قال تعالى"وما ارسلنا من قبلك الا رجالا نوحي اليهم من اهل القرى افلم يسيروا في الارض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الاخرة خير للذين اتقوا افلا تعقلون" يوسف109 ، وقال تعالى"افلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها او اذان يسمعون بها فانها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" الحج46
إن النظر في التاريخ والبحث فيه ، أمر لنا من رب العالمين حتى نأخذ العبرة من سيرة الأولين ، ونتيقن أننا لن نعجز الله في الارض ، ولتكن سيرة الأولين عبرة ل&aumنا حتى لا نقع فيما وقعوا هم فيه من معاصي ونتجنبها ، ولكي نسير على هديهم فيما أهتدوا هم فيه وأتبعوا أمر رب العالمين ، وقد جاء الامر بالسيرة والنظر في سبعة مواضع مختلفة من كتاب الله.
فإن كان علينا إجتناب ما صنع الظالمون ، وعدم الوقوع فيما وقعوا فيه ، فإنه وجب علينا إتباع المهتدين لقوله تعالى"ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (88) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)[سورة الأنعام]
وفي كل الأحوال فنحن ندرس ونتعلم تاريخ الأمم السابقة لنأخذ العبرة فقط وليس لننصب أنفسنا حكاما على أفعالهم ، وليكن دليلنا في البحث في التاريخ على هدي من قوله تعالى "تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسالون عما كانوا يعملون" البقرة 134 ، 141
ولو اتبعناهم فيما أصابوا فلنا أجورنا لا ننقص من اجورهم شيئا ولو تبعماهم فيما أخطئوا فعلينا أوزارنا لا نزيد في أوزارهم شيئا ، ولو تدخلنا بالحكم على أفاعالهم وتدخلنا في خلافاتهم نكون قد ضربنا عرض الحائط بقوله تعالى"الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون"الحج69 .
وكما أن لكل بحث قواعده ولكل تجربة أدواتها ، فإن البحث التارخي بصفة عامة له أيضا قواعده ، منها ظنية كافة الأحداث التاريخية لدى الباحث حتى يجد الدليل الذي يؤكد الحدث أو ينسفه ، ومنها أن جميع المؤرخين يكتبون الأحداث ويحكمون عليها وفقا لمعتقداتهم ، والباحث الجاد لا يهمل دليل أو مخطوطة مهما كانت ، فمثلا بردية الفلاح الفصيح أعطتنا دليل على الحياة الاجتماعية في مصر القديمة لم توجد علينا بها كل رموز جدران معابد القدماء.
وهناك إشكالية إضافية في البحث في التاريخ الاسلامي تتمثل في الأتي:
1- التاريخ الاسلامي الأول (سيرة النبي ، ومن بعده الخلفاء الراشدين) لم تكتب في عصرهم ولكن على أفضل تقدير بدأ تدوينها بعد مائتين عام من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كان القرآن قد ألقى الضوء على بعض الحوادث التاريخية الهامة في عصر الرسالة ، فإننا محرومون من ذلك في عصر الراشدين وما بعدهم لإنقطاع الوحي ، فأول كتاب في السيرة هو السيرة النبوية/ لابن هشام ابي محمد عبدالملك بن هشام المعافري * الملقب بـ ابن هشام البصري (213هـ).
2- إختلاف الرعيل الأول من المسلمين فيما يسمى بأحداث الفتنة الكبرى وانقسام المسلمين إلي طوائف يحارب بعضهم بعضا بل ويكفر بعضهم بعضا ، أدان كل كتابات من جاء بعدهم بالتحيز لفئة أو لطائفة معينة ، هذا فضلا عن أن التاريخ يكتبه دائما الأقوياء والمنتصرين ، وقد تأرجح النصر التاريخي بين البيت الأموي والبيت العباسي ، مع اتفاق الفريقين على الطعن في البيت العلوي (نسبة لعلي بن أبي طالب) ، والذي ما فتئ يسيطر على الأحداث في بعض الحقب التاريخية ، نكون أمام تاريخ مدان أغلبه بالتحيز.
3- إعتبار فقهاء الطوائف المختلفة الأحداث التاريخية الاسلامية من وجهة نظرهم أحداثا مقدسة ، يكفرون منكرها في بعض الأحيان ، بإعتبارها من المعلوم من الدين بالضرورة عندهم ، وقد تبعهم العامة والهمج في ذلك أيما اتباع ، فمثلا السنة يقدسون الصحابة كل الصحابة بلا إستثناء على هدي من الحديث المخترع (أصحابي كالألئ بأيهم أقتضيتم أهتديتم) ، والشيعة يكفرونهم إلا رهط قليل على هدي من روايتهم المخترعة المنسوبة لجعفر الصادق (بعد الرسول لم يبقى على دينه إلا وأشار بأصبعين أو ثلاث) ، حتى إنهم يطلقون على التاريخ الاسلامي لفظ السيرة لتعظيمه رغم نسبيته.
4- التداخل الشديد بين الروايات التاريخية والأحاديث المكتوبة ، والذي لا يمكن التفرقة بينهم في بعض الأحيان ، وكثير من فقهاء السلف يستنبطون الأحكام من بعض الروايات التاريخية ، ومن الأمثلة الظاهرة رواية أن النبي عليه السلام كان يدخل على أم حرام وكانت تحت عبادة بن الصامت وكان ينام في حجرها وتفلي رأسه ، فقد أخذ بعض فقهاء العصور الغابرة (((المتجددة))) الحكم بجواز دخول القائد على نساء الرعية من هذا الحديث المعلول ، وغضوا الطرف عن عشرات الآيات القرآنية التي تمنع ذلك ، والتي تمدح أخلاق رسول الله عليه السلام.
5- جميع الأحداث التاريخية يمكن إعتبارها وجهان لعملة واحدة ، فصلاح الدين الأيوبي ، بطلا تاريخيا لدى العرب والمسلمين ، وهو زعيم عصابة بربرية تعبث بقبر بن الرب عند المسيحيين حتى الآن ، وهو كافر من النواصب عند الشيعة وهكذا ، فالحكم على الشخص الواحد والحادثة الواحدة يختلف بإختلاف موقع من يحكم ، فمثلا الغالبية العظمى من فقهاء المسلمين ومؤرخيهم يعتبرون حادثة المصري مع بن عمرو بن العاص دليلا على عدل عمر بن الخطاب ، ولكن الدكتور منصور إعتبرها دليلا على ظلم العرب كمحتلين لأبناء البلاد التي إحتلوها ، وتسائل كم عدد المظلومين الذين لم يستطيعوا توصيل صوتهم للخليفة عمر بن الخطاب.
6- استمد معظم المؤرخين المسلمين الأحداث التاريخية من القصاصين ، على ما في قصصهم من مبالغات ، كما أستمدوا معظم الأحداث النتارخية منذ بدأ الخلق وحتى قبل بعثة النبي من كتب الأولين وخاصة ما يعرف بالاسرائيليات ، ولذلك تجد قصصهم التاريخي في تفاصيلة مطابق للقصص التوراتي ، ظنا منهم أنهم يسدون النقص في الحوادث والاشخاص في القرآن – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا – ولكنها طبيعة القرآن التي لم يفهموها في إهتمامها بالعبرة دون تفاصيل الأحداث لتجريد القصة من وقائعها وتعميمها بعيدا عن أشخاصها ، ولو أنهم وقفوا عند هذا الباب ولم يخوضوا فيه لكان أقوم وأعدل
7- المؤرخ المنصف وجب عليه أن يشير إلي أن أحكامه على الحوادث هي أحكام نسبية تتصل بنسبية صحة الحوادث نفسها ، فيقول مثلا (بفرض صحة الحادثة) ، كما أنه وجب عليه تقديم أدلته المعتمد عليها إذا حكم على قصة ما بالصحة المطلقة ، وقرر إيمانه بوقوع هذا الحدث
ماهية مرجعية البحث في التاريخ الإسلامي؟
كما قلنا فإن أي بحث يحتاج إلي مرجعية ، والباحث في التاريخ الاسلامي يحتاج إلي مرجعية عندما تتضارب الأحداث أو يشكل عليه فهم أشخاص التاريخ الاسلامي ، فما هي هذه المرجعية؟
فمثلا التاريخ الفرعوني وبعد فك طلاسم حجر رشيد أصبح يعرف من الكتابات والرموز الموجودة على المعابد ولكن حال الاختلاف بين الكتابات ، كما حدث من رمسيس الثاني والذي إستولى على أمجاد الأخرين ونسبها لنفسه وقام بطمس العديد من التواريخ والقصص المكتوبة على المعابد ، وأعاد كتابتها ناسبها لنفسه ، فإن علماء المصريات قد إتخذوا التسلسل التاريخي للأحداث ، وطبيعة أعمال وزمن كل أسرة على حدا ليكون مرجعا لهم لمعرفة التواريخ الحقيقية للأحداث التي طمس تواريخها رمسيس ونسبها لنفسه ، كما أن الكثير ن علماء التاريخ اليهود والغربيين إتخذوا التوراة والعهد القديم ليكون مرجعا للأحداث التاريخية المذكورة فيه عند الاختلاف ، رغم ما عانوة ويعانوه من عدم إمكانيتهم ترتيب الأحداث وتصنيف الأشخاص وفقا لمرجعية العهد القديم بمفردها ، والتي إهتمت في بعض نواحيها بالتفاصيل على حساب المضمون.
وعليه فمن المنطق والعدل إتخاذ القرآن مرجعا للحكم على الأحداث التاريخية الإسلامية عند الاختلاف ، سيقول قائل إن هذا الكلام مخالف لما قررناه ونعتقده بأن القرآن له أسلوبه الخاص في سرد الأحداث التاريخية مجردا القصص من وقائعها وأشخاصها فكيف يمكن أن نعتبره حكما (بفتح الحاء والكاف) وحكما ( بضم الحاء وسكون الكاف) على الأحداث التاريخية؟ ، لا تعتبر هناك أي إشكالية على الأحداث التي دارت أثناء التنزيل وحال حياة النبي عليه السلام ، لأن القرآن تعرض لها بالقدر الذي يحتاجه المسلم في حياته.
أما الأحداث التي لم يذكرها القرآن حال حياة النبي ، أو تلك الأحداث التي كانت بعد تمام التنزيل وبعد وفاة النبي عليه السلام فإن المرجعية القرآنية فيها تكون طبقا للقواعد الكلية المذكورة في القرآن ، وللتدليل على ذلك سنأخذ مثالين أحدهما حال حياة النبي ، والأخر هو شخصية عمر بن الخطاب ، خاصة عندما أصبح خليفة للمسلمين.
المثال الأول:
قال الراوي (لايهم من هو) بينما نحن نسير مع رسول الله (ص) إذ رأينا سحابة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذه ، قلنا سحابة ، قال والمزن (أي إسمها أيضا المزن) ، ثم قال إن الله خلق سبع سماوات ، الفرق بين الأرض والسماء الأولى ، أحدى وسبعين ربيعا أو قال أثنتين وسبعين ، والفرق بين الأولى والثانية كالفرق بين الأرض والأولى ، وهكذا حتى قال ثم ماء الفرق ما بين أوله وآخره كالفرق ما بين السماء والسماء ، ثم عرش الرحمن الفرق ما بين الفقرة والفقرة في عرش الرحمن كالفرق ما بين السماء والسماء ، قال ثم الرحمن مستوى على عرشه يسمع دبيب النملة السوداء على صخرة صماء في ليلية ظلماء.
ولنبدأ بإخضاع هذه القصة والرواية إي القرآن الكريم ونرى أين الصحيح وأين الفاسد منها من خلال مرجعية القرآن الكريم.
1- بينما نحن نسير مع رسول الله ، جائز لقوله سبحنه ونعالى " محمد رسول الله والذين معه ... الآية" الفتح29 ، إذا يجوز أن يكون الصحابة مع رسول الله.
2- السحابة أسمها المزن ، حق لقوله سبحانه وتعالى"أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ (69)[سورة الواقعة]
3- خلق الله سبع سماوات ، حق لقوله تعالى "تسبح له السماوات السبع والارض ومن فيهن وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا" الإسراء44 ، إذا فالسماوات سبع بإقرار رب العزة سبحانه وتعالى
4- الفرق ما بين الأرض والسماء إحدى وسبعين ربيعا أو أثنتين وسبعين ربيعا ، كذب على الله ورسوله ، لقوله سبحانه وتعالى"الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِأً وَهُوَ حَسِيرٌ (4) وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5) [سورة الملك]، وهنا القصص القرآني يكذب الإدعاء الطفولي المحدود بأن حجم السماء سبعين ربيعا أو حتى ثمانين أو مائة ربيع ، فالله سبحانه يؤكد أنه الخالق للسماوات السبع وأنه سبحانه وتعالى خلقهن طباقا ، ثم سبحانه يطالبنا بإمعان النظر ولن نرى في خلق الرحمن سبحانه وتعالى من تفوات ، ثم في قوله فإرجع البصر إي عاود البحث والتدقيق ، فلن تجد في هذا الخلق العظيم فطور أو ضعف أو حاجة لإستكمال ناقص حاشا لله ، ثم يطالبنا بأن نعيد البحث مرة ومرتين وفي هذه الحالة سيعجز البصر وسيعجز العلم والبحث والتدقيق على إحتواء خلق الله السماء ، ثم هل السماوات كلها ، لا والله بل سماء واحدة ستعجزه دون باقي السماوات لقوله سبحانه وتعالى ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ، إذا هذه النجوم داخل وخارج المجرة بل وهذه المجرات السيارة كلها داخل السماء الدنيا (القريبة) ، فماذا عن الساوات القصي البعيدة؟ وهذا ما يتفق مع العلم الحديث ويكذب هذه الفقرة في الحديث المعروض أو السيرة المبحوث فيها ، ناهيك عن لو قمنا بعمل معادلة سنثبت تهالك الحديث وذلك على النحو التالي: سنعتبر أن أسرع سرعة لدى العرب وقت هذا الحديث المأفوك هو الحصان 60كم ساعة ونضربه في 24 ليكون في اليوم ثم نضربه في 30 يوم ليصبح في الشهر ثم نضربه في 12 ليصبح في السنة ثم نضربه في 72 سنة ليصبح المسافة بين الأرض وسماء واحدة ثم نضربه في 7 لنصل لمجموع المسافة في السماوات السبع وستكون النتيجة هي 261 مليون و273 ألف و600 كيلو متر ، وبقسمة هذا الرقم على سرعة الضوء 360000 كيلو متر / ثانية ، تكون النتيجة 726 ثانية ضوئية ، وبقسمتها على 60 تصبح النتيجة 12 دقيقة تقريبا ، مرة ونصف المسافة بين الشمس والأرض ، أي أن هذا الحديث العجيب لم يخرج بعد عن نطاق المجموعة الشمسية ، ويخالف للنص القرآني الذي يعجز البصر (البحث والتدقيق) وليس النظر فقط ، والحقيقة العلماء يعجزون عن معرفة حجم السماء الأولى فقط ، بما يتفق والنص القرآني المخالف للنص التراثي العتيق.
5- ثم كلامه عن عرش الرحمن وقد جعل له مساحة محدودة وإستواء للرحمن يشابه الجلوس ، ففي هذا تشبيه ننزه الرحمن سبحانه وتعالى عنه وهو القائل " فاطر السماوات والارض جعل لكم من انفسكم ازواجا ومن الانعام ازواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"الشورى11 ، وهو سبحانه وتعالى لا تحتويه مخلوقاته وهو يحتوي كل مخلوقاته وهو سبحانه بكل شيء محيط ، وهو الآول قبل كل شيء والهو الآخر بعد كل شيء وهو الظاهر فوق كل شيء وهو الباطن في كل شيء وهو بكل شيء عليم ، تعالى سبحانه عن التشبيه والتجسيم والمكان والزمان.
6- ثم القول بأنه سبحانه يسمع دبيب النملة السوداء على صخرة صماء في ليلة ظلماء حق ، لأنه سبحانه وتعالى هو السميع العليم ، وهو القادر على كل شيء
وبعد هذا البحث نخرج من البحث بنتيجة أن هذه القصة كاذبة ومختلقة على رسول الله ولا يمكن أن يكون قد قالها ، ولكن لو أسقطنا مرجعية القرآن ، وجعلنا العلم البشري فقط مرجعية ، فسنصل للألحاد والعياذ بالله وتكذيب الرسول وقد حمانا من ذلك وجود النص القرآني المعجز كمرجعية ، والحقيقة أن معظم الملاحدة العرب وقعوا في هذه الإشكالية ، أنهم وضعوا قاعدة مؤداها أن كل هذه الأحاديث هي جزء من الدين بل هي الدين نفسه ، وفي حال التضارب بينها وبين القرآن يعني أن الدين كله مكذوب ويهدون صرح الدين بهذا التفكير السطحي البسيط (معذرة اقول سطحي حتى ولو لم تعجب الكلمة عمرو وعمر) أقول يهدون أصول الدين ، لعدم مقدرتهم على إخضاع الأدنى وهو النص التاريخي حتى ولو كان الحديث للأعلى وهو النص القرآني.
المثال الثاني:
عمر بن الخطاب ، هو أحد المقربين من رسول الله ، وقد أجمعت على ذلك جميع المصادر التاريخية بما لا يجعل مجالا لتكذيب هذه الفرضية ، وكان من أشراف قريش وأقوى شبابها ، وأسلم وحسن إسلامه وصحبته لرسول الله ، وقد شمله النص القرآني"محمد رسول الله والذين معه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من اثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الانجيل كزرع اخرج شطاه فازره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين امنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة واجرا عظيما" الفتح29 ، أخذ الخلافة بعد أبوبكر فأصبح خليفة خليفة رسول الله أو ثاني الخلفاء الراشدين.
هذا الرجل أختلف فيه أيما إختلاف ، فلم تجعل الشيعية نقيصة إلا ووضعوها فيه وألصقوها به ، حتى انهم جعلوا قاتله ولي ويوم موته عيدا ، والسنة لم تترك فضلا إلا ونسبته له ، فلم يكن ليقول أي كلمة إلا ويأتي القرآن مصدقا لما يقول
والحقيقة فإن الرجل ما هو إلا نفس سواها رب العالمين فألهمها فجورها وتقواها ، له حسنات كثيرة وله أخطاء قليلة ، نترحم عليه لحسناته ونترك الحكم على سيئاته لله رب العالمين ، فلسنا آلهة مع الله لنحكم عليه ، ولكن بعض الأحداث التي نسبوها له يمكن أن ندرسها من خلال القرآن على النحو التالي:
1- نسب له محبوه أنه ما كان يقول الرأي حتى ينزل القرآن مؤيدا له ، وبرد هذا الكلام لكتاب الله نعرف أنه كذب وإفتراء ، فرسول الله – ص- وهو بلا شك أفضل من عمر نزل القرآن مرات ومرات يعاتبه وقال له الحق " يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله" وقال له عبس وتولى" وقال له ولا تعدوا عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا" ، ولن يكون رآي عمر أفضل من رأي الرسول (ص) لكي يأتي القرآن في كل مرة ليصدقه ، فالرسول هو الذي على خلق عظيم وليس عمر.
2- نسب له معارضوه أنه أغتصب الحكم من علي رضي الله عنه لأبي بكر ثم لنفسه ، وأنه حارب عدوانا وهجوما على الغير ، وبرد هذا الكلام أيضا لكتاب الله نعرف أنه محض إفتراء وكذب ، فالله تعالى يقول"لقد رضي الله عن المؤمنين اذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فانزل السكينة عليهم واثابهم فتحا قريبا" الفتح18 ، وقول الله سبحانه وتعالى (فعلم ما في قلوبهم) تزكية لهم ومدحا وليس زما فهذه الكوكبة التي بايعت النبي تحت الشجرة فازوا برضوان الله ، فلا يجوز أن ننسب في حقهم الكفر والكبائر ، ولكن لا أحد مبرأ من اللمم وصغائر الذنوب ، فإغتصاب الحكم يكون عن نية سوء وحقد وضغينة ، وهذا لا يمكن أن نثبته في حق الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو واحد ممن بايعوا تحت الشجرة ، فقد علم الله سبحانه وتعالى ما في قلبه وأنزل السكينة عليه وعلى أقرانه وأثابهم فتحا قريبا ، كما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ممن قال الله تعالى فيهم "والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم" التوبة 100 ، فيكون الأصل أن عمر بن الخطاب غير مدان عندنا وهو من المهاجرين الأوائل وممن بايعوا بيعة الرضوان ، فكل ما يقال في حقه من أنه الديكتاتور العادل ، ومن كونه مختصب للحكم ومن قيامه بحروب وفتوحات وغزوات قائمة على العدوان وإستحلال الغير ، أقول كل ما يقال محض إفتراء وكذب وقد وافق عليه الخصمان ، الشيعة ليقدحوا في شخص عمر ، والسنة ليجدوها فرصة أن يسيروا على خطى عمر وتكون أفعاله مبررا لعدوانهم وبغيهم بغير الحق.
وأخيرا أخواني وأحبابي فلقد هالني فعلا أن الكثير من المثقفين والباحثين ، يعتمدون على الروايات التاريخية ليقدحوا في حق عمر وكثير من الصحابة غيره ، معتبرين الروايات التاريخية حقائق لا تقبل الجدل ، والعجيب أن بعض الإخوة يرفضون الحديث لتأخر زمن كتابته عن زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك يقبلون بالروايات التاريخية مع أنها أيضا تأخر زمن كتابتها عن زمن حدوثها ، مع إنه من الافضل الاتفاق على قواعد عامة من القرآن ورد كافة الأحداث التاريخية لها ليكون القرآن مرجعا لكل الأحداث التاريخية ، فما توافق منها مع القرآن قبلناه وما أختلف منها معه رفضناه وكذبناه.
الإخوة الكرام ، لقد حاولت قدر الإمكان إستخدام لغة سهلة وبسيطة لتوصيل الفكره في جعل القرآن مرجعا للحوادث التاريخية كلها فما توافق منها مع القرآن قبلناه وما أختلف كذبناه دون أن نأخذه ذريعة في رفض الدين كله بما فيه كتاب الله ، أدعوا الله أن أكون وفقت في ذلك
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شريف هادي