ردا على مقالته "فقه التمكين الأمريكى" المنشورة فىالأهرام
تمكين فهمى هويدى
آحمد صبحي منصور
في
الأحد ٠٦ - أغسطس - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً
1- فى مقاله السابق " تفكيك الاسلام" تحدث فهمى هويدى عن التآمر الأمريكى الذى يهدف الى تفكيك الاسلام ومتهما اياى بالعمل فى هذا المخطط ، وقد رددت عليه بمقال :" تفكيك فهمى هويدى" . هو الآن يواصل حملته بمقال : "فقه التمكين الأمريكى" وأواصل الرد عليه .
2- بدأ هويدى مقاله قائلا:" تفكيك الأمة سابق علي تفكيك الملة, والذين يحاولون جاهدين الآن صياغة إسلام أمريكي لنا, ما كان لهم أن يجرأوا علي ذلك أو يفكروا فيه إلا بعد النجاح الذي أحرزوه في انصياع المنطقة للسياسات الأمريكية, علما بأن ذلك كله من تجليات انتعاش فقه التمكين في الولايات المتحدة, الذي لايريد للمنطقة أفقا خارج دائرة الخضوع والامتثال". و هو هنا يربط المقال السابق باللاحق معتبرا أمريكا سببا فى تفكيك الأمة والملة . لقد تفكك المسلمون منذ الفتنة الكبرى واستمر تفككهم قبل أن توجد أمريكا ولازال يحدث حتى الآن. والمشهد العراقى الأخير يكتب هذا التفكك بالدماء حين يقوم الارهابيون السنة بقتل الشيعة فى احتفالاتهم الدينية . ولكن هويدي يرى أمريكا مسئولة عن تفكيك الأمة وتفكيك الملة الاسلامية باعتباره مطلبا أمريكيا لتمكين الولايات المتحدة.
3- بعدها يستشهد هويدي باختطاف أمريكابعض الذين لهم صلة بمنظمة القاعدة واستجوابهم حول معلومات عن القاعدة ، ويتخذ من ذلك ذريعة لاتهام امريكا بانتهاك حقوق الانسان . انه ينقل هذه المعلومات عمن يدافع عن حقوق اولئك المختطفين وهي المنظمة امريكية Human Rights Watch ، كما ينسى ان أمريكا فى حالة حرب معلنة جديدة فى نوعها يستخدم فيهاالارهابيون الفكر الدينى لتحويل الشباب البرىء الى قنابل متحركة تنفجر فى أى زمان وفى أى مكان . وهى أمام هذا الخطر المجهول غير المرئى ملزمة بالدفاع عن أمنها فى الداخل ، خصوصا وأن المتطرفين يسيطرون على أكثر من ألف مسجد على التراب الأمريكي يقومون فيها بغسيل مخ الشباب المسلم بتحويلهم الى "استشهاديين ". والذين يحتجون على امريكا هم الأمريكيون انفسهم مع أن ما تقوم به أمريكا هو أمر مشروع فى حالة الحرب ،أما غير المشروع فهو ما يقوم به الاستبداد العربي والتيار المتطرف من اضطهاد وقتل واخفاء قسري للمفكرين المسالمين الداعين للاصلاح. ويقف فهمي هويدي بقلمه ضد أولئك المصلحين بل ويمهد بقلمه بالتحريض ضد مفكرين مسالمين لا يملكون حولا ولا قوة.
4- ويتحدث بعدها عما يسميه بالاستقواء الأمريكي الذى يسعى للهيمنة على العالم . على أنه ليس عيبا على أى دولة أن تسعى للاستقواء والتمكين بل العيب أن تكون أى دولة فى خيبتنا القوية !!. أمريكا الآن هى أكبر قوة فى العالم وليس عيبا أن تحافظ على مكانتها . وقد سبقها فى احتلال مركز القوة الأولى فى العالم امبراطوريات من الفراعنة والفرس والرومان والعرب والانجليز ولم يقل أحد ان هذا الاستقواء عيب فى حد ذاته، ولا زلنا نفخر بالاستقواء العربى الذى كان فى عهد الامويين والعباسيين والعثمانيين . انما يأتي العيب حين يستخدم الاستقواء لاستعباد الآخرين كما حدث من كل الامبراطوريات السابقة على أمريكا ومنهم العرب المسلمون. أمريكا بعد ان صارت القوة الأولى فى العالم لم تمارس نفس ما ارتكبته الامبراطوريات السابقة من احتلال واستعباد. قبلها عاشت أمريكا منعزلة وفق مبدأ مونروا بعيدة عن تقاتل أوروبا حول المستعمرات ، ثم دخلت الحربين العالميتين للدفاع عن الديمقراطية ، ثم دخلت فى حرب باردة مع الاتحاد السوفيتي أيضا للدفاع عن الديمقراطية والحرية ، وسقط الاتحاد السوفيتي ليظهر التيار السلفى عدوا للحرية مخترعا نوعية جديدة من الحرب الفكرية التدميرية، وبدأ هذا التيار بالاعتدار بالاعتداء على أمريكا فى عقر دارها فاضطرها الى الدخول فى حرب ضد عدو خفى متحرك متنقل من المتعذر تحديده أو حصاره .أثناء دفاعها عن الديمقراطية ساندت أمريكا الشعوب الواقعة تحت الطغيان النازى (فى أوربا) والطغيان الياباني (الفلبين) والطغيان السوفيتى الشيوعي (أوربا الشرقية وكوريا الجنوبية وفيتنام الجنوبية وأفغانستان) ، وحررت الكويت المحتلة من صدام ، ثم قامت بتحربر الشعب العراقي منه أيضا ، وهى الآن تدعو المستبدين العرب الى الاصلاح السياسي والتحول الديمقراطي سلما لتفادى الحروب الأهلية والتدخل الأجنبى وتعلن رسميا أنها لن تفرض ديمقراطية من الخارج على العرب، الا أن الاستبداد العربى يرفض الاصلاح السلمى الداخلى . ونجد فهمى هويدي ينقم على أمريكا هذا التدخل الاصلاحي ويعتبره من لوازم التمكين .
5- من الطبيعى أن تحدث تجاوزات فى حروب أمريكا التحريرية فالحرب هى أسوأ خيارحتى لو كانت فى سبيل التحرر من الاستعمار والديكتاتورية، الا ان الديمقراطية التى جاءت بالدماء الأمريكية فى فرنسا وأوربا الى الفلبين وكوريا الجنوبية وأفغانستان – والعراق بعون الله تعالى – تغفر ما حدث من تجاوزات. ثم ان الليبرالية الأمريكية نفسها هى التى تقف بالمرصاد لأى تجاوزات يقع فيها الأمريكان فى الحروب. هذه الليبرالية الأمريكية هى التى أرست عقدة فيتنام فى الضمير الأمريكى ، وبسبب هذه العقدة اضطرت أمريكا للانسحاب من المنطقة تاركة الساحة للخمير الحمر الشيوعيين يقومون بقتل الملايين من السكان فى ابادة جماعية لم يعرف لها القرن العشرين مثيلا.
6- على أن المجتمع الأمريكى ليس محتاجا الى واعظ من نوعية فهمى هويدى أو غيره . اذ أن من القيم الأمريكية العليا فضيلة الاعتراف بالخطأ والأعتذار العلنى عنه وتدريسه فى المقررات الدراسية على التلاميذ حتى يتعلموا من خطأ الأجداد ،حتى أن الطفل الأمريكى يعيش بعقدة الذنب نحو الأمريكان السود والهنود الحمر ، هذا بينما لا زلنا نحن نحرم مناقشة الفتنة الكبرى حتى يظل الصحابة فوق مستوى البشر والخطأ، ولهذا يتعلم الامريكان من أخطائهم بينما لا نزال نهيم فى ظلام الفتنة الكبرى حتى الآن.
7- وينقل فهمي هويدي ما يكتبه بعض المتخصصين الأمريكان من خطط لاعادة بناء الشرق الأوسط على أساس ديمقراطي معتبرا ذلك ضمن التآمر، مع أنها خطط منشورة ومتاحة للجميع وتسعى أمريكا علنا الى اقناع العرب بهذا التحول الديمقراطي السلمي ، ويتملص المستبدون العرب من تطبيق الديمقراطية مع سعيهم المستمر لاسترضاء أمريكا بكل السبل حتى تغض الطرف عن الخيار الديمقراطي.
8- وغريب أن يعتبر هويدي السعي الأمريكي لارساء الديمقراطية فى الشرق الأوسط من أساسيات التمكين الأمريكي . ان المعروف ان أمريكا يسهل عليها ان تسيطر على المستبد الفرد ، وهو ما يحدث الآن فى سيطرتها على بضع وعشرين شخصا يحكمون العالم العربي ، ولكن يكون من المستحيل ان تسيطر على دولة ديمقراطية يحكمها أبناؤها حكما ديمقراطيا حقيقيا ، فكيف تستطيع ان تسيطر على كل الاقطار العربية اذا كانت دولا ديمقراطية ؟ لقد اختارت أمريكا الديمقراطية حلا لمشكلة الارهاب الذى يهددها فى أرضها. فالاستبداد قرين الفساد وهما معا ينتجان جيلا حاقدا يعجز عن حرب الاستبداد فى بلاده ، حيث القمع البوليسي على أشده ، فيلجأ بالهجرة الى العالم الحر لينفث عن غضبه فى الغرب " الكافر". اذن لابد من اصلاح العرب حتى يعيش الغرب فى هدوء. ولكن الأخ هويدي الذى وهب قلمه للدفاع عن الديكتاتورية والتطرف ينقم على امريكا سعيها للاصلاح الديمقراطي ويعتبره تمكينا لها فى العالم .
9- الواقع ان هويدي قد حاز "التمكين " لنفسه عبر ثلاثين عاما يكتب اسبوعيا فى ما يخدم التطرف والاستبداد ويسميه البعض مفكرا اسلاميا ، مع أنه لم يأت بفكره جديدة تضاف للفكر الاسلامي او السياسي ، بل أن العرب والمسلمين فى خلال الثلاثين عاما الأخيرة قد وصلوا بفضله وفضل الاستبداد والفساد والتطرف الى الحضيض . لقد وهب هويدي قلمه للهجوم على أمريكا والغرب وللدفاع عن التطرف والارهاب والسكوت عن الاستبداد والفسادوالتعذيب وتوجيه الغضب والاحباط والكراهية الى الغرب وأمريكا بدلا من أن يتوجه الى العدو الحقيقي . وهو المستبد والمفسدون من حوله.
10- لقد صادرعبد الناصر الحرية ليحقق العدل الاجتماعى ويجعل الدولة مسئولة عن كفالة الحياة الكريمة للمواطنين ورفع شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ، ثم جاء السادات وعقد الصلح مع اسرائيل ولم يعد هناك مبرر لتأجيل الحرية والديمقراطية فأعطى منها بضع رشفات ثم تمرد عليها وفقد حياته. وجاء حسني مبارك بقانون الطوارئ ومصادرة الحرية والعدالة الاجتماعية ومصادرة حقوق الافراد فى التوظيف والحياة الكريمة واحتكر السلطة والثروة ووصلت به مصر الى الحضيض ، ثم يسعى الآن الى التوريث أو التمديد ليضمن لنفسه وذريته الأمن من المساءلة عما نهب من ثروة مصر. ولا يزال مبارك فى السلطة حتى الآن للاسباب الآتية:- 1- أنه أعطى فرصة للتيار المتطرف لسيطر ثقافيا ودينيا على عقول الناس ، فأصبح التطرف هو البديل السياسي للنظام العسكري واستغل هذا التطرف لاخافة الناس . كمن يقول أيهم الأفضل ، أنا أم المتطرفون ؟ بعد الصلح مع اسرائيل وانعدام حجة العدو الخارجي الاسرائيلي أو الجبهة الخارجية العسكرية قام حسني مبارك بتنمية وحش التطرف الى درجة معينة يخيف به الآخرين وبحيث لا يكون خطرا على نظامه العسكرى وليحول مصر الى جبهة داخلية حربية تسوغ له أن يحكم مستبدا بقانون الطوارئ . 2- من الطبيعي ان يتعاظم الغضب والسخط عليه ومن الطبيعي ان يحاول مبارك ان يجد مخرجا لهذا السخط بعيدا عنه بأن يوجهه الى جهة أخرى ، فكان لابد ان يتوجه السخط الى أمريكا والى اسرائيل باعتبارهما العدو الأكبر والمتآمر الأعظم على العرب والمسلمين مع ان العدو الحقيقي للشعب هو المستبد وأعوانه . وبالسيطرة على الاعلام والتعليم والأزهروالمساجداتيح لمبارك ان يغسل عقول الشباب وان يوجه كراهيتهم نحو أمريكا واسرائيل بدلا من ان تتوجه اليه هو. هذا هو السبب الذى تقترب فيه كراهية أمريكا فى الشارع المصرى الى درجة الهوس العصبى مع أن أمريكا منحت مبارك خلال 24 عاما حوالى96 مليارا دولارا معونة أمريكية؟ " هل يجرؤ هويدى على مناقشة مبارك اين ذهبت هذه الأموال هى وأموال بيع القطاع العام ؟" .3- استخدم مبارك أجهزته القمعية والدعائية والدينية فى مطاردة المصلحين وأغتيالهم معنويا وتشويه سمعتهم لاقفار مصر من الرموزالشريفة الديمقراطية الحقيقية فلم يبق فيها الا معارضة هزيلة خادمة للنظام لا تقوى على مواجهته.
يبقى السؤال الأخير : أين موقع فهمي هويدي من هذه السياسة ؟
الاجابة بايجاز شديد انه الكاتب الحكومي المتمكن الذى يلعب لصالح النظام فى منطقة غاية فى الحساسية هى التطرف ، ويلعب لصالح المتطرفين أيضا فيما لا يضر النظام ، ويلعب لحسابهما معا ضد الاصلاح فيطارد المصلحين ، ويغض الطرف عن الفساد والاستبداد والتطرف والتعذيب والظلم والتوريث والتمديد والنهب والسرقة ويتناسى ما يموج به الشارع من مظاهرات تطالب بالاصلاح . ينسى ذلك كله ويوجه سهامه لأمريكا وسعيها للاصلاح الديمقراطي . هذا هو سبب "تمكين" فهمى هويدي فى الأهرام لمدة تزيد على الثلاثين عاما . وفى سبيل الاحتفاظ بهذا التمكين لم ينزعج هويدى بصرخات صرعى التعذيب فى جحيم السجون المصرية، ومن بين اولئك الضحايا الآف الاخوان المسلمين، أو اخوانه المسلمين !!