الشرط وجوابه، المانع والايجاز فى التعبير القرءآنى
سلسلة دراسات قرءآنية

محمد صادق في الخميس ٢١ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

                                     سلسلة دراسات قرءآنية

الدرس الثامن

                         الشرط وجوابه، المانع والايجاز فى التعبير القرءآنى

بسم اللــه الرحمــن الرحيم

التعبير القرءآنى كثيرا ما يستخدم الشرط وجواب الشرط، أى أعمال لا تتم بدونه.
فإما جواب الشرط محذوف من الآية أو جواب الشرط حاضر...
سورة فاطر الآية 8 تقول :
" أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن اللــه يضل من يشاء ويهدى من يشاء "
نرى هنا أ&de;ن " سوء عمله " هو الكفر وزين له – إلى نفسه الأمارة بالسوء – انه حسنا فزاد وتوغل فى هذا اعتقادا انه حسن. أما من ناحية الشرط وجواب الشرط هنا محذوف وهو " كمن هو مؤمن " ويكون على هذا التقدير الآية وكأنها كالأتى:
أفمن زين له كفره فرآه (الشرط) كمن هو مؤمن (جواب الشرط المحذوف)، فان قول اللــه " فإن اللــه يضل من يشاء " يتعلق بالكافر، وقوله " يهدى من يشاء " يتعلق بمن قد ءآمن. أى أن اللــه قد ذكر الكافر وتعلقه من ضلال متقدما، وذكر تعلق الهدى دون ذكر المؤمن وهو جواب الشرط المحذوف متأخرا، ولتأكيد ذلك نرجع إلى الآية السابعة من نفس السورة وهى تقول " الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير " فالآية 7 قد ذكرت فى نفس الترتيب الكافر أولا وأتبعه المؤمن، فحذف جواب الشرط يكون لدلالة " والذين ءامنوا ".

أمثلة على جواب الشرط الحاضر
1- سورة البقرة 197 تقول:
" الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج ..."
هنا الشرط وجواب الشرط حاضرين فى هذه الآية، وكأنه يقول ان الشرط لا يتم صحته إلا بتنفيذ جواب الشرط.. معنى ذلك أن عندما نقرر الحج، ومن اتمام صحة الحج للــه تعالى انه يجب الامتناع عن الرفث والفسوق والجدال فإن حدث الحج واكتملت كل مناسكه ولكن لم ينفذ الامتناع عن الجدال فالحج غير صحيح، وان اللــه لم يجعل لهذه المحظورات كفارة على فاعلهن إذ انهن لا يتعلقن بحق العباد وانما يتعلق بحق خالق العباد له نحج بيته المقدس وقدسيته لهذا البيت... فهذا هو شرط الزيارة.
ويجب عدم الاغفال عن الجزء الثانى من الآية التى تقول " وما تفعلوا من خير " ما ..هنا شرطية وجواب الشرط " يعلمه اللــه " ولأجل علم اللــه بنفوس العباد فقد نهى الآية بالحث على أن يتزودوا بتقوى اللـــه. ونجد أن ختام الموضوع له عمق وتدبر خاص – كالعادة فى ختام معظم ءآيات القرءآن – ليوضح معانى كثيرة تغيب عن الأذهان فى بعض الأحيان، فقال " واتقون يا أولى الألباب " أى أصحاب العقول التى تبصر وتتدبر وتتقى، ولو تأملنا فى الآية 198 من نفس السورة نجد أن الشرط وجواب الشرط حاضرين أيضا.

2- سورة الجمعة 9-10
" يا أيها الذين ءآمنوا اذا نودى للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر اللــه وذروا البيع ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون * فاذا قضيتم الصلوة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل اللــه... "
فى الآية 9، الشرط وجوابه حاضرين
الشرط اذا نودى للصلوة من يوم الجمعة
الجواب فاسعوا إلى ذكر اللــه وذروا البيع
وفى الجواب استخدم اللــه حرف الفاء لتفيد التنفيذ السريع الموقوت والذى أيضا تضيف الى الجواب صفة الاستمرارية فى التنفيذ. ونرى فى الآية 10 الشرط وجوابه ايضا حاضرين،
الشرط فاذا قضيتم الصلوة
الجواب فانتشروا فى الأرض
واستخدم اللــه ايضا حرف الفاء فى جواب الشرط بغرض توضيح السرعة فى تنفيذ هذا الأمر والاستمرارية فيه.
بمعنى اذا نودى الى الصلوة من يوم الجمعة فلا عذر لمن يتأخر فى تنفيذ هذا الأمر بسبب العمل أو التجارة أو غيره، فالاسراع فى تنفيذ ترك ما فى ايدينا وتلبيية نداء الصلوة هو المقصود من ذلك، اما إذا إنتهينا من الصلوة فلا داعى للتكاسل عن الذهاب مرة ثانية الى ما كنا نعمل من قبل الصلوة لأن فى ذلك جهادا فى سبيل اللــه وتحصيلا للرزق الذى هو من فضل اللــه علينا.

3- قال تعالى فى سورة المائدة 6
" يا أيها الذين ءآمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فأغسلوا وجوهكم ...وإن كنتم جنبا فاطهروا .."
الشرط " إذا قمتم إلى الصلوة " الجواب " فاغسلوا وجوهكم... "
الشرط " وإن كنتم جنبا " الجواب " فاطهروا "
وفى الجزء الثانى من ألآية نجد ان هناك شرطين وجواب واحد لمن اراد اقامة صلاة مقبولة فكان " إن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحدكم من الغائط أو لامستم النساء...فلم تجدوا ماء ..." وجواب الشرطين " فتيمموا صعيدا طيبا ..."
واستخدم حرف الفاء هنا ايضا لتفيد السرعة والاستمرارية، بمعنى ان إذا نوينا الصلوة فعلينا فورا ان نؤدى أمر الغسل ولا نتهاون فى الوقت بإطالة الزمن بين الصلوة والغسل وأيضا يجب الاستمرار فى تنفيذ هذا الغسل فى كل مرة نقوم إليها وننوى الصلوة. وهذا هو حق الخالق وليس حق العبد، فبدون الغسل أو بديله حسب حدود اللــه فلا تصح الصلوة ولم يجعل لها كفارة أو عذرا بتركها.

المانع
وكذلك التعبير القرءآنى كثيرا ما يستخدم المانع، وهو الذى لو وجد لامتنع الشئ ولو انتفى لوجد الشئ. مثال على ذلك: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ..."
فالمحيض هنا هو المانع عن العمل – ممارسة الجنس – فان إنتهى المحيض فيتم العمل. ولكى يوجد الشئ لا بد من وجود شرطه وانتفاء مانعه.

الايجاز
ويجب أن لا نغفل عن أن القرءآن أيضا كثيرا ما يعتمد على بداهة المتدبر وذلك باستخدام الايجاز إما بالحذف أو بالقصر ليدركه المتدبر. وهذا من إحدى وسائل حث القرءآن على تشغيل البديهة والازدياد فى العلم والتدبر.
فالايجاز بالحذف كقوله تعالى : " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر..."
فالمحذوف هنا هو الافطار... فعلية عدة.

والايجاز بالقصر فى قوله " فى القصاص حياة "، وكأنه يقول لا حياة ترجى إلا فى القصاص ولا قصاص إلا وفيه حياة. والقرءآن الكريم ملئ بهذا النوع من التعبيرات التى تسهل على متدبر القرءآن ان يعلم حدود اللــه فى كل مناسكه وأفعاله، ويجب علينا ان نتدبر ونتعقل ما نقرأ ولا نغفل عن بعض الحروف والكلمات التى فى بعض الأحيان نغفل عنها اعتقادا بعدم أهميتها طالما المعنى الاجمالى للآية واضح ومفهوم.
الرحمـــن* علم القرءآن* خلق الانســن* علمه البيان "
فيجب استخدام هذا العلم وهذا البيان الالهى الفطرى. واللـــه أعلم

اجمالي القراءات 13872