المرأة والسياسة أبرز مواضيع فتاوى 2014 الفوضى في عالم الإفتاء تسببت بالتشتت والضبابية عند عامة الناس

في الأحد ٢٨ - ديسمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

المرأة والسياسة أبرز مواضيع فتاوى 2014
الفوضى في عالم الإفتاء تسببت بالتشتت والضبابية عند عامة الناس، وسط دعوات لوضع حد لظاهرة شيوخ الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي.
العرب  [نُشر في 28/12/2014، العدد: 9781، ص(6)]
 
إصدار الفتاوى يطال مختلف جوانب الحياة ويستهدف بالأساس المظاهر الاحتفالية
 
لندن - في وقت يحتاج فيه المسلمون إلى أعمال “دينية” تواكب متغيّرات العصر ومتطلّباتهم، ينكبّ شيوخ فضائيات، تدّعي أنها دينية، على اختلاق أغرب أنواع الفتاوى، فيما يجد دعاة آخرون في مواقع التواصل الاجتماعي أداة مناسبة للافتاء، ويتفنّن المتشدّدون في ابتداع فتاوى التكفير، حتى وصل عددها إلى 200 فتوى في سنة 2014، وفق مرصد التكفير بدار الافتاء المصرية.

مقارنة بالسنوات الماضية، يقول الخبراء إن فتاوى 2014، تعدّ أقل إثارة للجدل، وإن لم تكن أقلّ خطورة؛ وقد تنوّعت فتاوى هذا العام، التي اشتبكت مع واقع الحياة، تنوعت بين ارتباطها بالسياسة أو النساء أو جوانب الحياة في البيع والشراء والتعامل مع الآباء والأمهات، وغير ذلك من الفتاوى “الشاذة” والمثيرة لـ”الفتنة”، والتي أصبحت ظاهرة خطيرة، تحتاج بدورها إلى فتوى تحدّد ضوابطها وتحميها من “فتاوى” ثبت أن مساوئها أفضل من فضائلها.

والسياسة لم تغب عن الفتاوى المثيرة للجدل في 2014، حيث أفتى يوسف القرضاوي، رئيس اتحاد علماء المسلمين، بتحريم المشاركة في الانتخابات؛ لأن “عبدالفتاح السيسي (الرئيس المصري حاليا) فوزه في هذه الانتخابات شبه مؤكد، ويستولي على الحكم بالظلم والطغيان”، حسب بيان صادر عن مكتبه، وهي الفتوى التي قوبلت برفض شديد من قبل أنصار النظام المصري الحالي.

في المقابل، أفتى ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، بإباحة كذب الزوجة على زوجها لتخرج من أجل التصويت في الاستفتاء في يناير الماضي، وهو ما اعتبره المعارضون بدورهم توظيفا سياسيا للدين بما يخالف ثوابت الأحكام الشرعية.

وفي ما اعتبره البعض نقدا مبطنا لأنصار الرئيس السابق محمد مرسي الذين لا يزالون ينزلون للتظاهر في الميادين، أفتى برهامي كذلك بجواز انصراف المسلمين من المعركة، إذا تيقنوا أن عدد جيشهم أقل من نصف العدو، حسب موقع “أنا السلفي”.

وفي سياق ما قيل إنه توظيف سياسي أيضا، أفتى الشيخ محمد عبدالله نصر، مؤسس حركة “أزهريون مع الدولة المدنية” في مصر، برفض تطبيق حد الردة على المرتدين عن الدين واصفا حد الردة بأنه “خرافة صنعها العباسيون لقتل معارضيهم”، مستندا إلى أنه “لا يوجد نص واحد في القرآن يتحدث عن حد الردة بل العكس القرآن يكذبه والدليل قوله تعالى: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه..)، حسب بيان صادر باسم الحركة.

أكثر فتاوى 2014 إثارة للغضب ما أجاز فيه ياسر برهامي للرجل أن يترك زوجته تغتصب إذا تيقن أنه سيقتل في حال الدفاع عنها

المرأة الأكثر حضورا

المرأة كانت حاضرة بقوة في الفتاوى المثيرة للجدل، والبداية مع الداعية المصري أسامة القوصي الذي أفتى بإباحة النظر إلى المرأة التي ينوي الرجل الزواج بها وهي تستحم، مشترطا وجود نية أكيدة للزواج، ومبررا بأن الصحابة فعلوا ذلك، وهو ما أثار جدلا واسعا.

فتوى القوصي جاءت في مقطع فيديو تداوله نشطاء على مواقع التواصل قال فيه: “لو كنت صادقا في أنّك ترغب في الزواج من البنت، وعرفت تستخبى وشفت حاجه هي مش ممكن توريهلك جائز. انما الأعمال بالنيات، واحد من الصحابة فعل ذلك”.

الجدل الذي أثارته الفتوى يبدو أنه دفع وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة، إلى الرد على صاحبها في بيان رسمي قائلا “نقول له ولأمثاله أي نخوة وأي رجولة في هذا، هل تقبله أنت على ابنتك، وإذا كانت طبيعتك تقبله، فطبيعة الشعب المصري المؤمن المتحضر بمسلميه ومسيحييه لا تقبله ولا تُقرّه”.

ومن فتاوى النساء التي أثارت جدلا واسعا أيضا، فتوى مفتي مصر السابق علي جمعة التي ذكرها في سياق حديثه عن “الإتيكيت الإسلامي” من خلال مقطع فيديو تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، طالب فيه الرجال بالصبر والتساهل مع زوجاتهم، قائلا: “إن الإتيكيت الإسلامي يطالبك بأن تتصل بزوجتك بالهاتف قبل المجيء إليها، اتصل بها يا أخي، افرض إن معاها حد اتركه يمشي”.

المرأة بفتاواها المثيرة للجدل كانت حاضرة وبقوة أيضا في فتاوى الداعية السلفي ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية بالإسكندرية (شمالي مصر)، حيث أفتى بتحريم ارتداء المرأة الـ”استرتش” أمام أبنائها وإخوتها، وبجواز نكاح المرأة المستحاضة مع تفضيل استخدام العازل الطبي، وتحريم الخلوة بالصغيرة، وانتهاء بجواز كذب المرأة على زوجها لتخرج من أجل التصويت في الاستفتاء على الدستور، كما نقل عنه موقع “أنا السلفي”.

لكن أكثر فتاوى برهامي إثارة للغضب ما أجاز فيه للرجل أن يترك زوجته تغتصب إذا تيقن أنه سيقتل في حال الدفاع عنها، وهي الفتوى التي نقلها أيضا موقع “أنا السلفي”، وقالت تقارير صحفية إعلامية إنها أثارت غضبا عارما في الشارع المصري. لكن برهامي عاد مجددا ليرفع درجة الجدل حول فتواه بعدم جواز قتل الزوج لزوجته الزانية وعشيقها “لمجرد رؤيتهما عاريين”.

 
دعوات لابعاد الأفكار المتطرفة عن الشباب
 

ومع المرأة أيضا لكن في اتجاه تمكينها، كما قال البعض، جاءت فتوى حسن الترابي، المفكر الإسلامي السوداني، والذي قال إن “شهادة المرأة تساوي شهادة الرجل تماما وتوازيه، بل أحيانا تكون أفضل منه، وأعلم”.

ونفى الترابي ما يقال من أن شهادة امرأتين تساوي شهادة رجل واحد، وقال: “ليس ذلك من الدين أو الإسلام، بل هو مجرد أوهام وأباطيل وتدليس أريد بها تغييب وسجن العقول في الأفكار الظلامية التي لا تمت للإسلام بصلة”.

عودة الجواري عنوان الفتوى، التي تناقلتها وسائل إعلامية لداعية سلفي أردني في فيديو على موقع “يوتيوب”، حيث قال العجلوني: “نيابة عن علماء الشام وعلماء سوريا أصدر الفتوى التالية، حيث يجوز للمرأة السورية أن تطلب من الرجل المسلم القادر على كسوتها وسترتها وإيوائها أن يدخلها في عقد ملك اليمين كي تصير ملكا ليمينه، والدليل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم عن أنس قال: قال رسول الله إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم إلى قوله، أن يكون لكل خمسين امرأة قيم واحد فيصرن له موالي وإماء”.

ومبررا لفتواه قال العجلوني في الفيديو: “علاجا لمسألة التهجير الواقع على أهلنا في سوريا، حيث أن النساء في سوريا المهجرات لا يجدن من يغطي نفقاتهن، ولا يجدن من يحرص على حفظهن وحفظ أمنهن، فيجوز لهن أن يطلبن الدخول في عقد زواج ملك اليمين بحيث يصير هذا الرجل سيدا لها، وتصير المرأة ملكا ليمينه”. ثم أضاف “وهذا العقد لا يتطلب من المرأة إلا أن تستبرئ نفسها بحيضة ثم تسجل العقد بإعلانه على وسائل الاتصال المعروفة، وتصير المرأة ملكا له بعد أن تقول ملكتك نفسي بعقد اليمين فتصير المرأة أمة له وجارية ويصير هو سيدها عليه كسوتها وعليه رعايتها والإنفاق عليها..”، حسب تعبيره.

كما أصدر مفتي الديار التونسية فتوى بجواز منع النقاب لدواع أمنية، وقال المفتي حمدة سعيد إن المذاهب الإسلامية الأربعة وخصوصا المذهب المالكي ترى أن النقاب يوجد شرعا بين السنة والاستحباب وأن النصوص الصحيحة ترجح الحجاب على النقاب.

وبشأن إمكانية جواز منع ارتداء النقاب لضرورات أمنية، أشار المفتي إلى أن ولي الأمر يجوز له شرعا أن يقيد نطاق المباحات إذا رأى في ذلك مصلحة راجحة للأمة ومنها حفظ النفس من كل ما يتهددها من المخاطر.

من بين الدعاة، فاز الداعية السعودي الشيخ صالح الفوزان، عضو اللجنة الدائمة للإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء بنصيب الأسد من الفتاوى المثيرة للجدل، حيث أصدر 5 فتاوى خلال 2014 تلقفها الرأي العام بلغط كبير. وكان أبرزها فتواه بحرمة “البوفيه المفتوح”، والذي يعني أن يدفع الشخص مبلغا ثابتا من المال مقابل أن يأكل ويشرب ما يشاء، والتي جاءت في مقطع صوتي على “يوتيوب” مسجل من أحد دروسه العلمية.

دعوات إلى ضرورة وضع حد لفوضى الفتاوى بسبب انتشار مجموعة كبيرة من الفتاوى الدينية المتناقضة

واستند الفوزان في حرمته إلى أن البيع والشراء شرطهما الأساسي أن يكونا معلومين ومحددين، وتابع: “من يدخل البوفيه ويأكل ما يشاء، وهو محدد السعر، فهو مجهول، والبيع والشراء مشترط فيه أن يكونا معلومين، ومن يحضر إلى بوفيه ويأكل ما يشاء مقابل 10 ريالات أو 50 ريالا (الدولار يعادل 3.75 ريال)، دون تحديد للطعام، فهذا مجهول، ولا يجوز شرعا”.

كما جاء جواب الفوزان صادما بحسب البعض في فتوى أخرى بثها موقعه الإلكتروني ردا على أحد المستفتين بشأن مشروعية تقبيل رأس أحد الوالدين إذا كان لا يصلي، فقال ما نصه: “الجواب: لا يجوز هذا؛ لأن هذا من المحبة، تقبيله من المحبة، فلا يجوز تقبيله؛ ولكن لا يمنع هذا من الإحسان إليه، الإحسان الدنيوي، وأما مظاهر المحبة، كتقبيل الرأس ونحو ذلك، فهذا لا يجوز".

ثم عاد الفوزان من جديد، عندما أفتى بتحريم الانحناء لتقبيل قدم الأم، معللا الأمر بأن الانحناء لغير الله لا يجوز، وقد أثارت هذه الفتوى جدلا واسعا في أوساط المجتمع السعودي على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتقد البعض فتواه مؤكدين أنهم سوف ينحنون لتقبيل قدم الأم عبادة وتقربا إلى الله وأن هذا لو كان ذنبا وخطأ فهو من أجمل الذنوب والخطايا.

ودافع بعضهم عن الشيخ الفوزان وفتواه، موضحين أنه حرم الانحناء فقط ولم يحرم تقبيل قدم الأم معللين أن الانحناء فقط لله عز وجل. رابع فتاوى الفوزان المثيرة للجدل جاءت كتنفيس عن غضبه من المصورين داخل المسجد الحرام بمكة، فقطع الفوزان درسه غاضبا وأفتى بحرمة التصوير في الحرم المكي، كما جاء في مقطع صوتي مسجل من أحد دروسه على موقع “يوتيوب”.

وللشيخ ذاته فتوى أثارت جدلا واسعا، حرم فيها لعن “إسرائيل” لأنها تعني اسم نبي الله يعقوب، وقال الفوزان، وهو عضو هيئة كبار العلماء، أعلى هيئة دينية في المملكة، إنه لا يجوز لعن إسرائيل، لأن “إسرائيل” هو اسم نبي الله يعقوب عليه السلام، مبينا أن الأصح هو لعن اليهود كما جاء كذلك في مقطع صوتي على موقع اليوتيوب مسجل من أحد دروسه في الحرم.

الداعية السعودي الشيخ صالح الفوزان، عضو اللجنة الدائمة للإفتاء وعضو هيئة كبار العلماء يفوز بنصيب الأسد من الفتاوى المثيرة للجدل هذا العام

فوضى الفتاوى

يجمع كثير من الخبراء وعلماء الاجتماع أن شيوخ الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي أحدثوا بلبلة في المجتمعات العربية جراء الفوضى التي تسببوا بها في مجال الفتوى. واعتبر عدد من العلماء والدعاة أن استشراء هذا الأمر يحتاج إلى تدخّل عاجل من ذوي الاختصاص، واقتصار الإفتاء على ذوي الشأن المؤهّلين دون غيرهم، للحد من الفتاوى الشاذة التي انتشرت في الفترة الماضية بل وأصبحت مجال تنافس، خاصة في ظلّ تسييس الفتوى، وتمرير الكثير من الأهداف.

يؤكد مجدي محمد عاشور، المستشار الأكاديمي لمفتي الديار المصرية، أن عالم الإفتاء يشهد في الآونة الأخيرة لا سيما في الساحة الفضائية، نوعا من الانفلات والفوضى، الأمر الذي من شأنه أن يحدث نوعا من التشتت والضبابية عند عامة المسلمين، وقد يفقد العلماء ثقة الناس بهم.

ويشير الباحث إلى أن العديد من علماء الأمة ومفكريها أقدم على محاولة التصدي لمشكلة فوضى الإفتاء وقصر الإفتاء على المرجعيات المعتمدة فقط، إلا أن معظم تلك الجهود لم يصل إلى نتيجة إيجابية بعد، ويعود جزء كبير من ذلك، في رأيه، إلى الانتشار الكبير الذي تتمتع به الفضائيات وغيرها في المجتمع المصري، إضافة إلى تعددها وتنوعها، فضلا عن مواقع الإنترنت وهواتف الفتوى وغيرها من أساليب الفتوى التي انتشرت بفضل التطور التكنولوجي وثورة الاتصالات الحديثة، وإن كانت تلك الجهود قطعت شوطًا كبيرا في سبيل التصدي لتلك الفوضى وفضائياتها إلا أنه ينتظرها المزيد.

ومؤخّرا، أكّد مؤتمر دور الإعلام العربي في التصدي إلى ظاهرة الإرهاب على ضرورة وضع حد لفوضى الفتاوى بسبب انتشار مجموعة كبيرة من الفتاوى الدينية المتناقضة، التي باتت تهدد المجتمع. ومن ضمن التوصيات المطروحة، في المؤتمر الذي انعقد في العاصمة السعودية، الرياض، تحديد ملامح الخطاب الديني الإعلامي الذي يسهم في تكوين رأي عام إسلامي موحد، يعتمد الوسطية والاعتدال، ويحترم مكونات المجتمع العربي على اختلاف أنواعها ومشاربها.

اجمالي القراءات 5007