الفلاكة والمفلوكون

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٥ - سبتمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

نص السؤال
قرأت هذا التعبير فى احد مصادر العصر المملوكى ، وقرأت أن هناك كتابا يحمل ذلك العنوان. هل تشرح لنا هذا التعبير وظروفه التاريخية ؟
آحمد صبحي منصور

في أواخر الخلافة العباسية استحكم نفوذ الخدم والمماليك في قصور الخلافة واستحوذوا على أكثرية الثروة ، وفي خلافة المستعصم العباسي آخر الخلفاء في بغداد كان مملوكه علاء الدين الطيبرسي يحصل على دخل سنوي من أملاكه يقدر بنصف مليون دينار ، في نفس الوقت الذي كان فيه أشهر علماء المدرسة المستنصرية لا يزيد مرتبه الشهري على 12 دينار ..!!
تحركت الثروة نحو الخدم تاركة العلماء يعيشون البؤس حتى أصبح الفقر من لوازم العلم فيقول العلامة ياقوت الحموي "هيهات مع حرفة الأدب بلوغ وطر أو إدراك أرب" !!
كان المثقفون العلماء يتضورون جوعاً بينما يرفل الخدم والمماليك في الذهب والحرير ، واستدعى هذا أن ينحت المثقفون كلمة تعبر عن فقرهم وتميزه عن باقي اتلفقلر وبقية الفقراء فقالوا عنه (الفلاكة) وقالوا عن أنفسهم أنهم (المفلوكون) وهى تعني ذلك الفقير كثير اللجاج الذي لا يلقى من عصره إلا الإهمال ، وهو معنى ينطبق على المثقف الجوعان الذي يعرف كثيراً ويأكل قليلاً والذي يمتلئ عقله بالأفكار ويخلو جيبه من الدرهم والدينار .
وقد ظل مصطلح (الفلاكة المفلوكون) ساري المفعول باستمرار ذلك التناقض بين ترف الخدم والمماليك وبين حاجة المثقفين الصعاليك،وكان لابد للمثقفين من التكسب بأي طريق في عصرهم الردئ فاخترعوا أساليب للخداع جعلوها علوماً منها (الكيمياء) التي أصبحت على يديهم تعني إمكانية تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب وجواهر اعتماداً على الكرامات والقوة النفسية،ومنها علم (المطالب) أو العثور على الكنوز المخبئة ومنها علوم (الحرف) و(الكيمياء) و(النجوم) وهى التحايل بالسحر وادعاء علم الغيب .
واقتنع الناس بجدوى تلك العلوم فراجت وازدهرت واستمرت في الازدهار إلى درجة جعلت العلامة ابن خلدون ينبه على فسادها ، ثم جاء تلميذه شهاب الدين الدلجي ينصح المفلوكين بالابتعاد عن تلك العلوم في كتاب جعل عنوانه "الفلاكة والمفلوكون" وهو من نوادر التراث ، وقد عرض فيه لمعنى كلمة الفلاكة والآفات التي تنشأ عنها واقتران الفلاكة بأهل العلم , ثم وضع نصائح لأهل الفلاكة وترجمة لأشهر العلماء الذين عاشوا في فقر وفلاكة ، وأورد الأشعار التي قالها الأدباء المفلوكون.
ولعل أوجعها تلك الأبيات ..
ألا موت يباع فاشتريـــــه فهذا العيش ما لا خير فيـــه
ألا موت لذيذ الطعم يأتي يخلصني من الموت الكريه
إذا أبصرت قبراً من بعيد وددت لو أنني فيما يلــــيــه
اجمالي القراءات 18031