من المفردات الدينية و السياسية التى كانت سائدة فى العصور الوسطى وقت نزول القرآن الكريم وصف الله جل وعلا بأنه (الراعى ) وأن البشر هم ( الرعية ) وأيضا وصف الحاكم المستبد بأنه الراعى و الشعب بأنه الرعية .
وكان اليهود ـ أو بعض أهل الكتاب ـ فى المدينة يستعملون هذا فى صلواتهم ، وبدلا من أن يطلبوا من الله تعالى ان يتلطف بهم وينظر اليهم بالرحمة كانوا يقولون فى دعائهم ( راعنا ) مما يحمل فى طياته وصفا لايليق بجلال الله سبحانه وتعالى ، فنزل قوله تعالى يعيب عليهم : (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) ( النساء 46 )
وحتى لا يتاثر المسلمون بهذه الثقافة السائدة أمرهم رب العزة ألا يتفوهوا بتلك الكلمة ( راعنا ) وأن يقولوا مكانها ( أنظرنا ) أى أنظر الينا بعين الرحمة و الهداية والغفران: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا ْوَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ( البقرة 104 )
هذا من الناحية الدينية.
أما من الناحية السياسية فقد كان المسلمون فى المدينة هم الذين يحكمون أنفسهم بانفسهم ، و كان خاتم النبيين محمد عليه السلام يستمد منهم سلطته السياسية لذا أمره ربه جل وعلا أن يشاورهم فى الأمر و أن يعفو عنهم ويستغفر لهم إذا أساءوا فى حقه ، وجعله لينا هينا فى التعامل معهم حتى لا ينفضوا من حوله فيفقد الدولة و المنعة و الحماية.( آل عمران 159 )
شأن أولئك المسلمين وهم يمارسون الديمقراطية المباشرة ـ أو الشورى كما جاءت فى القرآن الكريم ـ أنهم هم الحكام لأنفسهم بأنفسهم ، وفق ما سبق وأن شرحناه فى مقالات سابقة فى موقعنا.
وشأن أولئك المسلمين ألا يكون رعية أو ماشية يملكها الحاكم الذى يكون الراعى و يكونون هم الرعية.
بالطبع ضاع كل ذلك التوجيه القرآنى و أصبح المسلمون رعية يملكها الخليفة الأموى و العباسى و العثمانى ، من حقه ان قتل من الرعية من يشاء طبقا للفتوى السنية القائلة أن من حق الامام أن يقتل ثلث الرعية لاصلاح حال الثلثين.
وانظر كيف فعل المسلمون بأنفسهم عندما تركوا كتاب الله تعالى.
والمسألة ليست وليدة اليوم بل بدأت بالفتنة الكبرى فى عهد الصحابة الذين عايشوا الشورى أو الديمقراطية المباشرة فى عهد النبى محمد عليه السلام ثم غيروا و بدلوا فقتلوا أنفسهم فى الفتنة الكبرى وأعطوا لغلمان بنى أمية الفرصة لأن يقيموا دولتهم الاستبدادية التى قضت على ما بقى من تعاليم الاسلام السياسية.