الـمـبررات العقليـة لغطـاء الـرأس

محمد هيثم اسلامبولي في الإثنين ٠٤ - فبراير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

لقد كان الخطاب القرآني موجه لعقل الإنسان ، لان حديثه قابل للعقلنة كأحكامه، فلا وجود لمحرمات غير معقولة المعنى ، وإلا أصبحت طقوس بلا معنى ولكن كيف والعقل مناط التكليف، فلا تكليف بلا عقل، لذا نصر على عقلنة المفهوم القرآني )نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ( الأنعام (143) .إن سورة النور جاءت بالفرائض )سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا( النور (1) بمعنى عطاء من الله ورحمة، لرفع الحرج والعنت والضيق ، من ذلك غطاء رأس المرأة ، وانه فرج ورحمة على مستوى الإنساني و&CcCcedil;لاجتماعي والحضاري ؛ إن المرأة حساسة بالنسبة للعيوب الجسدية ومن ذلك عيوب الرأس ، ولا يخل مجتمع منهن بنسب قليلة ، إلا أن الشرع الإسلامي غمرهم برحمته ، من خلال أحكام الستر ؛ فشعر رأس المرأة معرض للعيوب من شيب وصلع وغير ذلك، وهو من هذا الباب عورة على الآخرين ، والنساء لا يرغبن باطلاع بني جنسهن عليه ، لذا كان من باب أولى حجبه عن الرجال كونه عورة اجتماعية ، وقد يقول قائل يكفي المرأة المعيبة أو المشيبة أو الصلعاء أن تتستر أو تحجب شعرها عن الناظرين ؟ و الجواب إن أحكام الشرع مقصدها الرحمة والإنسانية فلو جعل الستر على أصحاب العيوب منهن لكان الحكم تمييزا وتفريقا عنصريا لا إنساني لذا جاء الحكم عام يشمل كل النسوة بغطاء الرأس بغض النظر عن وضعهن الذاتي وحالتهن الاجتماعية والاقتصادية ، فكل من تسفر تحتاج إلى توبة ومغفرة رب العالمين حتى وإن كان الذنب صغيراً ومن اللمم كونها تؤذي الأخريات أيضاً فهي تحمل إثم ذلك ، وكما قيل إن معظم النار من مستصغر الشرر ؛ لذا كان حكم ستر رأس المرأة رحمة بهن جميعاً وقد عرض القرآن الكريم بعض صور أهل الجنة بأن )عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ( الإنسان (21) من أجل تغذية تصوراتنا عن قمة الحياة المثلى في الخلود والنعيم ، صورة بعيدة عن البهيمية والتعرية ، فقد جللت أجسامهم ثياب من الحرير الناعم ، تخفي تحتها منتهى الجمال والشفافية الرقيقة ، وكما خاطبنا الله عز وجل بالزينة الجمالية ، أراد أن يعلمنا كيف يكون التواصل والخطاب بيننا كي نحيا حياة إنسانية رغيدة .ومن تأمل أحكام الشرع أدرك حكماً كثيرة من ذلك أن ظاهرة غطاء رأس المرأة التزامه في المجتمع يرفع الحرج عن النساء اللاتي في رؤوسهن أذى لأسباب مرضية أو خلقية أو لأي سبب مما يمنعهن عن المخالطة والعزلة التي تؤدي لأمراض نفسية وخسارة طاقة تنموية على مستوى المجتمع فكان الغطاء ، عطاء ورحمة من الله U لأن معظم النساء في مرحلة من عمرهن بحاجة إلى صباغة شعر الشّيب على الدوام قال تعالى : )وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا( مريم (4)إشارةً إلى أن الشّيب أداة تنبيه كالنار في الرأس ينبه إلى انقضاء مرحلة الشباب فهو بمثابة إشارة الخطر لإعادة النظر في طريقة الحياة (بيولوجياً وإيديولوجياً) إذا صبغة الشعر قد تسبب مشكلة اجتماعية واقتصادية لأصحاب الدخل المحدود والفقراء لأن (كلفة الصبغة) تنعكس على حياتهن أحياناً فمن هنا ندرك رحمة الله U في التشريع للإنسان والمرضى والفقراء وحتى تستطيع المرأة مزاولة حياتها الطبيعية ويكتشف المجتمع جوانب أخرى فيها من معرفة وإنسانية ، فالإنسان ليس صورة بلا معنى فاللاتي لا تملك صورة قد تملك معاني عظيمة وقدرات كبيرة للعطاء الإنساني والوطني ، وقد مر معنا في التاريخ أن الإسلام لم يعزل المعوقين عن المجتمع بل استفاد من قدراتهم وكان لهم فضل في بناء المجتمع الإسلامي كأمثال الصحابي عبد الله بن مسعود ؛ وقد تجاوزت بعض المجتمعات الصناعية المعاصرة جزء من المشكلة بالطب وخففت مشكلة الشيب والصلع بالأدوية إلى أجل ، أو إجراء عملية تجميل وذلك بزراعة شعر الرأس، ولكن ليس كل النسوة يمتلكن المقدرة الاقتصادية فعمدوا إلى وسائل الغش وذلك بالشعر المستعار فيظهرن أجمل من طبيعتهن ؛ أما الإسلام فقد عالج الواقع بدون أسلوب التزوير والغش وتغيير خلق الله U ولحكم كثيرة أراد الله U وجود بعض الصور ليست في أحسن تقويم لتكون آية وذكرى على نعم الله Uولتتوازن النفس الإنسانية وتتبادل المشاعر وتقوى الأواصر الإنسانية ببواعث الرحمة والعطف فيما بينهم ، بعكس المجتمعات الغربية التي تدفع النساء إلى التفاخر والتكاثر بالجمال والمتعة ، مما يؤدي إلى اختلال التوازن النفسي في المجتمع عند كثيرين نتيجة تقديم معادلة الجمال على القيم ، والمتعة على المصلحة العامة للمجتمع ، فالمرأة لا تراعي بني جنسها بسبب مبدأ الأنانية والحرية الشخصية ولو على حساب القيم الأخلاقية؛ أما الإسلام يختلف ببواعثه ومعالجاته عن بواعث ومعالجات الحضارة الغربية وعلى الإنسان أن يحصل المعرفة التي تؤهله لاختيار المبدأ والقيم والمعالجات في مسيرة حياته ، لأن ذلك يعتبر علامات فارقة في الهوية الحضارية . إذاً خمار الرأس له مبررات موضوعية عقلانية أخذها الشرع بعين الاعتبار لأن تغطية الرأس والستر عموماً حصل في ماضي التاريخ في مجتمع العراة نتيجة اتفاق عفوي بين كل من الطرفين الذكر والأنثى بعد انهيار المجتمع بسبب اشتراكهما بطريقة خاطئة في إشباع غرائزهما في حب البقاء والتملك والنوع (الجنس) بشكل كيفي مما أدى إلى فقدان الأمن والعدالة الاجتماعية وانتشار الفوضى وضياع الحقوق وفساد النفوس ، فالذكر والأنثى سواء في المسؤولية أمام انهيار المجتمع البدائي وكل يعمل على شاكلته . فالطرف الأول : (الرجل) بحكم طبيعته المنطقية وقوته وشجاعته إضافة إلى ما اكتسبه من البيئة ، وحيث تم تشكيله من خلال تفاعله مع الواقع والدور الذي مارسه فهو المدافع عن القطيع والأنثى، وهو الصائد والجالب للغذاء بسبب دوره الفاعل في حماية مغايره ومساكن وجود الأنثى من الوحوش و الآخرين ، ومن ثم خروجه خلف الطرائد للصيد والقنص منحته قوة الإدراك وبعد النظر الذي جعله السيد المطاع في مجتمع العراة الذي لا يعرف لغة إلا لغة الجسد ، فالطمع وحب الذات طغى على طريقة إشباع غرائزه وذلك بالتفاخر والتكاثر باقتنائه الأنثى ومتابعته الحسناوات الأخرى ، فبحكم عامل اللذة بالغ الإنسان الأول بإرضاء رغباته بصورة عشوائية مع الجنس الآخر مما جعل الإثارة لدية تثار لمجرد رؤية أعضاء الجنس الآخر التناسلية ومع الزمن انطبقت هذه الصورة بذات المرأة الباعثة للشبق والإحساس بالمتعة والراحة مما أوجد نوعاً من الارتباط الشعوري نجم عنه نوع من الإثارة وحب التفرد ، واصطدم فيما بعد بمشاعر الآخرين وشبقهم مما أدى إلى التقاتل من أجل إشباع الشبق الذي أثار مسألة الهيمنة والتسلط والاستعباد الاجتماعي المؤدي إلى الدمار والهلاك , مما جعل ضرورة منع الاقتتال تستدعي التخفيف من استثارة الشبق عند الإنسان إلى ابتداع علاج يحقق الغاية فستر عورته بناء على نصيحة من كبار الأمهات الجدات (عشتار ) فالصراع لم ينشأ من العلاقة الثنائية بين الرجل و المرأة وإنما من انعكاسها الاجتماعي بعد تجربة زمنية مريرة فالرجل انحرف وظلم وعانى من جراء ذلك صرا عات اجتماعية دامية ومشاكل موضوعية واقتصادية أدت إلى انهيار المجتمع فلجأ للمحافظة على سلطة الأم لحاجته لحكمتها وقيمها الإنسانية وإصلاح الوضع المنهار وإدارة الموارد البشرية للفلاحة والزراعة في ذاك الزمان وهذا يفسر تقديس الأم (الجدات) عبر التاريخ واتخاذها آلهة فكانت أولى المحرمات في الإسلام فيما بعد للدلالة على ذلك، وهكذا حسم الصراع الدموي فيما بينهم بدافع الغيرة والأنانية وتم ستر الأعضاء التناسلية أولاً وخص بعض النساء لذاته ووضع حلولا عبر الزمن وهذا من قبل ثلاث آلاف عام من ميلاد المسيح عليه السلام وحينما جاء الإسلام أكد على حفظ الفروج أولاً بالدلالة التاريخية على ذلك ؛ وهكذا ألزمت المرأة في التاريخ اعتزال النشاط الاجتماعي ، فهي مصدر المتعة والشر فحجبت في البيت وجلببت بثوب جلَّل جسدها تدريجياً طرداً مع زيادة معرفته ونماء شهواته حتى لا يرى منها شيء ففي الألف الثانية قبل الميلاد كان يحظر على الزوجة الحرة الخروج من بيتها وهي مكشوفة الرأس وكانت بناتها يغطين رؤوسهن وفقاً لعادات ذاك الزمان تميزاً لهن عن عذارى الهيكل والبغايا والإماء فكانت المعالجات حسب معطيات الواقع وما يقتضيه السلوك الذكوري فرضته طبيعة الرجل تسلطاً بدافع غريزي واستغلالاً للأيدي العاملة باعتباره الأقوى جسدياً والأعنف فأصبحت له السلطة والحماية مما رسخ دور المرأة الطبيعي خلف الرجل في معركة الحياة عبر التاريخ ليقضي الله أمراً كان مفعولاً. أما الطرف الثاني : (المرأة) بحكم طبيعتها المشبعة بالإحساسات العاطفية النابعة من مجموعة المشاعر المتراكمة عبر التاريخ بفعل غريزة الأمومة اكتسبت الهدوء والصبر والرحمة والحكمة والقيم الإنسانية حتى تشكلت بها خصائص والتي جعلتها قوة كامنة على تحمل الصعاب لمواجهة معطيات الواقع ومن طرف آخر ضعف البنية الجسدية بسبب عملية الحمل والولادة المتكررة إضافة إلى العمل الزراعي ورعاية الصغار وحيث أن شرط إشباع شبق المرأة هو إثارة الرجل وهي لا تستطيع إشباعها بالقوة خلافاً للرجل لذا غدا دورها في العلاقة بينهما هو الغواية ، مما جعل طبيعة المرأة الكبت لميولها يجد متنفسه و تعبيره بالعاطفة الفياضة ، أي غلبة المشاعر على العقل في علاقتها الاجتماعية ، لذا نما عندها حب الأثرة التي نتج عنها شدة الغيرة وجعلها بالتالي أكثر حياءً من الرجل وأكثر منه قحة حسب مقتضيات الحال وترسخ هذا التصرف في الجينات الوراثية للمرأة ، وأصبحت هي المطلوبة و الرجل هو الطالب على مر الزمان ، وجاء الإسلام بأحكام تنسجم مع هذه الطبيعة و الله خبير بعباده من ذلك جاءت آيات التداين بشهادة رجل و امرأتان ليس من باب الذكورة كما يحلو القول للبعض و إنما أمر موضوعي وطبيعي جداً ؛ فالمرأة أشد بأساً فيما يخص بما سيكتب على القاصر بسبب سفهه أو ضعفه وخاصة إذا كان من أحشائها ويتربص به الدوائر ليغمضوا الحق هنا شهادة المرأة بضغط الحالة الانفعالية الشعورية بحاجة إلى امرأة أخرى من نوعها تطمئنها على حفظ الحق و ليس شهادة المرأتان بسبب نقصان العقل والدين وإنما لعلة غلبة المشاعر على العقل في علاقتها الاجتماعية وما زال القضاء يصنف دعاوي بعض النسوة تحت عنوان (دعوة كيدية) بدافع انفعالي شعوري قال تعالى: )وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى( البقرة (281) و كما جاء في كتاب سيكولوجية المرأة باختصار (المرأة لا تفكر حسب منطق الرجل نظراً للاختلاف في الطبيعة فكيف يفهم الرجل أن المرأة المشبعة بالإحساسات الوجودية تتردد بين الحقائق بسبب غلبة المشاعر على العقل فالأمر لا علاقة له بالمنطق أو الكذب و إنما نوع من السلوك الطبيعي ومجرد استجابة لإحساسها الشعوري بدافع الإخلاص). في هذه البيئة كان لابد من ممارسة الدور (اللوجستي) في تصرفاتها والقوة الخلفية للإمداد المعنوي وشحن النفس بالطاقة اللازمة للصراع لتثبت وجودها وتفرض ذاتها في مجتمع الذكورة والعراة وبذلك أ لهبت الصراع الاجتماعي وأمدته بالطاقة السالبة؛ إذ اكتشفت المرأة مقامها وموقعها وطاقتها الجاذبة بالنسبة للرجل وأدركت نقطة ضعفه بالنسبة إليها وأنها لا يمكن أن تتساوى مع الرجل جسمياً لأنها سوف تفشل حتما ومن ناحية أخرى أدركت ضعف الرجل في حاجته التي أنتجها تكوينه وخلقته وولعه بجمالها وتأثير سحر حسنها وروعتها عليه حيث أضحى طالبا وأصبحت مطلوبة لذا توسلت لإغوائه بالزينة والتجمل والظهور الحسن لأجل أن تملك قلب الرجل وتجعله أسيرا للارتباط بها فأخذن بالمحافظة على تعلق الرجال بهن بسلوك الإغراء من الغنج والدلال والعزة ومن خلال تراكم التجربة التاريخية أخضعت الرجل لحاجتها إلى حد كبير وسخرته في تنفيذ رغباتها وهو خاضع أمام ضعفها الأنثوي الذي تخفي فيه العاطفة ومكمن قوتها لذلك تقبلت بعض النسوة الخضوع للتسلط الذكوري مقايضةً به الشعور بالأمن و الاستمتاع بأنها خاضعة تابعة وهو يعمل لمصلحتها ، وبعضهن اتخذن موقف الند من الرجل وبدافع الحسد والغيرة بينهن لجأن للكيد كبديل عن سلاح العنف وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك )إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ( يوسف (28) واختلفت الشعوب بفهم المرأة فقال: بعضهم شيطان دنس وهي سبب الشر والآثام لذا يجب حجبها وعزلها وعدم المخالطة بها ، ونظر بعضهم إليها صانعة الحياة فهي إله مقدس مما جعل الرجل محتاراً عبر التاريخ ، ونتيجة لسطوة بعضهن فسدت أنفسهن وأصبحت أعراض الغرور ظاهرة اجتماعية؛ إذا لا يقل دور المرأة عن الرجل في المشاركة بانحطاط المجتمع كما كانت تفعل زوجة أبو لهب)امْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ( المسد (4) ومن ثم انهيار الأمن والعدالة الاجتماعية وطفو ظاهرة الفساد والعنف على سطحه . جاء الإسلام وحرر الناس من بعضهم بعض ومن الخرافة و العبودية لغير الله .قال تعالى :) تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ...( آل عمران (64) فأخذ بعين الاعتبار طبيعة كل من الذكر والأنثى مستقلاً ثنائياً وعمل علي تزكيتهما) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا%قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا%وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ( الشمس (7-10 )وانعكاسها على شبكة العلاقات الاجتماعية لذا كانت الأحكام الشرعـية في مسألة المرأة حماية لها من نفسها أولاً كي لا يمتلكها الشعور بالغرور و الاستبداد بقدرتها على خضوع الرجل لها رغم ضعف بنيتها أمامه إلا أنها تملك سلاحاً فتاكاً من الطاقة الجاذبة في حال استعمالها على وجه الإفساد الاجتماعي للأخلاق و القيم لذا قيل (الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق) فالمرأة تستمد قوتها من ضعفها فتستجلب عطف الرجل واحترامه وقد جردها الله U من قوة الناب و المخلب واستبدله بالسلاح السري الأنثوي من رحمة وعطف ومشاعر إنسانية لحكمة تقتضيها الحياة وعمران الكون من خلال التعـاون والتكامل ضمن إطار المبدأ لذلك كان لا بد من حماية المجتمع من الاستعباد والاستبداد والانهيار الأخلاقي لأن طغيان الذكور والإناث في إشباع غرائزهما ، يؤدي إلى هبوط أخلاقي وطفو الجريمة على سطح المجتمع وذلك بسبب بناء شبكة العلاقات الاجتماعية على أساس الغريزة بدل العلاقة الإنسانية القائمة على الثقافة من قيم الخير والجمال والعدل فلا يجوز رمي المسؤولية على الرجل والدعوة إلى تحرير المرأة فقط من دون الرجال بل كلاهما بحاجه إلى التحرير والعدل فالمسالة ثقافية اجتماعية تربوية . إذاً غطاء الرأس والحشمة في لباس المرأة في المجتمع ، هو رمز التحرر من البهيمية والعبودية (الجاهلية الأولى) في المصطلح القرآني ، وأمر له مبرراته الموضوعية والعقلية، وقد ذكرنا بعضها في سياق البحث وجاءت أحكام الشريعة الإسلامية منسجمة مع طبيعة النفس والمجتمع بخط متوازي تدل على أن واضعها خبير بما يصنع)صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ( النمل (88) ولقد خلق الله U الإنسان
-ذكر وأنثى- في أحسن تقويم وفطره على حب التجمل والتزين وباعتبار المرأة أكثر حساسية من الرجل فمن الطبيعي أن يكون ميولها إلى التزين أكثر وخاصة أنها هي المطلوبة من الرجل لذا تهتم بجمالها ، من ذلك الاهتمام بشعرها فلا نرى إلى اليوم المعاصر امرأة توافق على سنّ قانون حلق شعرها في جيوش العالم كما يحلق الرجل ، من ذلك ندرك حلق وتقصير الشعر في شعائر الحج تقربا لله لأهمية الشعر عند الناس، ولو طلب الله U من النساء الحلق لعصين أمره ، فجاءت الأحكام منسجمة مع الفطرة وكان الله U بكم رحيما فشعر الرأس زينة وحلقه يرمز للخضوع والطاعة والزهد في الدنيا وزخرفها لذا نرى معظم العباد والزهاد على مر التاريخ يحلقون شعر رؤوسهم ؛ أما المرأة في أوروبا المتحررة والداعية للمساواة مع الرجل ؛ فقد حلق بعضهن شعورهن لا تديّناً بل للمبالغة بالابتعاد عن الزينة الأنثوية وإثباتاً للذات أمام الرجل ومشاركته نفس الرؤية في عدم تعلقه بالزينة و شعر الرأس، و بأنها ليست أقل منه بالسيطرة على نوازع النفس و ليست أداة ترويح عن نفس الرجل وذلك مزاحمة الرجل بحلق شعر الرأس فهي تنطلق في الحياة بمفهوم ديموقراطي وحرية الشخصية ، بإقامة علاقة تنافس وندّيـّة عدوانية مع الرجل لا علاقة تعاون وتكامل إنساني ضمن إطار القيم ؛ واليوم دعوة المساواة بين المرأة والرجل بدأت تتجه نحو التكامل بدل المساواة المطلقة بعد مضي حقبة من الزمن أنضجت المرأة وخاضت تجارب خرجت منها تدعو شقيقاتها العودة إلى الطبيعة والدور الملائم والاعتدال بدل التطرف, والوقوف بجانب الرجل يداً بيد بدل ندٍّ لندّ متعاونين متكاملين ؛ فلا يمكن أن تصبح المرأة رجلاً ولا العكس إلا في المظهر ومهما كان مستوى التحرر والمساواة حتى إلى حد الاندماج الكلي في الحياة على كل الأصعدة لا بد وأن تظهر مؤسسات خاصة بالنساء وأداة إنتاج خاصة بالنساء وخدمات خاصة بالنساء حتى كثير من الأدوية خاصة بطبيعة المرأة بسبب اختلاف إفراز الغدد الأنثوية وأثرها السكيولوجي والفيزيولوجي على كيان المرأة فمثلاً الرياضة وهي أسهل أمر تنافس المرأة فيه الرجل لابتعادها عن مجال الطمع المادي والسيطرة على الرجل ، فقد جعلها المجتمع الدولي المتحرر قسمين رياضة رجالية ورياضة نسائية وفي حال ممارسة المرأة نفس الرياضة الرجالية لا تقام مسابقات بين الجنسين فالواقع خلاف تلك الدعوات الهدامة من ذلك رياضة الجري والملاكمة وبناء الأجسام والسباحة والجمباز وهذه الأخيرة أكثر تـميزاً من غيرها بين الجنسين في الحركات ، والأجهزة التي تتناسب مع طبيعة كل منهما .نعود إلى شعر المرأة فهو ليس عورة مما يستحى به إلا بالعرف وقد تستحي امرأة من أخرى بسبب عدم هندام شعرها فهو هنا عورة وهي نسبية كما لاحظنا وكل ما يحجب عن الرؤيا يدخل تحت بند العورة مجازاً ؛ والشعر جزء من كيان المرأة وباعتبار أنها زينة فشعرها زينة جمالية أما في حال فصله عن رأسها لأي سبب فلم يعد جزءاً منها ويحق للأجانب النظر إليه واتخاذه متاع في الصناعة والتجارة وغير ذلك فلا هو عورة وليس زينة موصولة بها فهو مثل أي زينة صناعية فصلت عن المرأة, أما قضية وصل الشعر للزينة أمام المحارم والزوج فلا حرج بخلاف الظهور في المجتمع وأمام الخطّاب لأن المسألة تصبح غشاً وكذباً في تحوير الحقيقة فلا تحتاج لأدلة هذا الأمر يجرنا إلى مسألة أخرى وهي خروج المرأة أمام الأجانب بشعر مستعار تضعه على رأسها بدل غطاء الرأس هذا الفعل من باب التحايل على الحرام فهو حرام أو تبرج عن العرف الإسلامي (غير متبرجات بزينة) هذا للقواعد من النساء فمن باب أولى غير القواعد لذا أرشدنا الله تعالى التزام الأعراف الأصيلة بقوله:) ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ( ولها في الواقع معنيين حسب حال المجتمع وهنا تعني كلما كانت المرأة في لباسها الخارجي (جلبابها ) أقرب للعرف الاجتماعي كلما انتفى الأذى عنها في عموم المجتمعات ؛ والمعنى الآخر إشارة إلى أن اللباس الخارجي (الجلباب) اصطلاحاً حتى لا يعرفن كونهن صبايا أو عجائز في المجتمعات التي يخشى الأذى منها فلا تصبح المرأة مميزة كالأعراف في المجتمع يشار إليها بالبنان خاطفة لأبصار الرجال مما يسبب لها الأذى منهم وأحياناً من السلطة فكما المرأة المســلمة في بلاد الغرب تتعرض للأذى بسبب غطاء رأسها وأحياناً من السلطة الديمقراطية وحرمانها من المدارس والجامعات ، فنرى أحياناً هذا الاعتداء على الحقوق الشخصية في بعض البلاد العربية والإسلامية بمبررات مختلفة من ذلك تسييس الغطاء واعتباره رمز المعارضة السياسية أو أنه يدل على الطائفية إلى غير ذلك مما يظهرون وما يضمرونه أكبر ؛ علماً أن الإسلام ليس أول من غطى الرأس بل أمر معروف في تاريخ البشرية بأكثر من ألفي عام قبل الميلاد ؛ صحيح أن الشرع الإسلامي من مقاصده التميز بالشخصية الحضارية ولكن هذا التميز له شروط موضوعية بأن يكون المجتمع الذي تنتمي إليه المرأة المسلمة مجتمع يعتز بالإسلام ، فتكون هي جزء منه تفخر بالانتماء إليه ، أما إن كانت في مجتمع لا ينتمي للإسلام ولا يحميها دستور البلاد فتكون هنا مستضعفة فليس لها أن تتميز عن قومها بغطاء الرأس بل لها أن تتشبه بهم ولا تخرج عن أعرافهم وتختار ما يناسبها مع السعي لإيجاد العرف الاجتماعي الذي يحمي مفاهيمها ، وهذا لا يعني أن تقلد لباس نجوم الفن إذ يوجد كثير منهن لباسهن محتشم تستطيع المرأة المسلمة تقليده ، وكما قال ابن تيميه :(إنّ المخالفة لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوّه والأمر بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر لما عليه في ذلك من الضرر بل يستحب أو يجب مشاركتهم أحياناً في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية ومقاصد صالحة) وبهذه الطريقة نتجنب فقدان التوازن الأخلاقي وضياع الشخصية أو الذوبان بالحضارات المادية فلا ننسحب من المجتمع ولا ننصهر فيه بل نكتسب المناعة الثقافية الواقية التي تجعل سلوكنا واعياً حتى نتجاوز هذه المرحلة والمحنة من تاريخنا المعاصر)فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ( التغابن (16) فالتكيف أمر ضروري للتوازن الأخلاقي بين ضغط المبدأ ومطارق الواقع والتميز الحضاري حينما تكون البنية الفوقية من نفس طبيعة أفكار البنية التحتية ، أي أفكار البناء من جنس أفكار الأساس، فالتكيف مبدأ إسلامي مرحلي وموقف جديد في بيئة جديدة يقتضي تبدلاً يتناسب ومتطلبات الإبقاء على الحياة الاجتماعية ويوجد نماذج معاصرة من اللواتي استطعن المقاومة وتجاوزن العقبات وهن متوازنات أخلاقياً فلا يوجد نمط واحد والأمر متروك لتقدير المرأة واختيارها للرخصة أو الحيلة أو الهجرة إلى أرض الله الواسعة حتى يقضي الله أمرا ًكان مفعولا .إنّ غطاء الرأس لا يشكل أي عقبة في نشاط المرأة الاجتماعي بل من تمام الستر والعفاف ويعكس صورة الوقار على النفس الإنسانية ونوع من الحاجز النفسي حتى لا تسقط الكلفة بين المرأة والرجل وتحافظ على كرامتها بابتعادها عن صور الامتهان التي تجعل المرأة فقط متعة للرجل وبأن عليها إظهار مفاتنها وجمالها الأنثوي في كل مكان لإدخال السرور إلى نفس الرجل . إن الحياء قيمة أخلاقية فكل سلوك مجرد من الحياء عاري ولو كان خلف حجاب لذا يحبذ للمرأة التحلي بها جاء في الرواية (الحياء من الإيمان ومن لا حياء له لا إيمان له) و(إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت) ويجب على الأمة أن تبدع في حل مشكلاتها من خلال معطيات الواقع وحسب ما يقتضيه المبدأ في تصميم الملابس المناسبة لكل دور في الحياة لتكون المرأة بالجيش وورشات العمل وبالزراعة وبمراكز الأبحاث والتنقيب والمختبرات وغير ذلك ؛ فتضع على رأسها ما يناسب الحال والبيئة والوضع الاقتصادي وحيث لا يكون عقبة أو يسبب الضيق والحرج لها محققة الحكمة المقولة (البس من اللباس ما يخدمك فلا يستخدمك ) وقد جرينا في البحث على أساس من كتاب الله لأنه هو الأصل والحكم والإطار العام لكل مسألة وما الروايات إلا مجموعة خيارات أخذت بها المذاهب الإسلامية باختلافها فلا حرج من التعددية الفقهية على أن تكون آيات القرآن الكريم مظلة تظلل الطيف الفكري للمجتمع الإسلامي أما الانتصار لزي دون زيّ فأمر مرفوض وهو تعصب مقيت قال تعالى:) وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ( الحجرات (13) , فاللباس العربي أو الهندي أو الفارسي أو الآسيوي أو الإفريقي كلها ملابس شعوبية مشروعة ضمن ضوابط الشخصية الإسلامية وجاء في الحديث:( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن ينظر إلى ما في قلوبكم ) و لابد من التفريق بين الطاعة والعبادة فالسلوك مع الخشوع عبادة و الذي لا يفرق بين العبادة والطاعة لا يفرق بين حركات الصلاة وحركات الرياضة أو بين الروحية و المادية ، لذا تشريع غطاء رأس المرأة سلوك وطاعة في الإسلام و أمر ليس تعبدي و يخص شخصية المرأة ولا علاقة للسلطة به لأن مادة أحكامه تتعلق بالبنية التحتية للمجتمع وهو نتاج تراكم تجربة تاريخية ودراسة عواقب اجتماعية وطاعة شرعية فالهدف من غطاء الرأس تحقيق التوازن النفسي للمرأة ، والحد من الغرور بتأثير سحرها في المجتمع والمحافظة على الأنوثة ، والابتعاد عن الاسترجال ثم صيانة القيم ومراعاة مشاعر الآخرين أثناء التواصل الاجتماعي وهو حجاب لفصل الأنوثة عن الذكورة ذاتاً وموضوعاً وحاجز يمنع اختراق الذكور لمجالس الأناسي الخاصة ويحافظ على المسافات الحميمة -وخاصة التقارب بين أنفاس الرجال والنساء- حين الاختلاط العام ، وأولاً وأخيراً إن الهدف العام تحقيق رضوان الله تعالى وهو الأصل والأهم في حياة الناس من خلال التزام التقوى الفردية والاجتماعية )وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ( الأعراف (26) وأخيرا مما سبق تبين لنا أن غطاء رأس المرأة وضمنا شعرها رحمة للناس من الله عز وجل أولا، وله تأثيرات ايجابية في المجتمع بالأبعاد كلها الشرعية والثقافية والتربوية والنفسية والاجتماعية والحضارية و إلانسانية .

اجمالي القراءات 15022