السيناريوهات المتوقعة
أزمة قطاع غزة ودور حماس في خلط الأوراق

محمد سمير في السبت ١٦ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

     أزمة قطاع غزة ودور حماس في خلط الأوراق
                       ( تحليل استراتيجي )
قبل أن نتحدث عن أزمة قطاع غزة ، دعونا نتعرض بايجاز لمعاهدة (كامب ديفيد) التي أبرمت عام 1979م بين مصر وإسرائيل .
معظمنا يعلم أن اتفاقية (كامب ديفيد) ضمنت عدم إعطاء فرصة لمصر لشن هجوم عسكري مفاجئ على إسرائيل كما حصل في حرب أكتوبر عام 1973م . وما يهمنا هو صنوف الأسلحة المسموح بها في شبه جزيرة سيناء مع العلم أن أعداد القوات محددة ضمن بنود الإتفاقية في غرب ووسط وشرق سيناء ، وهي على النحو التالي :
1. الأسلحة الثقيلة مع فرقة مشاة ميكانيكية تتواجد على خط قناة السويس مع 230 دبابة و126 مدفع ،ومضادات طائرات محدودة عيار 37/ملم ،وصواريخ أرض ـ جو فردية .
2. وسط سيناء قوات محدودة العدد بأسلحة متوسطة .
3. شرق سيناء (من ضمنها حدود قطاع غزة) 4/كتائب حرس حدود مع الشرطة المدنية ومسلحة بأسلحة خفيفة (بنادق + مسدسات) . بالإضافة لذلك فإن مساحة سيناء تبلغ (83000/كلم2) أي ثلاثة أضعاف مساحة فلسطين التاريخية (27000/كلم2) .

تأثير قطاع غزة على الأمن القومي المصري :
إن قطاع غزة يؤثر بشكل مباشر على الأمن القومي المصري . فهي معبر لتهريب المخدرات والأسلحة من وإلى القطاع وإسرائيل .
كما أنها لا تشكل مساحة عازلة بين مصر وإسرائيل لأنها تابعة إقتصادياً وخاضعة أمنياً لإسرائيل (أي أنها ليست دولة مستقلة) .
لذلك من حق مصر أن تتابع الأوضاع في غزة لأن أي خلل سينعكس على مصر ويسبب لها مشاكل لا أول لها ولا آخر .
ومن التحديات الأخرى التي تدعو مصر إلى الإهتمام بوضع غزة هو دخول إيران وسوريا على الخط عبر دعم حماس والجهاد مالياً وعسكرياً وفنياً وسياسياً . طبعاً أجندة ايران وسوريا تختلف عن أجندة الفلسطينيين .
لقد أصبح قطاع غزة- مثل جنوب لبنان- ساحة صراع بين إيران وسوريا من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى . ويدفع الفاتورة كل من الشعبين الفلسطيني واللبناني .



تأثير قطاع غزة على الأمن القومي الإسرائيلي :
تشكل غزة سكين في خاصرة إسرائيل ، أو بالأحرى شوكة سمكة في حلقها . فهي لا تستطيع بلعها ولا تستطيع لفظها ، وعبر عن ذلك (إسحق رابين) حين قال :(أود أن أصحو من نومي لأجد أن البحر قد ابتلع قطاع غزة) . علماً بأن إسرائيل حاولت مع المرحوم ياسر عرفات عام 1995 أن يقيم دولة فلسطينية في غزة ويتم التفاوض على الضفة ولكنه كسياسي محنك رفض الفكرة جملة وتفصيلاً .
كيف لعبت حماس بالأوراق :
1. منذ توقيع اتفاق أوسلو والذي رغم كل مساوئه غير الخريطة السياسية في فلسطين وأوجد هوية وجواز سفر للفلسطينيين معترف بهما دولياً . وأوجد أرضاً سميت أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية معترف بها دولياً . ومثلت عمقاً استراتيجياً لجميع التنظيمات وعلى رأسها حماس التي استغلت الوضع وبدأت- بحجة المقاومة- تسلح نفسها وتنتظر اللحظة المواتية للإنقضاض على السلطة وعلى منظمة التحرير الفلسطينية .
2. كانت حماس من أهم العوامل التي أفشلت اتفاق أوسلو بالإضافة إلى التعنت الإسرائيلي وعقدة الأمن التي تلازمهم دائماً وأبداً. زيادة على ذلك أن حماس بفكرها السلفي الوهابي لا تؤمن بقيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل . وهو نفس فكر (الإخوان المسلمين) .
وبذلك وبدعم وتوجيه من التنظيم العالمي للإخوان المسلمين قامت حركة حماس بتعطيل كل الإتفاقات المرحلية مع إسرائيل عن طريق توقيت عمليات التفجير في العمق الإسرائيلي مع التوقيع على الإتفاقيات .
ولأن سياسة المرحوم ياسر عرفات كانت تقوم على عدم نزع سلاح التنظيمات إلا بعد التحرير . استغلت حماس هذه السياسة وقويت على حساب فتح والسلطة ، حيث ساهمت إسرائيل في إضعاف السلطة . ولو رجعنا إلى بدايات الإنتفاضة الحالية فقد قامت إسرائيل بتدمير كافة مقرات الأجهزة الأمنية الفلسطينية حيث بلغ عدد قتلى أفراد الأجهزة الأمنية (54%) من إجمالي قتلى هذه الإنتفاضة .
3. الإنتخابات وفوز حماس :
فازت حماس في انتخابات 2006 علماً بأنها لم تكن تحمل برنامجاً سياسياً.وذلك للأسباب التالية:
أ _ تفسخ حركة فتح من الداخل : حيث دخل الإنتخابات 94 كادر فتحاوي كمستقلين مما أدى إلى تشتت الأصوات . ولو أضفنا الأصوات التي حصل عليها هؤلاء إلى قائمة فتح لحصلت فتح على ما يزيد عن 78 مقعداً (أغلبية مريحة) ولحصلت حماس على حوالي (30/مقعداً فقط) .
ب ـ ظهور علامات فساد على بعض المتنفذين في السلطة (والمحسوبين على حركة فتح) . حيث استغلت حماس ذلك في دعايتها الإنتخابية وكان إسم كتلتها (كتلة الإصلاح والتغيير) .
ملاحظة : ليس صحيحاً ما تناقلته وكالات الأنباء أن الشعب الفلسطيني خذل فتح ولم ينتخبها فقد حصلت فتح على أصوات أكثر بكثير من حماس ولكن تشتت الأصوات أدى إلى فوز حماس .
ج ـ حماس كانت معارضة ولم تنزل إلى الملعب حتى تظهر أخطاؤها .
(أنظر إلى أخطاء حماس وفظائعها بعد تسلمها السلطة )
فشل حكومة حماس : يعزى فشل حكومة حماس إلى العوامل التالية :
1. لم تكن تملك برنامجاً سياسياً ، يمكن أن يحظى بتأييد المجتمع الدولي .
2. الفكر السلفي الوهابي المتعنت الذي تحمله . حيث وقعت في حيرة من أمرها . فهي تريد أن ( تقاوم  وتفاوض ) في نفس الوقت ، فانتهى بها الأمر إلى( لا مقاومة ولا مفاوضات) ولكن الحصار دفع الشعب الفلسطيني فاتورته ولا يزال .
3. وضعت حكومة حماس كل بيضها في سلة سوريا وإيران . وبدأت سواء بعلم أو بغير علم تنفذ أجندة خارجية .
4. قامت بعمليات استئصال لأبناء فتح في الوزارات وتعيين أناس من حماس وبرتب عالية مع أنهم لا يستحقونها . فعندما يحصل ابن أخت اسماعيل هنية الحاصل على الثانوية العامة فقط على موقع (مدير عام) في إحدى الوزارات . وغيره الكثير . أدى هذا إلى ردة فعل من عناصر فتح . وعندما تطلب الوزيرة مريم صالح الشرطة  لوكيلة الوزارة (سلوى هديب من فتح ) لإخراجها من مكتبها بحجة أنها عينت وكيل وزارة من حماس بدلاً منها . أدى كل هذا إلى رد فعل عنيف من أبناء فتح . مع أن تعيين وكيل الوزارة في فلسطين يتم بمرسوم رئاسي .
5. سياسة التخوين والتكفير التي اتبعتها حماس مع أبناء فتح .
الإنقلاب على السلطة :
كان الإنقلاب الذي قامت به حماس في غزة خطأ ً استراتيجياً فادحاً بالنسبة لها . وقد جر عليها مشاكل لا أول لها ولا آخر . وبدأت حماس تتخبط بعد الإنقلاب وتعالج الخطأ بالخطأ . حتى وصل بها الأمر إلى تفجير حدود غزة مع مصر وتوريط مصر في المشكلة . واستعداء مصر وإحراجها أمام العالم . 
 كما وصل بها الأمر إلى مهاجمة الأمن المصري الذي أبدى أقصى درجات الإنضباط حتى الآن .
السيناريوهات المتوقعة بعد تفجير الحدود واقتحامها :
قبل مناقشة السيناريوهات المتوقعة دعونا نتجول قليلاً في التصريحات الرسمية وغير الرسمية على جانبي الحدود :


1. 5/2/2008 ( فلسطين برس ) .
صرح وزير الزراعة الإسرائيلي ( شالوم سمحون ) أن وزارته بدأت الإستعدادات لقطع العلاقات الزراعية مع قطاع غزة بشكل تام خشية نقل الأمراض الزراعية من قطاع غزة إلى إسرائيل بحجة أن الحدود أصبحت بين مصر والقطاع سائبة .
2. 8/2/2008 ( صحيفة هآرتس الإسرائيلية ) .
نشرت تحليلاً عسكرياً لكل من (عاموس هرئيل و آفي يسخاروف) بعنوان : كل الدلائل تشير إلى أن الجيش الإسرائيلي دخل في مسار تصعيدي سينتهي باجتياح بري واسع النطاق للقطاع. وتتضمن العملية السيطرة على ثلاثة محاور هي :
أ ـ مناطق إطلاق الصواريخ شمال غزة .
ب ـ مناطق جنوب غزة قرب معبر رفح .
ج ـ منطقة مدينة غزة ( السيطرة عليها عن بعد ) من أجل ضرب سلطة حماس .
ويخلص التقرير إلى أن العملية ستتم في الربيع القادم .

 وأضيف أنا هنا أن الإسرائيليين سيقومون بعملية واسعة بعد تحرير الجندي الأسير (جلعاد شاليط) .
3. 8/2/2008 ( دنيا الوطن ) .
صرح وزير الدفاع المصري المشير / حسن طنطاوي ، بما يلي :

( لن نسمح لأحد بالمساس بالأمن القومي المصري) .
4. 8/2/2008 ( وكالة أنباء ريبكا الإسرائيلية ) .
نقلاً عن مصادر استخبارية اسرائيلية : حماس تستعد لمهاجمة القوات المصرية على الحدود .
5. 10/2/2008 ( يديعوت أحرونوت ) .
على لسان رئيس مجموعة السلام والأمن الإسرائيلي عميد احتياط / داني روتشيلد :( لن نسمح لهنية أن ينام على سريره) .
6. 10/2/2008 ( وكالة معاً الإخبارية ) .
وزير الجيش الإسرائيلي يرفض إجراء نقاش موسع في الحكومة حول عملية برية في غزة خشية التسريب لوسائل الإعلام .

السيناريوهات المتوقعة 1- قيام حماس بمحاولة جديدة لفتح الحدود مع مصر تؤدي إلى إشتباكات مسلحة وتضطر مصر إلى إحتلال مدينة رفح الفلسطينية لمطاردة مسلحي حماس .
2- نتيجة لما ورد في بند رقم 1 تقوم إسرائيل باحتلال منطقة فلادلفيا بحجة تأمين حدودها .
3- عملية برية إسرائيلية تسبقها عمليات إغتيال لقيادات سياسية وميدانية من حماس ثم يتم تقديم طلب إسرائيلي إلى مجلس الأمن لمرابطة قوات الناتو في قطاع غزة لمدة معينة . حيث ستتورط هذه القوات في حرب عصابات مع المجموعات المسلحة في قطاع غزة.
4- الضغط على مصر من أجل توسيع قطاع غزة على حساب الأراضي المصرية بحيث تصبح رفح المصرية تابعة لقطاع غزة .أو إجبار مصر على إدارة غزة مؤقتاً.
5- حصول تنازلات من حماس لإسرائيل وإبقاء غزة إمارة حمساوية لأن من مصلحة إسرائيل أن تبقى مناطق السلطة الفلسطينية مقسمة.
6- حصول ثورة شعبية يرافقها انقلاب مسلح على حماس ورجوع القطاع تحت سيطرة السلطة المركزية في رام الله .
7- تراجع حماس عن إنقلابها وإعادة توحيد شطري الوطن الفلسطيني.

السيناريوهات السابقة يلعب بها الطرف الإسرائيلي بشكل رئيس.

اجمالي القراءات 12909