليس من المستحيل بل ومن المحتمل ان تكون قد حدثت فعلا, ويختلف ذلك بالطبع عن القصص الخياليه التى من المستحيل ان تكون قد حدثت فى الماضى, ولكن من الممكن او من المحتمل ان تحدث فى المستقبل, مثل بساط الريح الذى كان يطير اوالبلورة السحريه التى كنت تسمح لأنسان ما ان يرى انسانا اخر فى مكان بعيد او غواصة جولياس فيرن......الخ.
احد أصدقائى وكنت قد تحدثت عنه من قبل فى احد مقالاتى, وهو طبيب باثولوجى ومن هواياته الكتابه عن الحرب الأهلية الأمريكيه, وتحولت تلك الهوايه الى احتراف فى الكتابه عنها وفى اوساط المهتمين بتلك الحرب وهم كثيرون فى امريكا, يعد مؤرخا على درجة كبيرة من الإحترام وله العديد من الكتب المنشروة عن تلك الحرب, بل ان لدى احدها فى مكتبتى مهداة منه, كنت قد سألته وتناقشت معه كثيرا عن دور المؤلف او المؤرخ وما الذى يضيفه عندما يكتب عن احداث قد مرت عليها اكثر من مئة سنه, وشرح لى وجهة نظره فى العديد من مناقشاتنا وسوف احاول ان الخصها قدر ما تسمح به ذاكرتى التى بدأت علامات العجز والقصور تلقى بثقلها عليها.
قال لى ان المورخين الذين يكتبون عن الأحداث فى وقت حدوثها يحاولون قدر استطاعاتهم ان يكونوا محايدين وهم يعلمون ان ما يكتبونه سوف تقرأه الأجيال من بعد, ولا يود اى منهم ان يحكم عليه بعدم الدقة او التحيز لذلك الجانب او الأخر, او بمعنى اصح لا يحاول ان يتحيز لوجهة نظر او الأخرى, ويحاول المؤرخ قدر طاقته ان يضع مشاعره الخاصه جانيا, وان يعرض كل وجهات النظر المتاحة له عن الموضوع خاصة فى موضوع مثل الحرب الأهلية التى كانت تعتبر قضية وطنية لكلا الطرفين , وكان من نتائجها احداث من القتل والتدمير والنصر والهزيمه..الخ.
قال لى بالرغم من كل ذلك , فلا يمكن بل من المستحيل ان تجد مؤرخا وقد تحرر من عواطفه الشخصية 100% رغم ان نتيجة الحرب بالرغم من هزيمة الجنوب, لم تكن احتلالا او استعمارا من الشمال ولكن فى وقت قصير اصبحت الدولة واحده ( وقد كانت واحدة بالطبع من قبل الحرب ولكن لأن بعض الولايات الجنوبية قررت الإنفصال..الخ) لا فرق فى اى شيئ بين المحاربين من الشمال او الجنوب سوى الذكريات والزى العسكرى . ولذا لم يكن هناك نتائجا طويله الأثر على المتحاربين فى دولة واحدة, للجميع نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات, بإختصار يختلف ذلك عن حرب تحدث بين دولتين تختلف بهما اللغه او التقاليد او الديانه او او او.... ورغم كل ذلك فإن الروايات المكتوبه من المؤرخين قد تتفق تماما فى نتائج الموقعه التى لا يمكن تزييفها, ولكن تختلف فى تفاصيل كثيرة يراها كل طرف من ناحيته, ورغم اختلاف التفاصيل التى يرويها الكاتب عن الموقعه, فلا يمكن ان نحكم ان كانت مبالغا فيها او كانت غيرحقيقيه, ففى الحقيقه ان المؤرخ الجنوبى الذى عاصر قواد المعركه من الجنوب كانت له مميزات لم تتوافر للمؤرخ الشمالى والعكس صحيح, غير ان النتيجه لتلك المعركه, لا يمكن ان يختلف عليها اثنان.
سألته عن ما يفعله من عمليات للتأريخ الذى يقوم بها بعد اكثر من قرن للأحداث وما الذى يستطيع ان يضيفه بل كيف يستطيع ان يضيف شيئا لأحداث كانت قد تمت منذ أكثرمن قرن. فقال انه قد قرأ كل ما استطاع ان يضع يديه عليه فيما كتب عن الحرب الأهلية, بل يكاد ان يجزم بأنه قد قرا كل ماكتب عنها, ولأنه كان مهتما بها اهتماما بالغا, فإن الأحداث التى يقرأها قد تختلف من كتاب الى كتاب او من مؤرخ الى الأخر, ونحن هنا نتحدث عن المؤرخين الذين عاصروا تلك الأحداث ورأوها بأعينهم وكتبوا او دونوا كتابتاهم على الورق , وليس مجرد حكايات وحواديت تتناقلها الألسن. فمثلا قد يرى ان احدهم سواء من الجنوب او الشمال قد كتب شييئا مختلفا عما حدث فى موقعة معينه فى مكان معين, والأخر كتب شيئا مخالفا تماما, ونحن لا نتحدث عن النتائج النهائية هنا بل عن بعض التفاصيل , ومنها اسم قائد الكتيبه او عدد الجرحى والقتلى, او اسم ضابط مات فى تلك الموقعه , ثم وجده فى كتاب اخر يحارب فى موقعه اخرى......الخ. او عدم التعرض لذكر موقعة ربما لم تكن كبيرة او مميزة , غير انها كان لها تأثيرا على نتائج موقعة اخرى فيما بعد, ربما لأن تلك الموقعة التى لم تذكر تفسر سيطره تلك القوات على تلك المنطقه مما منع الأمداات ان تصل الى الجانب الأخر ,ومن هنا يبدأ دور صديقى فى البحث عن الحقيقه.
مما ساعده كثيرا فى البحث عن تلك الحقائق وكتابة العديد من الكتب, هو تواجد كتب لشاهدى العيان من المؤرخين حتى مع اختلاف ارائهم. تواجد الكثير من المناطق التى تحولت الى متاحف, واعنى ان منطقة حدثت بها موقعه معينه , تترك كما هى ويبنى بها متحف وتصبح علامة سياحية للزوار, وفى متحفها تجد الكثير مما كتب عن تلك الموقعه, وفى ولاية فرجينيا حيث يعيش اخى وصديقى أحمد صبحى يوجد العديد من تلك المناطق التاريخيه التى دارت فيها بعضا من تلك المعارك, كذلك مما ساعده ان هناك كثير من الأنديه لهواة الحرب الأهلية, ومنهم الكثيرون من احفاد اؤلئك المحاربين القدماء, ولديهم فى حوزتهم الكثير من الرسائل المتبادله بين اجدادهم وعائلاتهم فى ذلك الوقت وبها الكثير من التفاصيل عن تلك المعارك وعن ما حدث وعن من مات ومن جرح وعن سير المعركه, الكثير مما لم يتاح للمؤرخين فى ذلك الوقت, ومن مفارقات القدر , ان احد الأصدقاء وكان مديرا للمعمل فى نفس شركتنا وصديقا شخصيا لى ولصديقى المؤرخ, كان من سلالة احد الضباط الذين كان مشاركا فى احدى المعارك التى كان يكتب عنها, وقد وجد لديه عددا لا بأس به من الرسائل الذى ارسله جده الكبير الى العائلة , وصور لجده الضابط, فصورها وأرسل الصور الى صديقى, واستخدمها فى احد كتبه.
اى من الممكن ان نستخلص ان ما قام به صديقى من تأريخ وكتابه عن اشياء حدثت منذ اكثر من قرن من الزمن , كانت بناء على كتب من مؤرخين كانوا شهود عيان للأحداث, كتب مكتويه على ورق لا يختلف كثيرا عن الورق المستخدم الأن, كذلك عن وثائق متحقق منها بها من المعلومات ما يمكن ان يوضح الكثير مما لم يكن واضحا من قبل, اضف الى ذلك انه كان فى ذهابه الى تلك المتاحف فى اماكن المعارك, كان يبحث فى ارض المعركه وكان كثيرا ما يجد من أثار المعركه اشياء مثل الطلقات التى استخدمت بل وبعض الأشجار التى اصيبت وبعض العلامات المذكوره فى كتب المؤرخين ....اشياء من ذلك القبيل بعضها كان ينير الطريق لديه فى بحثه وبعضها لم يكن له اى فائدة فى ذلك الوقت. البقية هنا تقع على عاتق المؤرخ فى وضع النقط فوق الحروف واكمال الجملة, اى انه برغم كل تلك الحقائق المذكوره, فإنه يملأ الفراغ فى بعض الأحيان من مخيلته ومن استنتاجه لما حدث بناء على الأدله التى بين يديه, غير انه فى كتابه يذكر بكل وضوح بعض الأجزاء التى استنتجها من الأدله حتى لايعتقد القارئ ان ما يقدمه هو (( الحقيقة ولا شيئ غير الحقيقة)).
أردت بتلك المقدمة ان اقدم للقارئ نموذجا من عمليات التأريخ للتاريخ ومن الأدوات التى استخدمت فى تأريخ التاريخ من باب المقارنه والتوضيح فقط كى يمكن لنا ان نسلط بعضا من النور على المؤرخين القدامى لتاريخ العرب والإسلام والعالم من امثال الطبرى.
دارت رحى الحرب الأهلية الأمريكيه قبل ان اولد انا بحوالى ثمانين عاما فقط, وقد ذكرت اعلاه ما حدث مع صديقى المؤرخ ( د. شيللر ) وكيف فسر طريقة كتابة اى شيئ عن تلك الحرب, كيف يعتمد على وثائق موثقة وليس حكاوى او عنعنات او حداويت مثل حدثنى فلان عن علان عن تركان عن خرمان عن خرفان او سكران, ويعتمد على كتابات من مؤرخى تلك الفتره الذين دونوا تأريخهم كشهود عيان لما حدث. كذلك يجب ان نضع فى حسابنا ونصب اعيننا ان تلك الحرب حدثت فى منطقة محدودة وفى بلاد واحدة وبين شعب واحد يتحدث بلغة واحدة , كما ان التكنولوجيا لتلك الفترة من الزمن كانت قد وصلت الى الورق والى سهولة التدوين وسهولة الطباعه فقد كانت ماكينات الطباعه قد اخترعت منذ اكثر من أربعة قرون مما كان يسهل طبع الكتب والمراجع بالشكل المعروف لدينا الآن حتى أن الموسوعه البريطانية المعروفه ( بريتانيكا) كانت موجودة لما يقارب 100 عام قبل ذلك.
ننتقل الآن الى الطبرى, وللعلم لم يكن هناك طبرى واحد, بل اثنين.
الطبرى صاحب تفسير القرآن وأيضا صاحب كتاب تاريخ الطبرى أو ما يسمى تاريخ الأمم والملوك. وأسمه محمد بن جرير بن يزيد الطبري الآملى ( 214 -310 هجريه) , وأيضا هناك محمد بن جرير بن رستم الطبري الآملى وهما اثنين من المفروض ان أولهما من السنة والثانى من الشيعه, وقد عاشا فى عصرين مختلفين , الأول فى القرن الثالث الهجرى والثانى فى القرن الرابع الهجرى, غير اننا يجب ان نلاحظ ان مع تشابه الأسماء فكنية كل منهما ( الطبرى الأملى ) والأملى تأتى من مدينه أمل التى هى اصل عائلة كل منهما , وهى مدينة فى طبرستان أحد أقاليم فارس او إيران القديمه, حيث استقى كل منهم اسمه الطبرى من الإقليم ثم الأملى من إسم المدينه.
وعند البحث عن الطبرى ( السنى), سوف نرى انه ينتمى الى نفس الإقليم وجاء من نفس المدينه التى جاء منها الطبرى ( الشيعى) ونجد ان عائلة الشيعى كما كتب عنها انها كانت من العائلات الكبرى والعريقه فى المدينه والتى كانت على مذهب الشيعه, ورغم اننا لا نجد مرجعا يربط كلا منهم للأخر, إلا ان السؤال لاشك سوف يطرح نفسه عما اذا كانت هناك اى روابط عائلية او جذور تربط احدهما باللآخر, رغم عدم اهمية الإجابة.
ذكرت اعلاه الشروط التى ينبغى ان تتواجد لكى يكتب اى مؤرخ ما يريد تأريخه, بصرف النظر عن العصر الذى يؤرخ فيه, غير اننا لايمكن ان نتجاهل ايضا الظروف المحيطه والتى يقضى بها ويختلف كل عصر عن غيره , على سبيل المثال, المراجع التى يعتمد عليها المؤرخ اذا لم يكن هو نفسه شاهد عيان , سواء كان وثائق كتابية او شهود عيان يستجوبهم المؤرخ, كذلك طرق تسجيل تلك الوثائق, بل واكثر من ذلك تأكده وتحققه من ان ما يقوله شهود العيان حقيقة ليس مبالغ فيها ولا يتم ذلك عادة إلا بأن يتفق ما يقوله الشاهد مع ما يقوله شهود اخرين عن نفس الواقعة. كما يجدر ايضا ان نأخذ فى الإعتبار وسائل المواصلات من مكان الى مكان, فهناك فارق كبير بين السفر بالقطار والسفر على ظهر الدواب فى حساب المسافات.
والأن فى مقارنة سريعة بين كل من البخارى والطبرى
البخارى مولود سنة 194 هجرية والطبرى مولود سنه 214 هجرية
البخارى مولود فى بخارى والطبرى فى طبرستان وبالطبع كلاهما ليسا من الجزيرة العربية حيث نزل القرآن ولم تكن السنتهم ولغاتهم عربية.
البخارى بحكم تاريخ ولادته اقرب الى احداث التاريخ الإسلامى من الطبرى بعشرين عاما.
لو بحثنا عما كتب عن كلاهما, لوجدنا العجب, ولوجدنا الكثير من الجمل والكلمات التى تكاد تتشابه فى تعظيم كل منهما والثناء على كل منهما ووصف كل منهما بالعبقرية وبقوة الذاكره والرؤية...............الخ حتى تتخيل ان المصدر فى التعريف بهما واحد.
يتفق اهل القرآن والكثير من الأخرين ايضا على ان احاديث البخارى لايمكن ان يؤخذ بها, وقد عرض هذا الموضوع عددا لا حصر له من المرات, وقدمت الأدلة والبراهين على ان الغالبية العظمى من تلك الأحاديث لا أساس لها من الصحه لبعد المسافة الزمنيه بين البخارى وبين الرسول ( ص), فلو ان البخارى كان ممن عاصر الرسول او كان من الصحابه المعروفين لنا , لكان من الصعب ( وليس من المستحيل) رفض كل ما جاء به, لأنه لم يكن سيقول حدثنا فلان عن علان عن تركان .........عن الرسول, ولكن كان سيقول سمعت رسول الله فى يوم كذا يقول كذا, او شيئا من هذا القبيل وبالتالى إما انه سيقول الحقيقة وسيكون ماقاله مدعما بالقرآن وربما بالوقت والمكان والأحداث, او انه لن يجد الكثير ويصبح صحيحه مكون من بضعة صفحات لا تستحق المناقشة , لا أحد إلا الله يعلم نواياه فى تأليف ذلك الكتاب, ولا احد إلا الله يعلم ان كان قد كذب فيه او ان كان من اورد اسماءهم كذبوا عليه, ولكن الشيئ الذى لا يمكن مناقشته هو انه لم يكن دقيقا فيما قال على غير ما أدعى او إدعوا عنه, بدليل الكثير من التعارض فى كتابه.
الطبرى من جهة أخرى, ابعد بعشرين سنه عن الأحداث الإسلاميه التى قرر ان يخوض فى تأليف كتاب عنها, بل انه كتابه تاريخ الأمم والملوك الذى رأينا ان البعض يستند الى ماجاء فيه وكأنه قرأن لا نقاش فى صحته ولا جدال. هذا الكتاب لايتحدث عن تاريخ الإسلام فقط, بل عن التاريخ بصفة عامة منذ............من الأفضل ان انقل جزء بسيط من مقدمته للكتاب.
يقول ((وأنا ذاكر في كتابي هذا من ملوك كل زمان، من لدن ابتدأ ربنا جل جلاله خلق خلقه إلى حال فنائهم، من انتهى إلينا خبره ممن ابتدأه الله تعالى بآلائه ونعمه فشكر نعمه، من رسول له مرسل، أو ملك مسلط، أو خليفة مستخلف، فزاده إلى ما ابتدأه به من نعمه في العاجل نعما، وإلى ما تفضل به عليه فضلا .الخ))
ثم يقول الطبرى وكأنه يضع لنفسه دفاعا مقدما قبل ان يهاجمه احد على ما جاء فى كتابه ((وليعلم الناظر في كتابنا هذا أن اعتمادي في كل ما أحضرت ذكره فيه مما شرطت أني راسمه فيه، إنما هو على ما رويت من الأخبار التي أنا ذاكرها فيه، والآثار التي أنا مسندها إلى رواتها فيه، دون ما أدرك بحجج العقول، واستنبط بفكر النفوس، إلا اليسير القليل منه، إذ كان العلم بما كان من أخبار الماضين وما هو كائن من أبناء الحادثين، غير واصل إلى من لم يشاهدهم ولم يدرك زمانهم، إلا بإخبار المخبرين، ونقل الناقلين، دون الاستخراج بالعقول، والاستنباط بفكر النفوس. فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين مما يستنكره قارئه، أو يستشنعه سامعه، من أجل أنه لم يعرف له وجها في الصحة، ولا معنى في الحقيقة، فليعلم أنه لم يؤت في ذلك من قبلنا، وإنما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا، وأنا إنما أدينا ذلك على نحو ما أدى إلينا.)) اى انه يقول انا مجرد ناقل لما سمعته وليس عليه اى مسؤلية عن صحة ودقة ما كتبه, ولكننا كما نرى وبعد هذا الإعتراف, نجد ان هناك من يجادل بما جاء فى كتابه ويتخذه دليلا كى يثبت وجهة نظر قد تكون ابعد ما تكون عن الحقيقه.
ثم يبدأ سيادته لكى يخبرنا عن الزمان من إبتدائه الى نهايته فيقول :
القول في كم قدر جميع الزمان
من ابتدائه إلى انتهائه وأوله إلى آخره
اختلف السلف قبلنا من أهل العلم في ذلك، فقال بعضهم: قدر جميع ذلك سبعة آلاف سنة.
ذكر من قال ذلك حدثنا بان حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح قال: حدثنا يحيى بن يعقوب، عن حماد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: الدنيا جمعة من جمع الآخرة، سبعة آلاف سنة، فقد مضى ستة آلاف سنة ومائتا سنة، وليأتين عليها مئون من سنين ليس عليها موحد.
وقال آخرون: قدر جميع ذلك ستة آلاف سنة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو هشام، قال: حدثنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن الأعمش، قال: قال كعب: الدنيا ستة آلاف سنة.
حدثنا محمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا سماعيل بن عبد الكريم، قال: حدثني عبد الصمد بم معقل، أنه سمع وهبا يقول: قد خلا من الدنيا خمسة آلاف سنة وستمائة سنة، وإني لأعرف كل زمان منها، ما كان فيه من الملوك والأنبياء. قلت لوهب بن منبه: كم الدنيا؟ قال: ستة آلاف سنة.
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك ما دل على صحته الخبر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ما حدثنا به محمد بن بشار وعلي بن سهل، قالا: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفيان عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول: " أجلكم من أجل من كان قبلكم، من صلاة العصر إلى مغرب الشمس.....الخ
يعنى اول القصيدة كما يقولون كفر, فقد قال ان الزمن من البدايه الى النهايه سبعة ألاف سنه, وقد مر منها سته اى ما تبقى هو الف سنه, وقد حدث ذلك منذ أكثر من الف ومئة وخمسون سنه تقريبا, اى لو انتهى العالم غدا فيكون قد أخطأ فى حوالى مئة وخمسون سنة فقط !!!!
كذلك ان لم تكن قد لاحظت ان الأسلوب ( حدثنا حدثنى انه سمع عن فلان انه قال..........حتى يصل الى رسول الله, ) فهل رأينا ذلك الأسلوب من قبل, بالطبع رأيناه, البخارى الذى لا نصدق منه شيئا!!!!!!!!!!1
ثم يستطرد حضرته فيقول:
حدثني القاسم بن بشر بن معروف والحسين بن علي الصدائي، قالا، حدثنا حجاج، قال: قال ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: " خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق أدم بعد العصر من يوم الجمعة، آخر خلق خلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل "
ماذا اقول, لقد طلت علينا بشائر ابو هريره, فأبشروا يامن تعدون الطبرى مصدرا لمعلوماتكم عن عمر بن الخطاب وأبوبكر وعثمان وعلى وأبوزيد الهلالى سلامه.......!!
سأتوقف هنا وسوف أعود اليكم فى الحلقة القادمة بالمزيد عن مؤرخ المؤرخين ومرجع المراجع محمد بن جرير بن يزيد الطبري الآملى .
مع وافر تحياتى للجميع.