سؤال وجواب حول زواج الأقباط

مجدي خليل في الإثنين ١٧ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

تعقيباعلى ما كتبت بخصوص زواج الأقباط تلقيت عددا من التعليقات والأسئلة تكشف على إنه مازال هناك تشوش فى فهم هذا الموضوع خاصة لدى اخوتنا المسلمين وربما يعود ذلك إلى تجاهل ثقافة الأقباط وعقائدهم من قبل معظم وسائل التأثير الجماهيرية وهذا أدى إلى محددودية معرفة ثقافة القبطى لدى شريك الوطن.وساحاول بقدر المستطاع الإجابة على اهم ما جاء فى هذه الأسئلة والتعليقات.

هل الزواج والطلاق حق من حقوق الإنسان؟
نعم الزواج حقا اصيلا وأساسيا من حقوق الإنسان نص عليه الإعلان العالمى لحقوق الإنسان فى المادة 16 حيث نصت " للرجل والمرأة، متى أدركا سن البلوغ، حق التزوج وتأسيس أسرة، دون أى قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين، وهما يتساويان فى الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.ولا يعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء كاملا لا اكراه فيه". وكذلك ذكر حق الزواج فى عدد كبير من الإتفاقيات الدولية، ولتأكيد هذا الحق الاصيل صدرت إتفاقية خاصة عن الأمم المتحدة وهى " اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج" والتى صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 7 نوفمبر 1962 والتى أكدت على مبدأ وجوبية الرضا التام فى الزواج وتسجيل الزواج كعقد يخضع لشريعة المتعاقدين، وكذلك وضع حد أدنى لسن الزواج، وجاء قرار الجمعية العامة رقم 2018 المؤرخ فى 1 نوفمبر لسنة 1965 ليؤكد ما جاء فى الاتفاقية السابقة ويضع حد ادنى 15 سنة يجب أن تلتزم بها الدول كحد ادنى لسن الزواج.
ولكن يجب ضبط المفاهيم اولا، فالحق فى الزواج لا يعنى عدم احترام شريعة العقد، فالزواج عقد بين الزوج والزوجة والدولة ممثلة فى القانون المدنى فى حالة الزواج المدنى، وبين الزوج والزوجة والمؤسسة الدينية ممثلة فى القانون الدينى فى حالة الزواج الدينى. والمفروض أن العقد هو شريعة المتعاقدين ولا يفسخ بارادة منفردة لطرف أو لكليهما ولهذا لا توجد إرادة منفردة فى فسخ هذا العقد ولا حتى باتفاق الطرفين إلا فى الدول الإسلامية التى يسمح للرجل فيها أن يطلق زوجته بكلمة، ففى معظم دول العالم مؤسسة القضاء هى التى تفسخ هذا العقد كحكم بين الطرفين عندما يتقدم احدهم او كليهما بطلب فسخ هذا العقد فى الزواج المدنى والمؤسسة الدينية هى التى تمثل الحكم فى حالة طلب احد الطرفين او كليهما فى الزواج الدينى.
فى الدول المتقدمة لا يترتب على الزواج الدينى اى أثار سوى تنفيذ الشخص لتعاليمه الدينية، فى الدول الإسلامية تترتب كل الأثار على الزواج الدينى.
فى الدول المتقدمة لا تستطيع الدولة أن تجبر المؤسسة الدينية على إجراء زواج أو طلاق أو منع زواج يخالف معتقداتها إلا إذا كان يخالف القانون المستمد من إتفاقيات حقوق الإنسان كسن الزواج وتعدد الزوجات وخلافه، فى الدول الإسلامية تتداخل السياسة فى الدين فى الدولة ويتداخل المدنى فى الدينى وتتقلص أثار الزواج المدنى فقط إلى اثبات النسب كما فى حالة مصر ولا يعترف به إطلاقا كما فى حالة السعودية( فى الوقت الذى يعترفون فيه بزواج المسيار والعرفى.. وباقى انواع المخاللة المقننة شرعيا).
تلتزم دول العالم المتحضر بالاعلان العالمى لحقوق الإنسان فى تساوى الحقوق فى الزواج ولدى انحلاله، فى معظم دول العالم الإسلامى تحصل المرأة على الفتات عند إنحلال الزواج وفى بعض الدول يلقى بها فى الشارع لكى يستطيع سى السيد احضار زوجة اخرى تتمتع بثمار ما شاركت الزوجة الاولى فى صنعه مع زوجها خلال سنوات طويلة.
ولهذا لم يذهب قبطى واحد فى امريكا أو اوروبا أو استراليا إلى المحاكم المدنية للشكوى من الكنيسة القبطية، رغم وجود حالات كثيرة من المطلقين فى المهجر،لأن الامور واضحة،والكنيسة تتبع لوائحها فى الزواج والطلاق والمحاكم تتبع قوانيينها المدنية التى يترتب عليها كافة أثار الزواج، ومن يلتزم بتعاليم كنيسته يجمع بين الاثنين ومن يرغب فى الزواج المدنى فقط فهو حر، ومن يرغب فى الزواج الكنسى فقط فهو حر ولكن يحرم من تسجيل هذا الزواج قانونيا ويحرم من الإستفادة من أثاره وعليه أيضا أن يتحمل أثار علاقته بزوجته من الناحية العملية، فهناك مسئولية قانونية تجاه الأبناء ثمرة هذه العلاقة.
المواثيق الدولية تؤكد على وجوب إنتفاء موانع الزواج بسبب الجنس أو العرق أو الدين أو اللون، ولكن يظل الزواج عقدا يلزم فسخه إجراءات محددة سواء على المستوى المدنى أو الدينى، فالطلاق ليس حقا مطلقا للفرد وأنما هو مقيد بقيود تختلف حسب نوعه مدنى أو دينى لهذا يسمى تطليق وليس طلاق.
فى مصر ترفض الدولة إصدار قانون مدنى عصرى للزواج يستمد من التراث الإنسانى ومواثيق الحقوق الدولية وترفض فى نفس الوقت صدور قوانيين زواج دينية يحددها أتباع كل دين حسب معتقداتهم دون تدخل من الدولة.
وهذا يقودنا إلى السؤال التالى

إذا كانت مصر تأخذ بالزواج الدينى فلماذا رفضت القانون الموحد الذى وافقت عليه كل الطوائف المسيحية؟.
هناك ثلاثة أمور فى القانون الموحد للحفاظ على الأسرة المسيحية،اولا تحريم الطلاق بالشريعة الإسلامية أذا اختلف الطرفان فى الملة ومن ثم لا يمكن الطلاق بمجرد تغيير الملة، وثانيا العقد شريعة المتعاقدين وتترتب أثاره لدى قيامه وإنحلاله على الشريعة التى تمت بها المراسيم الدينية ولا يترتب أى تغيير فى العقد إذا غير أحد الطرفين دينه بما فى ذلك حضانة الأطفال والمواريث وخلافه،وثالثا يفرد القانون قسما للتبنى الذى يرفضه الإسلام والشريعة.
أى بمعنى أوضح يخالف هذا القانون المادة الثانية من الدستور الخاصة بالشريعة، ومن ثم يريدون أن يفرضوا الشريعة على زواج الأسرة المسيحية أو كحد أدنى سيادة الشريعة وعلوها على غيرها والابتعاد عن كل ما يخالفها.

هل الشروط التى تضعها الكنيسة لرعاياها تخل بحقوق المواطنة؟
الاجابة قطعا بالنفى، فى الواقع أن الشروط التى تضعها الدولة المصرية هى التى تخل بمواطنة الأقباط باتباع قوانيين تمييزية بين الأقباط والمسلمين وعدم الالتزام بالحقوق المقررة فى المواثيق الدولية للأقليات الدينية واحترام خصوصيتهم ولا بحقوق المرأة ولا بالحق فى الزواج المدنى المتساوى بين الجميع ولا باحترام خصوصية الاديان.
هل حيثيات الطلاق الكنسى تختلف عن حيثيات الطلاق فى المحاكم؟، وماذا لو حصل قبطى على طلاق من الكنيسة ولم يحصل عليه من الدولة؟.
طبعا مختلفة لان هناك خلاف بين الكنيسة والدولة على قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين، وحتى ولو كان هناك أتفاق على القانون سيظل الاختلاف حول تفسيره ولكن مع القانون الموحد ستضيق هوة الخلاف الموجودة حاليا.. وفى كل الاحوال سيستمر الطلاق المدنى والطلاق الكنسى فى ظل ازدواجية النظام القضائى.أما إذا حصل قبطى على طلاق من الكنيسة عليه اولا أن ينتظر حتى يحصل على الطلاق المدنى ولن تسمح له الكنيسة بالزواج إلا إذا انحل عقد الزواج المدنى، وقد رأيت بنفسى حالة لزميلة لى استمرت سنوات نتيجة لعناد الزوج امام المحاكم فى حين حصلت على الطلاق الكنسى أو الموافقة على الطلاق الكنسى بسهولة جدا نتيجة لتورط الزوج فى فعل الزنا واعترافه بذلك وتماديه فى معاشرة أخرى غير زوجته وبقى التصريح بالزواج الكنسى معلقا حتى انتهت من طلاق المحاكم.

لماذا لم تعلن الكنيسة عن أسباب تصريح الزواج للفنانة هالة صدقى؟
لا اعرف التفاصيل الحقيقية لقضية هالة صدقى ولكن ما اعلمه أن الكنيسة ترفض الإعلان عن اسباب الطلاق بالنسبة للمخطئ، لأن لديها فلسفة عدم فضح ابناءها ومنحهم فرصة للتوبة والعودة. وهذا لا ينطبق على الزواج والطلاق فقط ولكن على الجزاءات الكنسية التى أوقعتها على البعض.

الا يعد رفض الكنيسة لتنفيذ حكم قضائى سابقة خطيرة؟
ليس خطيرا والكنيسة حصلت على العديد من الاحكام القضائية على الدولة ورفضت الدولة تنفيذها رغم عدالة هذه الاحكام. وهناك أحكام معيبة لا يجب أن تنفذ وهل نفذ نصر ابو زيد الحكم الظالم الذى وقع عليه؟ وقد عاد بل وسجل معه التليفزيون المصرى لقاء فى القاهرة ولم يقبض عليه أحد لتنفيذ الحكم العجيب الذى صدر ضده بتفريقه عن زوجته، بل وهناك فى بعض الدول يحدث تمرد على الأحكام الظالمة وعصيان مدنى حتى تستقيم العدالة وما حدث فى جنوب افريقيا سابقا خير دليل على ذلك.المشكلة فى ظل غابة القوانيين المتناقضة وتداخل الدينى مع المدنى والسياسى مع القانونى والعام مع الخاص، بل وفى ظل إختلاف ايدولوجيات القضاة تصدر أحكاما متناقضة حول نفس الموضوع، فيمكنك أن ترى فى اسبوع واحد حكما عادلا وآخر ظالما وحكما مستنير وآخر ظلاميا.

قيل أن الكنيسة القبطية تتبع تفسيرا معينا للأنجيل وليست التعاليم المسيحية كما جاء بها المسيح؟
هذه قضية خلافية تختلف فيها الاراء ولكنها فى النهاية هى مسألة تخص علاقة الأقباط برئاستهم الدينية ولا يجب ولا يصح أن تتدخل الدولة لتفسير العقيدة المسيحية فهذا ليس دورها،ولا يستطيع جورج بوش أن يجبر كنيسة على تفسير على هواه ولم يستطع السيناتور جون كيرى مرشح الرئاسة الامريكى السابق أن يجبر الكنيسة الكاثوليكيةعلى تزوييجه من زوجته الحالية لانه كان مطلقا وحسب العقيدة الكاثوليكية لا يصح الطلاق لاى سبب، ولا يستطيع نائب الرئيس القوى ديك تشينى أن يجبر كنيسة فى امريكا أن تزوج ابنته من صديقتها لأن الكنائس لا تعترف بالزواج المثلى الذى تقره بعض الولايات الامريكية.

هناك مشكلة حقيقية للأحوال الشخصية تستدعى من الأقباط عقد مؤتمر لكل الطوائف المسيحية ويتمثل فيه رجال الدين مع خبراء قانونيين مع مستشارى الأسرة وعلماء النفس لمناقشة القانون الموحد مرة أخرى والخروج بصيغة تحصل على اكبر موافقات من رؤساء الطوائف والمختصين بشئون الأسرة، والأهم من ذلك البحث عن آليات داخل الكنيسة لعلاج هذه المشاكل بطريقة فعالة.


هل تمنع الكنيسة غير المتزوج دينيا من ارتيادها؟ وهل يصح لابناءه الزواج دينيا؟
الكنيسة لا تمنع احد من دخولها ولكن فقط تقول له أن ما يفعله خطيئة، وهناك بعض الاقباط فى امريكا واوروبا وكندا يعيشون مع صديقاتهم والكنيسة لا تحرمهم من دخولها ولكن فقط تنبه على ما هو صحيح وما هو خاطئ، فالكنيسة لا تتعايش مع الخطيئة ولا تقرها ولكن بابها مفتوح دائما للتوبة. أما بالنسبة لابناء الشخص الذى تزوج مدنيا وحتى اللقطاء فمسموح لهم بالزواج الدينى لأن ليس لهم أى ذنب، وقد أنتهت تعاليم اليهودية بأن الأباء ياكلون الحصرم وأسنان الأبناء تضرس. والكنيسة القبطية لديها ملاجئ للأبناء غير الشرعيين وأطفال الشوارع ويعاملون معاملة فاضلة وكذلك بعض أبناء من غيروا دينهم وقد تمت زيجات كنسية كثيرة لهؤلاء تحت رعاية فائقة من الكنيسة...فلا ذنب للأبناء على ما اقترفه الأباء.

هل الكنيسة القبطية دولة داخل الدولة؟.
الحقيقة أن هذا الطرح تطرحه التيارات الإسلامية التى كانت تتبادل هذه المقولة مع الرئيس السادات ذاته، فكان يسرب هذه المقولة لشركاءه من الإسلاميين وقد دفعت مصر كلها ثمن لعبة السادات الخطيرة، ومما يؤسف له أن البعض ما زال يردد مثل هذه العبارات المضللة، العالم كله يعرف أن الكنيسة القبطية وشعبها تحت التمييز والاضطهاد وانها محاصرة وتمارس ضدها الدولة ضغوطا متواصلة لإمتصاص غضب شعبها ودعوته لتحمل الإضطهاد وبعد هذا يأتى البعض ويردد العبارة المستهلكة بأن الكنيسة القبطية دولة داخل الدولة.

هل من حق المسلم أن يناقش الشريعة المسيحية ومن حق المسيحى أن يناقش الشريعة الإسلامية؟
من حق الجميع مناقشة الشرائع والاديان بكل حرية طالما أن ذلك يتم باسلوب علمى مهذب، ولكن الشريعة المسيحية لا تطبق على المسلم فى مصر فى الوقت الذى تطبق الشريعة الإسلامية فى نواحى عدة على المسيحى، ولهذا فمن حق القبطى أن يناقش الشريعة الإسلامية و ويعترض عليها لأنها مفروضة عليه فى العديد من القوانيين والتشريعات والاحكام القضائية وتشكل مصدرا للتمييز ضده.

ما هو الحل؟
العمل بكافة الجهود لمنع إنزلاق مصر إلى مصير الدولة الدينية ومحاولة إخراجها من حالة الدولة شبه الدينية التى تعيش فيها الآن بتعزيز الدولة المدنية والمجتمع المدنى وتحالف قوى الاستنارة والليبرالية ودعاة الإصلاح والعلمانية... وإلى أن يتم ذلك تعتمد الدولة شريعة الأقباط فى الاحوال الشخصية كما يقرونها وتحترم عقائدهم وخصوصياتهم.

اجمالي القراءات 26487