ألقت "الجماعة الإسلامية" باللائمة على جماعة "الإخوان المسلمين" في صدامها الشهير مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، مرجعة ذلك إلى صراعها معه للاستئثار بالسلطة، بعد الإطاحة بحكم أسرة محمد علي يد "الضباط الأحرار" في 23 يوليو 1952م، "اعتقادًا منها أنها الأجدر بالحكم"، مؤكدة ضلوع "النظام الخاص" في محاولة اغتياله في "حادثة المنشية" عام 1954م، والتخطيط بعد عدة أعوام من تلك الحادثة لمحاولة انقلاب جديدة، بقيادة سيد قطب، لكن المحاولة أحبطت في مهدها، بعد إلقاء القبض على أفراد التنظيم المسلح في عام 1965م.
غير أنها لم تعق عبد الناصر التي ترى أنه له كثير من الإيجابيات من ارتكاب أخطاء "لا تعد ولا تحصى" بحق "الإخوان"، من خلال التعامل بأسلوب العصابات قتلاًً وتعذيبًا وسحلاًً وحرمانهم من كافة الحقوق، والتورط في أفظع انتهاكات حقوق الإنسان شهدها العصر الحديث، رسخت سياسة التعذيب واسعة النطاق للإسلاميين، واستخدام المحاكم العسكرية، وقمع واضطهاد الإسلاميين، مقابل إطلاق يد المعادين للدين في مؤسسات الدولة وخاصة الإعلامية.
الشهادة التي سجلها الدكتور ناجح إبراهيم مُنظِّر "الجماعة الإسلامية" بمناسبة مرور 56 عامًا على ثورة يوليو، رصدت الكثير من الوقائع في تلك الحقبة الزمنية الأهم في تاريخ مصر؛ لعل أبرزها أن "الإخوان" كانوا ينظرون إلى عبد الناصر باستعلاء شديد، ويكنون له الكراهية رغم أنه أعطاهم "قبلة الحياة"– على حد تعبيره– بإلغائه الحظر الذي فرضه الملك فاروق على الجماعة.
ما يعطي تلك الشهادة أهمية عن غيرها، أن أحداثها وشخصياتها جاءت استنادًا إلى روايات صناع الأحداث في مصر ممن زُج بهم في السجون من الإسلاميين وغيرهم، ممن عاشوا فترة الأربعينات والخمسينات والستينات، وسجلت على ألسنة هؤلاء تلك المعلومات التاريخية، التي من شأنها أن تدفع الكثير من الإسلاميين إلى التفكير في وجهة نظرهم حيال الخلاف بين عبد الناصر و"الإخوان".
ناجح يستهل شهادته مؤكدًا أن الرئيس عبد الناصر لم تكن له خصومة مع "الإخوان" من قبل، بل إنه حل كل الأحزاب والتنظيمات السياسية، وأعاد الجماعة لمشروعيتها القانونية، وبهذا أعطاها "قبلة الحياة" من جديد بعد سنوات عصيبة، وأن أصل الخلاف بينهما هو اعتقاد كل منهما أنه الأجدر والأحق بالسلطة والحكم في مصر.
ويقول إن عبد الناصر ورفقاءه كانوا يرون أنهم الأجدر بالسلطة والحكم، باعتبار أنهم غامروا بحياتهم لإنجاح الثورة، ولأن الإنجليز لن يسمحوا لـ "الإخوان" بحكم مصر، بينما كان "الإخوان" ينظرون إلى أنفسهم على أنهم القوة الرئيسية التي وقفت مع الثورة، وهم الأجدر بالحكم والسلطة، لكونهم أصحاب فكرة قيامها، وأن عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وغيرهما كانوا ضمن المبايعين على المصحف والسيف، واعتقادًا منهم بأن هؤلاء الضباط صغار لا يصلحون للحكم.
وأشار إلى أن الخلاف بين الجانبين ظل يتطور إلى أن وصل إلى ذروته، عندما حاول "الإخوان" ممثلون في "النظام الخاص" اغتيال عبد الناصر أثناء إلقائه خطابًا في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 أكتوبر 1954، والتي رد عليها بكل قوة وقسوة وأعدم ستة من قادة الجماعة والنظام الخاص، وهي الحادثة التي ينفيها "الإخوان" ويتهمون عبد الناصر بتلفيقها لهم بغرض تشويه صورتهم
ناجح وإن كان يبرئ مرشد "الإخوان" آنذاك المستشار حسن الهضيبي من التخطيط لتلك المحاولة، بسبب كراهيته الشديدة للعنف، وخلافه مع أجنحة كثيرة في النظام الخاص، إلا أن أخذ عليه "تكبره الشديد" على عبد الناصر، لأنه كان يرى أن الملك أفضل منه، ويعتبر الانقلاب عليه أمرًا سيئًا.
إلى جانب محاولة الاغتيال هذه، يؤكد مُنظَّر "الجماعة الإسلامية" أن الشيخ سيد قطب خطط بالفعل للإطاحة بنظام عبد الناصر، لكنه هذا المخطط أحبط في بدايته، بعد إلقاء القبض على التنظيم المسلح في بداية تكوينه وتسليحه عام 1965م، إلا أنه تم تضخيمه من قبل عبد الحكيم عامر وآخرين، لمحاولة كسب ثقة عبد الناصر، عبر إيهامه بوجود خطر عليه، والتأكيد على أنهم حماته الحقيقيين.
إلا أن ناجح مع ذلك اتهم عبد الناصر بالتورط في ارتكاب فظائع وانتهاكات لحقوق الإنسان من خلال شن حملات واسعة في صفوف "الإخوان" والمتعاطفين معهم، وتعذيبهم وقتلهم في السجن الحربي، ومحاكمتهم أمام محاكم عسكرية في محاكمتي عامي 1954م و1965م، والتأسيس لسياسة التعذيب واسعة النطاق للإسلاميين.
وأشار إلى أن عبد الناصر ومن حوله استغلوا هذا الخلاف بعد ذلك للتضييق على الدعوة الإسلامية، وإشاعة الأفكار المناهضة للإسلام، وتعيين المعادين للفكرة الإسلامية في مواقع ذات العلاقة بالتوجيه والإعلام والتثقيف، ليرسخوا العداوة الحقيقية بين الدولة والإسلام نفسه، على حد قوله.