اقول دفاعاً عن ثقافتي و لا اقول دفاعاً عن الاسلام لأن الاسلام لا يحتاج دفاعاً مني او من غيري بل انا هنا ادفع عن ثقافتي التي كانت دعوة الاسلام مكون جوهري فيها ، و أنا مع ذلك انسان علماني مقتنع بالديموقراطية و الدولة المدنية و لا اجد فيها تعارضاً مع كوني مسلم ، و سأحاول هنا الحديث عن ذلك الجزء العظيم الذي ورثته من دعوة الاسلام و أراه جميلاً و انسانياً و عظيماً ايضاً ، و يؤذي نفسي ان يعرض به رغم عظمته و برسوله صاحب هذه الدعوة التي تعلمت منها الكثير من الرقي و الاحساس المرهف الانساني.
نشأت في بيئة عربية مسلمة ، بيت من بيوتات الطبقة المتوسطة زرعت في نفسي الاسلام كدين محبة و خير و سلام و دعوة توحيد تفرض علي اول ما تفرض ان اكون انسان جيد يشهد له كل الناس بحسن الخلق ، رسخت في نفسي ثقافة مستقاة من تراثنا العربي الاسلامي ، و قد اصابت بالصدمة من هول ما اسمعه من محاولات لتشويه و اختزال و تحقير ثقافتي هذه التي ورثت فيها الكثير جدا من القيم و الافكار الراقية.
علمتني امي ان ديننا و ربنا الذي نؤمن بوحدانيته إله يحرم علينا ان نعتدي على حقوق الآخرين و أن نكذب او نزني او نسرق أو نلحق الاذى حتى بحيوان ، علمتني ان الاسلام كرم المرأة بل ان نبيه جعل الجنة تحت اقدام امهاتنا !
علمتني وصايا النبي الكريم و ابو بكر الصديق التي اثارت في نفسي الاعجاب كيف لا و هو يوصيهم ان لا يعتدو في قتال إلا على من يقاتلهم بالمثل ، و ان ديني هذا يحترم مقدسات كل الاديان فيحرم علي ان اعتدي على بيت او مكان خصص ليعبد فيه إله ، علمتني ان عباداتي كلها تنطوي على صفاء الروح و على النظافة الشخصية و العناية بالمظهر لأن الله الذي تعرفت عليه ببساطة إله يحب الجمال و يكره الظلم و يبغض الفتنة و يحب الانسان و يكرمه و يدعونا إلى عمل الخير و الامتناع عن الظلم لانه حرمه على نفسه فكيف يبيحه لنا؟! تعلمت ان طقوس العبادة انما اشتملت على مظاهر معينة لتعلم الانسان التساوي مع الآخرين فيمارسها معهم مثله مثلهم بين يدي رب واحد ، تعلم الانسان البعد عن الغرور و الكبر و تعلمه التواضع و الاحساس بالفقير و المسكين.
تعلمت ان افتخر بالكثير المشرق من تاريخ امتي ، تعلمت ان افخر بمواقف كثيرة لعمر بن الخطاب الذي حملني ابي اسمه لاعجابه بمواقفه العبقرية ، كموقفه المتسامح من مسيحي القدس اخوة الوطن مثلاً ، يكيفه قوله:" متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم امهاتمهم احرارا"، تعلمت ان الاسلام له موقف ايجابي من اختلاف العقيدة متسامح يقبل الاختلاف بالعقيدة و مهما قال خصومه فأنا على يقين انه لولا انه كذلك لما كان جاري في البيت مسيحي موجود إلى اليوم و له كنيسته و يمارس عبادته بحرية آمن على نفسه و عياله و انه رغم كونه مسيحياً فهو صديقي و اخي في الوطن اقتسم معه نفس الهموم الحياتية و نجلس انا و هو نشرب كوب الشاي و نتبادل اطراف الحديث كلانا مطمئن إلى حب الآخر له و صدق مشاعره تجاهه ، يحترم معتقداتي كما احترم معتقداته و اهرع لمساعدته كما يفعل هو تماماً ، و كذلك كان ابوه صديق ابي تظاهروا و ناضلوا معا من اجل وطنهم و حريتهم و جده كان صديق جدي و اننا عبر اجيال و عبر قرون عشنا معاًُ فكيف لا يكون اهلي المسلمين و هم الاغلبية متسامحون اذاً؟ و كيف لا نكون معاً قد قدمنا نموذجاً للتعايش السلمي و الاخاء الاجتماعي؟ كيف يكون ديني يدعو لابادتهم و كنائسهم و اديرتهم موجودة و لا زالت موجودة من ما قبل الاسلام و حتى الساعة؟!
قرأت ما فعله فرديناند بمسلمي و يهود الأندلس و عرفت كيف يفرض الدين فرضاً على الآخرين و كيف اصبحت اسبانيا كلها مسيحية بالقوة بعد ان عاشت في كنف دولة مسلمة ثمانية قرون فيها المسلم و المسيحي و اليهودي يعيشون جميعا معاً ، فكيف تكون دعوة الاسلام دعوة تعصب إذن و بيننا عاشت عبر القرون اليهودية و المسيحية و لا زالت ؟
اكتب لكم ببساطة و دون تعقيد عن ذلك الاسلام الذي علمني اياه ابي و علمتني اياه امي و رأيتهما يمارسانه ، بعيداً عن الاصطياد في الماء العكر و توظيف النصوص في غير مساقاتها التاريخية توظيفاً يشوه الصورة و يهدر البعد التاريخي. تعلمت ان اتعاطف مع كل بني البشر المظلومين و ان اساند قضاياهم العادلة بغض النظر عن دينهم و لونهم فديني يكرم الانسان و يساوي بين البشر.
اكتب لكم عن تلك القيم الاسلامية الرائعة التي تعلمناها من القرآن و من الحديث كالعفو عند المقدرة و الامانة و حسن الخلق و اعمال العقل ، اكتب لكم عن اسلام الاغلبية الساحقة من امتنا بعيدا عن المتطرفين و الغلاة هذا الاسلام الذي اراه سلوكاً متسامحاً مع اتباع الديانات الأخرى اسلام يدعو إلى مكارم الأخلق و يتممها كما قال نبيه.
إسلام جاء فوجد المرأة متاعاً يباع و يشترى و يورث فرفع من قدرها درجات و اعطاها و ورثها و كرمها بأكثر ما يمكن ان يسمح به زمن الدعوة ، مكرساً بذلك نموذج للرقي بالمرأة الإنسان و يفتح المجال بعده لكل مجتهد ان يقتدي به و يناضل من اجل المزيد من تكريم المرأة كإنسان.
تعلمت ان الاسلام جاء ليرفع من شأن النظرة للخالق فبعد الوثنية و الشرك كان الإله العظيم الواحد الأحد الذي ليس كمثله شيء.
تعلمت ان الاسلام يدعو للعلم و يكرم العلماء و يدعو لاعمال العقل و يعلي من شأنه إلى درجة ان للعقل مدارس في تاريخ الاسلام اعادت الفلسفة و اعادت لها مكانتها بعد ان اهدرت ، و ترجمت علوم الدنيا و شادت و ساهمت في بناء حضارة الانسان.
تلعمت ان الدعوة لا تكون بالنعف و لا بالقتل و لا بالغصب بل ادعو إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة ، تعلمت ان الجميع تحت هذه الدعوة مطالب بحسن التعامل و اللين و إلا لما قال الله في القرآن لنبيه :{لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}.
تعلمت ان اعظم صفات الله هي العدل انها صفته التي يتجلى فيها كماله و هي صفته التي يدعونا لأن نتمثلها عملاً و سلوكاً.
تعلمت ان المال و إن كثر في يدي فليس لي و انما هو مال الله و ان للفقراء فيه حق معلوم ، تعلمت انه يحرم علي ان انام و جاري جائع ، تعلمت ان نبي الاسلام كان يزور جاره الذي يختلف عنه في عقيدته و يؤذيه ليطمئن على صحته ، و انه كاد يوصي بتوريث الجار ، و ان دولة المسلمين كانت تجعل مخصصات للفقراء و المحتاجين من ابناء الديانات و الطوائف الاخرى فكيف يكون هذا الدين دين ارهابي؟!
(يتبع)