حوار الطرشان
حوار الطرشان

عماد الدين الدباغ في الإثنين ١٠ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

إن لغة وطريقة ومستوى الحوار من أهم مميزات الشعوب المتحضرة حيث ان لغة الحوار ومستواه الادبي والخلقي وقبول إختلاف الرأي يظهر مدى تطور وتحضر ورقي مجتمع ما و تمدنه . ، . وبقياس ما تقدم على ما نشاهده على الساحة الاسلامية اليوم فإن (كل ذي لب) يقف مذهولا لما يقرأه و يسمعه و يشاهده ، فأن الغالبية العظمى من المسلمين إذا ما سمعوا رأي مغايرا على ما إعتادوا عليه في طريقة حياتهم أو في أمورهم الدينية نرى نقدهم (إذا صحت تسميته بالنقد) يكون في ابشع صوره ، فنرى إنحطاط ال&Cute;الفاظ والعبارات المستخدمة والاتهامات التي تصل في غالب الاحيان الى التكفير والاخراج من الملة !!!!. إلى وقت قريب كنت أظن أن مرد ذلك للأمية والجهل الذي تعيشه الغالبية من مجتمعاتنا ، وأن الافراد (العاديين) وإن كانوا مثقفين فإنه لابد لهم بالضرورة أن يتأثروا بالوسط (الجاهلي) الذي تربوا و يعيشون فيه ، ولكنني حقيقة صدمت عندما وجدت أن الدول والحكومات تحمل نفس نمط التفكير و تتعامل بنفس (لغة الحوار). حادثتين وقعتا خلال الشهور الماضية عززتا هذا اليقين لدي:

  • الحادثة الاولى كانت حادثة سماح معلمة بريطانية لتلاميذها بتسمية لعبتهم بـ (محمد) وتلاحق الاحداث بعد ذلك من القبض عليها و محاكمتها و سجنها مرورا بالمظاهرات وخروج (بعض) المهووسين الى شوارع الخرطوم يحملون السيوف والسلاح الابيض مطالبين بإقامة (الحد) على تلك المعلمة وصولا لعفو الرئيس السوداني عنها وترحيلها لبريطانيا.
  • الحادثة الثانية والتي إعقبت حادثة المعلمة البريطانية بعدة أسابيع هي قيام السلطات بالقبض على إثنين من (العاملين) بمكتبة مدبولي من جناح المكتبة بمعرض الخرطوم للكتاب لقيام مكتبة مدبولي بأدخال وبيع كتاب + أم المؤمنين تأكل أولادها + بالسودان ، وهو من الكتب المحظور تداولها بالبلاد .... وهذه الحالة (في إعتقادي) تجسد الارهاب و الهوس الديني وطريقة الحوار التي نتحدث عنها تماما ، .. ، أن تتم مصادرة الكتاب و منع تداوله في معرض الخرطوم أمر مقبول ويمكن فهمه حيث ان (القانون) يمنع تداول مثل هذه الكتب ، وأن يتم (إغلاق) أو (طرد) و (إبعاد) مكتبة مدبولي من المعرض لمخالفتها (القانون) أيضا أمر يمكن تفهمه و تقبله ، ولكن كيف يعقل أن تتم محاكمة أشخاص هم (موظفين) وكما نقولها بالعامي (عبد المأمور) عن مخالفة إرتكبتها جهة العمل التابعين لها؟.

أنا هنا لا أنتقد الحكم القضائي الصادر ضدهم بالسجن ستة أشهر لأن هذا الحكم صدر بناء على (قانون) ساري و نافذ ، وهذا القانون وبما إنه قد صيغ وفق الاجراءات "الدستورية" وتمت دراسته ومناقشته بالجان المتخصصة بالبرلمان فبالتالي هو يمثل فكر و توجهات الغالبية وطريقتهم في (الحوار) ، فأن روح هذا القانون تمثل طريقة (الحوار) عند مقابلة ما يخالف المعتاد في طريقة الحياة أو الامور الدينية !!!!. المشكلة الكبرى هي ان من يقومون بإرهاب (الآخر) وقمعه ومنعه من إبداء فكره و مرئياته .. يقومون بذلك بأسم الله و تحت عباءة الدين ... ولكن هل الدين فعلا يدعونا لمنع (الآخر) من إبداء فكره؟ ، وهل (الله) يخاف من فكر شخص ليوكل (إشخاص لقمعه)؟. وهل الاسلام يمكن أن يتأثر بكتاب أو كتب؟ ..... إن الله تعالى يقول في القرآن : { وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ }. وهذه قاعدة وضعها الله تعالى (للدعوة) فقد أعطى الإسلام الفرصة لأعدائه للنظر والتبصر ، فالأجدى والاحرى ان تكون هذه (الفرصة) للرأي (المغاير) من داخل الاسلام..!!.. كما قال : { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين }. وهنا أعطى الفرصة لإبداء أي اعتراض أو مفهوم أو برهان في النفس. بل وأعظم من هذا وذلك أنه أعطى الثقة لمن أراد ليتقدم ويتكلم ويحس بنفسه وبموقعه وبأنه كائن حي له عقله فلابد أن يعقل وله فهمه فلابد أن يفهم ، وبعد هذا التعقل والتفهم لابد أن نسمع منه ثمرة عقله وثمرة فهمه فقال تعالى: { وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }. إذا كان القرآن يطلب من المسلمين السماع من و التحاور مع (الغير) ويضع قاعدة هذا الحوار بـ{ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } وذلك يعني أنه وحتى عندما تكون لغة الحوار الصادرة من (الغير) في أبشع صورها ، فالمطلوب هو أن يكون حوارنا راقي ومتحضر و متطور ...،... فما هو إذا مصدر التردي و الانحطاط في لغة الحوار التي نعيشها اليوم في واقعنا الاسلامي؟. إن إنحطاط المتأسلمين في لغة حوارهم بدأت عندما تصور بعض الناس أنهم يتحدثون بأسم الاسلام ، وأنهم يحكمون بتفويض ديني ، وأن رأيهم وإجتهادهم في المسائل السياسية له عصمة أو وزن إضافي لأن به سلعة إسلآمية ، ذلك قاد إلى (دمغ) الشعوب بتلك الصبغة الاسلاموسياسية بما فيها من تقديس (لأشخاص) و إعطاء أفكارهم وإجتهادهم و تفاسيرهم قداسة (النصوص) وبالأوامر (السلطانية) و (الأميرية) مما نتج عنه بعد فترة أن اصبحت هذه (المقدسات) بمقام (المعلوم من الدين بالضرورة) ، . ، لذلك وفي تقديري إن (الانحطاط الحواري) - إذا صح التعبير - ينتج اليوم من تأثير (الصدمة) ، فبالماضي كان (المغاير) في الرأي لا يجد متسعا لأبداء مرئياته ويتم (قمعه) فورا ، أما اليوم ومع فضاء الحريات (النسبي) وإتاحة الانترنت لمجالات للنشر كانت في الماضي حكرا على (المتأسلمين) و أجهزتهم الحكومية او الموجهة ، هذه الحريات أتاحت للمتأسلمين الاطلاع على ما كان (محظورا) عليهم بأمر السلطان منذ قرون عددا حين كانت رؤية (السلطان) للأسلام تمثل في رأيهم الاسلام الحقيقي ، فعند مطالعتهم (الان) لفكر المغاير لما إعتادوا على سماعه فإن أول ما يصيبهم هو (الصدمة) وعادة ما يكون رد الفعل الناتج عن الصدمة بقوة الصدمة ذاتها ، وهو أمر مفهوم ، ، وهنا نعود لتعاليم القرآن عن كيفية و طريقة (الحوار) ، فأن يكون العنف في الحوار (الناتج عن الصدمة) صادر من قبل (أفراد) هم أقرب ما يكونوا للأمية والجهل منهم الى الثقافة والعلم يمكن تقبله و معالجته ، ولكن أن يتم السكوت على ذلك وتقبله من قبل من يسمون أنفسهم بالـ (علماء) لدرجة ان يصبح (عنف الحوار) رافدا و مشرعا للقوانين الدستورية فذلك في تقديري أمر جلل يستوجب الوقوف عنده طويلا و تحليله وتفنيده ، فما سبق ذكره عن حادثة محاكمة الموظفيين التابعين لمكتبة مدبولي ليس إلا واحدة من العديد من القوانين و النظم المتبعة في التعامل مع اي فكر (مغاير) في السودان و بقية العقد الفريد للدول المتأسلمة ، ولعلنا جميعا نذكر خروج (شيخ الازهر) علينا خلال الاشهر السابقة وهو يقرر أمام الاعلام وعلى رؤوس الاشهاد بـ " قطيعة تقطع المرتد وتقطع أبوه " ، ولست هنا في معرض الحديث عن الردة و حكمها الشرعي ولكن ما يقره الازهر هو الاستتابة للمرتد ، فخروج شيخ الازهر بهذا الاسلوب وهذه الطريقة وهو الذي يفترض به ان يمثل جهة النصح والارشاد والدعوة هو ما نتحدث عنه هنا ففي يقيني أن سكوت ((العلماء)) على ذلك بل والمصيبة الانكى هو إستخدامهم لنفس أسلوب الحوار يمثل رغبتهم في الابقاء على هذا الهراء الذي شاب معتقدات الكثير من المسلمين وذلك للمحافظة على وضعهم ، وعلى منصبهم ، وعلى كراسيهم ، ويبرهن على عدم قدرتهم على الاجتهاد والبحث في تراث المسلمين الذي يستحق من العلماء تنقيته من الشوائب العالقة به والتي تسببت في التخلف الذي وصل إليه المسلمون اليوم. إن إصلاح المسلمين (بالاسلام) ليس فيما يتعلق بطريقة الحوار فحسب ، بل في جميع مناحي الحياة ليعيشوا (كبني أدمين) سعداء ومنتجين كغيرهم من أمم الارض أمر في غاية البساطة والسهولة إذا ما رفع (الاوصياء) أيديهم عنهم وسمح لهم بأستخدام عقولهم بعيدا عن فتاوى بول البعير ورضاع الكبير والخزعبلات والاساطير.

اجمالي القراءات 11208