تاريخية أم صلاحيته النص عبر الزمان والمكان

شريف هادي في الأحد ٠٩ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ،،، وبعد
قال تعالى"ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين" النحل 125
من الواضح أن الناس انقسمت ثلاثة أقسام في النظر إلي القرآن من حيث نطاق تطبيقه ، فهناك مدرسة أهل السنة والتي قالت بتطبيق النص القرآني دون تأويله وفقا لفهم السلف الصالح له ، وهناك مدرسة الشيعية والتي تفهم النص القرآني من خلال آل البيت لاسيما علي بن أبي طالب وابنه الحسين رضي ال&ae;له عنهما ، فيقومان بتأويل جميع الآيات القرآنية ليجعلوا القرآن يدور في فلك آل البيت وكأن الله أنزله فقط من أجلهم ، وهناك مدرسة تبناها حديثا الدكتور نصر حامد أبو زيد تؤكد على تاريخية النص القرآني ، وأن النص القرآني نزل لزمانه ومكانه ولا يعدوا كونه كتاب تاريخ ، وقد ظهرت أيضا مدرسة ينتمي إليها الاستاذ نيازي ومن تبعه يقولون بتاريخية بعض النصوص القرآنية وعدم سريانها زمانيا بعد زمن الرسول عليه السلام وهي ما أطلق عليها الآيات المحكمات ، وسريان باقي الآيات (المتشابهات) زمانيا على الأزمنة التالية على عصر الرسول عليه السلام ، ومعنى هذا أن هذه النظرية جمعت بين النظريتين التقليديتين أحدهما تقول بسريان النص القرآني دون محاولة تأويله والأخرى تقول بتاريخية النص القرآني.
ولكن لنا أن نسأل أي الطرق التي يمكن أن نقبلها بالنظر للنص القرآني من حيث السريان الزماني ، هل هي نظرية الجمود السنية أم نظرية الدوران في فلك آل البيت أم نظرية تاريخية النص أم مسك العصا من المنتصف كما فعل الأستاذ نيازي؟
قال تعالى "ولقد صرفنا في هذا القران للناس من كل مثل وكان الانسان اكثر شيء جدلا" الكهف 54 ، وقال تعالى"وقال الرسول يا رب ان قومي اتخذوا هذا القران مهجورا" الفرقان30 ، وقال تعالى"وان اتلو القران فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل انما انا من المنذرين" النمل92 ، نحن اعلم بما يقولون وما انت عليهم بجبار فذكر بالقران من يخاف وعيد" ق 45 ، وقال تعالى"وبالحق انزلناه وبالحق نزل وما ارسلناك الا مبشرا ونذيرا" الأسراء105 ، وقال تعالى"وما ارسلناك الا رحمة للعالمين" الأنبياء107 ، وقال تعالى"وما ارسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن اكثر الناس لا يعلمون" سبأ28
من كل هذه الآيات الكريمة ومن غيرها يتضح أن القرآن نزل للناس كافة ، ولما كان لفظ (كافة) يفيد العمومية والتجريد أي يفيد وجوب تطبيق النص القرآني على كل الناس في كل الأزمنة والأمكنة ، فإنه يكون من الظلم للنص القرآني ربطه بتاريخ معين وهو تاريخ نزوله ، فضلا عن كونه مخالف للنص القرآني نفسه والذي يؤكد على صلاحيته لكل زمان ومكان ، وسيسأل سائل ، فإذا كان النص القرآني صالح لكل زمان ومكان فماذا تقول في بعض النصوص الخاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم فقط ، أو كانت أمر للصحابة بكيفية التعامل مع النبي ، أو حتى بعض القصص القرآني ، وهي كلها نصوص تصرخ بإرتباطها الزماني والمكاني فكيف يمكن لنا فهم هذا النص خارج اطاره التاريخي؟
وهنا نقول أن هناك فرق بين الحادثة التي يحكيها النص القرآني أو نزل لمعالجة الخلل الذي فيها وبين مقصد رب العالمين من سرد هذه الحادثة في القرآن ، وأن الحادثة لو أرتبطت بزمانها فإن مقصد سردها يتخطى زمانها لنستخلص منها مراد رب العالمين ، ومدرسة اهل القرآن تنظر للقرآن ليس فقط كأحكام ولكن كأحكام ومقاصد ، ولنضرب مثال توضيحي ، فمثلا عندما يقول الحق سبحانه وتعالى "وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"آل عمران 132 فالحكم هنا هو حكم وأمر بطاعة الله ورسوله ، والمقصد من الطاعة هي الرحمة ، ونفس القاعدة يمكن تطبيقها على آيات السرد التاريخي أو الآيات التي تحكم موقف تاريخي ، ولنقرب الأمر بمثال ، فعندما يقول الحق سبحانه وتعالى مخاطبا النبي عليه السلام "يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضات ازواجك والله غفور رحيم" التحريم1 ، فهذه الآية الكريمة ناقشت موضوع خاص برسول الله ، ولكن لو كانت مرتبطة بتاريخها ولا تصلح لغير زمانها ، لكان الله سردها لن تفصيليا في القرآن ، ولكن لأن الله أراد أن يقول لنا أن القرآن مبرأ من أسبابه فالله سبحانه وتعالى لم يقل لنا ما هو هذا الشيء الذي حرمه رسول الله على نفسه يبتغي مرضاة أزواجه وقد حلف على تحريمه على نفسه ، ولو فعل لقلنا بتاريخية هذا النص ، فيسأل سائل وما المقصد من سرد هذا النص وكيف يكون صالح لكل زمان ومكان؟ والاجابة تراها في الآية 2 من سورة التحريم في قوله تعالى "قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ" ، فالمقصد واضح من سرد القصة أن من حلف على شيء يخالف ما أنعم الله به علينا من حلال فإن الله فرض لنا تحلة أيماننا ، وقد ذكر قصة النبي في الآية 1 فقط ليعطي لنا المثال ، قتكون الآية وفق السياق القرآني صالحة لكل زمان ومكان ، وهكذا على جميع الآيات التي عندما تنظر إليها للوهلة الأولى تظن أن حكمها قد أنتهى بزمانها ، ولكن مقصدها لا ولن ينتهي حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
المهم من ذلك أن المقاصد في القرآن هي قواعد أصوليه ، وعندما نستخلص قاعدة أصولية فيمكننا فهم جميع الآيات في نفس الباب بذات القاعدة الأصولية ، كما ينظر للأحكام من خلال المقاصد وليس العكس ، فلو طبقنا ذلك مثلا على آيات القتال والتي تحمل أقصى أنواع الحرب والتنكيل حتى بلغ ببعض الناس أن تسائل كيف سنواجه العالم بهذه الآيات ، فإنك ستجد مقصد الآية في نهايتها كقوله تعالى""وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين" البقرة190 ، فالأمر بالقتال ينتهي لمقصد واحد هو رد الاعتداء وليس الاعتداء لأن الله لا يحب المعتدين ،وبما أن الله لا يحب المعتدين فإننا نكون أمام قاعدة أصولية واجبة التطبيق في جميع الحالات ، وعلى كل آيات القتال الآخرى ، ومنها آيات القتال في سورة المائدة كقوله تعالى"إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5)[سورة التوبة]
أما القول بتاريخية النص وإلغاء حكمه على الحالات المستقبلية بحجة سريانه من حيث الزمان على زمانه دون باقي الإزمنه فضلا عنما فيه من قلة أدب مع الله ، فإنه يفتقر للموضوعية ويتعارض مع جميع الآيات القرآنية التي تقول بوجوب تطبيق القرآن ككل على كل الناس (الناس كافة).
وكما فعل مدعي الحداثة مع القرآن فإن أصحاب الجمود فعلوا ولا يقل فعلهم خطورة على كتاب الله من فعل من قال بتاريخية النص القرآني ، وأصحاب الجمود الفكري هم كل من قال بصلاحية النص القرآني وسريانه لكل زمان ومكان وفقا لفهم الرعيل الأول من الصحابة والتابعين وتابعو التابعين لآياته وأحكامه وأن الأول لم يجعل للأخر مقالا ، لأنهم بذلك ومن حيث لا يدرون جعلوا للقرآن سقف معرفي فتجمدوا به عند زمن معين وجردوه من أهم ميزاته وهي صلاحيته عبر الزمان والمكان وربطوه ببعض الأحاديث والأقاويل المنسوبة ظلما وعدونا للنبي عليه السلام ، وجعلوها قاضية عليه تلغي أحكامه وتقيد مطلقه وتخصص عامه ، فسلخوا عنه أهم خصائصة وهي تجرده من الأسقف المعرفية وصلاحيته عبر الزمان والمكان.
ثم أنهم بفعلهم هذا أعطوا الذريعة لمن تشكك في فهم النص القرآني على نحو فهمهم له لرفضه ومحاولة ربطه في إطارة التاريخي هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أعطوا قاعدة فكرية لكل ارهابي بعدما اخترعوا قواعد أصولية أخرى غير تلك الموجودة في كتاب الله تارة بذريعة نسخها – إلغائها- وتارة أخرى بذريعة ربط النص السماوي بنصوص أرضية.
ومن وجهة نظري أن الحق هو في صلاحية النص القرآني لكل زمان ومكان ، وأن الناس كافة مأمورن بإتباع أحكام القرآن ، ولكن يحق لكل شعب في زمان ما ومكانا ما فهم القرآن وفقا للسقف المعرفي لهذا الشعب بشرط استخدام اللغة العربية لأهل قريش والمدينة دون غيرهما من القبائل العربية وقت نزول القرآن أداة لفهم النص ومعرفة محتواه ، وأن هذا الفهم ليس ملزم لشعب أو أمة أخرى في ظروف زمانية ومكانية مختلفه
نحن جيل الحوار وقد فرض علينا كما فرض علينا عدم امكانية الاختيار ، فدعونا نتحاور بعقل وأدب ووعي ونترك للأجيال القادمة قاعدة علمية وثقافية تكون دليلهم عند الاختيار ، ما قلته هو رأي الشخصي وهذه المقالة سأتبعها بمقالة في علم القراءات ودحض مقولة أن القرآن نزل على سبعة أحرف وكذب نسبة هذا الهراء لرسول الله عليه السلام ، وبعد ذلك أكتب مقالتي عن الصلاة التزاما بوعدي للأستاذ سامر ، وأرجو من الجميع لاسيما الاستاذ نيازي عدم التعالى ورفض الحوار ، ولنحتسب جميعا حوارنا عند الله الذي لا يضيع أجر من أحسن عملا.
شريف هادي

اجمالي القراءات 24742