الوقت
قاتل الوقت

زهير قوطرش في السبت ١٥ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً


قاتل الوقت .

الوقت قيمة ثمينة ،هي هبة من الخالق الى مخلوقه ،هي هدية ربانية،فكيف علينا أن نتصرف ونتعامل مع هذه الهدية الثمينة التي لاتعادلها أية هدية كانت.
الامثال العربية ،تحدثت وبشكل واسع عن أهمية الوقت،ولا زلت أذكر بعضا منها على سبيل المثال "الوقت من ذهب" أو " الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك "وأيضا القران الكريم في قوله عز من قائل "والعصر إن الإنسان لفي خسر" أي ان الخالق يقسم بالوقت لينبه الانسان أن هذه الحياة وكانها محسوبة بالوقت ،ويقسم بالليل والنهار ،والe;ضحى والشمس ...وكلها إن عبرت عن شيء فإنها تعبر عن الوقت .هذه القيمة الربانية التي أهداها الخالق عز وجل الى الانسان ،ليستغلها خلال حياته القصيرة على هذه الارض أفضل استغلال وبما يرضي رب العالمين، لأننا في النهاية لابد ان نقدم كشف حساب عن هذا الوقت ،كيف قضيناه وكيف استثمرناه ،أحد الحكماء قال " ما العمر إلا كتاب دفتاه- أي جلد الكتاب في أوله وأخره –الحياة والموت ،وصفحاته الوقت أو الأيام فكلما طويت صفحة كلما دنوت من الاجل" ومشكلة الوقت أنه لايُخزن كباقي الاشياء ،ولا نستطيع مده أي اطالته أو تقصيره ..اليوم هو أربع وعشرين ساعة .والساعة ستين دقيقة... وما ينقضي منه لا يتراكم في حسابنا كالاعمال .. وأخر ما قرأت عن مفهوم الانسان والزمن ،ما كتبه الدكتور أحمد صبحي منصور جزاه الله خيراً في مقالته الرائعة والمعلمة "القرانيون ومستويات فهم القرآن " حيث ربط بشكل رائع مابين الانسان في الحياة الدنيا والمحكوم بالاضلاع الثلاث المرئية ،و الضلع الرابع الغير مرئي ألا وهو الزمن ،الذي نعبر عنه بالوقت . وكيف يتلاشي هذا الضلع عندما نرحل الى العالم الأخر ونعيش حياة البرزخ ،عندها ينتفي شعور النفس بالوقت .وعند البعث يتسائل الانسان عن الفترة التي قضاها في البرزخ ، مع انها قد تتجاوز مئات الآلوف من السنين ،فشعوره أنذاك أنها كانت يوماً أو بضع يوم... والسبب في ذلك توقف  الزمن .
سألني صديق علماني ملحد ،لأنني بطبعي أقسم العلمانين الى ملحدين ،ومؤمنين . قال لي قل لي أرجوك ...كيف تقولون أن الانسان إذا دخل الجنة ،وجلس على الارائك ،وجاءت الحواري والغلمان ليخدموه ،ويقدموا له كل ماتشتهي النفس بل واكثر.... ألا يشعر هذا الانسان بعد فترة بالملل ،تصور أنه سيعيش هكذا الى مالانهاية.... شيء فظيع وممل ،ثم قال لو كنت أنا مثلاً هناك سأطلب من رب العالمين محفاراً وسابدأ بحفر تربة الجنة ،ولقمت بأي عمل ما..... حتى أقتل الوقت وحتى لا يصيبني السآم..... أجبته ياعزيزي ،قلتها لوحدك ....رغم قناعتي بأنه لن يصيبك الملل في الأخرة كونك ستشوى بنار جهنم ،وكلما احترق جلدك بدلك الله بجلد جديد ،اتدري لماذا ...حتى لايصيبك الملل في النار....إذن ياعزيزي الشعور بالملل سببه عامل الوقت والزمن ،هو الذي يسبب للإنسان كل هذه الامور التي ذكرتها ،لكن عندما يعدم عامل الزمن ...فإن الانسان يفقد شعوره بالوقت بشكل مطلق ،ولن يصيبه بعد ذلك أي نوع من انواع الملل...ويستطيع ان يعيش الى أبد الابدين وكانه عاش لحظة واحدة ،وهذه روعة القدرة الآلهية التي لن تعرفوها وتدركوها حتى تؤمنوا بها وتؤمنوا بوحدانية هذا الخالق ،القادر العليم والمدبر.
أعود الى الموضوع الاساس ...ألا وهو قاتل الوقت ...خطر على بالي هذا الموضوع وأنا في المصح .. وما أصابني من حالة غريبة وعجيبة ..سميتها كيف استغل الوقت ....والسبب أنه كان ممنوعاً على أن اتكلم بالموبايل،او مشاهدة التلفاز ،وحتى الانترنيت سمح لي عدة دقائق في الصباح و في المساء ،وكنت اتجاوز ذلك الوقت السموح لي في بعض الاحيان وذلك لكتابة تعليق بسيط أو طبع مقالة لقراءتها ،حيث كنت استخدم انترنيت الطبيب المعالج الشاب الذي ادرك المعنى الايجابي على حالتي النفسية عندما سمح لي أن اتصفح موقع أهل القرآن كل يوم ،وجزاه الله خيرا لأنه ساعدني ايضا من خلال المناقشات المثمرة في علم الطب للتعرف على أحدث المستجدات في علاج امراض القلب والاعصاب.
هذه الفترة البسيطة ،والتي قضيتها في القراءة المتواصلة ،اشعرتني أنه في الحقيقة أن قاتل الوقت عند الانسان الحديث ،هو التلفاز وخاصة متابعة البرامج والمسلسلات الطويلة ،والانترنيت إذا لم يحسن استخدامه فأنه اكبر قاتل للوقت ،والموبايل الذي نهدر فيه ايضا الوقت الطويل بمكالمات لها بداية والله أعلم متى تنتهي وكيف تنتهي ، مكالمات في أغلب الاحيان لاتغني ولاتثمر شيئا قتل وقت.والاجتماعات المفروضة على الإنسان التي تمتد اربع أو خمس ساعات والنتيجة صفر مثل اجتماعات القادة العرب ،
خلال هذه الفترة، قمت بعمل تجربة بسيطة ،حيث انني في كل يوم كنت أضع خطة عمل مع جدولة زمنها لها،وتوصلت الى أن الجدولة ضرورية للوصول الى الاهداف .ووجدت أن الالتزام بالخطة،بحاجة الى دافع وحافز ووضوح بالهدف وإلا ستكون هذه الخطة قاتلة للوقت . بمعنى انني وضعت خطة لتدبر سورة الانعام.. ووجدت أنه بدون دافع قوي لذلك ،مثلاً دافع الهداية الايمانية أو الهداية العلمية والشعور انني أقضي هذا الوقت الثمين الذي هو هبة من الله عز وجل في تدبر اياته ،وزيادة معلوماتي التي بدوري سأنقلها الى غيري ممن هم بحاجة إليها ،بدون ذلك لن ولن التزم بالخطة ،وسوف اتحول عنها الى أعمال اخرى ،والنتيجة لاشيء....اي سأفقد عامل الاستمرارية ،وهذا بدوره هو حجر الاساس في انجاز الاعمال الكبيرة . والاستمرارية لا تكون إلا بوضوح الهدف والارادة والعزم على بلوغه . يقول أحد الفلاسفة "إن سفينة لم تحدد وجهتها غير قادرة على الانتفاع بالرياح المواتية" بمعنى إذا كان الوقت وضرورة تجزئته واستثماره وتوزيع الفواعل والمناشط عليه ،فإن البوصلة أكثر أهمية لأنها تحدد لنا الهدف والجهة السليمة التي علينا ان نتبعها.
الامر الأخر ،الذي توصلت أليه أن هناك عند برمجة وجدولة الوقت بعد وضوح الهدف ،كان على أن اضع سلم الاولويات ،وكنت أسأل نفسي كل يوم قبل الجدولة ...ماذا علي أن افعل ...ماهو المهم وما هو الاهم .... وهذه من اهم القضايا في موضوع جدولة الوقت ،لأن النجاح في كل مجالات الحياة يتطلب من الانسان وضع سلم الاولويات ،وإلا فإن الحياة ستكون كما يقال ،يعيشها الانسان على البركة ،لارؤية ولا تصور ولا هدف،وبالتالي ولا طموح ....مكانك راوح....وبذلك استطعت خلال هذه الفترة من أنجاز بعض الاعمال التي لم استطع انجازها من قبل.
قرأت مقالة لأحد الكتاب المرموقين والذي عالج موضوع الوقت والزمن في حياة الانسان بشكل عملي قوله: إن الاولويات يمكن تقسيمها الى اربعة اقسام بحيث تحدد مناشطنا وأفعالنا .فهناك المهم والعاجل، والمهم والغير عاجل ،وهناك المهم لكنه عاجل ،وأخيرا غير مهم وغير عاجل. وحسب قوله الانسان الناجح يجب عليه عند جدولة الاولويات أن يميز بين هذه الاشياء الاربعة.
ولنعطي امثلة عملية على هذه القسمة الرباعية. المهم والعاجل .هو الطارئ الذي يجعلنا ترك حتى اهم الامور مثلا دعيت الى محاضرة هامة أو الى ندوة ،وجاءك تلفون أن ابنك او احد افراد الاسرة في خطر....هنا هذا الامر مهم وعاجل ،ويجب تنفيذه فورا .
اما المهم وغير عاجل ،وهذا القسم هو اساس سر النجاح في الحياة مثلاً .تدبر ايات القرآن الكريم واستخراج بعض الاحكام في قضية ما ،ايمانية أو علمية .هذا العمل إذا اردنا القيام به قد يحتاج منا الى إعادة دراسة الاساسيات في اللغة ،دراسة بعض المعارف الانسانية المتعلقة بهذا الموضوع وهذا العمل لايمكن انجازه بساعة أو ساعتين ، بل قد يستغرق اياما وشهوراً ،لكن في النهاية ستكون النتيجة جيدة لأن العمل استوفى الوقت اللازم له،هو مهم ولكن ليس بالعاجل.كذلك اللياقة البدنية ،عمل مهم وليس بالعاجل بل لابد من بناء الجسم على مراحل وإلا كانت النتيجة عكسية ،وكلما أخذ هذا العمل حاجته من الوقت كانت النتائج مضمونة مئة بالمئة.
القسم الثالث.اشياء غير مهمة وعاجلة:يتصل بك صديق على الهاتف ،رفع الهاتف عملية عاجلة ،لكن تفاجأ أن هذا الصديق ،يفتح لك مواضيع عن احوال الامة ...وماجرى هنا وهناك ،بحيث انها تستغرق زمنا طويلا وضياعة للوقت كون هذه الاشياء على الهاتف غير مهمة ،ولايمكن لك فعل أي شيء معها....أو يرن جرس الهاتف ،وإذا بصديق لك من الخليج ،ويبدا بالسلام ،بحيث يذكر كل افراد العائلة ،واولادهم ،وجيرانهم ...ووووو ويعيد نفس الجمل عدة مرات . وكان بأمكانه أن يختصر كل هذه المكالمة بجملة واحدة كيف هي احوالكم بخير إنشاء الله....وهكذا أذن هذه امور عاجلة ولكن غير مهمة
القسم الأخير غير عاجلة وغير مهمة.وهذه نجدها في بلادنا لدرجة الادمان .. مسلسلات تلفزيونية ،تجعل الانسان في كثير من الاحيان يفوت صلاته أو يؤجل اعمالاً عاجلة ومهمة ، مشاهدة مسلسل امريكي لاتيني مائتبين حلقة على سبيل المثال ،لو استغلها الانسان في بحث ما... لكان من اكبر المحاضرين في هذا المجال. وهذه الامور الغير مهمة والغير عاجلة نجدها في بلادناالعربية والاسلامية مثل الفلكلور الذي يصاحبنا في كل نواحي حياتنا،وهو عامل تخلفنا في كل المجالات مع كل اسف ، بحيث نقضي معظم اواقتنا في الامور الغير مهمة والغير عاجلة.
اعتذر عن الاطالة، لكن الشيء الأخير الذي تعلمته ايضاً، وهوهام جدا... التوازن ...ايقنت أن الانسان الذي يبرمج يومه وأهدافه ويجدولها ،يكون انساناً متوازنا ،هادئا...لأن عدم الجدولة والبرمجة في هذا الزمان المستعجل والمتسارع تصيب الانسان حالة يفقد معها توازنه ،ويصاب بأمراض نفسية كالأحباط مثلاً.... أحد العلماء قال "إن الذين لايخططون إنما يخططون لفشلهم". هناك شعرت بمعنى الصلوات الخمس ،وأوقاتها وكيف أنها موزعة توزيعاً رياضيا توزيعا ربانيا ،وأنها تعلم الانسان على الأقل برمجة أوقاتها و خاصة إذا أقامها بخشوع بوقتها فأنها أيضاً تحد من عدم توازن الانسان وتحد من سرعة الحياة ،فهذه الاوقات المعلومة لم يحددها الخالق عبثا والعياذ بالله لكنها أوقات موزعة بين المناشط والأفعال ليتذكر الانسان ويوازن مابين الدنيا والأخرة، علينا أن نوازن مابين تكاليف الحياة الدنيا والدار الأخرة بشكل متقن ،عندها سنتخلص من كل أمراض العصر السريع والمتسارع في ايقاعه والله أعلم. وتكون هذه بداية الطريق نحو تحقيق النجاح في كل مجالات الحياة ..

اجمالي القراءات 13700