تحرير النص أم تثبيته ؟
السيد الدكتور أحمد منصور المحترم
الأخوة أعضاء رواق ابن خلدون
الأخوة رواد موقع أهل القرآن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعتذر عن تأخري في الرد على تساؤلات كل من السادة :
المستشار شريف هادي
الدكتور حسن أحمد عمر
السيد فوزي فراج
السيد عثمان محمد علي
ومداخلات السادة الأحرار :
علي عبد الجواد
السيد عمر اسماعيل
وتعليقات كل معارض ومؤيد لما جاء في مقالاتي التي بدأت شهرها الثاني على موقع أهل القرآن ولقد أدت فعلاً إلى عاصفة انتجت ثماراً مفيدة للجميع كما أكدها الأخ العزيز الدكتور أحمد منصور, وكما رأيته وأكدته أنا شخصياً في مقالتي (زوبعة في فنجان) التي لم أعن بها الإستهزاء, بل لأننا كمجموعة اسلامية نناقش عظمة الله وكلماته ونحن في الصغر أقل من سم الخياط أما الزوبعة فوصفتها بالحالة الإيجابية التي تدعو إلى إعادة التفكير في أمور ترسخت في عقولنا بأسلوب تراثي. أما بعد :
فأنا أوافق السيد شريف هادي بأن هناك مدراس متنوعة تتفقه في قراءة الخطاب الديني, سلفية كانت ام حديثة, وأعتقد أنها تجاوزت المئات وليست معدودة على أصابع اليد الواحدة, وما يهمنا منها هي تلك المدارس التي أتت بعد تحرر الفكر من الخطاب الديني السلفي.
السيد الدكتور أحمد صبحي منصور كان له الأسبقية في عزل ما ورثناه من السلف من نصوص الأحاديث وأسباب النزول وطالب في إعادة قراءة النص من جديد.
السيد الدكتور محمد شحرور كان له الأسبقية في تبيان معنى ومفهوم الترتيل في القرآن والذي هو من أهم مفاتيح فهم الخطاب الديني, وطالب في إعادة قراءة النص من جديد بكتابه قراءة معاصرة.
الإستاذ جودت سعيد والذي كانت له الأسبقية في تعريف حتمية تغير المجتمعات وواقعها من بدء التغيير من النفس. وطالب في إعادة قراءة النص أيضاً من جديد.
وكذلك السيد ناصر حامد أبو زيد وكتابه الخطاب الديني والإصرار على إعادة قراءة النص من جديد.
وأتى الدكتور رشاد خليفة بالإعجاز العددي في القرآن الذي بدأ به وكان حافزاً على إعادة قراءة النص القرآني من جديد.
والدكتور مصطفى محمود بتبيان موضوع الشفاعة وأبرز لنا الإعجازات العلمية في القرآن وكان حافزاً على قراءة النص من جديد.
السيد جمال البنا (شقيق الإمام حسن البنا) واستنباطه للصلوات الثلاث من القرآن اختلفنا معه أم وافقناه, كان يدعوا إلى إعادة قراءة النص من جديد.
وهناك العشرات والعشرات من الذين بدءوا بقراءة النص القرآني قراءة جديدة وبعيداً عن أفكار السلف قد ياتي بعضهم بدليل وبرهان وقد يخرج البعض عن الحق والصواب وهذا حق الجميع, لأن القرآن هو رسالة من الله إلى الإنسان وكل الناس سواسية في قراءة النص وكل واحد منهم محاسب يوم الدينونة على ما أتى به من علم جديد, ينفع الناس ولكن علينا الإبتعاد عن الإشراك بالله لأنه هو الله الذي نبهنا في قوله تعالى :
(وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين * وماتسئلهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين * وكأين من ءاية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون * ومايؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) 12-103-106
فالإشراك يا أعزائي خيط رفيع وشديد الإقتراب من حبل الوريد, والله الذي أمرنا بالإيمان بالله وحده لا شريك له, طلب منا أن نؤمن بملائكته وأن لا نشركها به, سبحانه عما يشركون, وأرسل الله لنا كتباً, هي نور وهدى لنا نحن البشر, وأمرنا أن لا نشرك عطاء الله لنا به والعياذ بالله
, وطلب منا أن نؤمن برسله وأن لا نفرق بين أحد منهم, وحذرنا تحذيراً شديداً بإشراك رسله مع الله ! ماعاذ الله, ثم أمرنا بأن نؤمن باليوم الآخر وأمرنا أن لا نكفر به فالكفر به هو الحنث العظيم.
والكتاب يا أعزائي هو النص, وقراءة النص مازالت في قيد الحداثة وكل ما يستنبط من أمور هي قابلة للنقاش والحوار والنقد.
أما كيفية ترسخها في عقول الناس فهي عائدة لعقلية كل إنسان وليس هناك أي رابط أو ضابط قواعدي لها لأن الإيمان والكفر نسبيان والله تعالى قال في كتابه العزيز :
(لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) 2/256
(وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) 18/29
أما حفظ الله للقرآن وحساب الكافرين فهذه مهمة الله وحده وليس هناك أي إنسان على الأرض له حق التكفير أو العقاب, ولكن له الحق بالإيمان وعدم الإيمان بأي فكر جديد.
يقول الله تعالى :
(كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ)13/17
وكلنا يا أعزائي مازلنا في بداية الطريق وصحوة القرآن مازالت في مرحلة البرعمة, وفي بداية كل شيء تتخبط الأفكار فتتقارب وتتباعد, ونحن جميعاً عانينا من تخلف اهل السلف الذين وصفونا بأبشع الألقاب وتم تكفيرهم لنا في منتدياتهم ونحن من سيدخل التاريخ الجديد, كلنا (فلماذا نوقع أنفسنا بأخطائهم من جديد) ونبدأ بالتباعد بعد أن اتفقنا كلنا على أمر واحد وهو بداية قراءة النص من جديد ؟
أما مقالات السادة الدكتور حسن أحمد عمر, والسيد فوزي فراج والتي جاءت رداً على مقالاتي ناقدة قراءة النص محرراً من التشكيل معتبرين أن القرآن قد كتب في عصر الرسول مشكلاً منقطاً من قبل الرسول وبخط يده, فهل لديكم برهان على هذا لم نسمع به أم تريدوننا أن نسلم به دون نقاش أو حوار أو برهان,
فبدلاً من التعصب للرأي والإصرار بلا دليل فيجب التسليم أن النص قد وصلنا أصلاً من دون تشكيل لسبب لا يعلمه إلا الله أصلاً.
اعتقد أن ما يريده الله منا هو التفكر الجاد وبنية صادقة على إظهار حقائق القرآن المسكوت عنها عبر قرون عبرت وقد كان فيها هذا الكتاب في غياهب الهجر والجمود ومايزال.
لقد قرأت ذات العبارات في موقع الدكتور رشاد خليفة وهي مثبتة في موقعهم يمكنكم الرجوع إليها بأن الرسول قد كتب القرآن بخط يده وكانت حجتهم هي التالي :
(وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) 29/48
وكان تفسيرهم لهذه الآية بأن إعراب كلمة (تتلو) أتت في الظرف الزماني الماضي,(ثم ربطوا بقية البرهان بسورة القلم وبقفزة مفاجأة) وبمعجزة إلهية وبعد أن قال الله تعالى لنبيه.... (إقرأ) بدأ بالقراءة والكتابة, فأصبح (الآن) أي الظرف الزماني اللآني منقلباً وأنه قد أصبح يعلم القراءة والكتابة بمعجزة ربانية لم نعلم بها ولم نسمع بها لا في السيرة ولا في التواريخ وإنما في استنباط إعرابي للنص غير مدعمة بأي نوع من أنواع البرهان (الحقيقي, أوالتاريخي, أوالمنطق السليم).
علماً أنني أعلم وبالبرهان أن كلمة (أمي) الموجودة في القرآن لم تأتي في المعنى المأخوذ من السلف على أنها عدم القدرة على الكتابة والقراءة ويا أعزائي أدلكم على السَّبَّاق الذي رأى هذا المعنى هو الدكتور محمد شحرور في كتابة, القرآن قراءة معاصرة وتأكدت منه شخصياً عندما قرأت ذات الكلمة (أمي) موجودة في التوراة, والإنجيل وأتت بمعنى الأممي أي ليس من أهل الكتاب, والجميل بالأمر أن الله تعالى في القرآن عندما تكلم عن كلمة (الأمي) أشار لنا أنها موجودة في التورات والإنجيل.
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ) 7/157
أما السيد عثمان محمد علي وعلى المجهود الضخم الذي بذله في قراءة مقالاتي جميعها وأراد ان يجيب عليها كلها في دفعتين, والحق يقال إن إسلوبه بالنقاش جيد وأشجع فيه غيرته على القرآن ورواق ابن خلدون وعلاقته الشخصية والقوية مع زملاءه في ذات الرواق وانصحه كإبن لي أن يتبع اسلوباً أدق في التعبير بعدم (القص واللزق) حتى لا يقع فريسة الإنتقاد الحاد ممن لا صبر لهم فيتهمونه أنه يقتطع مقالاتهم ويبترها ويجبر الناس على فهم النص بطريقته الخاصة بدلاً من ترك حرية قراءة النص الأصلي من قرَّاءه, فما وجدته في أسلوبك الفلسفي كان أقوى بكثير من طريقة القص واللصق التي تدخل النقاش في سجال معتم لا نور فيه إلا فرض الآراء.
أما السيد علي عبد الجواد فأنا أقول له أنك جاهز ومؤهل لفهم وتفهيم القرآن ومن واجبكم البدء بنشر كتبكم لأنك مدرسة يا أخي وطريقتكم التي تقرأون بها النص والخطاب الديني مبنية على أسس قوية هذا ما استشفيته من تعليقاتك ومقالاتك الأخيرة وأعدكم أنني سأبدء بالقراءة لكم وأتمنى أن ينتفع الجميع بما تكتبونه.
والسيد عمر اسماعيل أعجبتني مقالاتكم الأخيرة في موضوع آيات القتال في سورة التوبة المحكمة زمانياً ومكانياً وعلى استنباط الآيات المحكمة والموجودة في آيات القرآن الأخرى وتنبهكم بأن آيات القتال في سورة البقرة والتي لها صفة الدوام بنصها وبفعلها, لكنني أرغب في توضيح أمراً مهماً هنا ولا أعلم كيف تم فهم قصدي فيه خطأً ظناً من بعض الذين شاركوا في هذه العاصفة المثمرة ألا وهي التالي :
أولاً : انا لم أقل أن الآيات المحكمات(المحددة بالزمان والمكان) موجودة في سورة التوبة فقط فهي موجودة في أماكن كثيرة في القرآن اما سورة التوبة فلقد كانت محكمة من أولها إلى آخرها.
ثانياً : أنا مازلت مصراً أن الآيات المحكمة والمعنية بالقتال لا تتفعل أبداً بذاتها لأنها كانت تحت إشراف الله تعالى وقيادته المباشرة عن طريق الوحي وإن إبرام أي معاهدة جديدة لابد أن يكون لها حيثياتها المختلفة, وهناك آيات قرآنية محكمة لا تتكلم عن القتال وهي عبارة عن تاريخ, ويا أعزائي الكرام ما هو التاريخ ؟ ... إن التاريخ يا أعزائي هو أهم شيء مرتبط بالدين .. ولكن للأسف فلقد تم تزويره من قبل السلاطين, ونحن جميعاً من ندعي أننا نبحث عن الحقيقة من أشد القراء للتاريخ ولإيماننا الكامل بكتاب الله تطمئن قلوبنا عندما نقرأ التاريخ من القرآن, وننظر نظرة ازدراء لأهل السلف ممن زور التاريخ وصعب علينا قراءته لكثرة الدس والتضليل, ولقد حرفوا التوراة وأضافوا عليها التلمود أما صحائف الإنجيل فتبعثرت وما بقي منها إلا رسائل محبة ابتدعوها وما أنزل الله بها من سلطان, ومن الآيات التاريخة ومثيلاتها في القرآن مثلاً :
(أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {133} تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) 2/134
ومن الآيات التاريخية آيات كثيرة نأخذ منها العبر ونتعلم أخلاق الرسل من قراءتها لنأخذهم لنا أسوة حسنة ونتعلم منهم الصبر والإيمان, وهناك آيات لا نستطيع حتى الإقتراب من تفعيلها مثلاً :
لنفرض ان أحد منكم رآى في المنام أنه يذبح ابنه : هل هذا بيان من ربه يجب عليه فعله كما فعل نبيه إبراهيم؟
(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)37/102
فهل عليه أن يذبح إبنه ؟ أم أن هذه الآية محكمة وللنبي إبراهيم بالذات ؟ أم ان كل من يرى في منامه انه يذبح ابنه يجب عليه أن يُفَعِّل آيات القرآن ويقوم بما يأمره الله فيها .
وأخيراً اتوجه إلى جميع الذين تفضلوا وشاركوا في نقد مقالاتي سلباً أو إيجاباً أتفضل لهم بالشكر لما قدموه لنا من وجهات نظر وأسئلة وعذراً لأنني لم أستطيع أن أجيب على كل تساؤلاتهم بشكل كامل واتمنى ان يكون هذا الرد قد أحاط بمعظمها.
وشكراً
نيازي عز الدين