بسم الله الرحمن الرحيم "يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنان قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون" المائدة8
تقدم السيد /عبد الحسن الموسوي (مدعي) بدعوى ضد السيد / أحمد صبحي منصور (مدعى عليه) ، يتهمه فيها بالإساءة للصحابي عمر بن الخطاب أمير المؤمنين
وقبل أن تتصدى المحكمة لموضوع الدعوى عليها أن تتبين إن كانت الدعوى مقبولة شكلا من عدمه ، وذلك وفقا للمستقر من أحكام محكمة النقض.
شكل الدعوى
يج&Egrب أن يكون للمدعي في الدعوى مصلحة مباشرة حالة ، ولما كان المدعي من المسلمين وقد تشرب بالفكر السني الذي يقصد الصحابة لا سيما عمر بن الخطاب فإن الذم في عمر ينشأ له مصلحة تقبلها هيئة المحكمة ، كما أن المدعي قد تقدم بدعواه في المواعيد القانونية ووفقا للشروط المقررة وبالطريقة المقبوله ، فإن المحكمة ترى قبول الدعوى من الناحية الشكلية.
موضوع الدعوى
تقدم السيد عبد الحسن الموسوي بعريضة دعواه إلي قلم كتاب الموقع في المواعيد المحددة وبعد سداد الرسوم المقرره (الإقتطاع من وقته للإطلاع والتفاعل) جاء بها اذا كان الاستاذ عمرو اسماعيل حذف سطر من التسفيه والشتم لعمر ابن الخطاب فهنالك طن من التسفيه والتجريم لعمر ابن الخطاب وبقلم الاستاذ احمد صبحي ارجو منكم ان لا تتجاهلوا ذلك وارجو ايلائه القدر الكافي من الاهتمام ، وعليه.
و قبل أن أخوض في هذا الموضوع الشائك احب أن أشكر الاستاذ / عبد الحسن الموسوي ، لثقته في شخصي الضعيف أن أكون حكما فوجه نداءه لي شخصيا ، كما أحب أن أوجه كلمتي لإستاذي ومعلمي الدكتور منصور أنه لا يقدح في علمه الغذير ولا ينتقص من قدره العالي أن يكون واحدا من تلاميذه حكما بينه وبين مخالفيه في رأي قاله أو فكر أظهره ، كما أحب أن أقرر حقيقة مؤداها أن أحدا منا لا يملك الحق المطلق مهما علا شأنه ، وعلى ما أذكر فإن أستاذي الدكتور أحمد قال أن القرآن هو الحق المطلق ولكن فهمنا له هو حق نسبي ، وأردت أن أضعها في قالب حكم محكمة حتى نغير قليلا من القوالب الجامدة من الأسلوب النمطي للكتابة على النت ولأعطي لكل رواد الموقع نزهة بسيطة يشمون فيها أنفاسهم بعد المناظرات والمجادلات التي أحتدمت على الموقع في الفترة الأخيرة.
ومن أسراري التي أبوح بها لأول مرة أن موضوع المسكوت عنه في خلافة عمر في الفقه السني كان أحد وأهم أسباب تأخري في اعتناق الفكر القرآني ، ولم تخرج أسبابي وقتها عن الأسباب التي ساقها الأستاذ عبد الحسن الموسوي إضافة إلي تشبعي وقتها بنظرية المؤامرة والتي هي العمود الفقري للرفض السني عامة والوهابي خاصة لكل ما هو غربي ، ولا أكون مبالغا أنها – نظرية المؤامرة – أصبحت ذروة سنام الرفض المسلح الذي أطلقوا عليه جهادا
حسنا ولنجعل هذه المحاكمة العلنية لواحدة من مقالات الدكتور أحمد دليلا ظاهرا على ما يتحلى به القرآنيون من حرية على موقعهم ندر أن توجد على غيره من المواقع ، ولتكون هذه المحاكمة بموضوعيتها شاهدا على زيف الادعاء بأن الموقع أرتد عن الحرية وتنكب طريق الديمقراطية بسبب الأحداث الأخيرة وكذلك شاهدا على أن خوف المخلصين من الأصدقاء على حرية الموقع ليس له مايبرره على أرض الواقع ، ولتكون أيضا دليلا على نوع الحرية التي ندعوا إليها ، وهي حرية مناقشة الفكر دون خطوط حمراء متعلقة بالموضوعات أو بالاشخاص حتى ولو كان الشخص هو الدكتور أحمد صاحب الموقع وإمام الفكر القرآني ، وذلك دون التعرض بالسب أو بالتسفيه لذوات الأشخاص.
الأستاذ عبد الحسن الموسوي في تعليقه المعنون (نقم وهدم وليس نقد) قدم إتهام صريح لفكر الدكتور أحمد بأنه جزء من المؤامرة أو على أقل تقدير توافقت آرائه مع مؤامرة أحيكت ويتم تنفيذها بين حلف خبيث (صهيوايرانأمريكي) إن جاز التعبير وتجلى ذلك في قوله (الموضوع الذي يقدمه الاستاذ واضح الهدف فالنتائج سوف لابد ان تكون لاحقة للمقدمات فالسياسة والحلف الاميركي الصهيوني الايراني في المنطقة يحتاج الى توظيف وتاسيس ايدولجي يخدم هذا التوجه ويستبدله بالثقافة السابقة التي تدعو الى مقاومة الغزو الديني الصليبي ومقاومة الاطماع والنفوذ الاميركي الايراني في المنطقة ، وهذا هو القاسم المشترك الواضح في جميع مواضيع الدكتور احمد صبحي منصور) وهنا يقدم الموسوي إتهام صريح بالعمالة ضد منصور مهما إستخدم فيه من عبارات مؤدبة تتفق والشروط العامة للنشر على هذا الموقع ، وكان دليله في ذلك أن موضوعات الدكتور منصور تتكامل مع هدف الحلف الخبيث وإستدل على ذلك بمقالة عمر بن الخطاب ، وأعتبر أن الطعن بمصداقية رجال حول الرسول هو بداية لهدم البناء العقائدي للمقاومة ، لأنه يصور الرجال حول الرسول وفقا للفكر الجديد مجموعة من اللصوص والقساة والهمجيين ، وأعتبر أن الدكتور منصور في أول بحثه عن الصحابة أرسل تعميما واسع النطاق بأن (((من حمل الإسلام))) أول مرة هم مجردين منه (أي الاسلام) ومنافقين ويقفون ضد دلالة الآيات القرآنية
وقد لزم التنويه من المحكمة والإشارة إلي أن الاستاذ الموسوي كال مع علي بن أبي طالب بذات المكيال الذي ظن أن الدكتور أحمد كال به مع عمر ، فبرغم انه عاب على الدكتور أحمد الطعن على رجال حول الرسول والذي هو مقدمة لتقديم فكر مستأنس وهدم الاساس العقائدي للمقاومة ، فقد عاب هو على علي بن أبي طالب رغم أنه أيضا من الثلة المقربة من رسول الله عليه السلام إضافة إلي أنه تاريخيا أول من آمن من الصبية ويذكر له التاريخ الإسلامي كونه أول فدائي في الاسلام ، أفلا يعد ذلك أيضا هدما للأساس العقائدي للمقاومة ، حيث أعتبر أن ولاية علي بن أبي طالب ماهي إلا أنقلاب على الشرعية مستخدما في ذلك المفردات السياسية الحديثة في التقسيم الظاهر للدولة كمؤسسات ، فالمؤسسة العسكرية داخل المدينة كانت في يد علي وشيعته وفي الأمصار في يد الأمويين وشيعتهم ، وأعتبر أن ذلك هو شرارة الفتنة الكبرى ، وهو هنا أستخدم سياسة إنتقائية لأحداث التاريخ ، وذلك بإسقاطه جميع الروايات التي تكلمت عن محاولة علي دعم عثمان ورفض عثمان لأي من الحلول حتى لا تقع فتنة ، وكذا الروايات التي تؤكد أن المتأمرين هم من الأمصار التي يحكمها عسكريا ويقودها مدنيا نخبة عثمان من الأمويين ، كما أنه ثبت عامل المنافقين أو همشه تماما فلم نجد لهم ذكرا في دراسته عن علي وكأن دورهم أضعف من أن يذكر في تحويل أحداث التاريخ وذلك بالمخالفة للروايات التاريخية والمستقرأ من الأحداث لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ولما كانت موضوعات الأستاذ الموسوي عن الإنقلاب الهاشمي ليست هي لب محاكمتنا فأننا لن نتعرض لها إلا بالقدر الذي يخدم موضوعنا الأساسي وأظن أن التعليق السابق ذكره كاف للدلالة على ذلك
المسكوت عنه في خلافة عمر في الفقه السني:
وترى المحكمة في حيثياتها أنه لزاما عليها أن تقرأ المقالة التي يقدمها المدعي سندا لدعواه مرتين ، المرة الأولى بعين القارئ العادي المتشبع بالفكر السني ، ثم قراءة أخرى متأنية للباحث الذي أستطاع أن يتخلص من تركة الفكر السني الثقيلة.
أولا: القراءة للمرة الأولى وفقا للفكر السني:
الانطباع الأولي عن المقالة لا يخرج بعيدا عما ذكره الاستاذ الموسوي ، فالعنوان صادم لقوله المسكوت عنه وكأنه أسم إشارة إلي أن ما سنقرأه ليس هو ما قرأناه من قبل وأن الكاتب سيفتح لنا خزانة الاسرار مهما كلفه ذلك من نقد القراء والباحثين وصياح العامة والمغيبين.
ثم تأتي القاعدة أكثر صدما لكل ما نؤمن ونعتقد في قول الكاتب (الدولة الاسلامية لا يمكن ان تكون غازية محتلة بالقوة لبلاد الاخرين) ونحن الذين تربينا على تقديس عمر كفرد والفتوحات كمرحلة تاريخية دائما ماتلاعب خيالاتنا وأحلامنا بالعودة إلي الوراء أكثر من ألف سنة لنحيا على البطولات والفتوحات والغزوات ، حتى أن الفكر السني قدم لنا الحروب الدفاعية وأشهرها بدر وأحد على أنها غزوات ، فكيف ستتقبل عقولنا هذه القاعدة الصادمة في حد ذاتها.
ثم يستطرد الكاتب في تحطيم الأصنام الفكرية التي أصبحت جزء من عقيدتنا بقوله (عدل عمر تمتع به المسلمون الاحرار فقط ، دون مواطني البلاد المفتوحة . دولة عمر حين أشرفت علي العالم تعاملت بمنطق العالم وقتها ، منطق الجاهلية والعصور الوسطي وليس منطق الدولة الاسلامية . كل سلبيات الامويين والعباسيين وحتي العثمانيين بدأت جذورها في دولة عمر) ، وهذه الكلمات تقع دائما وقع الصاعقة على كل قارئ جديد للفكر القرآني فيجعله يأخذ موقفا شديد العداء لهذا الفكر يصل لحد التكفير مرورا بإعتبار هذا الفكر جزء من مؤامرة كبرى لتغيير وجه العالم العربي وإنشاء شرق أوسط جديد مستأنس بخلق أجيال لا توقر أعلام الدين الاسلامي من الصحابة المقربين لرسول الله عليه السلام ، ولم لا وقد أعتبر الكاتب أن الفاروق عمر المشهور بالعدل والإيمان الذي يتفق دائما التنزيل مع كل ما يقول ويفعل كما صوره لنا التاريخ السني والذي أصبح جزء من عقيدتنا ، وبعد ذلك نرى كيف سنقرأ المقالة وبأي عين نقرأها ، وبأي عقل نتفهمها ونحاول قراءة ما بين السطور ستكون قطعا قراءة ناقده ، نستغفر الله بعد قراءة كل سطر فيها مع صب لعناتنا على الكاتب وكل كلامه وفكره.
ثم بعد ذلك بدأ الكاتب يدلل على النتيجة التي توصل إليها أولا وصدمنا بها ولكن كل كلماته من عينة (في اعتقادنا انه ليس في الاسلام ايمان بشخص ، انما الايمان بالوحي الذي يصير به النبي مرسلا . وعمر بن الخطاب شخصية تاريخية انسانية ، فيها كل ما في الانسان من ضعف وقوة ، وظلم وعدل ، الا ان التأريخ لعمر وقع بين طرفي نقيض ، فالشيعة لم يتركوا فيه منقبة حسنة ، بل ملأوا سيرته سبا وذما ، والسنة جعلوه ملاكا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) ذهبت أدراج الرياح رغم ما فيها من منطق مستمد من القرآن الكريم ، لأننا لم ندرس بشأن الصحابة إلا قوله تعالى( محمد رسول الله والذين معه) وقوله تعالى (رضي الله عنهم ورضوا عنه)
ثم أستطرد الكاتب لبيان الوجه الآخر للقصص التي أنتشرت بين المسلمين عن عدل عمر ، وأن ما أعتبرناه عدل مطلق من عمر لم يعدو كونه عملة ذات وجهين ونحن فقط نراها أو نحب أن نراها من وجه واحد مشرق ضاربين عرض الحائط بالوجه الأسود للقصة ، والتي دائما إذا ما حاولت الإشارة إليه يقولون لك (هس .. أسكت) وطبعا هو يقصد بمن يقول لك (هس .. أسكت) هم فقهاء الدين السني الذين ليس لديهم ما يدافعون به عن عمر وأفعاله وقد فقدوا الحيلة والوسيلة لذلك ، فتشير إليه مقالة الكاتب على أنهم فاقدي الحجة ، على ما في ذلك من إثبات لبطلان موقفهم.
ثم قرر الكاتب ألا يستمع لنصيحتهم أو تحذيرهم ، وإنه لن يسكت ولن (يهس) وأن مبتغاه في ذلك طلبا للموضوعية العلمية ودرء التهمة عن الإسلام وتوضيح أنه قائم على القسط والعدل ، كما أعتبر نفسه أحد المظلومين وذلك بظلم أجداده المصريين من الفاتح العربي ، وهو يكاد يسمع أصوات صرخاتهم التي راحت أدراج الرياح ، وانه لن يسكت على قاعدة قرآنية مؤدها أن الله لا يحب الجهر بالسوء من القول (((إلا من ظلم)))
ولكن لأننا إفتتحنا قراءة المقالة على قاعدة من إتهام الكاتب في دينه وعقيدته ، فلن نسمع له ولن نسمح له بالتمسح في القرآن مستشهدا بآياته للتدليل على صحة مذهبه ، ولذلك كل كلام الكاتب بعد ذلك شرحا أن الإسلام لا يقبل الغزو والفتوحات وإجابته على سؤال طرحه: ماهو حكم الاسلام في الفتوحات الاسلامية ؟ بأن الاسلام بريئ من عقيدة الغزو والفتح وإستخدام السيف ، أقول كل ما قاله ذهب أدراج الرياح وأخذناه من باب كلام حق يراد به باطل ، وفساد في الاستدلال لأن كل مقدماته لا يمكن أن تصل للنتيجة التي توصل إليها لأن كل ما تعلمناه من فقهاء الدين السني أن الغزوات والفتوحات جزء من عقيدتنا لا يمكن المساس بها.
ثانيا: قراءة متأنية بعيدا عن الموروثات التاريخية والانطباعات الأولية:
عنوان المقال (المسكوت عنه في خلافة عمر في الفقه السني) ، إضافة الكاتب لكلمة (((الفقه السني))) لهو رسالة لكل ذي عقل أن ما يكتبه يتناول التاريخ من وجهة النظر السنية ليس بالضرورة هو الحقيقة ولكنه بناء قام على مقدمة نقد الفقه السني ، وهو ذلك النوع من الفقه أحادي النظرة والذي أرتبط بالتاريخ (المقبول لدى فقهاء هذا الفقه) على أنه نوع من الدين ، أي أن الكاتب يريد أن يقول أن صحة النتائج أو فسادها في هذا المقال مرتبط بصحة المقدمات أو فسادها ، وأن هذه المقدمات هو غير مسئول عنها ولكنها مقدمات يقف هو على النقيض منها ، فلو توصل إلي نتائج يراها القارئ فاسده فإن هذا الفساد يتعلق بالفقه السني وليس بالكاتب أو الفقه القرآني ، فلو تفهم القارئ هذه الحقيقة فسوف يقرأ المقال بعين غير العين التي قرأنا بها المقال في البند أولا.
ثم أن نتائج الكاتب الصادمة في أول مقاله نعيد قراءتها على قاعدة من الروايات السنية للتاريخ والتي لا يستطيع الكاتب أن يجزم بصحتها ، وهو بذلك يكتب نقدا تاريخيا لا نقدا يتصل بالاشخاص ، وهو يقول على فرض صحة هذه الروايات فإنها لا تشير إلي العدل المحض الذي جبلنا على فهمها بهذه الطريقة ولكن الوجه الآخر هو وجه سيء ، وتكون النتيجة إما الإصرار على أعتبار شخصية عمر بن الخطاب التي رسمتها له هذه الروايات فوق النقد فنكون أمام متناقض لا يمكن تفسيره بغير الطعن في المبادئ التي قام عليها الدين السني الأرضي ، أو إعتبار شخصية عمر بن الخطاب المرسومة بمعرفة التاريخ السني شخصية إنسانية فيها جميع إجابيات وسلبيات الانسان فندرسها دون تقديس لشخص على قاعدة من المبادئ نقبل بعضها ونرفض بعضها وذلك بعد إخضاعها لمبادئ القرآن الحق المطلق
ثم أن الكاتب ما فتئ يبين لنا أن الأحكام التي بناها هي من روايات فقهاء الفكر السني ومؤرخيه ، مستعينا بابن سعد وطبقاته.
وحتى لا يقع الكاتب في إشكالية مخالفة التاريخ المكتوب لمبادئه التي يدعوا لها ، فقد أعاد وضع قاعدة من معتقداته تقول أن (الدولة الاسلامية لا يمكن ان تكون غازية محتلة بالقوة لبلاد الاخرين) ، لكي يبني عليها عصب المقال ، وقد استشهد الكاتب بعدة روايات من طبقات ابن سعد ، لو راجعت قراءتها بتأني تستطيع أن تكتشف دون عناء أنه لا يقدح في شخص عمر بن الخطاب ولكنه يتناول الحدث التاريخي بالنقد ، إما ليثبت عدم صحته أو يثبت أنه على فرض صحته فإن أفراد المجتمع الاسلامي لم يكونوا بمستوى عمر بن الخطاب وعدله ولنأخذ الأمثلة التي ضربها ونناقشها مثالا مثالا على هدي من هذه القاعدة (أن الكاتب لم يقصد الذم في عمر بل قصد الطعن في الحادثة نفسها)
1- جاء بالمقال [يقول ابن سعد في الطبقات الكبري ان عمر كان يأمر الولاة بأن يوافوه في موسم الحج ، ثم يخطب في العرب المسلمين فيقول ( ايها الناس اني لم ابعث عمالي عليكم ليصيبوا من ابشاركم " أي اجسادكم" ولا من اموالكم ، وانما بعثتهم ليحجزوا بينكم وليقسموا فيئكم بينكم ، فمن فعل به غير ذلك فليقم ) فقام رجل فقال ان الوالي فلان ضربني مائة سوط ، فأمر عمر ان يضرب ذلك الوالي مائة سوط ، فتوسط عمرو بن العاص حتي ارضوا الرجلجل الشاكي بأن دفع له الوالي مائتي دينار بدلا من ان يضربه الرجل مائة سوط .( الطبقات الكبري 3/211[ .الواضح في الخبر هو ان عمر كان يتحري العدل بين العرب في الامصار المختلفة المفتوحة ، لا فارق بين جندي وقائد ، وهذا شئ جميل. ولكن المسكوت عنه انه اذا كان الظلم يحدث بين العرب المسلمين بحيث يضرب احدهم الاخر مائة سوط ظلما ، فماذا كانوا يفعلون مع الغلابة ابناء البلاد المفتوحة ؟. اذا حاولت ان تجد الاجابة .. يقال لك : اسكت هس !!] ، وهنا إن كان يعيب الكاتب على أحد فإنه لا يعيب على عمر بقدر عيبه على الولاة وعلى نظام الدولة الذيسمح لأحد الولاة أن يضرب واحدا من الشعب ، وقد كان هذا الرجل أسعد حظا لأن صوته وصل للخليفة في حين أنه بمفهوم الاحتمالات يحتمل أن هناك المائات الذين لم يتمكنوا من توصيل أصواتهم
2- ومما يؤكد كلامنا أن أحمد منصور ينقد تاريخا ولا ينتقد أشخاص أو يحاول النيل من شخصية عمر أنه قال في قصة المصري من ابن عمرو بن العاص (وان لم ترد هذه القصة في اقدم المصادر التاريخية الموثقة ، ولكن مع افتراض صحتها) إذا هو يفترض صحة الرواية ولا يجزم به ، وهنا يكون تصوره التالية وإعادة قراءته للقصة من منظور آخر يكون قائم على فرض صحة الرواية ، ولو لم تكن صحيحة فإن كل الكلام الذي قاله بعد هذه الجملة يكون أيضا غير صحيح ، فنتائجه تأخذ حكم الرواية نفسها من حيث الصحة أو العدم ، ويكون كلامه التالي (فاذا حاولت ان تعرف حجم الظلم الذي تعرض له اجدادانا المصريون في الدلتا والصعيد في عصر عمر والذي تجاهله الرواة) معدوما حال عدم صحة الرواية الأصلية ، ثم بفرض صحتها فإن المدان هو عمرو بن العاص وولده ، وهو في الحقيقة شخصية جدلية في التاريخ الاسلامي ، ولا دخل لعمر بن الخطاب في ذلك
3- ونفس ما قلنا يقال على موضوع عام المجاعة ومسارعة عمرو بإرسال أرقام مهولة من الأعانات ، لا يستطيع أحد أن يجزم بصحة هذه الأرقام ، فالدكتور أحمد رجل تاريخ ، والباحث في علوم التاريخ يحلل الأحداث ولا يقرأها كما يقرأها الرجل العادي ، فهل يلام لأنه يقرأ بعقلية الباحث؟
4- وحتى في موضوع الجارية ، فلأن الكاتب يدين عصر الفتح والغزوات ، فإنه إتخذ موضوع الجارية ليبحث في عدد الحرائر الائي استعبدن من جراء هذه الغزوات
القاسم المشترك في كل الروايات التي ساقها الكاتب هو أن عمر بن الخطاب كان له فعل مثالي في كل مرة فلم يرضى بالظلم مهما كان شخص الظالم وشخص المظلوم ، فكانت العبرة لدى عمر نفسه بالأحداث لا بالأشخاص وهو ما يضفي على شخصيته العظمة ، وقد أبرز الكاتب هذه الفكرة ولكن في إطار نقدي يتفق وكونه باحث تاريخي وليس قارئ عادي ، كما أن عمر في هذه القصص لم يرضى بتفضيل نفسه عن باقي المجتمع المسلم ، ثم أن لو سلمنا بفرضية الكاتب أن عمر كان عادلا مع قومه فقط ، فإن ذلك لا يقدح في عمر ، فليس من المطلوب من بوش مثلا أن يكون عادلا مع أهل زنزبار ، ولكن يكفيه لنقول عليه عادل أن يعدل في الأمريكان ، ثم أن جميع الأمثلة التي ضربها الكاتب توضح غير ذلك وتؤكد أن عدل عمر تعدي الإنسان العربي إلي غير العربي فقد أقتص في كل مرة من الوالي (((العربي))) لصالح الوافد غير العربي.
ولأن أحمد منصور أستاذ تاريخ فإننا لا يمكن أن نسلم له بكونه أستاذا في مادة التاريخ بل ولا يمكن له نفسه أن يعتبر نفسه كذلك إلا أن يكون له رأي فلسفي في الأحداث التاريخية ، وهذا ما نطلق عليه نحن المتخصصون (علم فلسفة التاريخ) ، وقد درس الحقوقيون مادة فلسفة التاريخ ، حتى يعرفون لماذا تم سن القوانيين عبر الأزمنة والأمكنة ، وكانت دائما القوانين تسن بسبب فكرة أصولية ، فمثلا في قانون حمورابي سيطرت نظرية العدالة المجردة على مواد القانون حتى تمت المبالغة فيها فأصبحت الظلم بعينه في المادة التي تقول (إذا بنى مقاول بناء لصاحب البيت ، وأنهدم البناء فمات ابن صاحب البناء يتم القصاص بقتل ابن المقاول) ، ومن خلال فلسفة القانون يمكننا التعرف على التسلسل التاريخي في التشريعات الأنسانية بدأ من صولون ثم حمورابي فالألواح الأثنى عشر وصولا للتشريعات الدينية ، وبالتوازي فإن الباحث في التاريخ الإسلامي يجب أن يبحث في ثنايا التاريخ المكتوب بغض النظر عن صحته عن الأسباب التي أدت لقيام هذه الأحداث ، ولما كان بحث أحمد منصور عن الأسباب للغزوات والفتوحات في القرآن قد أعياه أن يجد قاعدة قرآنية لكل هذه الغزوات والحروب ، فقام بالبحث عنها في ثنايا التاريخ ، وقام بتفعيل فلسفة التاريخ فلم يجد منطقا يقبله ليكون قاعدة فكرية لهذا الغزو غير أن الحكام أرادوا صرف طاقة المتمردين في الغزو والفتح حتى لا يستخدمها المتمرين في الإغارة على الدولة الإسلامية نفسها.
ولو قرأنا المقالة كلها بهذا المنطق ، فسوف نكتشف فيها أن أحمد منصور لم يقدح في شخص عمر ولم يقصد ذمه أو سبه ، ولكنه نقد كل هذه الأحداث التاريخية وأراد أن يبرئ الإسلام من شبهة العدوان.
والمحكمة في حيثياتها ترى أنه وجب عليها الأدلاء برأيها في هذا الموضوع نظرا لأهميته القسوى ، وليكون نقدها بناءا ولتخرج بتصور يكون الأقرب للصواب من وجهة نظرها.
رأي المحكمة الشخصي:
1- تحب المحكمة أن تنوه للكاتب أحمد منصور أن المقال لا يصلح أن يكتب للعامة ويجب أن يبقى للمتخصصين في إطار بحث علمي رزين، وأن الكاتب في الحقيقة أخطأ التقدير في أنه وضع النتيجة في بداية المقال فكانت صادمة للقارئ فرفضها ومن ثم رفض المقال كله وقرأه بعين الشك لا بعين البحث ، وترى المحكمة أن المقال بهذا الشكل يفقد الكاتب وفكرة أرضا يمكن أن يكسبها إذا تم جلاء الحقيقة كاملة ولذلك فإن المحكمة أنتهزت فرصة الحكم لبيان ذلك ، ويمكن أن يعتبر هذا المقال من المقالات الواجبة النقاش في رواق أهل القرآن.
2- تبرير الغزوات والفتوحات من جانب رجال الدين السني كان خطأ فادحا بأن نسبوها للدين الإسلامي نفسه وقاموا بتأصيل فكرة الغزو بلي عنق الآيات وإختلاق الأحاديث ، أما تفسير أحمد منصور لها بقوله (ان هذه الفتوحات كانت رد فعل لهجوم المرتدين علي المدينة في اول خلافة ابي بكر ، وقد هزمهم ، ثم طارد المرتدين الاخرين الي ان وصل الي اطراف الجزيرة العربية حيث تخوم الامبراطوريتين الفارسية والرومية . وبعد اخضاع المرتدين اراد ان يتخلص من شوكتهم الحربية بتصديرها الي الهجوم علي ممالك وولايات الامبراطوريتين ،و هكذا بدأت الفتوحات أو الغزوات) فهو أيضا تفسير خاطئ يفتقر للدقة العلمية ، لأنه وضع فرضية أن بداية الغزوات كانت من تفكير أبو بكر لكسر شوكة المتمردين ، مع ما يمكن أن يوصم به شخصيات كبار الصحابة بأنها شخصيات برجماتية مكيافلية لم تستطيع مدرسة الرسول عليه السلام تهذيبهم ، مما يفقد الدين الاسلامي غرضه الأساسي في تهذيب النفس البشرية ، ولكنه يبقى تفسير بشري يقبل الصواب والخطأ ، ولا يقصد به الذم ولكن يقصد به فهم الأحداث التاريخية والفرق لو تعلمون كبير.
3- في رأي المتواضع أن هناك تفسير آخر للفتوحات في عصر الخلفاء الراشدين أكثر منطقية ومعقولية من وجهة نظر المحكمة ، ومؤدا هذا الرأي أن الفتوحات والغزوات في عصر الراشدين قامت على قاعدة درء العدوان في قوله تعالى"وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين" البقرة 190 ، ويؤكد هذه القاعدة قوله سبحانه وتعالى"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين" الممتحنة8 ، وقطعا فإن الغزو والفتح والقتل والسبي والاسترقاق ليس من البر والقسط ، ولكنه من الظلم والعدوان الذي لا يمكن تصوره في حق كبار الصحابة ، فتكون حروبهم لأن الغير بدأ بالاعتداء فكان من الحنكة السياسية المبرره بالنصوص القرآنية محاربتهم ودرء عدوانهم وكسر شوكتهم إلي الحد الذي لا يستطيعون معه إعادة حرب المسلمين ، والقارئ لأحداث التاريخ يجد أن حرب المسلمين للفرس كانت حرب إبادة ومحو ذلك أن عدوان الفرس عليهم كان عدوانا كبيرا لا يقابل إلا بذلك ، أما الروم فبرغم كثرة الحروب بينهم ، فقد أستطاع المسلمين والروم معا إيجاد صيغة ما وحد أدنى للتفاهم يمكنهم من العيش جيرانا لمدة قرون.
4- وهذه القاعدة لا تنسلخ على الغزوات في عصر الأمويين والخلفاء اللاحقين على الخلفاء الراشدين ، ويمكن في هذه الأزمنة اللاحقة النظر بعين التقدير لنظرية أحمد منصور.
مما تقدم فإن المحكمة لا ترى سببا لقبول الدعوى من الناحية الموضوعية لإنتفاء قصد الإساءة للفاروق عمر من الكاتب والمفكر أحمد منصور ، وعن المصاريف والاتعاب فإن المحكمة تلزم بها خاسر الدعوى عملا بقانون المرافعات
وبناء على ما تقدم
فقد حكمت المحكمة حضوريا على النت بقبول دعوى عبد الحسن الموسوي ضد أحمد منصور شكلا ، ورفضها موضوعا وإلزام رافعها بالمصاريف والأتعاب
(أمين السر ) (رئيس المحكمة)
إمضاء