دعا الكاتب البريطاني جوهان هاري المثقفين في الغرب إلى التخلي عن خوفهم وهلعهم غير المبرر من انتقاد النصوص الإسلامية، ومعاملتها أسوة بالنصوص المسيحية واليهودية من حيث الدراسة والنقد.
وتسائل هاري في مقال كتبه بصحيفة الاندبندنت البريطانية "لماذا هذه الازدواجية؟ فاذا منع كتاب حول المسيح بسبب اعتراض متشددي ولاية المسيسيبي فكلنا سننتقد ذلك وهذا ما أشعر به أيضا، وسأخجل اذا قلت بأني سأكون متعصبا في اي نقاش حول المسيحية. ولكن مع الإسلام نرى حركة لإسكات المناقشة الانتقادية. فمن ناحيه يهدد المتشددون بقتلك بينما يقول عنك الآخرون بأنك "إسلاموفوبيك".
وفيما يلي ترجمة لأجزاء من المقال:
"هذا العمود الصحفي يدين جبن الجبناء ومن ضمنهم أنا. ويبدأ بسرد حكاية رواية لا تستطيع قراءتها. إنها رواية " جوهرة المدينة المنورة" التي كتبتها الصحفيه شيري جونز والتي تتحدث عن حياة عائشة، الفتاة التي زوجت وهي في سن السادسة لرجل يبلغ من العمر خمسين عاما وهو (النبي) محمد بن عبدالله.
تستطيعون قراءة هذه الرواية في أي مكان آخر، إلا في القرآن والحديث، ولذا أصبحت مقدرتنا على استكشاف هذه الروايه محدودة. لقد اشترت دار النشر (راندوم هاوس) هذه الروايه لتكون الأكثر مبيعا بين مطبوعاتها ، وكان ذلك قبل أن تقرأ مسودتها احدى المدرسات في جامعة تكساس لتعلن بأن الرواية هي "مسألة أمن قومي". وخشي الناشرون في دار راندوم هاوس أن تتكرر رواية سلمان رشدي والرسوم الكارتونيه الدنماركيه. لقد رفض الناشر نشر الرواية واسدل عليها الستار.
في اوروبا تم الغاء القوانين التي تحرم المساس بالكنيسه أو توجيه الانتقادات اليها، ولكن أعقب ذلك قانون جديد يمنع انتقاد الاسلام ومصدره ليس الدولة بل الجهاديين. وكنت شخصيا افكر في عدم كتابة هذا العمود ولكن حق توجيه النقد الى الأديان هو أمر غال تحقق لنا بعد عناء تماما مثل حق انتقاد الحكومة. فأنما أن نمارس هذا الحق أو نفقده.
قد يتساءل البعض "لماذا يجب الانشغال بتوجيه الانتقادات الى الدين اذا كان ذلك سيسبب المعاناة ؟" وجوابي هو فلننظر الى تاريخنا كيف فقدت المسيحية قدرتها على ارهاب الناس باقتراف الخطايا و بالجحيم؟ كيف اوقفت المسيحية عن نشر الشعور بالخزي والعار حول الغرائز الطبيعية مثل ممارسة الجنس قبل الزواج أو ممارسة العادة السرية أو المثلية الجنسية؟ كان ذلك ممكنا بسبب استمرار المنتقدين توجيه انتقاداتهم حول القصص الدينية حيث وجدوا ثغرات تنافي المنطق والأخلاق فيها. لقد قاموا بتوجيه الأسئله مثل كيف يمكن للملاك أن يجامع عذراء؟ ولماذا أمر الله في العهد القديم عباده بأن يرتكبوا المذابح؟ وكيف يمكن لبشر أن يبقى حيا داخل بطن الحوت؟
لقد فتح ذلك الباب على مصراعيه أمام اعادة تفسير المسيحية والاستهزاء بقوانين تحريم المساس بها. فعندما تسأل الأسئله الصعبة يبتعد الإيمان الغيبي الهلامي عن أن يكون حافزا للناس على القتل والموت في سبيله.
يجب أن لا نكون جبناء عند الحديث عن الاسلام
ولكن المسلمين المشككين بالاسلام والملحدين يجري منعهم من اتباع هذا النهج، فهم لا يستطيعون توجيه أسئلة مثل: ما الذي أوحى الى (النبي) محمد حتى يتزوج بفتاة قاصر أو قتل سكان قرية من اليهود رفضوا اتباعه؟"
يكفي قتل رموز مثل ثيو فان جوخ ومنع كتاب مثل شيري جونز لزرع الخوف في نفوس الجميع، ويكون المانع للكتابة هو الشعور الداخلي بالخوف الذي سيمنع ظهور الكتب والأفلام".
يجب أن ندرك ان هناك ازدواجية في الموقف التي ستكلف المسلمين غاليا في النهاية. إن جعل الدين بمنأى عن النقد من خلال احاطته بسياج كهربائي اسمه "الاحترام" يجعله جامدا لا يتعدى مراحله البدائية. إن الأذكياء من المسلمين الذين يوجهون الأسئلة والمفعمون بالأخلاق وهم الأغلبيه قد تعلموا الصمت أو فرضت عليهم العزلة في أحسن الأحوال. ياترى ماذا سيكون حال المسيحية اليوم لو اسكت كتاب مثل جورج اليوت ومارك توين وبرتراند رسل؟ أو لو منعت أكثر الكنائس ثورية في الالباما من أداء رسالتها".
وطالما اثارت شيري جونز هذا الموضوع فلنلقي نظره على زواج محمد بعائشة كنموذج لما يجب أن يكون عليه الحوار. صحيح، أن الزمان مختلف اليوم وقد كان عاديا آنذاك أن يتزوج الرجال البالغون بالفتيات القصر، وعلى الرغم من عدم وضوح المصادر حول هذه المسألة، إلا أنه بغض النظر عن الثقافات التي نعيشها فإن ممارسة الجنس مع الأطفال وكلنا يعلم بأن اجسادهم لم تنمو بعد هو أمر وحشي ومؤلم. إن قطع اليد عند قبائل الفايكونج كان أمرا عاديا ولكن ذلك لم يمنعنا من وصفه بالوحشية. وكل ما تحاول رواية جونز نفيه هو أن عائشة كانت مستمتعة بـ"لطافة" (النبي) محمد وهو يباشرها.
وتثير قصة عائشة نقاشا أساسيا آخر هو أنك لا تستطيع القول بأن قرار (النبي) محمد الزواج بطفلة يجب الحكم عليه بعرف ذلك الزمان وتطالب اليوم باتباع مبادئه الأخلاقية في زماننا الحاضر. اما أن نتبع خطواته حرفيا أو أن نقوم بتقييمها تقييما نقديا لنختار لأنفسنا ما نريد. إن مناقشة هذا التناقض سيولد الشك الذي هو العدو القاتل للإيمان الأعمى (سأتحدث اليوم في المدونة الاليكترونية لصحيفة الأنديبندنت حول كيف أصبحت عائشة محور النقاش حول ارغام الآطفال على الزواج في اليمن).
إذا لماذا هذه الازدواجية؟ فاذا منع كتاب حول المسيح بسبب اعتراض متشددي ولاية المسيسيبي فكلنا سننتقد ذلك وهذا ما أشعر به أيضا، وسأخجل اذا قلت بأني سأكون متعصبا في اي نقاش حول المسيحية. ولكن مع الإسلام فإن السبب هو الخوف: تكفي رؤية جسد ثيو فان جوخ وهو ملقى على الرصيف وكأنما يستصرخ "ألا نستطيع مجرد الحديث حول هذا الموضوع؟". طبعا نحن ننظر الى الأمر بعقلانية لنتساءل: هل دعابة واحدة أو عمود صحفي واحد أو رواية واحدة بمفردها ستحقق التغيير أو الفرق؟ لا. ولكن كلها مجتمعة؟ بالتأكيد نعم.
أما السبب الآخر فيتعلق بالسمعة. فهناك تمييز ضد المسلمين في الغرب وقد قامت إذاعة الـ بي بي سي مؤخرا بإرسال سير ذاتيه تخص طلبات العمل الى مئات الشركات فوجدت أن 50% من الطلبات تستبعد من المقابلة لأنها تحمل أسماء إسلامية.
إن انتقاد الإسلام يستخدم أحيانا لتبرير العدوان الأمريكي والإسرائيلي، كما أن بعض منتقدي المسلمين مثل جييرت ويلدرز أو مارتن اميس يقومون بأعمال كبيرة منافيه لحقوق الانسان هنا في اوروبا. لذا فأن البعض يقول اذا كان لدي الكثير من الانتقادات ضد اليهوديه فأنني لن أنطق بها في المانيا (النازية) في عام 1933م. فلماذا ننتقد الاسلام اليوم والمسلمين يواجهون هجمات من اعدائهم؟
ولكنني أعيش بين أغلبيه إسلامية في شرق لندن وهي ليست مدينة ويمار الألمانية. فالمسلمون هنا هم في أمان وقادرون على التعاطي مع الأسئله الصعبة، فمن الخطأ معاملة المسلمين كأطفال انفعاليين لا يستطيعون تحمل الانتقادات والبحث والتمحيص حول دينهم كالذي قمنا به حول المسيحية واليهودية والبوذية.
إن قيام المسلمين بانتقاد ما تتضمنه النصوص الإسلامية من تمييز وأشياء مرفوضة يتلائم مع حمايتهم من العنصرية والتمييز ضدهم.
ونرى اليوم حركة لإسكات المناقشة الانتقادية للإسلام. فمن ناحيه يهدد المتشددون بقتلك بينما يقول عنك الأخرون بأنك "إسلاموفوبيك". لكن الالحادية ليست عنصرية فهي على العكس تعامل جميع الناس كراشدين بالغين قادرين على مواجهة الأسئلة، فعندما نمنع الكتب من النشر بسبب الخوف من الأصوليه فإننا نتخلى عن أهم وأغلى حرياتنا".