يحتشد ذوو القتلى أمام مشرحة زينهم لاستخراج تصاريح دفن قتلاهم، ويعلو الصخب كثيرًا حين يُعرض التسريع في الاجراءات إن وافق هؤلاء على توقيع إقرار بأن قتلاهم توفوا انتحارًا.
القاهرة: صارت مشرحة زينهم مقصدًا إجباريًا للمصريين، رغم أنهم يكرهون المرور من أمامها، ولا يتفاءلون بذكر اسمها. صاروا يقفون أمامها في طوابير طويلة، حاملين جثث ذويهم منذ إسقاط الرئيس محمد مرسي في 3 تموز (يوليو) الماضي، لا سيما أن العديد من المجازر تلا ذلك التاريخ، وبدأت بما يعرف بمجزرة الحرس الجمهوري، 57 قتيلًا في الثامن من الشهر ذاته، ثم مجزرة المنصة، 82 قتيلًا في 27 تموز (يوليو)، ثم مجزرة الفض، 578 قتيلًا في 14 آب (أغسطس)، ، ثم مجزرة رمسيس، 213 قتيلًا في 16 آب (أغسطس)، ومجزرة سجن أبو زعبل، 36 قتيلًا في 18 آب (أغسطس)، وأخيرًا، وربما ليس آخرًا مجزرة جنود الأمن المركزي في سيناء، 25 قتيلًا في 19 آب (أغسطس).
جثث وثلج
يقصد المصريون مشرحة زينهم بالقاهرة من أجل إستخراج تصاريح الدفن، وشهدت زحامًا شديدًا طوال الفترة الماضية لدرجة أن أهالي الضحايا كانوا يصطفون في طوابير طويلة إلى جوار جثث ذويهم، وقد وضعوا عليها قطع الثلج حتى لا يطالها التعفن ويرجع ذلك إلى أن المشرحة لا تستوعب أكثر من 120 جثة، فيما كان العدد بعد ما عرف بمجزرة الفض يقدر بالمئات. وفي محيط المشرحة، لا يمكن أن تلمح الأعين سوى نساء متشحات بالسواد، تستبد بهن مشاعر الحزن، ويبكين أو تتأرجح في مآقينهن الدموع، بينما الحزن مرسوم بقوة على ملامح الرجال. وعلى الأرض، تتناثر الجثث المكفنة بالقماش الأبيض الناضحة منه الدماء، وفوقها يضع ذووهم قطعًا من الثلج لحفظها لبعض الوقت من التعفن، إلى أن يحين دورها في دخول المشرحة لتوقيع الكشف الطبي عليها من قبل الأطباء الشرعيين، لبيان سبب الوفاة. وتحول المكان الوحيد الذي يكرهه المصريون مسارًا إجباريًا عليهم أن يلجوا إليه قبل الوصول إلى المثوى الأخير. رائحة الموت هي الأكثر إنتشارًا، لدرجة أن بعض الناس تطوع لرش الشارع بالمعطرات أو إطلاق أعواد البخور للتغلب على تلك الرائحة.
حزن وغضب
الإقتراب من أهالي الضحايا أمر صعب. فبالإضافة إلى مشاعر الحزن التي تسيطر عليهم، تتملكهم مشاعر الغضب من الإعلام والصحافة، ويرفضون التعامل مع الصحافيين أو الإعلاميين إلا في ما ندر، لاسيما أن الإعلام المصري عادة ما يقدمهم وذويهم من الضحايا بوصفهم إرهابيين. إقتربت "إيلاف" من رجل وإمرأتين كانوا يجلسون إلى جوار جثمان نضحت من كفنه الدماء، وقد وضع عليه كيس بلاستيك أسود يحوي قطعًا من الثلج. أشاح الرجل بوجهه عنها ورفض الحديث بعد التعرف على الهوية الصحافية، وقال: "الله ينتقم منكم، إبني مش إرهابي، إبني طالب في كلية الهندسة، ومتفوق وحافظ لكتاب الله". ولما أرادت "إيلاف" تهدئته، وإستكمال الحديث معه، ردت إحدى السيدتين، وقالت: "سيبنا في حالنا يا إبني، بلاش تزيد من حرقة قلوبنا". ويبدو أن مصائب قوم عند قوم فوائد، فقد إزدهرت في محيط المشرحة تجارة الثلج وإنتشرت عربات الكارو أو سيارات ربع نقل تحمل قطع الثلج، وإزدهرت أيضًا تجارة البخور والمعطرات.
إقرارات الإنتحار
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وقعت المناوشات بين الأهالي بسبب أولوية إدخال الجثامين إلى المشرحة، للحصول على تصاريح الدفن وبيان سبب الوفاة. وكانت "إيلاف" شاهدة على واحدة من تلك المشاحنات، التي تدخل فيها رجل نصحهم بأنهم إذا إرادوا الخلاص من هذا العذاب، يمكنهم حمل جثامين ذويهم إلى مدافنهم شريطة أن يوقعوا على إقرارات بأن ذويهم ماتوا إنتحارًا وليس قتلًا، وهو ما زاد الأمر إشتعالًا. فاتحد المشاحنون ضد الرجل وكادوا يفتكون به، لولا تدخل آخرين. والإفراج عن الجثامين سريعًا شريطة الإقرار بالإنتحار شكوى تكررت أمام المشرحة. وقال محمود أبو طالب، شقيق أحمد أبو طالب الذي قتل في ما عرف بمجزرة الفض، إن شقيقه قتل في أحداث فض اعتصام ميدان رابعة. وأضاف لـ"إيلاف" أن أحد الأطباء بمشرحة زينهم أخبره أنه يمكنه الوقوف ليومين أو الحصول على تصريح الدفن خلال عشر دقائق في حالة الإقرار بأن شقيقه مات منتحرًا، مشيرًا إلى أنه وأسرته رفضوا هذا العرض، لاسيما أنه يضيع حقوق شقيقه. العرض ذاته تلقته الممثلة المصرية لقاء سويدان، التي قتل شقيقها أثناء وقوفه في شرفة منزله بوسط القاهرة. وقالت في تصريحات تلفزيونية إن جثمان شقيقها مسجى في مشرحة تابعة لمستشفى قصر العيني، مشيرة إلى أن هناك إجراءات شديدة التعقيد من أجل إستخراج تصريح الدفن. ولفتت إلى أن الأطباء طلبوا منها أن توقع إقرارًا بأن شقيقها مات منتحرًا، وأن العرض نفسه قدم للعديد من أسر الضحايا الآخرين.
- See more at: http://www.elaph.com/Web/news/2013/8/831066.html?entry=Egypt#sthash.FV5fBuvw.dpuf