هل يوجد للإنسان عقل أم عقلين ؟
ما دعاني الى كتابة هذه المقالة ،والبحث في كل المصادر ،هو سؤال الاستاذ الأخ احمد شعبان لاستاذنا الأخ محمد صادق . هل يوجد عقل ؟ واجابه الأخ محمد :أنا في حيرة لا أدري هل يوجد عقل أم لا؟
في الواقع ما وقر في آذهان الناس جميعاً أن المخ أو الدماغ ،هذه الكتلة المادية هي العقل والذي هو مركز تحليل المعلومات ،واصدار الاحكام ،وهو الموجه لكل أعضاء الجسم .، ويتمثل عمل العقل بطريقة الافعال المتبادلة أي أنه وبعد حصوله على الاشارات من خلال الجملة العصبية يقوم بتحليل&aها ،واعطاء الاوامر الانعكاسية لتلك الاعضاء .ومن تجربتي حيث كنت اعاني سنوات من التهاب مزمن في البنكرياس .حيث منعني الاطباء انذاك من أكل بعض الاطعمة المعينة ،وحرت في أمري ،ذلك أنه في كثير من الاحيان كنت اشتهي أكل بعض من تلك الممنوعات ،مثلاً الثوم ،فمجرد كانت تراودني الفكرة ،كنت اشعر ببداية الألم ،ذكرت ذلك للطبيب ،حيث أكد لي أن السبب هو المخ ، الذي يستبق الحدث ويعطي الاشارة عندها كان يبدا الألم قبل عملية الأكل. ونحن ايضا نردد مقولة ،النقل بدون العقل .ونقول أن النقلين لايستخدموا عقولهم ، والمعتزلة رفعوا من مكانة العقل ليكون من اسس الايمان.والماركسين المادين أعتبروا ان المخ أو الدماغ هومن أرقى صور تطور المادة الى أن وصلت الى هذاالحد المعجز. ويقال علميا أن الانسان حتى الآن لم يستخدم إلا عُشر استطاعة هذا المخ أو العقل .....ولو عدنا الى مرجعيتنا التي أحاطت بكل شيء علماً ألا وهي القرآن الكريم ماذا يقول الخالق عز وجل في هذا المقام.
"أفلم يسيروا في الارض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أم أذان يسمعون بها فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور . "
"لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم"
هذه الايات تشترك مع آيات كثيرة جدا ،وهي ما يقارب مائة وثنتان وعشرون أية ورد فيها لفظ القلب الذي يعقل، فهل فعلاً يقوم القلب مقام العقل المتعارف عليه؟ .
في البداية ما هو هذا القلب تشريحياً؟أنه قبضة من لحم ودم ،ينبض بالحياة طالما عاش الانسان .وعرفه بعضهم بأنه مضخة الحياة التي يتدفق من خلالها الدم ،شراين ،وأعصاب ،ودم وارد ودم صادر.عضو عضلي شديد التعقيد ،لايزيد وزنه عن مائتين وخمسين غراما،ربع كيلو فقط، ومع ذلك لاتوجد فيه عيون أي لايبصر ،ولكنه يتمتع بالبصيرة ،قد يعمى الانسان في بصره عن امور مادية محسوسة ، لكن المصيبة في أن يعمى الانسان في بصيرته ،القرآن يؤكد لنا أن القلوب تبصر وبالتالي يمكن اسناد العمى إليها .... ما هي البصيرة إذن وما هو هذا القلب وهل هو العقل الذي يعقل به الانسان؟
المتعارف عليه ،عندما نذكر كلمة العقل يذهب وهمنا وخاطرنا الى الدماغ أو المخ مباشرة ،وليس الى القلب كما يؤكد الشعراء،وكما تؤكد الكتب السماوية بمجموعها،وحتى التراث البشري القديم أن هذا القلب هو موضع التصديق والتكذيب،هو موضع الاحاسيس،والشعور بالجمال،موضع المواقف ،واصدار الاحكام التقويمية، وهو موضع النية ، ويقال الاثم ما حاك في صدرك ،والمراد هنا القلب،وهو موضع العطف ،والحب والرحمة واللين والشفافية والذواقية ،والانسان حين يحزن او يفرح يتأثر هذا القلب ،ولكن بعض العلماء يؤكد حقيقة أن المخ هو الذي يتأثر وهو الذي يصدر الاشارة الى القلب ويحدث فيه التأثير.
إذن نعود الى سؤالنا الاساس ،هل يوجد عقل؟ واين هو العقل؟أو بالأحرى هل يملك الانسان عقل أم عقلين؟
للآجابة على هذه الاسئلة ،لابد لنا من تصديق القرآن وهو الحق طبعاً من خلال اسقاط آياته الكريمة على الافاق والانفس .و من خلال دراسة ما توصلت إليه الابحاث العلمية في هذا المجال ،يمكننا الوقوف على الحقيقة التي نبحث عنها......
البرفسور بول بير سال هو أحد أكبر الاخصائين في جراحة الاعصاب ،وصاحب كتابه" قانون القلب"،لخص فيه تجربة عشرين عاما في مجال زرع القلب ،ورصد بدقة هو ومجموعة من العلماء مثل جاري شوارت،واندرو أرمور ،ومكارثي من معهد هارتمان في كاليفورنيا ....كل التطورات ،والمتغيرات التي حدثت للبعض بعد اجراء عملية نقل القلب.
أكد هذا العالم الكبير جزاه الله خيرا ،لأنه بالفعل قدم للإنسانية ،الشيء الكثير ،وقدم لنا نحن المسلمين براهين ،دلت على أن هذا الكتاب العظيم هو من عند الله وأنه هو الحق ،لمن كان أيمانه يعتريه شيئا من الشكوك وزاد في ايمان المؤمنين ايمانا.ذكر العالم بول بير سال :أن السيدة كلير سيلفيا،التي كانت تعاني من خلل عضوي في قلبها المريض وكانت حياتها مهددة بالموت الحتمي ، لكن العناية الآلهية ساعدتها حيث تم زرع قلب ورئتين لها في آن واحد.الغريب في الامر والملاحظ كما جاء في ملاحظات الدكتور بول،أن القلب يمكنه الاحتفاظ بالنبض وهو منفصل عن الجسم لمدة أربع ساعات،وانه حين يؤخذ ويزرع في صدر إنسان أخر ،يستعيد هذا القلب أخر نبضاته وهو مفصول عن الجهاز العصبي برمته. هذا السؤال حير العلماء ،كيف هذا؟ كيف يمكن للقلب أن يعمل فورا قبل وصله بالجهاز العصبي؟ووضع العلماء سؤالاً محيراً... هل للقلب دماغ خاص به ؟ ... هذا السؤال احتاج الى عمل مضني ،ومراقبة دائمة لعمل القلب عند زرعه ،قام بذلك الدكتور أرمو بكندا عندما رصد عدد الخلايا النبيلة في اعلى الأذين الأيمن حيث تتواجد هناك عقدة معروفة بالعقدة العصبية هي التي تنظم موضوع النبضات عصبيا وهي مستقلة عن الدماغ و التي تحفظ القلب بعد فصله عن الجسم بحالة لايتوقف معها النبض لمدة أربع ساعات ،مع العلم أن القلب يتصل مع الدماغ بوسائل كثيرة أهمها الوسيلة العصبية ،والوسيلة الهرمونية . ووجد أنها مؤلفة من اربعين ألف خلية ،تشكل في مجموعها دماغ القلب . وحتى يضع الامور في نصابها ،وحتى لاتختلط التعاريف علينا. ذكر الدكتور أرمو أن المخ او الدماغ في الرأس هو دماغ تشريحي ووظيفي في نفس الوقت... بينما الدماغ في القلب هو وظيفي فقط.
الدكتور شوارنز ، يقول في ابحاثه يبدوا أن القلب ،يطور أو يخزن الذكريات عبر نظام التغذية الراجعة الحيوية،وهو يرى أن كل نظام ،كل شبكة،كل مجموعة خلايا في شكل نظام يمكن لها أن تستفيد من التغذية الراجعة تماما كالجملة العصبية،ولذلك يرى أن القلب يعمل كمخزن للذكريات حسب هذه الآلية ،فإذا ماتم أنتزاعه وزرعه في جوانح إنسان مستقبل،فسوف يستعيد نفس الذكريات ولكن بشكل مبهم.وهذا ما لاحظه العلماء من عوارض ‘بحيث أن المستقبل للقلب الجديد قد تغيرت بعض سلوكياته وطابقت في أغلبها سلوكيات الشخص الذي أُخذ منه القلب. لهذا فأن البرفوسور أرمو سمى هذه الخلايا التي تم اكتشافها في القلب بعقل القلب...ووجد أن القلب يرسل الى الدماغ رسائل ويستقبلها الدماغ ويتأثر بها أكثر مما يفعل الدماغ إزاء القلب ....واتضح أن القلب يرسل أكثر مما يستقبل.
من كل ما تقدم نستطيع الجزم أن للأنسان عقلين ، الدماغ ، وعقل القلب ،الذي هو في الحقيقة العقل الواعي ،العقل الذي ترتبط به كل قضايا الايمان ،والكفر ،والشرك ،والشعور والاحساس ،والحب والكره ،وغيرها من الاحاسيس.....لهذا يقول العالم أليكس كارليل... في كتابه "الانسان ذات المجهول" "كل العباقرة والاستثنائين في نظري أشخاص ذوي بصيرة، هذه البصيرة هي التي تلهب خيالهم المبدع، وهي التي تدلهم على الكنز الغير معروف"
لكن السؤال الأخر والمهم الذي لابد من الاجابةعليه ،ماهو دورالعقل الذي في الدماغ؟العلامة الكبير اليكس كارليل يقول:" أن عقل الدماغ هو العقل الذي يعمل بأشياء أخرى ألا وهي عمل المنطق والحساب والرياضيات ،والارقام كالتجارة ،والمحاسبة وغيرها " .. و هذا دليل اخر على أن الملحدين والكافرين الذي يحاجون في كفرهم ، ، هم الذين يستخدموا العقل الدماغي الموجود في الراس،الذي له معرفة وأساس ،لكنها معرفة في الحساب ،معرفة المنطق،ومرفة التبرير،والواقع المادي ، أما عقله الذي قي قلبه فقد خُتم عليه ،وخُتم بالتالي على بصيرته . وهذا ما يفسر برأي أن عالماً في الرياضيات أو الفيزياء أو الكيماء او غيرها من العلوم الطبيعية التي تتعامل مع الارقام والمنطق ،يعيش ويموت وهو ملحد . علىسبيل المثال العالم برتراند رسل ،عاش زهاء مئة عام عاش ومات وهو ملحد ،رغم انه ابدع في مجال العلوم وله ما يقارب 350 مؤلفاً في هذا المجال.
لهذا والله أعلم أن العقل الذي يبحث عنه أخي أحمد شعبان وأخي محمد صادق هو العقل الذي هو في القلب.
ملاحظة أخيرة . المؤمن عندما يقرأ كتاب الله ،يطمئن لذلك قلبه ،أي عقله الذي هو في القلب، وليس عقله الذي في دماغه ،في معهد هارتمان تم رصد الاشارات كيف يسجلها الدماغ أو القلب ..ووجدوا ان القلب يسجل أشارة والمخ يسجل اشارة ، والقلب له موجات نبضية سبعين او ثمانين مرة ،لكن له ايضاً موجات مغنطيسية قوية جدا وصارمة ، فالقلب يسجل والمخ يسجل ،فوجدوا ان توقعات القلب دائما تأتي قبل توقعات المخ... وهذه هي قوة الحدس وقوة البصيرة. القلب يعطي الاشارة ويتوقع قبل المخ.... وتذهب الاشارة الى المخ ،لكي يأخذ الاستعداد. لهذا يقول البرفسور بول بيرسال بعد ذلك : إذااستطعنا توثيق ذلك حقا بعد الكثير من التجارب عندها لايمكننا أن نتحدث عن أن الدماغ هو كل شيء،هو شيء كبير جداً ،لكنه ليس كل شيء وأن للقلب عقلاً ،قد يكون هوالذي نبحث عنه. والله أعلم.