سلسلة دراسات قرءآنية
الدرس التاسع
أص و لزء عفوا أقصد قص ولصق
بلغة الكمبيوتر Cut and Paste
بسم اللــه الرحمــن الرحيم والحمد للــه رب العــلمين
موضوعنا اليوم هو موضوع تعلمناه فى السنين الأولى من التعليم وهو " أص ولزء " عفوا أقصد " قص ولصق " أو بلغة الكمبيوتر Cut and Paste وإن لم يكن عندك كومبيوتر يمكن شراء مقص ووتقص أى ءآية أو حتى جزء من ءآية وتلصقها فى مقالك أو أثناء إلقاء أى خطاب دينى أو محاضرة وتقول هذا حكم اللــه أو تقول اللــه يقول كذا وكذا....
إن الذين يتبعون طرق وسبل غير سبيل اللــه، حين يريدون أن يحكموا فى موضوع ما فإنهم يستشهدون بئاية أو يبتر جزء من ءآية ويضعها فى كلامه أو فى كتاباته وينسب هذا إلى اللــه سبحانه وتعالى ويقول هذا هو حكم اللــه أو القرءآن يقول كذا وكذا...
إن اللــه سبحانه وتعالى من حكمته ورحمته التى وسعت كل شيئ وعدله المطلق، حينما قال " أفلا يتدبرون القرءآن " وفى موضع آخر " كتاب أنزلناه إليك ليدبروا ءاياته " لم ينزل هذا الكتاب الذى يأمرنا أن نتدبره، كتابا صعب الفهم مغلق وإلا لايكون – وحاشا للــه أن يكون – عادلا مع العلم أننا سنحاسب بمقتضى هذا الكتاب يوم الحساب.
فقد أنزل إلينا هذا الكتاب وقد أحكم ءاياته وفصلها وجعل ءاياته متشابها مثانى وقال إن فى داخل هذا الكتاب أحسن تفسير فقد سهله للحفظ والتلاوة ويسره وبينه فقال:
" إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ " القيامة 17-19
ورحمة منه تعالى وكأنه المعلم القدير الذى يريد من عباده النجاح فى هذا الامتحان العصيب يوم الحساب فذكر أوصاف هذا الكتاب فى عدة ءايات متفرقة خلال القرءآن الكريم حتى تكون بمثابة قواعد ومبادئ يستخدمها الدارس والمتدبر لكتاب اللــه وفهم المنهج الربانى وقد أشرت إلى هذه المبادئ فى أوائل هذا الدراسات القرءآنية.
إن معظم هؤلاء المتحدثين أو الكتاب يتبعون هذه الطريقة لاثبات نقطة معينة أو إصدار حكم معين وللأسف ان معظم الذين يستمعون أو يقرءون ما هو مكتوب فى الاف الكتب ليس لديهم الفرصة أو ليس لديهم العزم الكافى أو ليس لديهم الشجاعة الكافية للتحقق من هذا ويصدقونه وأيضا يرددونه بدون وعى ولا حكمة ولا تدبر.
وأقول أنه يمكن ان نستعين بئاية أو فى بعض الأحيان بجزء من ءآية فى كلامنا أو كتاباتنا ولكن بشرط أن لا يختلف المعنى ولا يخل بمفهوم النص القرءآنى المتكامل فلا حرج فى ذلك. ولكن ما سوف نعرضه فى هذا المقال هو عن الذين يبترون ءآية أو حتى جزء من ءآية ويستشهدوا بها على أنها حكم اللــه المطلق الذى لا يجب الاعتراض أو حتى المناقشة. فهاذا مثال من عندى لأبين المقصود من ذلك:
فإذا قلت لشخص كيف تدعوا الناس للصلاة والقرءآن يقول " لا تقربوا الصلاة " وأسكت عند هذا الحد وأقول ليس فقط أن لا تصلى بل ينهى بعدم القرب منها. فهذا بتر جزء من ءآية ولكن إذا قرءنا هذا الجزء بالكامل نجد أن اللـه يقول" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ..... "
حينئذ يكمل المعنى المقصود حتى لو كان هذا المقطع هو جزء من ءأية .
وقد استشهد بهذا المثال حتى أوضح الأمثلة التى سأذكرها فيما بعد.
مثال رقم 1
هذا المثال هو مثال شائع بين معظم الفرق والمذاهب ويستخدمها معظم الذين يقومون بأداء خطبة صلاة الجمعة وكذلك تستخدم فى أى مناقشات أو مداخلات خصوصا أذا لم نتفق مع المتحدث أو الكاتب على رأيه فالرد السريع هو ذكر هذا المقطع من الآية:
" وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا "
الذى يستخدم هذا البتر المتعمد قد أخرجها تماما من النص القرءآنى التى جائت فيه واصدر حكمه على انها حكم اللــه فلا نقاش ولا اعتراض بعدها وبمعنى آخر انه يقول أن أى شيئ قاله الرسول – عليه السلام – أو اشار إليه أو حتى حكم فيه ولو كان مخالفا لكتاب اللــه فعلينا أن نقول سمعنا وأطعنا فبذلك جعل هذا المقطع حكم عام مطلق على كل شيئ فلنترك القرءآن يرد عليهم حين نضع هذا الجزء فى موضعه السليم، فقال سبحانه:
" مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * للْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ " الحشر 7-8
فإذا قرأ هاذا الجزء من الآية فى سياق النص الكامل فى الآية 7 و الآية 8 يتضح لنا مفهوم هذا الجزء من الآية ولا نستطيع أن نبتر هذا الجزء ونستشهد به. واللــه أعلم
مثال رقم 2
يتردد على ألسنة العلماء والفقهاء والمتحدثين جزء من ءآية فى سورة النحل تقول:
" وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " النحل 44
ماذا حدث هنا، أنهم أخرجوا هذا الجزء من وسط نص قرءآنى متكامل وأكثر من هذا بتر هذا الجزء من الآية ولم يتعرض للآية بأكملها. وبنفس طريقة القص واللصق، استخدموا هذا البتر من الآية وكذلك أخرجوها من سياق النص ووضعوها فى وسط أحاديثهم وكتاباتهم ويقولون إن اللــه سبحانه وتعالى أعطى الرسول بهذا المقطع الصلاحية لتفسير وبيان القرءآن للناس.
وأقول ان بتر هذا الجزء أو قص هذه الجملة القرءآنية يوحى بأن مستخدمين هذا المقطع لهم غرض معين أو أجندة معينة يعملون من خلالها ويتبعونها كوسيلة لغرز عقيدة ان احاديث الرسول – عليه السلام – هى تفسير للقرءآن الكريم وبدونها لا نستطيع ان نفهم القرءآن إلا من خلال هذه الأحاديث وعلينا السمع والطاعة.
وأقول أيضا انهم أولا لم يتدبروا فى قول اللــه " لتبين " ومعناها القرءآنى وثانيا بتر هذا الجزء يخدم أغراض غير متماشية مع هوية القرءآن الكريم، وثالثا انهم أغفلوا عن بعض ءايات سبقت هذا المقطع وكذلك لبعض ءايات تلتها، وتناسوا أن اللــه سبحانه أخذ على نفسه وعدا بتبيان مضمون هذا الكتاب الكريم وكذلك أشار اللــه بأن أحسن تفسير هو فى داخل القرءآن نفسه.
ومعروف ان اللــه سبحانه وتعالى حين يسرد احداث ووقائع أو يريد لفت الأنظار إلى قضية معينة فإنه يتبع فى كل القرءآن نظام يسهل على الدارس والذى يريد التدبر ان يصل الى المراد بسهولة، فإنه سبحانه يسرد أو يقص أو يأمر بتعليمات فإنها تجيئ فى مقاطع قرءآنية كاملة وينهى فى معظم مقاطع القرءآن بما يسمى بالفواصل وهذا للتنبيه بأن هذا الموضوع قد انتهى وسينتقل إلى موضوع آخر.
إن هذا النظام – نظام المقاطع والنصوص القرءآنية هو أساس من الأسس التى يجب الانتباه اليها عند الدراسة، وأقول لهؤلاء الذين يستخدمون هذا الجزء من الآية من سورة النحل، إقرءوا الآيات التى سبقتها وعلى سبيل المثال من الآية رقم 35-47 حتى يتبين المعنى الحقيقى لهذا الموضوع. وإلى هؤلاء أهدى لهم هذه الآية الكريمة:
" إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ "
نكتفى بهذان المثلان والأمثلة كثيرة والحمد للــه.
ملحوظة: بمناسبة ذكر المقاطع والنصوص القرءآنية، لقد انتهيت من بحث إجتهادى لجميع سور القرءآن واستخرجت المقاطع والنصوص التى لا بد من دراستها متكاملة والتى ستساعد فى الدراسة والتدبر فى ءآيات اللــه ومع العلم بأن هناك مواضيع معينة لا بد من تجميع أكثر من مقطع أو أكثر من نص مع بعضهم حتى يمكن الوصول إلى اقرب ما يمكن للفهم الصحيح لكتاب اللــه الكريم وساحاول نشرها فى المقوع إن شاء اللــه قريبا إن كانت لها فائدة واللــه أعلم ولكن ما هى إلا مجرد مجهود شخصى أستخدمه فى فهم ءايات اللــه.
" رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا..."
وباللــه التوفيق.