مواجهة الأسئلة العشرة بين «عسكر» و«مشيرة» حول ختان الإناث
كتب هدى رشوان ١٠/٨/٢٠٠٨
أعاد الحوار الذي نشرته «المصري اليوم» يوم الأحد ٢٧ يوليو الماضي مع السفيرة مشيرة خطاب، الأمين العام للمجلس القومي للطفولة والأمومة، فتح باب الجدل حول قضية ختان الإناث.
وبالرغم من حالة التوافق الاجتماعي حول القضية، فإن عنوان الحوار الذي دعت فيه مشيرة خطاب الشيوخ أن يتقوا الله في هذا الشأن، أثار حفيظة بعض مؤيدي الختان،
وفي هذا الإطار تلقينا تعليقاً من الشيخ سيد عسكر الأمين العام المساعد الأسبق لمجمع البحوث الإسلامية وعضو مجلس الشعب عن الإخوان المسلمين، يطرح فيه ١٠ أسئلة علي السفيرة، تحمل طابع الاستنكار أكثر مما تحمل من استفهام.
وتحقيقاً لمبدأ الحق في الرد، ننشر تعقيب الشيخ السيد عسكر، ومعه تعقيب علي تعقيب، أرسلته السفيرة مشيرة خطاب تجيب فيه عن أسئلة عسكر العشرة.
الشيخ سيد عسكر: أيتها السفيرة.. هل أنت فقيهة؟.. وما رأيك في فتاوي «نصر» و«جاد الحق» بشأن مشروعية الختان؟
قرأت الحوار الذي أجرته صحيفة «المصري اليوم» مع السيدة مشيرة خطاب، الأمين العام للمجلس القومي للأمومة والطفولة، ونشر يوم الأحد ٢٧ يوليو الماضي وتوقفت عند العديد من الفقرات الواردة في هذا الحوار، ووجدت أنني كواحد من علماء المسلمين مسؤول أمام الله تبارك وتعالي عن كشف ما في إجابة السيدة مشيرة خطاب من جرأة عجيبة علي دين الله وعلي علماء الإسلام، بل علي كل من يخالف الأجندة الأجنبية ورغم اني أدخل في نقاش معها، فساكتفي بطرح الأسئلة الآتية ولا أنتظر منها إجابة.
١ـ هل أنت فقهية تعرفين أحكام الإسلام وتحيطين بعلوم القرآن وعلوم الحديث وأصول الفقه وعلوم اللغة العربية حتي يكون من حقك أن تصدري الفتاوي في دين الله فتحرمين وتحللين وتحكمين بالصواب أو الخطأ في مسائل من الدين لا ينبغي أن يخوض فيها إلا العلماء المتخصصون، إذا كنا نحترم التخصص؟
٢ـ هل كل علماء الإسلام الذين قالوا بمشروعية ختان الإناث قديماً وحديثاً يخالفون ضميرهم ويستشهدون بأحاديث ملفقة؟ وهل أنت ومن يؤيد مذهبك ـ وحدكم ـ أصحاب الضمائر الحية؟
٣ـ هل تريدين إلغاء الموروث الثقافي الذي لا يعجبك ولهذا تهاجمين الشيوخ والأطباء والمدرسين بالجملة، لأنهم يمثلون عقبة في طريق مساعيك الحميدة لإنقاذ بنات مصر، لأنهن جميعاً متمسكات بموروث ثقافي فاسد؟
٤ـ هل فضيلة الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، شيخ الأزهر السابق، كان يجهل تعاليم الإسلام أم كان يعلمها، ولكنه لم يراع ضميره حين قال: «ومن هنا اتفقت كلمة فقهاء المذاهب علي أن الختان للرجال والنساء من فطرة الإسلام وشعائره، وأنه أمر محمود»، ولم ينقل عن أحد من فقهاء المسلمين فيما طالعنا من كتبهم التي بين أيدينا قول بمنع الختان للرجال أو النساء؟
٥- كيف تقولين إن الدكتور يوسف القرضاوي لا يؤيد ختان الإناث مع أن فضيلته لايزال حياً يرزق وفتواه في هذه المسألة موجودة ومنشورة في كتابه «فتاوي عامة للمرأة» ص ٢٩ وفي الجزء الأول من كتابه «فتاوي معاصرة» ص ٤٤٣.
وفيها ينتهي إلي ما يأتي «ولعل أوسط الأقوال وأعدلها وأقربها إلي الواقع وإلي العدل في هذه الناحية هو الختان الخفيف كما جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلي الله عليه وسلم قال لامرأة تقوم بهذه المهمة «أشمي ولا تنهكي فإنه أنضر للوجه وأحظي عند الزوج»، والإشمام هو التقليل ولا تنهكي أي لا تستأصلي فهذا يجعل المرأة أحظي عند زواجها وأنضر لوجهها.. إلخ».
٦ـ هل فضيلة الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق كان يجهل الإسلام حين سئل عن حكم ختان البنات فقال «هو سنة تنظيمية والشريعة أجازته والسنة أباحته» وهذه الإجابة منشورة في صحيفة الوفد في يوم ٢٧ يناير ١٩٩٧.
٧ ـ هل الدكتور منير محمد فوزي، سكرتير الجمعية المصرية للأخلاقيات الطبية وأستاذ أمراض النساء والتوليد بجامعة عين شمس، يجهل تخصصه أم أنه يخالف ضميره؟ وقد قال «إن عملية ختان الإناث هي عملية تجميلية بسيطة تجري لإزالة الأجزاء الزائدة عن الحجم الطبيعي فقط، وهي لا تسبب أي أضرار أو مضاعفات، وذلك إذا أجريت بالطريقة الصحيحة التي وردت في الأحاديث النبوية الشريفة».
٨ـ هل الدكتور علي عبدالفتاح، وزير الصحة الأسبق كان جاهلا أم كان مخالفا ضميره حين أصدر القرار رقم ١٠٧٥٤ بتاريخ ١٩ أكتوبر ١٩٩٤ بمنع إجراء عملية الختان لغير الأطباء وفي غير الأماكن المجهزة لذلك بالمستشفيات العامة والمركزية.
٩ـ جاء علي لسانك في الحوار المشار إليه أن المجلس القومي للأمومة والطفولة تلقي تمويلا ٥ملايين دولارللإنفاق علي حملة تجريم ختان الإناث، فما الهدف الذي يسعي إليه هؤلاء من وراء منع ختان الإناث في مصر؟
.. ومشيرة خطاب ترد: ختان الإناث عادة أفريقية لا إسلامية وجموع أطباء العالم يرفضونه.. والفتاوي تتغير بتغير الزمان
تلقي المجلس القومي للطفولة والأمومة من جريدة «المصري اليوم» تعليقاً من الشيخ سيد عسكر «الأمين العام المساعد الأسبق بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وعضو مجلس الشعب»، حول الحوار الذي أجرته معي الجريدة «المصري اليوم».
ورغم ما ورد من تجاوزات واتهامات، ورغم أن كاتب التعليق لا يريد الدخول في نقاش معي ولا ينتظر إجابة، فإنني سأقوم بالرد العلمي علي كل هذه التساؤلات، لتتضح الصورة كاملة أمام الرأي العام، ومن أجل حماية الفتاة المصرية من أخطر ممارسة تنتهك حقوقها وهي ختان الإناث.
اعتمد المجلس في كل كلمة نشرها ضد ممارسة ختان الإناث منذ عام ٢٠٠٣ علي اجتهادات علماء مصر ذوي المصداقية العلمية في جميع المجالات الدينية والطبية والقانونية والاجتماعية للرد علي جميع الأفكار والتساؤلات حول ممارسة ختان الإناث. لذلك فكل كلمة ترد علي لساني تستند إلي هذه الأبحاث العلمية الموثقة.
ختان الإناث ممارسة لها أصول أفريقية قديمة وليس لها أصل في الدين الإسلامي. وأغلب الدول العربية والإسلامية الكبري لا تمارس هذه العادة فلا نجدها مثلاً في المملكة العربية السعودية «مهد الرسالة الإسلامية» ولا في دول الخليج العربي ولا في دول المشرق والمغرب العربي.
يقول كاتب التعليق إنني أريد إلغاء الموروث الثقافي للأمة لأنني أدعو ضد ختان الإناث. ختان الإناث ليس موروثاً ثقافياً تعتز به أي أمة، فكيف نعتز بممارسة يتم فيها قطع أعضاء حية ولها وظيفة من جسد طفلة صغيرة لا تملك من أمرها شيئاً تحت ادعاءات وأساطير متوارثة ليس لها أساس من الدين والعلم الصحيح، وكي نعتز بممارسة تنتهك الكرامة الإنسانية لكائن ضعيف وتنتج عنها معاناة جسدية ونفسية تصاحبها طوال حياتها. والموروث الثقافي يتضمن أيضاً «الثأر» هل نريد الحفاظ علي هذه الممارسة احتراماً للموروث الثقافي؟ هذا مجرد مثال.
وحول ما ذكره أن بعض علماء الإسلام قد أجازوا ختان الإناث فإنني أقول إن الإسلام هو دين الاجتهاد والعلم والمعرفة، فلا ينقص من قدر أي عالم من علمائنا الأجلاء ولا يقلل من تقديرنا واحترامنا له أنه اجتهد في حدود ما أتيح له من معلومات ومعارف وتوصل إلي فتوي بجواز ممارسة ختان الإناث.
وإذا كان هناك من يقول بوجود اختلاف بين الفقهاء في حكم ختان الإناث فيرد الشيخ القرضاوي علي هذا بقوله «وقد يكون لنا العذر في مخالفة من سبقنا من العلماء، لأن عصرهم لم يعطهم من المعلومات والإحصاءات ما أعطانا عصرنا. من أجل هذا قالوا: إن الفتوي تتغير بتغير الزمان والمكان والحال. ولو أن مَن قبلنا ظهر لهم ما ظهر لنا، لغيروا رأيهم، فقد كانوا يدورون مع الحقِّ حيث دار».
أما ما نقله كاتب الورقة علي لسان فضيلة الدكتور نصر فريد واصل مفتي الجمهورية الأسبق في مؤتمر دار الإفتاء «انتهاك جسد المرأة» نوفمبر ٢٠٠٦ أن حديث «اخفضي ولا تنهكي» حديث صحيح نقلاً عن جريدة «الوفد»، فهو نقل يخالف الدقة العلمية، لأنه نقل رأي د.فريد واصل من حوار له في جريدة يومية ولم ينقله من كتاب للدكتور فريد واصل.
كما أن د.واصل: لم يعلن هذا خلال هذا المؤتمر الذي شارك فيه كبار علمائنا (د.محمد سيد طنطاوي - د.علي جمعة - د.محمود زقزوق - د.يوسف القرضاوي... وغيرهم). وناشدوا فيه المسلمين «بأن يكفوا عن هذه العادة تمشياً مع تعاليم الإسلام التي تحرم إلحاق الأذي بالإنسان بكل صوره وألوانه».
ذكر كاتب الورقة أسماء بعض الأطباء الذين يؤيدون ختان الإناث ليثبت وجهة نظره بأن ختان الإناث ممارسة جيدة والرد علي هذا بسيط لأن الاحتكام هنا لابد أن يكون «للطب وليس للطبيب».
بمعني أوضح الاحتكام للقواعد المقررة والأسس المعرفية لعلم الطب وما استقر عليه رأي الكتب الطبية المرجعية والمعترف بها دولياً ومحلياً، ورأي المؤسسات الطبية التي لديها تاريخ ومصداقية علمية، وليس رأي أو تصرف عدد من الأطباء يريدون من وراء ذلك بعض المكاسب المادية أو الأدبية.
فرأي «الطب» في أمر ختان الإناث محسوم بكلمة واحدة هي الرفض، ولا يوجد في أي مرجع طبي معترف به وطنياً أو دولياً جراحة تدعي «ختان الإناث»، ولا يوجد ضمن مناهج كليات الطب المقررة من المجلس الأعلي للجامعات في مصر، وجموع الأطباء المصريين وأساتذة كليات الطب في مصر يرفضون ممارسة ختان الإناث رفضاً مطلقاً، وفي مقدمتهم هذه النخبة من العلماء المصريين أمثال: أ.د.محمد فياض، وأ.د.محمد أبوالغار، وأ.د.فاضل شلتوت، وأ.د.جمال أبوالسرور، وأ.د.ماهر مهران وغيرهم الكثير، أما من يؤيدون ختان الإناث فهم قلة من الأطباء، يدفعهم إلي ذلك إما عدم المعرفة بحقيقة ختان الإناث أو بعض المصالح المادية الخاصة.
بالنسبة للجزئية الخاصة بالتمويل الأجنبي الخاص ببرنامج مناهضة ختان الإناث، فأود أن أوضح لكاتب التعليق أن مصر من حقها حصة من الدعم مخصصة بشكل عام للمشروعات التنموية، وتأتي من خلال وزارة التعاون الدولي التي تقوم بإجراءات طويلة ودقيقة جداً، ثم تحدد وزارة التعاون الدولي الجهة الوطنية التي سوف تنفذ هذه البرامج.
وفي النهاية وبناء علي كل ما ذكرت من حقائق تاريخية وعلمية، فإنني مازلت مصرة علي مناشدة كل أصحاب الضمائر الحية في هذا المجتمع حماية فتيات مصر من ممارسة تنتهك حقوقهم في الكرامة والصحة والحياة.