هل يمكن إعادة قراءة قصة سليمان عليه السلام من جديد؟
النبي سليمان و الشياطين و نظام الإصلاحية

محمد البرقاوي في الجمعة ٠٤ - أبريل - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمان الرحيم



السلام عليكم

-لا أحد ينكر أن قصة نبي الله سليمان عليه السلام كانت كافية لإسالة لعاب أرباب الجهل و الأساطير ليحيكوا عنها خرافات و خزعبلات ما أنزل الله تعالى بها من سلطان, كذلك فأحباء ألف ليلة و ليلة يقدمون لنا الأساطير تحت مسمى هذا العلم و إياكم أن تناقشوه. و مع تطور وسائل الإتصالات و سلطان العلم تطورت عقول القراء اللذين أصبحوا يميلون للتفسير العلمي للقرآن الكريم بنبذ جميع مظاهر و سبل الأساطير التي تسير في طريق الإنقراض. و من إحدى عجائب النبي سليمان التي كانت تروى للأطفال هي اتصاله بعالم الشياطين و كيف كان نبي الله سليمان عليه السلام يملك خاتما يستحضر به الجن و الشياطين و يسخرهم لخدمته, و بالتدبر في آيات الذكر الحكيم رأيت رأيا مخالفا للفكر السائد حول علاقة سيدنا سليمان عليه السلام بالشياطين, و هل هذه الشياطين كانت من جنس البشر أو الجن؟ و كيف تمكن مخلوق ناري من الغوص في المياه دون أن يتأذى؟
- في البداية سأتناول مسألة علاقة الشيطان بالإنسان من خلال القرآن, ثم سأتعرض لاحقا لمفهوم الشيطان في اللغة العربية, و أخيرا سأبني إجتهادي على المحورين السابقين و الله تعالى وحده الأعلم بصحة تدبري من خطئه.
1- إنطلاقا من القرآن الكريم نتبين أن علاقة الشيطان بالإنسان لا تكون أكثر من مجرد وسوسة خفية يدعو فيها الشيطان بني آدم إلى الإثم و الفحشاء, كما يكون الشيطان أيضا خفيا على الإنسان أي أن الإنسان لا يرى الشيطان و لكن الأخير يرى الطرف الأول, و الشياطين في علاقة دائمة مع الكافرين و هم بعيدون عن المؤمنين.

* يقول الله تعالى في سورة الناس ( من شر الوسواس الخناس (4) الذي يوسوس في صدور الناس (5)). 
* يقول الله تعالى في سورة الأعراف ( يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ – 27 ).
* يقول الله تعالى في سورة الأنعام (وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ – 121 ).
* يقول الله تعالى في سورة مريم ( أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا – 83 ).
يقول الله تعالى في سورة الحجر ( قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) ). و هو نفس الذكر الموجود في سورة ص ( قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) ).
2- يقال في اللغة العربية أن كلمة الشيطان لفظ يطلق على الإنس كما يطلق على الضالين من أتباع إبليس اللعين و هي تعني الأشخاص من ذوي الطبائع الخبيثة و الشريرة, أو لنقل أن الشياطين هي المجموعة التي تنهى عن المعروف و تأمر بالمنكر مصداقا لقوله تعالى في سورة الأنعام ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ – 112 ). كما يطلق لفظ الشيطان على الدواب التي يصعب التحكم فيها لفساد طبائعها و لتمردها و عدم انقيادها لصاحبها فيقال مثلا للكلب العقور شيطانا و للجمل كذلك شيطان و كذلك نفس الحال مع بقية الحيوانات.
3- نلاحظ في القرآن الكريم أن أصل معدن الإنسان هو التراب أو الطين و أن أصل الشيطان إبليس هو معدن النار الذي أوحى لصاحبه أن يغتر بنفسه و يتكبر على الله الكبير أولا ثم على آدم بينما آدم و إبليس هما خلقان مما خلق الله تعالى و لا داعي للتكبر إذا كان الصانع أو الخالق واحدا و هو الله الخالق عز و جل.
* يقول الله تعالى في سورة الأعراف ( قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ – 12 ).
* يقول الله تعالى في سورة ص ( قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ – 76 ).
و من هذه الآيات البينات نستطيع أن نخرج بتدبر جديد حول علاقة الشياطين بالنبي سليمان عليه السلام. فالنبي سليمان من عباد الله المخلَصين اللذين زكاهم الله تعالى و امتدح فضلهم في القرآن الكريم كأن قال الصادق عز و جل في سورة ص ( وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ – 30 ), و نحن نعلم أيضا أن نبي الله سليمان عليه السلام رفض الرشوة التي عرضتها عليه ملكة سبأ لدماثة أخلاقه و حسن سلوكه كما ورد في سورة النمل ( فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ – 36 ), و بما أن سليمان عليه السلام عليه من عباد الله الصالحين فيستحيل عقلا أن يجتمع مع الشياطين التي على شاكلة إبليس حتى لا نقع في تناقض قرآني و نقول أنه لا علاقة للشياطين بالصالحين ثم نقول أن الشياطين و الصالحين يجتمعون جميعا.
* يقول الله تعالى في سورة الأنبياء ( وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ – 82 ). و نحن نعلم قطعا أن الماء و النار لا يلتقيان و الماء يذوب في النار أو لنقل أن الماء يقضي تماما على العناصر النارية و بذلك يستحيل أن تغطس الشياطين في الماء كي لا تموت.
- و من هذه الإستنتاجات يمكن أن نستنبط أن الشياطين التي كانت تعمل لدى كانت من جنس البشر اللذين يفسدون و لا يصلحون, و قد قام نبي الله سليمان عليه السلام بالقبض على المجرمين قصد إعادة تأهيلهم و ادماجهم في المجتمع بتعليمهم حرفا يتكسبون منها كعمل التماثيل و المحاريب و أعمال البحار و الحدادة و غيرها من الأعمال الشريفة التي تمكن الواحد منا من كسب لقمة عيشه بعرق جبينه و بعيدا عن الكسب الحرام و أذية الآخرين و قطع السبيل. و أما الطرف الآخر من المجرمين اللذين لا نفع يرتجى منهم فمصيرهم السجن و الأغلال ليقبع فيه مهنا جزاء لما سولت له نفسه الشريرة و الخبيثة ليستحل حرمات الناس من دون حق. يقول الله تعالى في سورة ص ( وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39)) و في سورة سبأ ( يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ - 13 ), و الله تعالى خيّر نبيه سليمان بين أن يمن بالإحسان على كل من أراد التوبة و الإصلاح و بين أن يمسك عنده المجرمين المفسدين.
* في الأخير هذا مبلغ علمي و تدبري للقرآن الكريم فإن أصبت ذلك من فضل الله تعالى عليّ و إن أخطأت فذلك من قصر فهمي و عجلة عقلي و آخر ما أقول ( و قبل موت و حساب و قبل أن نلقى الإله إن هذا القرآن الكريم تنزيل رب العالمين ليدعو كل قلب للحياة ). و لكم مني أصدق التحيات و مشاعر الأخوة.

اجمالي القراءات 34876