علم الله المسبق و حرية الانسان فى افعاله
ان الله كرم بنى آدم بالعقل و جعله مناط التكليف و لذلك فحرية العقل فى بحث كافة المسائل التى تخص العقيدة مباحة لا يعوقها عائق الخوف و لا الرهبة و لا الحدود الوهمية التى رسمها الفقهاء لمواضيع القضاء و القدر و علم الغيب الإلاهى و التخيير و التسيير .
وقد اثير موضوع الغيب و علم الله المسبق و الحساب وكذلك موضوع هل يحاسب الانسان على شىء قد علمه الله بمطلق علمه السابق ؟؟
و بالتالى ما فائدة الكتاب و الميزان و الشهود &C; الذين سيشهدون على الانسان عند الحساب ؟؟
و خصوصا اذا كان هناك كشف معلق على ابواب الجنة بأسماء الداخلين و مثله على ابواب النار لاصحاب النار ؟؟ وذلك قبل الحساب ؟؟؟
و للاجابة على الأسئلة لا بد من التدبر فى الاتى :
• معنى الغيب فى اللغة : و هو ما غاب عن حواس البشرو الجن من علم حدث فى الماضى او علم لحدث يحدث فى مكان مختلف سواء كان قريبا او بعيدا لم يشاهده الفرد او علم لما سوف يحدث مستقبلا سواء للفرد او للامة .
• و الغيب بالنسبة للإنسان: يكون فى القضاء و القدر اى الابتلاء سواء بالخير او الشر فى الزمان الذى يحدده الله و بالكيفية التى يحددها الله وذلك يكون فى مستقبل الانسان كما فى الاية()وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة:155)و ()كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الانبياء:35)
ونجد أن معنى الغيب فى اللغة لا يمكن ان ينطبق على الله !! لأن الله هوخالق الغيب !! وهو علام الغيوب !! كما فى الايات :
)أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (التوبة:78)
• أفعال الله : هى افعال القضاء و القدر الربانية الحالية و المستقبلية
• افعال الانسان : هى افعال مجبر عليها من انسان غيره كتسخير بعض الخلق للبعض و افعال مخير فيها تماما مثل السرقة و الزنى و القتل .
• العقائد و الافعال التى يحاسبنا الله عليها : هى العقيدة التى اعتنقها الانسان و العقيدة تكون دائما فى الصدورحتى ولو لم يجهر بها و اما الافعال التى فعلها الانسان مخيرا فهى الافعال التى يحاسب عليها
• و السؤال الان ماذا تكتب الملائكة على الانسان؟؟
و الجواب ان الملائكة تكتب أفعال الانسان التى تمت كما فى الايات:
()وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ) ()كِرَاماً كَاتِبِينَ) (يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الانفطار:12) و هنا العلم عند الملائكة يتم مع الفعل !.
)وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ()إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ) ()مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ:18) و هنا ايضا ان التلقى يتم عند حدوث التلفظ بالقول او العمل و نحن الان فى عصرنا نستطيع تركيب كاميرا تلتقط الاقوال و الافعال طوال ايام عمر الانسان!!!
و لكن عظمة الله تتجلى فى معرفة ما يوسوس الانسان به نفسه قبل حدوثه الفعلى !!! و هكذا اخبرنا الله فى القرءان !!
• و السؤال الان هل الانسان مخير فى اختياراته ؟؟
و الجواب نعم فإن مشيئة الانسان تتحكم فى افعاله كما فى الايات :
)وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ً) (الكهف:29) )إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً) (المزمل:19) )لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) (المدثر:37) )ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً) (النبأ:39) )لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (التكوير:28)
فمن الايات عاليه نجد ان الله قد اعطى الانسان حرية الاختيار !!
• و السؤال الان هل مشيئة الله فيها اجبار للبشر على الاختيار ؟؟
و الجواب من القرءان هوعدم اجبار الناس على الاعمال كما فى الايات:
)وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) (البقرة:253) و ارادة الله و مشيئته هنا هى اعطاء البشر حق الاختلاف بالحق او بالباطل!! ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ) (الأنعام:35) و هنا مشيئة الله فى عدم الاجبار !! )وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) (الأنعام:107) وهنا ايضا مشيئة الله فى عدم الاجبار !! )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ)
حتى التآمر على دين الله تركه الله بدون اجبار !! )وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس:99) مشيئة الله فى عدم الاجبار !! )وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل:93) وهنا المشيئة للانسان فى الضلالة او الهداية !!وبذلك السؤال الربانى يكون عن الاعمال الاختيارية !!
• و السؤال الان فى الابتلاءات الربانية ؟؟
اليس فى قضاء الله اجبار ؟؟
و الجواب طبعا فيها اجبار فى وقوع الحدث سواء بالخير او الشر و جعل التخييرفى نوعية رد الفعل حيال القضاء الواقع كما فى الايات التى توضح ان القضاء من الله و رد الفعل من الانسان ! و هو الذى يحاسب عليه .
)فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) (الفجر:15) )وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) (الفجر:16) )وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) )الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
)الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)
• والسؤال الان هل يعلم الله افعال الانسان من قبل ان يفعلها ؟
نعم !!! الله يعلم ما توسوس به نفسك و يعلم ما نخفى فى صدورنا وكلاهما يدل على ما سوف يفعله الانسان بعد الوسوسة فيقول
)إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)(آل عمران: من الآية119)
)وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)(آل عمران: من الآية154)
و لنتدبر الايات التى تقول :
)وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ )(البقرة: من الآية143)
و هنا وقفة لتفسير كلمة لنعلم
فإذا قرأناها ليعلم بضم الياء و تسكين العين و فتح الام و فتح الميم فلا مشكلة على الاطلاق !!!
او قرئت باستبدال النون تاء اى لتعلم فلا مشكلة على الاطلاق !!!
و المشكلة تأتى من نطقها لنعلم اى ان الله لم يكن يعلم حتى حدوث الفعل و هذا غير مقبول فى حق الله !! لأنه يعلم ما وسوست به نفس كل من انقلب على عقبيه !!
و لحل هذه المشكلة نقول أن علم الله بنية المتبع للرسول ممن انقلب على عقبيه قبل أن يعلن هذه النية و عند اخفائها منذ و سوست بها نفسه هى المعنى لكلمة لنعلم !!!
و كذلك الاية :
)وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) (سـبأ:21) اى ان الشيطان يوسوس و هذا قضاء الله و رد فعل الانسان يعلمه الله سواء اسره الانسان او جهر به !!بل و حفظ الله هذه النية عنده فى كتاب !!
)وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) (الملك:13) و هكذا يخبرنا الله انه عليم بكل ما سوف يحدثه بنى ادم قبل حدوثه و هو فى مرحلة الوسوسة للتنفيذ !!!
و هذا هو المستقبل الذى يعلمه الله !! بدون اجبار !! بل أن مشيئة الانسان هى الاصل فى الضلالة او الهداية !!
و لذلك جعل الله ما كتب من الاقوال و الاعمال و الميزان لهذه الاعمال لكل فرد هما اساس دخول الجنة او النار كما فى الايات :
)وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الانبياء:47) )وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً)
)اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) (الاسراء:14) )يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَأُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) (الاسراء:71)
و كيف نفسر الاية ()مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحديد:22) ؟؟؟
و الجواب( بعد التنويه على ان كلمة نبرئها تعود على المصيبة) يكون ببساطة أن هذا هو القضاء و القدر اى الابتلاء !!! و هو غيب الله الذى ينزله متى شاء و كيف شاء !! و لا دخل له بالحساب !! و لكن الحساب على رد الفعل ان كان خيرا كما امر الله فهو خير و العكس بالعكس !!
و الخلاصة : دخول الجنة يكون نتيجة لما عمله الانسان بمشيئته و كذلك دخول النار
و ذلك بعد وقوف العباد بين يدى الله للحساب حسب ما هو مثبت فى كتبهم و بعد الميزان الذى يبين ثقل الاعمال التى كتبت على الانسان و لا يوجد حكم مسبق لله على الانسان بدخول الجنة او النار.
و السلام ختام
على عبد الجواد