هل الفيلم في اطار محاربة الإرهاب ام في اطار الإرهاب؟
فيلم النائب الهولندي

عمر أبو رصاع في الأحد ٠٦ - أبريل - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

من حق اي انسان ان يرفض الارهاب و يتصدى له و ان يدافع عن بلده و عن قانونها و يحميها ، هل ينطبق هذا على النائب الهولندي غيرت فيلدرز ، ليس لدينا مشكلة مع اي انسان قلق على مستقبل بلاده فنحن ايضاً قلقون على مستقبل بلادنا ، لكن من هو النائب القلق على مستقبل بلاده هنا؟ و هل حقأً مشكلته القلق على مستقبل بلاده انتبه لكلمة بلاده فنحن هنا لا نتكلم لا عن اعراق و لا عن اديان و لكن نتكلم عن بلد فيها زهاء مليون مسلم! يعني المسلمين جزء من هذا البلاد تماماً كما تقول ارقام غيرت هيلدرز في فيلمه "فتنة" لكنه كأي متطرف بلاده عنده ليست نتاج عقد اجتماعي بل حكر عليه و على ابناء ديانته و عرقهو فهمه !

غيرت فيلدرز صاحب الفيلم نائب تعرفه صحف بلاده و اعلامها على انه نائب يميني متطرف و لست أنا من وصفه بهذا ، كنت سأتفهم قلقه لو كان قلقه فعلاً على بلاده و ليس تعصباً ضد المسلمين الهولديين و محاربة التطرف الديني لا تكون بالادانة الشاملة الكلية لدين ما بل تحديداً للفهم المتطرف لهذا الدين ، اما تعميم الحكم على دين بانه دين كراهية و يدعوا للعنف فمدعاة للسؤال عن رب التوراة الذي تؤمن بها شعوب اوربا لنقرأ صورة الرب في سفر الخروج قبل ان نوجه الادانة للقرآن لنرى ما في العهد القديم من الكتاب المقدس و نعرف عند اذ اذا كان هذا هو المعيار اين تطرف القرآن رغم اني امج هذه المقارنات التي تقتطع النصوص من اسارها الموضوعي و التاريخي و الرمزي.
و بعد
الاقتباسات القرآنية التي في الفيلم يتم توظيفها خارج اطارها المعنوي و التاريخي في معظمها لدلالات غير دلالاتها فلا تصلح حجة و كما قلت لك لو كنا سنفعل هذا مع التوراة فسنخرج بصورة لرب وحش بكل معنى الكلمة.
اما حكاية المتطرفين من مشايخ فهي ادانة لهؤلاء المشايخ فليس الاسلام او المسيحية او الهندوسية او اليهودية او اي ديانة بمسؤولة عن الفهم المتطرف و المتخلف لاحد من يؤمنون بها ، قلنا مراراً ان المؤسسة الدينية المسيحية انتجت حزام العفة و الحروب الصليبية و صكوك الغفران هذا و هي مؤسسة دينية رسمية و ليست مجرد متدين مسيحي مع ذلك لم نعتبر ان خطأ المؤسسة هنا هو خطأ المسيحية!
يظل التكرار ينهمر علينا مناهجكم المدرسية تدعوا للتطرف و العنف ، رغم اني اعترف بتخلف منظومة التعليم في بلادنا عامة ، لكني لا اعرف حقيقة اين هو المنهج المدرسي في عالمنا العربي الذي يؤيد دينياً هتلر؟! من اين جاءت فكرة أن ما جاء في الفيلم موجود في مناهجنا ؟ الحقيقة هذا زعم جانبه الصواب انتظر من يأتيني بكتاب مدرسي عربي يؤيد هتلر من زاوية دينية ! او يؤيد قتل الاطفال و النساء و العزل! او يؤيد قتل المدنيين! اين هو هذا المنهاج العربي الذي يقول هذا اين هو؟!

اذا كان عوفاديا يوسف الذي يعتبر ان البشر من غير اليهود هم حشرات و اسامة بن لادن الذي يبيح تفجير المدنين و الآمنين و القس الامريكي الانجيلي المتطرف بات روبرتسون الذي يعتبر اا ايلول- سبتمبر انتقام الرب من امريكا اذا كان هؤلاء يملكون حق تمثيل اديانهم فليعطونا برهانهم او كما قيل في القرآن { قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين}.
باستطاعتنا ان نعطي نماذج لا حصر لها عن التطرف الديني لدى اتباع كل دين في هذا العالم كما باستطاعتنا العكس ، لست هنا ادافع عن ظاهرة التطرف بل انا ارفضها على كل المستويات و ادعوا قومي إلى نبذها و منع هؤلاء الذين يشوهون صورة دين الاسلام و اعرف نماذج التطرف في اليهودية و المسيحية مع ذلك فانا لا ادين الديانات نفسها و لا اتهمها بانها ديانات ارهابية بل اتهم الارهابين بالذات و فهمهم الارهابي لاديانهم.
ان مكافحة التطرف والتخلف لا تكون بتجريم الدين فهذا لن يفيد إلا اثارة الفتن و الضغائن و استحداث المزيد من العنف و الكراهية ، محاربة التطرف تكون بمعالجة جذوره الاجتماعية و السياسية و بيئة القوانين السائدة
حتى لا يبدو طرحي ملتبساً أو يعتوره نوع من الخلط غير المقصود لالذي يؤذي القضية.
حتى اكون واضح في وجهة نظري ابين مسألتين :
الأولى : ان علينا ان ندين الارهاب بكل اشكاله و نتصدى له و نعمل على ازالة آثاره المدمرة علينا و على العالم.
الثانية : ان من حق الغربي أن يدافع عن امن منظومته الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي ضد من يستهدف تدميرها.

لكن حتى لا يختلط السم بالعسل نبين ما يلي:
اولاً : ان التصدي للتطرف و الارهاب لا يكون بالهجوم على القرآن و اتهامه بأنه سبب التطرف و تتحول الادانة من ادانة لفهم و سلوك متطرف إلا ادانة لديانة ترغم كل مسلم على الاحتشاد دفاعاً عن الارهاب ما دام الارهاب هو الاسلام المستهدف هنا و هذا من اقصى ما تتمناه قوى التطرف و قد راينا كيف استثمر قرضاوي القضية ليغذي التطرف و يغذي العداوة و البغضاء و الانعزال عن العالم!
ثانياً: ان هذا النوع أن المقاومة للارهاب يغذيها و لا يكافحها لانه لا ينصرف للاسباب الحقيقية التي تسبب هذا التطرف فمهاجمة القرآن و الاسلام و النبي لا توقف التطرف و البغضاء و عدم الاندماج بالعكس تزيدها وتفرض نفسية الغيتو على المسلم الاوربي كما فرضتها من قبل على اليهودي.

معالجة التطرف تحتاج إلى التوجه للاسباب الحقيقية التي تصنعه من كبت و قهر و سلب للحريات و دعم للانظمة الاستبدادية الفاسدة و فقر و جهل ، انا مع من يريد ان يكافح التطرف لكني لست مع من يهين الاسلام و يجعل القرآن مصدر للفكر الارهابي انه هنا يحول مصدر الارهاب من اسباب نعيشها في واقعنا إلى القرآن فيسهم في تعميق الازمة بدلا من ان يحلها انه يزيف وعي المشكلة.
عندما رسم الرسام الدنماركي رسومه المسيئة للرسول كتبت اقول هو ضحية الفهم الذي صدرناه و انا معك نحن المدان اولاً هذا نفهمه ولا ننكره، إلا اني ايضاً اقول ان تحول هذا الهجوم على القرآن و النبي و الاسلام إلى ظاهرة يدفع نحو المزيد من الصدام بمنطق رد الفعل و الدفاع عن المقدسات انه يدفع المسلم إلى موقف لا حوار في هذا انه يشتم ربي و قرآني و نبيي ، بالعكس انه يعطي دفعة اكبر للارهاب و يضعف موقفنا كقوى علمانية و قوى تدعوا للاعتدال و اعادة انتاج الموروث الديني بصورة تتماشى مع العصر ، عندما تكون القضية الارهاب كفكر و سلوك ستجد من يؤيد القضية و يدعمها اما عندما تكون القضية ان الاسلام ارهاب فلن نجد من ينظر فيها بل سترغم هذه القضية حتى من يرفض التطرف و الارهاب على ان يصير عدواً.

التهجم على القرآن يقدم هدية للمتطرفين الاسلاميين ، إذن على ماذا نبارك جهد النائب الهولندي؟! هل نبارك جهد تدعيم الإرهاب؟ ثم اليست مهاجمة القرآن و النبي شكل من اشكال الإرهاب المعنوي و الفكري؟ فعلى اي اساس نبرر هذا الرد منه؟! هل يجوز لي ان ارد على عوفاديا يوسف و على القس بات روبرتسون بان أُعرّض بالكتاب المقدس و اسخر منه و اعتبره هو مصدر الإرهاب و التطرف و اعكس موقف الجماعات المتطرفة المسيحية و اليهودية على الديانتين المسيحية و اليهودية على اساس انه ليس لاحد ان يلومني فأنا اعكس التطرف و الارهاب الذي صدروه؟!!!!!!!!

من العجيب أن يصير التطرف هو مبرر التطرف قال متنور محترم : "ليس من حق احد منع الهولندي او غير الهولندي من استخدام حقه المضمون بإعادة عكس الارهاب الاسلامي حسب مايقدمه الاسلاميين انفسهم.."

ماذا فيما يتعلق بإرهاب الدولة الذي تمارسه الولايات المتحدة ضد شعوب المنطقة ، أليس احتلال بلد شكل من اشكال الإرهاب؟ أليس التسبب عبر الحصار و الاحتلال بوفاة اكثر من مليون مدني شكل من اشكال الارهاب ؟ أليس التلويح بالحروب الصليبية شكل من اشكال الإرهاب؟ أليس ضرب المدنيين بالطائرات و الصواريخ شكل من اشكال الإرهاب؟ أليس رفض تطبيق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بحقوق الانسان شكل من اشكال الإرهاب؟ أليست حماية من يطرد الانسان من ارضه و يسرقها و يمنعه من العيش في وطنه شكل من اشكال الإرهاب؟ اليس ضرب الشعوب بالقنابل الذرية و النويية شكل من اشكال الارهاب؟
هل نفهم ان إرهاب الدولة الامريكية مبرر لإرهاب ابن لادن مثلاً للمدنيين الامريكيين على اساس انه عكس للارهاب؟
منطق معكوس على طريقة صديقي الذي يرى انه ليس لاحد ان يعترض عليه فهو يعكس الارهاب على اصحابه ، إن كان إرهاب الجماعات المتطرفة المسلمة مبرراً لهذا النائب و غيره في عكس الارهاب على المسلمين و الاسلام ككل فهو إذن نفس المبرر لممارسة اي متطرف عربي او مسلم ضد كل ما هو امريكي و غربي على اساس انه ضحية تمارس عكس الارهاب و ليس للآخر ان يلومه بل لا يلومن إلا نفسه!
منطق تزكية نار العنف و الارهاب المتبادل هذا لا يخدم قضية العالم المتمدين بمحاربة الارهاب سواء كان ارهاب دولة او ارهاب ديني او ارهاب فكري او معنوي.
ثم هل كل المسلمين تصرفاتهم تمثلها هذه التصرفات التي يتكلم عنها الفيلم ؟ أليس هناك مواطن عربي تحول إلى مواطن اوربي لا تمثله هذه التصرفات التي عرضها الفيلم؟هل تمثل هذه التصرفات عشرات الملايين من أصول عربية و مسلمة يعيشون في الغرب؟
هناك الملايين من اصول عربية و مسلمة يعيشون حياة ابداعية و يسهمون في بناء المجتمعات في الغرب و لهم دور في منتهى الاهمية فهل هؤلاء ممن تكلم عنهم الفيلم هل يكون شكرهم على ما قدموه لهذه المجتمعات بإهانة مشاعرهم الدينية و كتابهم المقدس بهذه الطريقة؟
ان هذا الطرح العنفي مبالغ فيه في إيذاء مشاعر الأغلبية الحقيقية من العرب و المسلمين الذين يعيشون في الغرب و لا تمثلهم هذه الحفنة المتطرفة التي تكلم عنها الفيلم . هل لدى النائب الهولندي احصاءات دقيقة تبين لنا هل فعلاً هذا النموذج الذي تم عرضه يعبر عن عرب و مسلمي هولندا؟ هل المليون مسلم في هولندا نازيين؟ هل المليون مسلم في هولندا يفكرون و يتصرفون كما يقول الفيلم؟
شيء من الموضوعية مطلوب هنا ، أنا لا أنكر وجود فكر و فهم متطرف للاسلام بل و ان هذه الظاهرة توسعت عالمياً الارهاب الديني آفة عالمية لا تقتصر على دين دون آخر موجودة لدى كل اتباع الاديان تماماً كما ان الاعتدال و السماحة موجودة لدى الاغلبية الساحقة من شعوب العالم ، و ارى ان نحصر المواجهة مع الارهاب كإرهاب في كل اشكاله و نتصدى له فهو من خصوم الانسانية التي يجب محاربتها ، اما القول نحن لا نتصدى كما يجب فمن هم نحن هنا؟
هل هي النظم السياسية مثلاً؟
أليست هذه النظم السياسية تحت الادارة الامريكية و بناء على توجيهاتها قامت بدعم و تمويل ما صار اليوم ارهاباً ؟
و هي ايضاً التي تواجه و تحارب هذا الارهاب اليوم بتوجيه امريكي ايضاً؟
اما شعوبنا فهي كذلك ضحية من ضحايا الارهاب اليومي الذي يمارس عليها سواء من قبل الارهاب الديني او ارهاب السلطات السياسية المحلية او ارهاب الدولة القادم من الغرب !
إن الانسان العربي هو اكبر ضحية من ضحايا هذا الارهاب و للاسف نظرية التعبئة الارهابية اليوم تقوم تماماً على المنطق الذي برر به للنائب الهولندي و هو ممارسة عملية عكس الارهاب.

اجمالي القراءات 14600