ياسر برهامى.. «أخطبوط الدعوة السلفية»

في الخميس ٠٢ - أكتوبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

فى فجر يوم الخميس (6 يناير 2011)، تلقى ياسر برهامى اتصالًا هاتفيًا من مكتب مباحث أمن الدولة بالإسكندرية، طلب المتحدث حضور «الشيخ» على وجه السرعة.

كان سيد بلال قد سلم نفسه إلى مقر مديرية أمن الإسكندرية القديم فى منطقة اللبان فى العاشرة من مساء يوم (4 يناير 2011) بعد اتصال من الضابط (ح. أ) ظهر اليوم نفسه، على خلفية تفجير كنيسة القديسين، الذى وقع فى الساعات الأولى من العام 2011.

توفى «سيد» بعد يوم واحد من القبض عليه.

وصل «برهامى» إلى مبنى جهاز مباحث أمن الدولة الكائن بمنطقة الرمل، والتقى عددًا من القيادات العليا بالجهاز.. كان يعرفهم جيدًا.

يجب أن يُدفن «القتيل» فى أسرع وقت، وعلى الدعوة السلفية أن توقف أى تحرك «محتمل» من شبابها ضد الحادث.. فهم «برهامى» الحديث: «سيد بلال لا ينتمى إلى الدعوة أصلًا».

صلى «برهامى» صلاة الجنازة على سيد بلال فى ساعة متأخرة من يوم الخميس، وصدرت قبلها أوامر إلى شباب الدعوة السلفية فى الإسكندرية «ألا تتجهوا إلى المشرحة».

«تحدثت إليه وطلبت منه الإدلاء بشهادته، ولكنه كان دائمًا يتحجج بأمن الدولة، وبأن هذا الجهاز يهدده إن أدلى بأى أقوال، وبعد الثورة حين طالبته بحق بلال، طلب منى أن أسكت قليلاً بسبب وجود بعض المصالح التى لم تنته بعد مع هذا الجهاز».. يقول أحمد مشالى، محامى السيد بلال، فى حوار مع الزميلة «الوطن» بتاريخ 2 يناير 2013.

(1)

اتخذت «الدعوة السلفية» منهجًا يقوم على الابتعاد عن السياسة، وساد «عرف» فى عهد «مبارك» أن تتغاضى الدولة عن سيطرة السلفيين على المساجد فى مقابل أن يبتعدوا هم عن العمل السياسى.

كان السلفيون– بالتحديد الدعوة السلفية– يرفضون العمل السياسى، أو حتى التفاعل مع الحراك الذى شهدته البلاد فى السنوات الأخيرة قبل الثورة فـ«المشاركة فى المظاهرات تتضمن جملة من المفاسد لا تكاد تنفك عنها، منها: الهتافات الباطلة مثل: الحرية، والديمقراطية، ومنها: احتمال سفك الدماء وجرح المتظاهرين أو الشرطة، ومنها: الاختلاط بين الرجال والنساء»، بحسب فتوى لـ«برهامى» منشورة على موقع «أنا السلفى» بتاريخ 8 يونيو 2010.

اعتقدت «الدعوة السلفية» بعدم مشروعية خوض الانتخابات البرلمانية تحت «مظلة علمانية»، فـ«موازين القوى الحالية عالميا وإقليمياً ومحلياً لا تسمح بالمشاركة إلا بالتنازل عن عقائد ومبادئ وقيم لا يمكن التنازل عنها».

أغرى نجاح الثورة «الدعوة السلفية» فقررت الدلوف إلى «عالم السياسة» بتأسيس حزب «النور»، ولعب «برهامى» دور «خمينى الحزب».

ظهر الرجل على الحياة السياسية بقوة بعد ثورة «25 يناير»، كان حضوره «السياسى» قبل الثورة مقتصرًا على الرد على أسئلة «مريديه» عن الأوضاع السياسية القائمة آنذاك.

لعب دورًا كبيرًا فى المرحلة الانتقالية الأولى التى أعقبت تخلى «مبارك» عن السلطة، اقترب كثيرًا من «المجلس العسكرى» ومن «الإخوان المسلمين» أيضًا، ويمتلك من التفاصيل الكثير حول هذه المرحلة.

علاقته بالإخوان ملتبسة.. أبوه كان إخوانيًا وألقى القبض عليه فى قضية 1965، كما أن عمه إخوانى، لكنهم أيضًا من «ألقوا به خارج المسجد» فى السبعينيات، و«إذا تمكنوا سيقضون على الدعوة السلفية».

ما الذى فعله برهامى؟

كان المجلس العسكرى السابق بقيادة المشير طنطاوى والفريق سامى عنان راغبًا فى إنهاء «حالة الثورة المستمرة» التى انتابت المصريين بعد «25 يناير»، سعى للوصول إلى «جهة منظمة» يستند إليها فى إنهاء هذه الحالة التى رآها «مهددة» لما تبقى من أركان الدولة المصرية، فاقترب من الإسلاميين.

خيوط كثيرة أمسك بها «برهامى» فى هذه الفترة، اقترب من الإخوان، كان حاضرًا ومشاركًا بقوة فى «صفقة» تمرير تعديلات دستور 1971، رأى أن فرصة الإسلاميين قد حانت فحاول أن يحفظ لحزبه «موطئ قدم» فى العهد الجديد.

حينما اقتربت الانتخابات الرئاسية لعام 2012، ومع صعود «نجم» المحامى السلفى حازم صلاح أبو إسماعيل، تخوف «برهامى» من أن يفلت زمام المبادرة من بين يديه، رأى أن وجود «حازم» يهدد بانفراط عقد «الدعوة السلفية» خصوصًا فى ظل حالة «الولع» لدى شباب الدعوة بـ«مرشح الشريعة».

كيف تصرف؟

عرض على المجلس العسكرى ترشيح أحد العسكريين الذين شاركوا فى حرب أكتوبر، على أن يعلن حزب «النور» تأييده لهذا المرشح لكن الجيش رفض، فذهب إلى الإخوان.

ما لا يعرفه كثيرون أن وفدًا من قيادات «الدعوة السلفية» ذهب إلى مقر «مكتب الإرشاد» فى هذه الفترة ليطلب من الجماعة أن تتقدم بمرشح لرئاسة الجمهورية، وطرح للمرة الأولى اسم خيرت الشاطر، نائب المرشد العام.

لا يعرف على وجه التحديد لماذا طلب «برهامى» من الإخوان المسلمين التقدم بمرشح لرئاسة الجمهورية؟ ولماذا امتنعت الدعوة السلفية عن تأييد مرشح الجماعة فى الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية؟

ما علمناه من بعض المصادر التى كانت شاهدة على المفاوضات بين الجماعة والدعوة، أن الإخوان المسلمين قد رفضوا بعض المطالب الخاصة لـ«سلفية الإسكندرية» مثل الحصول على حصة توازى 25 % من أول حكومة يشكلها الرئيس القادم من صفوف الجماعة، وكذلك تعيين نائب لرئيس الجمهورية من بين المنتمين لحزب «النور» وبالتحديد أشرف ثابت.

راوغت الجماعة فى إبداء موافقة «مكتوبة» على هذه المطالب، فردت الدعوة السلفية بإعلان تأييد الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح، فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وكان «برهامى» هو المهندس الفعلى لهذه العملية، رغم  تصويته لصالح الدكتور محمد سليم العوا فى اجتماع مجلس الشورى العام للدعوة السلفية.

خطايا «برهامى» السياسية لم تقتصر على إطلاق «دعوات التفكير» فى المجتمع المصرى بعد ثورة «25 يناير»، إنما امتدت تورطه فى «جريمة» تمرير دستور 2012 «الإخوانى»، بل كان هو الفاعل الأساسى وراء المادة 219 «الكارثية»، ونفس الأمر بالنسبة إلى الإعلان الدستورى المكمل الذى أصدره «مرسى» فى نوفمبر 2012 ليقول للمصريين: «أنا ربكم الأعلى».

(2)

فى محاكمة قاتل المفكر فرج فودة.. سأل القاضى القاتل: لماذا اغتلت فرج فودة؟

القاتل: لأنه كافر.

القاضى: ومن أى من كتبه عرفت أنه كافر؟

القاتل: أنا لم أقرأ كتبه.

القاضى: كيف؟

القاتل: أنا لا أقرأ ولا أكتب.

وراء كل عملية إرهابية فتوى مضللة

يحفل تاريخ ياسر برهامى بسجل واسع من التحريض «العلنى» على الأقباط، يظهر من بين فتاويه المنشورة سواء على موقع «صوت السلف» قبل إغلاقه، أو موقع «أنا السلفى»، أو فى لقاءاته الإعلامية.

فى باب «فتاوى حول النصارى» فى موقع «أنا السلفى» الذى يحرره «برهامى» يمكن العثور على كم هائل من التحريض ضد الأقباط، إذ أفتى بعدم جواز توصيل قسيس إلى كنيسة، لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، وفى تفسير ذلك يقول: «إذا علمت- مثلاً- أنه يذهب إلى خمارة فتوصيله حينئذ حرام، والكنيسة أشد من ذلك، فما يفعلونه فيها ويأمرون به من الكفر أعظم».

ونهى «برهامى» عن تهنئة المسيحيين بالأعياد؛ لأن فيها تعظيم شرك بالله، وزاد: «تهنئة الأقباط بالأعياد المرتبطة بالعقيدة أشر من التهنئة بشرب الخمر وفعل الفواحش»، وكذا رفع شعار «الهلال مع الصليب» فهو «يخالف نصوص الكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة».

فى أقواله أمام النيابة خلال التحقيق فى اتهامه بازدراء المسيحية تفاخر «برهامى» بأن شباب «الدعوة السلفية» حموا الكنائس إبان ثورة «25 يناير»، لكن يبرز هنا سؤال حول الدافع من وراء تأمين الكنائس، هل يؤمن الرجل مثلُا بالوحدة الوطنية؟ هل يعتبر الكنائس من دور العبادة– التى يذكر فيها اسم الله– ومن ثم فحمايتها واجبة؟

فى رده على سؤال ورد لموقع «أنا السلفى» حول «مشاركة المسلمين فى حماية الكنائس» بأن «منع الاعتداء يأتى لمنع مفسدة تنفير الناس عن الإسلام، وأذية المسلمين وضرر بلادهم ومجتمعاتهم إذا رد الكفار على ذلك بالمثل، والمسلمون لا يستطيعون الدفع، فكل هذه المفاسد يلزم منع ما يتسبب فيها، وأعظمها نقض العهد».

مصلحة الدعوة إذن هى الدفاع فالوحدة الوطنية «إن قصد به مساواة الملل، والإقرار بصحتها فمعنى باطل، قبيح منكر».

ينكر «برهامى» استعمال لفظة «المسيحيين» فـ«المسيح برىء منهم وهم منه أبرياء»، كما قال فى رده على سؤال: «هل يجوز استخدام لفظة المسيحيين والمسيحى أو غير المسلم بدلاً من نصرانى؟»، وقد وصل الأمر إلى حد أن سئل عن فيلم كارتون تذيعه إحدى المحطات السلفية الفضائية، يقوم فيه مسلم بتقديم عون مادى لمسيحى قدره 10 آلاف جنيه، فقال: «الإحسان إلى الكفار الذين لم يقاتلونا فى الدين ولم يظاهروا علينا أمر مشروع، على ألا يكون هذا على حساب حق مسلم آخر، أما الإيحاءات التى تضمنها المسلسل فهى مفهومة ومعلومة لكل عاقل فى هذا التوقيت الذى يحاول فيه أعداء الإسلام هدم قضية الولاء والبراء فى حس المجتمع المسلم، خصوصًا أن الذى يعرض عليهم جواز الإحسان والبر لا يعرض عليهم شيئًا من معانى البراء الواجب كـ(البغض والعداوة)، بل ويعرض عليهم نقيض ذلك من ادعاء عدم الفرق بين المسلم والنصرانى وتسمية قتلة النصارى فى الحروب القومية بالشهداء»، وأضاف: «الانطباع الذى يخرج به المشاهد من هذا المجموع هو فى حقيقته يصب فى تمييع قضية الولاء والبراء كما يريد المنافقون». 

(3)

استغرب البعض فتوى أخيرة لبرهامى بـ«عدم جواز الفرح فى قتلى داعش» فى الغارات التى تشنها قوات «التحالف الدولى» على مواقع التنظيم فى سوريا والعراق، مبررًا بأنه «لا يجوز تمنى تسلط كافر على مسلم».

«داعش» من المسلمين إذن.. من يعرف أفكار «الدعوة السلفية» جيدًا لن يستغرب فتوى «برهامى»، ولنعد إلى الوراء قليلًا حينما قتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم «القاعدة»، ورد لموقع «أنا السلفى» بتاريخ 5 مايو 2011 سؤال: «ما موقف السلفية أو عقيدة أهل السنة والجماعة من ابن لادن؟ هل نقول: الشيخ الفاضل ابن لادن أو هو مجرم؟».

رد برهامى: «أسامة بن لادن رجل مسلم ما له أكثر مما عليه، له أنه شارك وعاون فى مقاومة الاحتلال الروسى لأفغانستان، والاحتلال الصربى للبوسنة، ومقاومة الاحتلال الأمريكى لأفغانستان، والعراق، هو ومَن ينتمى إليه».

وبتاريخ 27 مايو ورد سؤال: «هل تُعد ابن لادن مِن المجاهدين؟ هل هو مِن الذين ساروا على الدرب: النبى والسلف؟ هذا السفاح تسميه مِن المجاهدين؟ قاتل النساء والأطفال والشيوخ مِن المجاهدين؟! ميتم الأطفال من المجاهدين؟! قاتل العزل مِن المجاهدين؟!».

وزاد السائل: «أمر النبى- صلى الله عليه وسلم- فى الحروب، لن أقول لك أمر بعدم قتل الأطفال والنساء، بل سأقول: إنه أمر بعدم قطع شجرة، وأنت تقول عن قاتل ألوف البشر بلا ذنب ولا جريمة أنه مِن المجاهدين؟!».

رد برهامى: «هو مِن المجاهدين فيما جاهد به الكفار المحتلين لبلاد المسلمين، أوصيك بالإنصاف، وهو قد انتقل إلى ربه يحاسبه على نيته وعمله، ونحن إنما ذكرنا ما ظهر لنا»!

اجمالي القراءات 5361