فجرت تصريحات مسؤول كبير في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ذكر فيها أن عدد المسيحيين المصريين 12 مليون نسمة حالة من الجدل، لأنها المرة الأولى التي تشير فيها قيادات دينية مقربة من البابا شنودة عن احصائيات سكانية خاصة بهم بشكل مستقل عن الاحصائيات الرسمية.
وكان الأنبا مرقس، رئيس لجنة الإعلام بالكنيسة وأسقف شبرا الخيمة، أحصى عدد المسيحيين في مصر بـ12 مليون نسمة، وهو رقم كبير نسبيا مقارنة بالارقام الاخرى التي كان افضلها هو 6 ملايين نسمة، بخلاف مليون ونصف المليون لاقباط المهجر.
الانبا مرقس (يمين) والبابا شنودة
وتوقفت الاحصائيات الرسمية السنوية التي يقوم بها جهاز الاحصاء عن ذكر أعداد السكان وفق انتماءاتهم الدينية، وبات يعتبر ذلك من أسرار الدولة العليا التي يختص بها رئيس الجمهورية فقط، وذلك عقب غضب الرئاسة الدينية القبطية من الرقم الذي كان يحصر الأقباط في مليون و800 ألف نسمة فقط، ما جعل البابا شنودة يصدر أمرا بإجراء احصاءات مستقلة، وهو ما تم العدول عنه بعد اتفاق مع الدولة.
وظل تقدير أعداد الأقباط يتم يشكل غير رسمي عبر دراسات وتحليلات اعلامية وبحثية، في حين أن بابا الأقباط شنودة الثالث يرفض الاجابة عن أي أسئلة من هذا النوع، باعتبارها فرزا طائفيا.
وتسبب الاعلان من جانب الانبا مرقس، المقرب من البابا شنودة في حرج شديد للكاتدرائية وللبابا الذي يعالج حاليا في الولايات المتحدة، بينما اعتبره العلمانيون خروجا من الكنيسة عن دورها الديني، وتجاوزا في حق الحكومة، حيث قامت بتعداد داخلي للمسيحيين عن طريق تعداد شهادات التعميد.
استغلال الوضع الصحي للبابا
عبد الفتاح: الرقم استمرار لتجاوز الكنيسة لدورها
وقال خبير الشؤون الدينية بمركز الدراسات السياسية والاقتصادية بالأهرام نبيل عبد الفتاح لـ"العربية.نت" إن هذا الرقم، بغض النظر عن مدى دقته، هو "استمرار لتجاوز الكنيسة لدورها الذي بدأ يأخذ منحنى آخر منذ العقدين الأخيرين، حيث ابتعدت تدريجيا عما تفعله لأدوار أخرى".
دون استبعاد أن يكون ذلك بهدف "الضغط من جانب الكنيسة على الدولة"، خاصة في ظل الظروف الصحية السيئة التي يمر بها البابا شنودة.
مبالغة
من جهته، رفض نائب رئيس الطائفة الإنجيلية القس إكرام لمعي الرقم، قائلا إن القمص عزيز سبق له أن قال إن عدد الاقباط بلغ 16 مليون شخص، وهو رقم بعيد عن الحقيقة "حيث لا يزيد عدد الاقباط في مصر عن 10 ملايين شخص من وجهة نظري".
ورفض لمعي، الذي يشغل منصب أستاذ مقارنة الأديان بكلية اللاهوت الانجيلي، أية أرقام حكومية قائلا: في آخر اعلان رسمي من الدولة عن عدد الأقباط، قيل إنهم مليونان و800 ألف شخص، "وهو رقم غريب حيث أن عدد الأقباط الإنجيليين التابعين لطائفتنا حوالي مليون شخص، والكنيسة الكاثوليكية يقترب العدد التابع لها أيضاً من مليون، وليس معقولاً أن تعداد الأرثوذكس ـ وهم أغلبية المسيحيين في مصر ـ ٨٠٠ ألف شخص فقط".
سري للغاية
إن العدد الفعلي للأقباط لا يعرفه سوى رئيس الجمهورية بحكم منصبه ورئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء بحكم صلاحياته
وكان رقم المليونين والـ800 الف الذي أعلنته الحكومة مثار سخرية البابا شنودة الذي علق عليه بالقول: "إن الدولة تقصد تعداد رجال الدين فقط". وطلب في حينه بشكل رسمي من الأساقفة في المحافظات البدء في إجراء تعداد إحصائي رسمي للأقباط، لكن الدولة تدخلت وطلبت من البابا التوقف عن هذا التعداد مقابل التوقف عن ذكر رقم المليونين و٨٠٠ ألف قبطي حتى لا تحدث بلبلة، وهو الأمر الذي حافظ الطرفان عليه طوال السنوات الماضية.
وقالت مصادر بالكنيسة المصرية لـ"العربية.نت" ان تصريح رئيس لجنة الاعلام حول عدد الأقباط اغضب البابا شنودة الذي يعالج بأحد مستشفيات امريكا حاليا، ولهذا ارسل اليه للحضور ومقابلته.
وكشفت المصادر نفسها أن العدد الفعلي للاقباط لا يعرفه سوى رئيس الجمهورية، بحكم منصبه، ورئيس الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء، بحكم صلاحياته، إذ ان الاخير يقوم بنفسه بجمع الأرقام بعد أن ترسل كل منطقة احصاءها بشكل سري منفصل لا يعلمه أي شخص، بمن فيهم المحافظ نفسه.
وبعد تجميع الارقام، يتم إرسالها إلى رئاسة الجمهورية في رسالة تحمل عنوان "سري للغاية"، ولا يطلع عليها سوى رئيس الجمهورية. وبالتالي يصبح أي تكهن بعدد الاقباط غير صحيح، سواء رقم الأنبا مرقس (أي 12مليوناً)، أو الرقم الذي أعلنه من قبل مرقص عزيز كاهن الكنيسة المعلقة، وهو 16 مليوناً، أو أي أرقام أخرى.
امتيازات.. وتمييز
واعتبر رئيس تحرير جريدة "وطني" المقربة من الكنيسة يوسف سيدهم، أن سبب عدم اعلان الدولة عن الرقم الحقيقي، هو الخوف من أن يفضح الرقم الفجوة الكبيرة بين ما يحصل عليه الأقباط من مناصب وامتيازات قليلة وبين عددهم الكبير.
لكن الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية د عمرو الشوبكي رفض ذلك وقال لـ"العربية.نت" إن هناك شعورا هائلا بالتمييز ضدهم ينتاب الاقباط في مصر، وهو ما يدفعهم كل فترة لاعادة الكلام عن العدد والمبالغة فيه بسبب فقدان الثقة في الدولة.