زوبعة في فنجان!‏

أحمد خلف في الأربعاء ٠٥ - مارس - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

زوبعة في فنجان!‏
إن ما يحصل الآن من حوار وردود يشترك فيه كثير من أعضاء أهل ‏القرآن، وما تثيره تلك الردود من نقاشات حول المواضيع الجــديــدة ‏التي أثرتها بينهم، هي حالة إيجابية، تدعوا إلى إعادة التفكير من ‏جديد في تلك المواضيع التي ترسخت في العقول بأسلوب تراثي، وإن ‏لم نلتفت لتلك الحقيقة بعد.‏
لذا فمن المهم أن نعود لمناقشة تلك المواضيع بالعقل والمنطق ومن ‏دون تشنج، مع استعادة موقف القرآن منها للوصول إلى الحقائق ‏النورانية القرآنية التي أزاحنا عنها شياطين من الإ&aنس ادعوا الإسلام ‏ودخلوا فيه لتخــريــبــه من الداخــل حســدا من عند أنفـســهــم، ‏ليحرفونا عن سبيل الرشد، علما أنهم متواجدون في كل العصور ‏الإسلامية من عصر الراشدين، إلى كل عصور الخلافات التي تتابعت ‏بعدها من أموية وعباسية وفاطمية وعثمانية. ‏
أعتقد أننا إن تابعنا التمسك بالعقل والمنطق، مع الحوار الهادئ، لن ‏يصح إلا الصحيح، ولن نخرج عن منهج القرآن الكريم القويم إن ‏تتبعنا خطانا مستأنسين بآيات الله لتضيء لنا الطريق. ‏

أيها الإخوة الكرام، أسرة أهل القرآن!‏
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عليكم جميعا، أما بعد:‏
بالأمس دخلت عليكم ضيفا، وما زلت أعتبر نفسي في ضيــافــتــكــم ‏الكريمة لي في موقعكم الكريم الذي يشرفني أن أكون فيه، موقع أهل ‏القرآن الكرام.‏
يسرني ما أثاره الأخ العزيز عثمان محمد علي حول بعض المقالات ‏التي نشرتها في هذا الموقع، مثل: موضوع النسيء، وموضــــوع ‏المحكم والمتشابه في القرآن، وموضوع كيف يحفظ الله سبحانه ‏القرآن، التي أثارت سلسلة من التساولات الطبيعية، وصبرت قبل الرد ‏عليها لأرى ردود فعل باقي القراء الكرام حولها، بغض النظر عن ‏كون تلك الردود مؤيدة لما قدمت من مقالات أو كانت تعارضها.‏
بالنسبة لموضوع المحكم الذي في سورة التوبة، تصوروا معي كيف ‏يكون الحال وكيف يكون موقفنا من العالم أجمع إن عتبرنا الآيات ‏التالية من سورة التوبة مازالت سارية المفعول إلى يومنا هذا:‏
‏( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث ‏وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ‏فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن ‏الله غفور رحيم*) 5-9.‏
‏( قاتلواالذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا ‏يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من ‏الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم ‏صاغرون*) 29-9.‏
‏( يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ‏ومأواهم جهنم وبئس المصير*) 73-9.‏
فهل أمثال هذه الآيات القرآنية دائمة وواجبة التطبيق من المؤمنين ‏المسلمين في كل زمان ومكان؟
أيها الرفاق عودوا إلى الرشد وكونوا من الراشدين!‏
كما أنصح الشباب وأقول لهم: اعبدوا الله تعالى وحده ولا تشركوا به ‏شيئا!‏
وبما أن القرآن من الأشياء، فأنا أنصح نفسي كما أنصح من أحب ‏وأقول له لا تعبد القرآن مع الله سبحانه. ‏
القرآن الذي بين ايدينا هو سجل لما أنزل سبحانه على رسولنا الكريم ‏من كلمات نورانية، المقدس فيه هو للمعاني الرحمانية التي تدرك ‏بالعقل، أم الأحرف والكلمات والحبر والورق هي مواد مثل باقي ‏المواد لا قدسية فيها أصلا.‏
فالقرآن كما نعلم قد كتب في القرن السابع الميلادي من وحي الله ‏تعالى الذي كتب كلمة كلمة وآية آية كان يضعها حامل الوحي جبريل ‏في مكانها الطبيعي، الذي كان يأتي ليتدارس مع الرسول الكريم كل ما ‏كتب، بحسب كتب السيرة، في شهر رمضان من كل سنة حتى توفاه ‏سبحانه في شهر ربيع أول من السنة الثانية عشرة للهجرة، الموافقة ‏لشهر نيسان من عام 633م* ‏‏*للحاشية: وإذا كان هذا صحيحا يكون الرسول الكريم قد عاش 63 سنه موسمية طولها 365 ‏يوما، أي بعدد كلمات يوم في القرآن المتميز بإعجازه العددي، كإشارة منه سبحانه إلى عدد أيام ‏السنة كي لا يضل المسلمون عنها، كما ذكر سبحانه في القرآن كلمة شهر اثني عشر مرة بعدد ‏أشهر السنة الموسمية. ‏
علينا أيها الإخوة أن ندرك من نحن، وكيف نفكر، من خلال القرآن ‏الذي يعلمنا بوجود قطبين متعارضين داخل كل نفس منا، النفس ‏المطمئنة والنفس اللوامة، أو النفس التقية والنفس الفاجرة:‏
‏( ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها* قد أفلح من زكاها* ‏وقد خاب من دساها*) 7-10-90.‏
أيها الإخوة، إن الله تعالى لا يتعـــاطى الســحــر، ولا في الظــلام، بل ‏يتعاطى دائما بالحقائق وفي النور، ألا تذكرون قصة سحرة فرعون ‏الذين سحروا أعين الناس فرأوا العصي والحبال قد تحولت إلى ‏ثعابين تخيلية، بينما لما رمى موسى عصاه، تحولت إلى أفعى حقيقية ‏تلقف ما رماه السحرة من الذين استسلموا فورا لعلمهم أن هذا فوق ‏سحرهم ودجلهم العقيم.‏
لذا علينا أن لا نتخيل في يوم من الأيام أننا إذا طبعنا نسخة جديدة ‏للقرآن فيها أخطاء إملائية، أو سهو عن بعض الآيات فيها بأن الله ‏سبحانه وتعالى سيصححها مباشرة، فقط للأنه قال في القرآن: ‏
‏( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون*) 9-15.‏
والدليل على عدم صحة هذا التخيل وجود مصحف سمرقند الأثري ‏المليء بالأخطاء الإملائية ونقص في الكلمات والآيات، مع وجود ‏مصاحف فاطمة المغايرة لما معنا من المصاحف اليوم.‏
مصحف عثمان الأثري الذي حصلت عليه بعد جهد جهيد من وزارة ‏الثقافة التركية سنة 1999 بموجب الترخيص رقم: 7303- تاريخ: ‏‏2-6-99. أنقرة. مكتوب على غلافه أنه قد كتب سنة: 32 هجرية، ‏وبالخط الكوفي القديم، وهو كتاب مكتوب بأحرف منقطة تختلف عن ‏أشكال تنقيطنا لسبب بدهي ووجيه هو كون القلم المستخدم كانت ‏رأس قصبة مبرية بالموس عرضها حوالي ثلاث ملمترات، فأتت ‏النقط مشابهة لإشارة يساوي الرياضية: = ، _. ‏
والإختلاف الملحوظ هو في حرفي القاف والفاء، حيث نجد نقطة ‏واحدة منها فوق الفاء ونقطة واحدة مثلها تحت القاف للتمييز.‏
أما على وحتى فقد كتبتا بالألف المفتوحة في مصحف عثمان: علا ، ‏حتا، بينما إلى كانت مكتوبة إلى، بالألف المقصورة، ولما كنت من ‏مواليد منطقة الجولان السورية القريبة من حوران الغسانية التي ما ‏زالت أغلب قراها على الدين المسيحي، منذ الفتوحات الإسلامية فقد ‏اطلعت على أناجيلهم الأثرية المكتوبة بخط شبيه إلى حد كبير بالخط ‏القرآني الحالي وبنفس طريقة تنقيطه، وكانت مكتوبة بريشة طائر ‏كبيرة مثل ريشة النسر أو العقاب. وعلى وحتى مكتوبتان بالألف ‏المقصورة لكونهم كانوا يلفظونها بحسب اللهجة الغسانية أميل إلى ‏الياء من الألف، كما يلفظها اللبنانيون اليوم.‏
كل تلك الفروق تعتبر من الفروق الشكلية في القرآن، لكن المشكلة ‏كانت في الإعجاز العددي الذي كان السبب الأول الذي دعاني للذهاب ‏إلى تركيا للحصول على مصحف عثمان، لكون الدكتور رشاد خليفة ‏عندما قدم برهانه في الإعجاز العددى، وجدت إختلافات عديدة نتيجة ‏الإختلاف بين مصحف عثمان الذي بقي مهجورا في المدينه، بينما ‏استنسخ الغسانيون في دمشق عن مصحف المديــنـــة الأصلي الذي ‏أرسل إلى دمشق، عندما كان معــاويــة بن أبي سـفـيــان واليا على ‏سورية، أيام ولاية عثمان بن عفان. ومصحف دمشق هذا انتقل بعد ‏انتقال الخلافة للعباسيين إلى بغداد ،فأتلفه المغول مع ما أتلفوه من ‏مكتبة بغداد في غزوة هولاكو الشهيرة.‏
المهم في موضوعنا، أن الإعجاز العــــددي مرتبط مباشرة بمصحف ‏عثمان، المنقول عن مصحف الرسول مباشرة، والتي كانت أيضا كما ‏تقول الروايات، أنه كان الخط الوحيد الذي كان معروفا في قريش قبل ‏دخول باقي العرب إلى دين الإسلام. ‏
بعد هذه المــقــدمــة، أحب أن أنتقل إلى أسلوب الله تعالى في حفظه ‏للــقــــرآن. ‏
مما لا يعلمه كثير من المسلمين، أن الله تعالى على صلة دائمة مع كل ‏عبد من عباده جميعا، لا بل إن الله مع كل فرد من مخلوقــاتــــه كلها ‏من الحــوت والفيل كبرا إلى النملة والنحلة صغرا، وهو سبحانه دوما ‏مع المؤمن ومع الكافر ويعلم ما توسوس به نفــســيــهــما، كما ‏يلـهــمــهــــــما بما يشاء، ومن الطبيعي أن تكون صلة الله تعالى ‏بــعــبـــاده المؤمنـيـن المتقين أقوى من غيرهم لكونهم على صلة ‏دائمة بربهم الكريم في أعمالهم وصلاتهم وسرهم وعلنهم. ‏هذه الصلة الدائمة من رب العالمين لعباده المؤمنين, تترجم عادة في ‏واقع الحياة بما نسميه بالإلهام الرباني، خاصة لإنسان يعشق ربه ‏وكتابه العظــيـــــم، فيلهمه ربه الصواب، حسب سعيه وقدرته على ‏الإدراك والفهم.‏
فالله تعالى لم ينزل كتابه للناس كافة كي يعاجزهـــــــم على فهمه، بل ‏بالعكس أنزله ليكون أول معين لهم طالما استمروا بسعــيــهـــم، ‏والتزموا بقاعدة: ( إتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون*). ‏
لأن الذي لا يسأل أجرا إلا من ربه فهو الوحيد الذي لا يعمل إلا لله ‏سبحانه، من هنا التزمت في كل مؤلفاتي أن أعطيها للناشر مجانا ‏وهو حر في أن يأخذ من القراء تكاليف نشره وعمله الذي يرتزق ‏منه. ‏
ألا تذكرون أيها الإخوة كيف أمرنا ربنا كمؤمنين به أن ننفي الإتخاذ ‏عنه سبحانه في كل القرآن؟ وعددها لنا في القرآن كي لا ننساها؟
في كل الآيات التاليات أتت عبارة الإتخاذ مستنكرة عنه سبحانه لا ‏شريك له:‏
‏( وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في ‏السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا ‏أتقولون على الله ما لاتعلمون*) 68-10.‏
‏( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا...*) 88-19.‏
‏( وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ...*) .‏
‏( وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا...*) 4-18. ‏
من هنا أتيت بقاعدة قرآنية استنبطتها من القرآن تقول:‏
إن القرآن يرفض الخطأ حتي في التشكيل الخاطئ، لكن ذلك الرفــض ‏لا يمكن إدراكه مباشرة إلا عن طريق العقل الذي هو جهازنا الفكري ‏كإنس من نسل آدم عليه السلام.‏
لكن كيــــــف؟
عندما نقرأ آية: إتخذ الله إبراهيم خليلا، كما هي مشكلة في مصاحفنا ‏اليوم، نقرأها على أن الله فاعل مرفوع بالضمة، لكونه فاعل الإتخاذ ‏بينما نقرأ كلمة إبراهيم، على أنه مفعول به منصوب بالفتحة لكونه ‏هو الذي قد اتخذ خليلا من قبل الله سبحانه من دون العالمين، بينما ‏إذا رجعنا لمصحف عثمان الأثري نجده بلا تشكيل أصلا.‏
لكننا نعلم من القرآن أن الله تعالى مع كل خلقه بلا تمييز في كل ‏حياتهم، وهو أقرب إليهم من حبل الوريد، بغض النظر عن كفرهم أو ‏إيمانهم، مع أنه سبحانه يحب المؤمنين المتقين الصالحين ولايحب ‏الكافرين المجرمين، مع أنه معهم ويرى أفعالهم وجرائمهم. ‏اللآن طالما قد قرأنا كيف استنكر سبحانه عن نفسه الصاحبة أو الولد ‏فمن المنطقي أيضا أن يستنكر اتخاذ صاحب أو خليل لكونه الغني عن ‏العالمين، بينما عباده المحبين له هم الفقراء إليه، وهم الذين ‏سيحاولون أن يتخذوا ربهم خليلا لهم يناجونه ويتقربون إليه سبحانه ‏وليس العكس, والذين أصروا على الكفر هم الذين أرادوا الإبتعاد عنه ‏ورفضه علماً أنه لم يتركهم ولا للحظة واحدة.‏
عندنا آية في القرآن شبيهة بالآية التي هي محور حديثنا الآن، وهي:‏
‏( إنما يخشى الله من عباده العلماء...*) 28-35.‏
أتى التشكيل فيها صحيحا وقلنا في إعرابها: أن الله مفعول به مقدم ‏لكونه لفظ الجلالة تقديرا له سبحانه، وقلنا عن إعراب العلماء: فاعل ‏مرفوع أخر عن المفعول به لوجوب تقديم لفظ الجلالة عليه.‏
بالتالي نستطيع أن نقرأ آية الإتخاذ بنفس الطريــقــة ونعربــهــا نفس ‏الإعراب فيكون قد استقام المعنى ورجـعــنــا إلى الصــواب بالعــقــل ‏والمنطـــــق السليم.‏
برهان من زاويــة أخرى نجدهــا في القــرآن، في إشارة إلى قصــة ‏الغرانيق العلى التي ذكرها القرآن بأسلوب مختلف بقوله تعالى:‏
‏( وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيـــره* ‏‏* ( ولو سمح الله تعالى للشيطان أن يتم ما ألقاه في عقل الرسول يجيبه سبحانه في تتمة الآية) ‏
وإذا لآتخذوك خليلا* ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا* ‏إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا* ‏وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لايـلــبـثـون ‏خلافك إلا قليلا* سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا ‏تحويـــلا*) 73-77.‏
ومن هذه الآيات نكتشف أن الأدنى درجة هو الذي يتخذ الأعلى درجة ‏خليلا له حتى لو كان المخلوقان من الإنس، فكيف بالله العلي العظيم ‏الجبار المتكبر القدوس الغني عن العالمــيــن يقبل أن يتخــذ عبدا من ‏عبــاده خلــيـــلا له أوصاحــبــا أوجليــســا؟
‏ نيازي عزالدين ‏

اجمالي القراءات 7018