وكذّب به قومك وهو الحق ..!!
لصحابة فى القرآن الكريم ـ المقال الثانى

آحمد صبحي منصور في السبت ٢٢ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ

أولا :
1 ـ من الحقائق الغائبة والغريبة عن الاسلام أن العرب ـ الذين حملوا إسمه للعالم الخارجى وبه عرفهم العالم وبه سادوا معظم العالم المعروف وقتها ـ هؤلاء العرب هم الذين قدموا للعالم مجرد إسم الاسلام فقط ـ أما الاسلام الحقيقى فقد أضاعوه لأنهم فى الأصل كذبوا به. قدموا للعالم القرآن الكريم الذى كان حفظ الله تعالى له فوق طاقة البشر على التلاعب به وتحريفه. لم يستطيعوا تحريفه ولكن استطاعوا إتخاذه مهجورا باساليب شتى منها الاعتماد على بدائل صنعوها وجعلوها أعلى من القرآن كالحديث وتأويلهم للقرآن وتعطيل أحكامه بأكذوبة النسخ التراثى ، وكلها من أنواع التكذيب العملى للقرآن الكريم.
وبسبب هذا التكذيب العملى ـ الذى صاحب القرآن فى حياة النبى محمد عليه السلام ثم استشرى بعد موته ـ فان الاسلام الحقيقى لم يتم تطبيقه سوى سنوات فى حياة النبى محمد فى المدينة، وفيها حفل حديث القرآن عن مكائد من أحاط بالنبى محمد عليه السلام من المنافقين ومن فى قلبه مرض ، بالاضافة الى الأعداء المحاربين.
لقد نزل القرآن الكريم ـ وهو دين السلام ـ فى بيئة عنف تحترف الإغارات كاسلوب حياة ومورد رزق وتعتبر السلب والنهب والسطوة والظلم من شيماء العزة كما يعبر عنه شعرهم (الجاهلى ) بيئة العنف هذه قسمت أغلب العرب الى قسمين : أحدهما استكان للظلم والخنوع ولما جاء الاسلام أسرع بالدخول فيه أملا فى تغيير الواقع ، أما القسم الآخرالذى تزعمته قريش فهو الذى وقف ضد الاسلام بالسلاح والمكائد.
تلك الحروب عكستها تشريعات القرآن الكريم فى الدعوة والجهاد والقتال الدفاعى. تلك الحروب أسهمت فى تقصير المدة التى تم تطبيق الاسلام فيها، خصوصا بعد موت النبى محمد ، حيث كانت الحرب أبرز وسائل العرب العملية فى تكذيب القرآن الكريم فى حياة النبى محمد وبعد موته ايضا.
بالطبع هذا زعم خطير يستلزم الدليل .
وبالطبع نحن نتحدث عن الأغلبية ، الأغلبية التى ينطق باسمها ويقودها الملأ المتحكم . أى قريش قبيلة النبى محمد عليه السلام ـ أو بالتعبير القرآنى (قومه ) عليه السلام.
2 ـ فى سورة مكية انبأ الله جل وعلا بما سيحدث للقرشيين بسبب تكذيبهم للقرآن الكريم ، وحذرهم مسبقا مما سيحدث لهم من حروب أهلية جراء هذا التكذيب فقال : ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ )، ولأنه جل وعلا علام الغيوب وما يدور فى القلوب فقد فضح حقيقة قلبية لدى معظم القرشيين وهى تكذيبهم القرآن الكريم فقال لخاتم النبيين عليه السلام عن قومه (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ ) ثم أكّد إنذاره للقرشيين بنتائج تكذيبهم القرآن ـ أى ما ينتظرهم من حروب أهلية يكونون قادتها ووقودها: (لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ )( الانعام 65 : 67 ).وكل ذلك حدث فعلا بعد موت النبى محمد عليه السلام ، فليس هناك من تعبير أبلغ فى وصف الفتنة الكبرى وانقسامات المسلمين المذهبية وحروبهم الأهلية التى لا تتوقف من قوله تعالى ( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ )
ومنذ موقعة الجمل وصفين والنهروان وكربلاء وعين الوردة فى القرن الأول الهجرى وحتى الآن ـ لا يزال المسلمون يقتتلون فى حرب أهلية لا تنقطع. والغريب أنها تتواصل الان فى العراق ، ربما فى نفس الأماكن . ولا يمكن لبشر من العقلاء أن يستمروا فى الوقوع فى نفس الخطأ طيلة هذه القرون إلا إذا كانت تلك لعنة يستحقها أولئك القوم . ولعل هذا ما تشير اليه نفس الاية حين قالت (انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ) فلم ينظر أحد ولم يتعقل أحد ولم يفقه أحد ، فظلت الاية الكريمة مهجورة ضمن القرآن الذى اتخذه القوم مهجورا طيلة هذه الدنيا الى قيام الساعة، واستحقوا بسببه أن سيشكوهم الرسول محمد عليه السلام وسيتبرأ منهم يوم القيامة: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) (الفرقان 30 : 31 ) .
3 ـ ان الجريمة التى وقع فيها القوم ـ ولا يزالون يقعون فيها ـ هى التكذيب بالقرآن الكريم. وهو إما تكذيب صريح بالقول والعمل كما كان يفعل الملأ من قريش (الأمويون )فى مكة ، وإما تكذيب ضمنى بالعمل المسلح،كما فعل الأمويون حين سيطروا من خلف ستار على الخلفاء (الراشدين ) وقاموا بما يعرف بالفتوحات ثم بالفتنة الكبرى، وقد يتستر التكذيب بالقرآن تحت مصطلحات شى مثل قولهم أن القرآن حمّال أوجه ، أو أن السنة البخارية وغير البخارية تفسر القرآن وتشرحه وتعطل تشريعاته بزعم النسخ. تعددت أنواع التكذيب والمضمون واحد .وتعددت أنواع التكذيب والعقاب واحد وهو أنهم أصبحوا ـ ولا يزالون ـ شيعا وفرقا يذيق بعضها بأس بعض من العراق الى أفغانستان ومن اندونيسيا الى باكستان ومن المغرب الى الشيشان .
ثانيا : قريش قوم النبى
وفى قوله تعالى (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ)نتوقف مع بعض التفصيلات فيما يخص حديثنا عن الصحابة :
1 ـ القوم الذين كذبوا هنا هم الصحابة من اهل مكة الذين صحبوا محمدا فى نفس الزمان قبل وبعد البعثة ، منهم من آمن ومنهم من كفر ، ثم دخلوا فى الدين أفواجا قبيل موت النبى محمد ، ثم خرجوا منه أفواجا بعد موته بالفتوحات والحروب الأهلية والانقسامات السياسية التى أنتجت أديانا أرضية لا زلنا نشقى بها حتى الآن ويشقى بها معنا العالم .. والاسلام الحقيقى.
2 ـ جاء الخطاب مباشرا للنبى محمد عن قومه القرشيين ( قومك )اى تكذيب قريش للقرآن. وسيلاحظ القارىء ان كلمة (قومك ) و(قومى ) الخاصة بالنبى محمد وما يتعلق بها والتى نستشهد بها فى هذا المقال ـ كلها جاءت فى آيات قرآنية مكية، أى فالحديث هنا عن قوم النبى محمد من القرشيين. ولقد كانوا نوعين : نوع أسلم وأصبح من المهاجرين ، ونوع ظل كافرا معتديا ثم أسلم بعد فتح مكة ، مثل الملأ القرشى الأموى .
3 ـ ومع ذلك فان قوله تعالى (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ) لا يعنى كل القوم بل الأغلبية منهم ، فالنسق القرآنى أن يعطى الأغلبية حكما عاما مع وجود استثناء صريح أو مفهوم.
إن القرآن الكريم يقول ( الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (الاعراف 97 ) وهنا كلام عن الأغلبية و ليس كل الأعراب ،فالله جل وعلا يقول ( وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (الاعراف 99 )
4 ـ ومع أن الأغلبية من قوم النبى هى التى كذبت فان الله جل وعلا يشير ضمنا الى انها أغلبية ـ ليست فقط فى العدد ولكنها أغلبية قائدة ومسيطرة تتبعها آلاف مؤلفة من العرب وغيرهم، بل نقول آلاف الملايين حتى الان. وهنا نفهم أن تعبير القوم هنا أيضا قد يتسع ليضم كل من اتبع قريش فى كفرها من وقت البعثة الى قيام الساعة،لأن قريش هى التى قادت العالم (المسلم ) فى تكذيب القرآن وفى اختراع أديان أرضية لا تزال تعبش بيننا .
ثالثا : قريش هى التى قادت معظم العالم ولا تزال حتى الآن .
1 ـ قريش أقوى قبيلة عربية من ذرية اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام ، وإكتسبت قوتها من التحكم فى التجارة بين الشرق والغرب ـ عبر رحلتى الشتاء والصيف وعبر تحكمها فى البيت الحرام وسيطرتها على الحياة الدينية للعرب فى الجاهلية ـ أى قبل ظهور الاسلام. وحرصا على احتفاظها بالجاه والقوة فقد عارضت الاسلام وحاربت المسلمين ثم حرصا على مصالحها أيضا دخلت فى الاسلام متأخرا فسيطرت على المسلمين بدءا من خلافة ابى بكر. وبالفتوحات حكمت قريش معظم العالم المعروف أطول فترة فى التاريخ الانسانى والعالمى من حدود الصين والهند شرقا الى جنوب فرنسا غربا، ومن جزر البحر المتوسط وجنوب إيطاليا وآسيا الصغرى شمالا الى المحيط الهندى والصحراء الأفريقية جنوبا.
أهم عائلتين من قريش هما الأمويون والهاشميون. الهاشميون ينتمى اليهم العباسيون والفاطميون وقد كونوا امبراطوريات باسم الاسلام ، وأسسوا أديانا أرضية للمسلمين تخالف الاسلام وتكذب بالقرآن ، ولا تزال تلك الأديان باقية ومسيطرة .
2 ـ الهاشميون والأمويون ينتمون معا الى أب واحد هوعبد مناف. وهاشم بن عبد مناف هو توأم عبد شمس بن عبد مناف.
أنجب هاشم أبناء كثيرين منهم عبد المطلب الذى انجب بدوره عشرة أبناء منهم عبد الله والد النبى محمد ، و أبو طالب عم النبى محمد ووالد على بن أبى طالب أقرب الناس لآبن عمه محمد والذى تزوج إبنته فاطمة وأنجب منها الحسن والحسين ، ومنهما تفرع البيت العلوي من الطالبيين. ومن ذرية عبد المطلب كان العباس بن عبد المطلب الذى تنتمى اليه الدولة العباسية.
أما عن الأمويين ، فجدهم هو أمية بن عبد شمس بن عبد مناف.كبير الأمويين فى عهد النبى محمد كان أباسفيان بن حرب بن أمية ،وكان معه ابن عمه الحكم بن العاص بن أمية ، وكانا من ألد أعداء الاسلام وقادة الحرب ضده ، ثم ركبوا موجة الاسلام بعد موت النبى محمد ، وما لبث أن أقام معاوية بن أبى سفيان ثم مروان بن الحكم ابن العاص الامبراطورية الأموية العربية باسم الاسلام. ثم جاء بعدهم العباسيون الهاشميون .
3 ـ وهنا نتوقف مع العباس وابنه عبد الله بن عباس.
قبل نزول القرآن كانت ذرية عبد مناف ( الهاشميون والأمويون ) هم قادة قريش فى الدين وفى الدنيا. وقد تقاسم أبناء العم السلطة فى قريش. تخصص بنو أمية فى قيادة الحرب ورحلة الشتاء والصيف ، بينما تخصص بنو هاشم فى رعاية البيت الحرام والحجاج.
وبظهور الاسلام كانت رعاية البيت الحرام والحجاج من نصيب العباس بن عبد المطلب عم النبى محمد ، بينما كانت قيادة الحرب والتجارة من نصيب صديقه أبى سفيان بن أمية.
وخوفا على إرثه الدينى فى مكة والبيت الحرام فقد تحالف العباس مع أبى سفيان ضدالاسلام ومحمد عليه السلام. وفى معركة بدر كان قائد القافلة التجارية القرشية أبا سفيان ، بينما كان قادة الحرب من أعمدة بنى أمية وكان معهم العباس عم النبى محمد ، وبهزيمة قريش فى تلك الحرب وقع العباس عم النبى أسيرا، وقد إفتدى نفسه ورجع الى مكة مع رفاقه المشركين المعتدين إلى أن أضطر هو ورفيقه أبو سفيان الى الدخول فى الاسلام قبيل فتح مكة بعد أن أدركا أن مصلحتهما تحتم عليها ذلك.
وفي الصراع بين الخليفة على بن أبى طالب ومعاوية الأموى الثائر عليه كان عبد الله بن عباس مع إبن عمه على بن أبى طالب الخليفة الشرعى ، الى أن وضح إنتصار معاوية فإنشق عبد الله بن العباس (ابن عم على بن أبى طالب ، وابن عم النبى محمد ) عن الخليفة على ، وسرق الأموال التى كانت فى حوزته ولحق بأخواله فى الصحراء بعد ان أيقن ان الخليفة إبن عمه لا يستطيع فى محنته ان يسترد منه الأموال المسروقة. وبذلك تمهد الطريق لمعاوية لأن يؤسسس دولة الأمويين ويتوارث فيها آله الحكم بالقوة.
وعاش أبناء عبد الله بن عباس مكرمين فى الدولة الأموية ، ثم جاءتهم الفرصة بموت حفيد لعلى ابن أبى طالب كان يتزعم دعوة سرية عنقودية لقلب نظام الحكم الأموى ، ولا يعرف شخصيته إلا قلة من كبار الدعاة الذين كانوا يدعون الى إمامة شخص مجهول تحت إسم (الرضى من آل محمد ) دون تحديد إسمه ونسبه . أدرك هذا الرجل الموت مسموما بمؤامرة أموية عشوائية وكان على مقربة من بيت محمد بن على بن عبد الله بن العباس فى منطقة الأردن ، فمات بين يديه بعد أن أفضى اليه بأسرار الدعوة والتنظيم فركب العباسيون هذا التنظيم العنقودى ووصلوا به الى إقامة الدولة العباسية، وفيها إضطهدوا أبناء عمهم العلويين الطالبيين ـ من ذرية على بن أبى طالب.
أى ان قادة قريش فى العداء للاسلام من الأمويين والعباسيين هم الذين إستغلوا الاسلام فى إقامة امبراطوريتين نبتت فيها أديان أرضية للمسلمين تناقض الاسلام وتتفق مع تراث تلك العائلتين فى تكذيب القرآن قبل فتح مكة .
4 ـ الخلفاء الراشدون ( أبوبكر ، عمر ، عثمان ، على ) ينتمون الى قريش ، ومنهم واحد ينتمى للأمويين وهو عثمان ، وآخر ينتمى للهاشميين وهو على بن أبى طالب . وبجهود الأمويين بدأت الفتوحات وتوطدت فى عهد (الراشدين ) ثم أكمل توسعها الأمويون ، وهم من قريش . جاء بعدهم العباسيون وهم أيضا من قريش.
5 ـ خصوم العباسيين كانوا أيضا من قريش. لم يسيطر العباسيون على كل ما كان فى حوزة الدولة الأموية ، خرج عن طاعتهم الأندلس ( أسبانيا المسلمة ) وقد حكمها عبد الرحمن الداخل ( صقر قريش ) وهو امير أموى هارب من المذابح التى أقامها العباسيون للأمويين عندما هزموهم. وخرج عن سلطة العباسيين المغرب حين تولاه الأدارسة ، وهم أيضا من قريش ينتمون الى نسل على بن أبى طالب. وخرج ـ مؤقتا ـ عن سلطة العباسيين مصر والشام وشمال أفريقيا لصالح الخلافة الفاطمية ، الفاطميون ينتمون الى ذرية على بن أبى طالب.
وظل ( الأشراف ) ـ وهم من ينتسب الى ذرية على بن أبى طالب ـ يحكمون الحجاز بعد انهيار الدولة العباسية فى القرن الثالث عشر الميلادى الى سنة 1925 حين استولى عبد العزيز آل سعود على الحجاز وطرد عليا بن الشريف حسين.
أبناء الشريف حسين أصبحوا حكاما فى العراق وسوريا والأردن. وأسرة عبد الله بن الشريف حسين هى التى تحكم الأردن حتى الآن. وفى المغرب أسرة أخرى تحكمه تنتمى الى ذرية على بن أبى طالب ،أو الأشراف. والى عهد قريب كان حاكم ايران هو الشريف محمد خاتمى الذى ينتمى الى الأشراف ، اى هو أيضا قرشى .
فهل هناك قبيلة فى العالم تماثل قريش فى سطوتها وسلطانها السياسى ؟.
6 ـ لقد عضدت قريش هذا السلطان السياسى باستغلال الاسلام أو ملة جدها ابراهيم. وتمخض هذا الاستغلال عن إنشاء أديان أرضية ، كلها تنتمى للاسلام وتتناقض معه فى نفس الوقت.وراج حديث منسوب كذبا للنبى محمد يقول ( الأئمة من قريش ) وصار قاعدة فقهية سياسية فى التشريع السنى ، يمنع أن تكون السيادة السياسية لغير قرشى مهما كان ، ويتفق الدين الشيعى مع هذا الحديث إلا إنه يحصر الامامة بالوصية فى ذرية الامام على .
أى أن قريش تلاعبت مرتين بالاسلام، فى المرة الأولى حين أصبحت لها السيادة على مكة والبيت الحرام فى عهد قصى أقدم زعيم معروف لمكة ، وهو جد قديم للنبى محمد ، ثم حين أصبحت لها السيادة على المسلمين بعد وفاة النبى محمد .
وهذا يجعل من الاعجاز التاريخى للقرآن الكريم قوله تعالى (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ) فهؤلاء القوم بمن اتبعهم من كل الأمم وفى كل الأزمنة قد كذبوا بالقرآن الكريم مع انهم ينسبون أنفسهم للنبى والاسلام ، وفى ظل هذا الزعم الكاذب أقاموا أديانا أرضية .
رابعا : كيف كذبت قريش بالقرآن الكريم ؟
أمر الله جلا وعلا النبى محمدا عليه السلام أن يستمسك بالقرآن الكريم الصراط المستقيم ، وجعل القرآن هو الذكر له ولقومه وانهم سيسألون عنه يوم القيامة : ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) (الزخرف 43 : 44 )
وبدلا من التمسك به فان (قوم ) النبى محمدا افتعلوا من الأساليب التى يعبرون بها عن رفض القرآن الكريم وتكذيبه ، ومنها :
1ـ الجدال بالباطل فى القرآن الكريم ، حيث كانوا يأتون الى داره ليجادلوه يتهمون القرآن: (حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ) ثم يتعاهدون انفسهم بعدم الاستماع اليه (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) ( الأنعام 25 : 26 )
وكانوا فى جدالهم يستعملون كل فنون المغالطة لتحويل الجدال الى خصومة: (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ) (الزخرف 57 : 58)ن ولذلك أمر الله جل وعلا النبى الكريم بالاعراض عن جدالهم التكذيبى للقرآن الكريم (وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) (الحج 68 : 69 ) وقرر رب العزة أن من يجادل فى آيات الله تعالى هم الكافرون فى كل زمان ومكان (مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا ) ( غافر 4). وهذا الجدال بالباطل لا يزال مستمرا حتى اليوم ، ودائما يتحول الى سب وشتم واتهامات بالباطل يعانى منها القرآنيون اليوم بمثل ما كان فى الماضى.
2 ـ أختراع أحاديث لالهاء الناس عن القرآن : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) (لقمان 6 : 7 )ولكن المكذبين من قريش اتخذوها بديلا للقرآن بزعم أنها وحى ،فأكّد الله تعالى أنه حديث واحد ذلك الذى يجب الايمان به ، ألا وهو حديث الله تعالى فى القرآن الكريم ، يقول تعالى :(تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) (الجاثية 6 : 9 )
واوضح رب العزة أنه جهد معتاد لكل أصحاب الديانات الأرضية ، وأنه يسرى الى قيام الساعة : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) ( الانعام 112 : 114 ). واليوم تتمسك الديانات الأرضية للمسلمين بأحاديث تزعم أنها وحى الاهى تمت كتابته بأثر رجعى بعد موت النبى بقرنين وأكثر من الزمان ، وهى نكتة مؤسفة .!! ولقد ناقشنا ذلك فى بحث (الاسناد ) وهو منشور على الانترنت.
ـ رفض القرآن الكريم والمطالبة باستبداله بقرآن آخر يوافق اهواءهم . يقول تعالى : ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ) ويأمره ربه جل وعلا أن يقول لهم : ( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) وأن يؤكد عليهم ( قل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) ثم يجعل الله جل وعلا التكذيب بالقرآن أفظع انواع الظلم:( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ) (يونس 15 : 17 ).
وفيما بعد حققوا أمنيتهم تحت مصطلح (النسخ ) بمعنى حذف تشريعات القرآن الكريم وإبطالها . عجزوا عن حذف ألفاظ القرآن الكريم لأن الله جل وعلا ضمن حفظه الى قيام الساعة ، فزعموا حذف حكمها التشريعى .
وكما اختلفوا ـ رأسيا وأفقيا ـ فى الأحاديث التى اخترعوها فقد اختلفوا أيضا فى الآيات التى زعموا (نسخها ) أو إلغاء حكمها. ولنا بحث منشور على الانترنت يثبت زيف اسطورة النسخ فى القرآن الكريم ، وهو بحث ( النسخ فى القرآن معناه الاثبات و الكتابة و ليس الحذف والالغاء ).
ولهذا فان القرآن الكريم قد نبأ سلفا بأن تكذيب قوم النبى سيستمر الى قيام الساعة حين يعلن الرسول براءته منهم ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا ) (الفرقان 30 : 31 )
أى جعل الله تعالى أعداء النبى محمدا صنفين من الناس : الذين هجروا القرآن الكريم كما فى الاية السابقة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا )والمتمسكين بالأحاديث الضالة التى يزعمون أنها وحى الاهى كما فى قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا )هم فى الحقيقة صنف واحد قال عنه رب العزة (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ ).
أخيرا :
وفى النهاية ، فنحن لا نحكم على كل الصحابة ولكن على الظالمين منهم فقط ..

اجمالي القراءات 5588