وعكة صحية بسيطة

شريف هادي في الخميس ٢٧ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

قصة قصيرة: وعكة صحية بسيطة
الكاتب: مواطن تعبان من التفكير
المكان: دولة ما في هذا العالم الواسع
الأشخاص: القصة والأشخاص من وحي خال الكاتب ولكن يمكنك بقليل من التدقيق أن تقوم بإسقاطها على أي أشخاص في أي بلد تربط مصيرها بمصير فرد أو أسرة دون تحديد ، مرتبط ذلك بظروفك الاجتماعية.
ولنبدأ الحكاية من البداية:

دق جرس الهاتف الأحمر في مكتب الوزير التلالي وزير الصحة ، وكان المتحدث على الطرف الآخر السيدة الأولى (حنان هانم) ، التي قالت بصوت خفيض (ألو يا هلالي)
&; أجاب بحوية ونشاط (صباح الخير يا هانم ، أيه الصباح السعيد ده لما أسمع شجو صوتكم الجميل)
فقالت ( يجي منين الخير يا هلالي ، النهاره أنا صاحيه من النوم مزاجي مش ولا بد ، وحاسه نفسي همدانه شويه ، قلت أكلمك)
أجابها (ألف سلامه يا هانم ربنا يخليكي لينا وللبلد كلها ويديم عليكي نعمة الصحه وعلى زعيمنا المفدى ، أنا حالا ح أجي لسيادتك ومعايا كونسلتو من افضل الدكاتره عندنا)
وما هي إلا دقائق قليلة وتحركت قافلة من أمام وزارة الصحة متجه إلي بيت الزعيم يتقدمها سيارة الوزير ثم سيارة أخرى فاخرة تحمل طبيبين تمكن الوزير من أحضارهما على عجل مستبقي نائبه للاتصال بباقي الأسماء اللامعة والمعروفة في عالم الطب في جميع التخصصات ، وخلف السيارتين توجد سيارة أسعاف مجهزة كأفضل مستشفى في العالم من حيث الأجهزة الطبية وفريق العمل بها ، تليها سيارة أخرى مجهزة كمعمل تحليل متنقل لزوم عمل التحليلات اللازمة لحنان هانم حرم الزعيم.
من داخل سيارته أتصل الدكتور التلالي وزير الصحة بصديقة وزير الاتصالات ليطلعه على خبر أتصال الهانم به فدار هذا الحديث.
وزير الصحة ( ألو ... صباح الخير يا دكتور بارق ، الحقيقة عندي خبر مش ولا بد ، وطبعا أنت عارف العلاقة اللي بيني وبينك ويعز علي لو حصل تعديل وزاري وما تكنش على الكرسي اللي جنبي)
فرد عليه ( صباح النور يا دكتور تلالي ، خبر آيه وقعت قلبي هو فيه تعديل وزاري قريب وأنت عرفت أني بره ولا أيه؟)
فقال ( يا أخي ما تخفش ، بس الظاهر الهانم بتمر بوعكه صحيه بسيطه ، وأنا قلت أبلغك تتصل بيها وتضطمن عليها ، فتبقى من رجالتها فلو حصل أي تعديل وزاري بعد كده تكون أنت مطمئن وحاطط رجل على رجل)
أجاب وزير الاتصالات ( شكرا لك يا أخي الحبيب ، والله مش ح أنساهالك ، وأنت كلك واجب ، راح أكلمها وقلها عرفت منك بالصدفه ، روح يا دكتور الاهي يعمر بيتك)
أنتهي الحديث بين الوزيرين إلي هذا الحد ، وراح وزير الصحة يخبر من يحب من أعضاء الوزاره وفي خلال دقائق عرفت الوزارة كلها الخبر ، وصلت القافلة لبيت الزعيم في ذات الوقت الذي بدأت فيه مجموعة الأطباء المهرة في تخصصاتهم الوصول ، دخل وزير الصحة مسرعا لغرفة الهانم ومعه (كونسلتوا) الأطباء ، وبعد تحيتها ، بدأو في إجراء الكشف الطبي ، وعمل الفحوصات والتحليلات اللازمة ، وأثناء ذلك بدأ خدم القصر الجمهوري والمتخصصين في الرد على تليفونات الوزراء ، والذين لم يستطيع أي منهم الحديث مع الهانم لخضوعها للفحص الطبي ، فبدأ الوزراء في الحضور للقصر فرادى وجماعات ، حتى أكتملت الوزارة كلها في القصر الجمهوري.
أنتهى الفحص الشامل على الهانم ولم يجد الأطباء أي مرض غير تلك الأمراض التي تعاني منها من قبل وهي تحت السيطرة ، كما لم يعرفوا أي سبب لوعكتها الصحية غير نوع من الدلع الزائد المرتبط بالوهم والخوف من ترك كل هذا النعيم وتلك السلطة التي ترفل فيها حرم الزعيم ، وتلحق بدار الفناء.
وما أن أنتهى فريق الأطباء من الفحص والحصول على جميع نتائج التحاليل الفورية ، حتى حضر الزعيم بنفسه ، وما أن شاهده جمع الوزراء الجالس في بهو القصر حتى وقفوا جميعا ، فرماهم بنظرة لا تخلوا من احتقار وسألهم (ايه اللي جابكم هنا النهاردة؟) ، فأجاب رئيس الوزراء الدكتور لطيف (سمعنا الهانم بوعكة فجينا نطمن عليها ربنا يخليهلنا ، ويبعد عنها كل شر) وهنا صاح باقي الوزراء في صوت واحد (آميــــــــــــــــــن) ، تركهم الزعيم وتوجه إلي غرفة الهانم حيث يوجد وزير الصحة والكونسلتوا ، وسأل (إيه الأخبار) فأجاب الوزير (لا أبدا يا فندم ، دي الهانم عندها وعكة صحية بسيطة ، ومن رأي ورأي باقي الكونسلتوا إن ما فيش أي حاجة تخوف ، ولكن من الأفضل تروح فرنسا تعمل فحص إضافي لكي نطمئن على سلامتها) ، في الحقيقة وزير الصحة يخاف يقول لا يوجد لديها أي أمراض ولا يوجد شيء يستدعي الخوف غير قلقها هي على نفسها ، فأجاب هذه الإجابة السابقة والتي تعد دبلوماسية أكثر منها طبية.
قال الزعيم (طيب ، يا وزير النقل حضر طيارة بسرعة للهانم ، ويا وزير الطيران ، جهز المطار بسرعة لاستقبال الهانم وبلغ المطارات اللي طيارة الهانم لازم تنزل فيها ، ويا وزير الخارجية ، بلغ السفير الفرنسي حالا ، ويا وزير الداخلية أمن الطريق من القصر للمطار ويا وزير الدفاع أمن الطائرة حال تحليقها ، ويا وزير الاتصالات أعملي خط ساخن مع المستشفى في فرنسا ، ويا وزير الصحة رافق الهانم في رحلتها وخذ معاك وزير التجارة ، ويا رئيس الوزراء تابع الموقف أول بأول من مكتبك ، أتفضلوا)
وفي دقائق معدوده ، توجه موكب الهانم للمطار بعد أداء كل وزير للمهمة الموكلة على عاتقه ، وقد تجمع كل الوزراء في المطار إنتظارا لتوديع الهانم حتى سلم الطائرة متمنين لها الشفاء العاجل ، وأثناء وقوف الوزراء صفا واحدا إنتظارا لتوديع الهانم ، وعلى الجانب الآخر من العاصمة ، توجد عدة مشاجرات على طابور الخبز يسقط فيها عشرات القتلي ، كما يوجد إعتصام للعمال مطالبين بتحسين الأجور ، وداخل أسوار الجامعة توجد مظاهرة طلابية كبرى تطالب بعدم الخضوع للمستعمر ، في ذات الوقت الذي يعتصم فيه الأساتذة مطالبين بزيادة أجورهم ومنحهم متجمد بدلات مستحقاتهم السابقة محذرين باللجوء للأتحاد الدولي للجامعات حال إستخدام العنف معهم ، كما يوجد بأحد أقسام الشرطة مجموعة من الضباط والجنود يمرحون ويلعبون بوضع عصا غليظة في مؤخرة مواطن بعدما أوسعوه لطما وركلا ، ويوجد إختناق مروري شديد في قلب العاصمة في ذات اللحظة التي يسقط فيها منزل مكون من سبعة طوابق بعدما حاول مالكه تعليته بالمخالفة للمواصفات الهندسية ، كما يوجد حريق كبير في مسرح يموت فيه العشرات من الجمهور والفنانين الذين تلتصق جثثهم ببعضهم البعض حرقا ، وحادثة تصادم قطارين يروح ضحيتها المئات من الارواح الطاهرة ، وغير بعيد قطار آخر يحترق ، وفي المياه الأقليمية تنقلب عبارة يموت فيها الألاف من البسطاء والمعتمرين ، كل هذه المصائب تدل على تلاحم قوى الشعب العامل من أجل رفاهية الزعيم وأسرته عملا بالشعار الذي تلتهب به حناجرهم عند رؤيتهم طلعة الزعيم البهية (نموت نموت ويحيا الزعيم) ومن رقة قلبه لم يؤخر لهم طلبز
ونعود لطابور الوزراء في المطار ، عندما يهمس وزير الداخلية لبيب في أذن وزير الدفاع ويقول له ( مش عارف يا أخي ليه كل المصايب اللي في البلد مع أني زي ما أنا شايف كل الوزراء بيقوموا بشغلهم على أتم وجه ، ومحدش منهم مقصر؟)
فرد عليه وزير الدفاع المشير خرجاوي ( الظاهر العيب في الشعب التنابله اللي مش عايزين يشتغلوا ، وبيعملوا مشاكل ويرموها في دقن الوزاره)
فرد وزير الداخلية لبيب ( عندك حق ، لكن بشرفي لأسففهم التراب وألبسهم طرح وأنيمهم من المغرب لو ما تعدلوش)

اجمالي القراءات 15697