في الواقع أني بحثت في القرآن الكريم عما يكون شفاء لما في صدري ويهديني صراطه المستقيم فيما يتعلق بالمفهوم الكامل لمعنى الإيمان لأتمسك به ويكون لي نورا في الدنيا والآخرة وما يتعلق بمعنى الشرك والكفر لأتجنبنه فألاقي ربي خالصا له لا يشوب عملي شيء من الشرك فلم أجد ابلغ ولا أوضح مما ورد في سورة الأنعام فيما يتعلق بهذين المفهومين, رحت أتدبر آياتها مليا وأعيش مفاهيمها وشعرت أني قد أدركت منها الهداية والنور ولعلي أكون بذلك قد أصبت الصواب وأدركت الحق والله اعلم ولعلكم تدركون خيرا مما أدركت وتعون خيرا مما وعيت فترشدوني إن كنت أخطأت فنهتدي معا إلى صراط الله الذي لا إله إلا هو العزيز الحكيم
أسأل الله الرحمن الرحيم أن يثيبني على ما فعلت ويهديني سواء السبيل إنه سميع عليم
واعتذر شديد الاعتذار من إخوتي في هذا الموقع عن انقطاعي عن المشاركة وذلك لسبب دنيوي وآخر طلبا لمرضاة الله عز وجل وأما السبب الدنيوي فقد رزقني الله مولودا جديدا أسأل الله أن يجعله من الصالحين
وبينما أنا في غمرة فرحتي واهتمامي بما رزقني الله إياه تذكرت قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189) فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190) أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (193) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (194) أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ (195) إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ)(( الأعراف)) تذكرت اني كنت بصدد البحث في مفهوم متكامل يجنبني ما نهى الله عنه في تلكم الآيات البينات ويهديني هداه فكان ذلك السبب الآخر في محاولة لإعادة حساباتي فيما يتعلق بآخرتي أسأل الله أن يجعلني فيها من الفائزين
ولا يفوتني أن أذكر القارئ بأن ما أكتبه هنا إنما ابتغي أن اصل إلى مفاهيم تربوية تفيد كل فرد على حدة وتذكره بالله ولست أطلق أحكاما على غيري فإني أعلم أنما حسابي على ربي وحساب الآخرين على ربهم ولست بمحاسب أحدا فأتعدى على خصوصية لله عز وجل وأكون بذلك من المعتدين
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ )الكون كله وما يحتويه من مخلوقات على اختلاف أنواعها آيات تؤكد أن الله هو الخالق المتصرف في كل ذرة من هذا الكون ثم يأتي من يعدل بالله ويساوي به مخلوقات أخرى
أستطيع القول أن هذه الآية قد جمعت بين مفهومي الإيمان والشرك
الإيمان بأن الله هو الخالق المتصرف والتسليم له بمقتضى هذا الإيمان والإنكار لمن يعدل بالله ويساوي به أربابا أو آلهة آخرين ممن وصفهم الله بأنهم عباد أمثالنا لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا ,اساس الشرك هو العدل بالله بكل أشكاله أو بمعنى آخر أن تجعل لله ندا( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)سواء كان ذلك الند من خلال الاعتقاد أو السلوك أو التشريع أو الأمر والنهي ,فكل اعتقاد ينبغي أن يكون مصدره خالق هذا الكون سواء كان بنص صريح أو توجيه صريح فأي اعتقاد بما هو من الغيب لابد أن يكون بنص قطعي ثابت لا تشوبه شائبه حيث أن الله عز وجل قد قال في صريح قرآنه (قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله وما يشعرون أيان يبعثون)وأما ما كان من عالم الشهادة فيكون بنص صريح من المولى عز وجل أو بتوجيه منه سبحانه حيث قال (أولم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)
ومن هنا تأتينا الآيات تباعا لتبين لنا أشكالا من الكفر الاعتقادي (قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)الرزق من الله والغيب علمه عند الله ولا يملكهما مخلوق مهما عظمت مكانته عند الله ولو تأملنا مليا بموضوع الإيمان بالغيب وما ينعكس منه على حياتنا من حيث التشريع والسلوك لوصلنا الى نتائج مخيفة
أليس كل تشريع أو سلوك ينطلق أولا من أساس الاعتقاد قلنبدأ من موضوع التشريع أو بمعنى آخر اطلاق الأحكام وتحديد الحدود
الله هو خالق الكون وهو خالق الإنسان وهو وحده يعلم ما يصلح أمر هذا الكون وهذا الإنسان هو وحده يعلم الطيب من الخبيث هو وحده يعلم ما يمكن أن يكون خيرا لعلاقة الإنسان بربه وعلاقة الإنسان بالإنسان هو وحده يعلم أين يكون الهدى واين يكون الضلال هو الرب والرب هو الذي يدير شؤون من هم تحت سلطته وسيطرته
( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) الله هو الرب والرب هو الذي له الحق وحده في الأمر والنهي وهو وحده له الحق في إدارة شؤون عباده, فرب البيت هو المدير لشؤونه والمتصرف بنظامه ورب العمل هو الذي يدير شؤون العمل ويتحكم بتصرفات عماله خلال عملهم ورب السموات والأرض هو وحده له الحق في إدارة هذا الكون وله الحق بالأمر والنهي حيث يخضع له ويسجد له من في السموات ومن في الأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال, ومن هنا ومن خلال تلكم الآيات فقد هدانا الله إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين هدانا الله لهذا الدين والدين هو النظام وهو الشريعة وهو ما بينه المولى عز وجل في كتابه (قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75)فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) ((يوسف )) وهنا يحضرني قول الله عز وجل( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)((آل عمران)) التشريع بكل حيثياته إطلاق أحكام الحلال والحرام الفريضة والحدود من يبتغ غير دين الله في إطلاقها وتبنيها فلن تقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين
وقد أمرنا الله من خلال آياته ومن خلال دينه القيم ملة ابراهيم حنيفا أن تكون كل حركة أو سكن كل صلاة ونسك كل محيانا ومماتنا لله عز وجل لا شريك له(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) إنه التجرد الكامل لله , بكل خالجة في القلب وبكل حركة في الحياة . بالصلاة والاعتكاف . وبالمحيا والممات . وبالشعائر التعبدية , وبالحياة الواقعية , وبالممات وما وراءه إنها تسبيحة "التوحيد" المطلق , والعبودية الكاملة , تجمع الصلاة والاعتكاف والمحيا والممات , وتخلصها لله وحده . لله (رب العالمين). . القوام المهيمن المتصرف المربي الموجه الحاكم للعالمين . . في "إسلام" كامل لا يستبقي في النفس ولا في الحياة بقية لايخضعها لله , ولا يحتجز دونه شيئاً في الضمير ولا في الواقع . . (وبذلك أمرت). . فسمعت وأطعت: (وأنا أول المسلمين). قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165) كلمة تتقصى السماوات والأرض وما فيهن ومن فيهن ; وتشتمل كل مخلوق مما يعلم الإنسان ومما يجهل ; وتجمع كل حادث وكل كائن في السر والعلانية . . ثم تظللها كلها بربوبية الله الشاملة لكل كائن في هذا الكون الهائل ; وتعبدها كلها لله عقيدة وعبادة وشريعة .
ثم تعجب في استنكار:
(أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء)?
أغير الله أبغي ربا يصرف أمري ويهيمن علي ويقومني ويوجهني ? وأنا مأخوذ بنيتي وعملي , محاسب على ما أكسبه من طاعة ومعصية ?) أوليست المعصية لله تبدأ بالتفكير ولو اقتصرت على التفكير المجرد لكان اقل ضررا أوليست المعصية بدايتها أمر من غير الله الم نجعله ندا لله ألا يستحق من يجعل ندا لله عقوبة الله التي شرعها للمشركين إن لم يتب عنها (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (14) ((النساء))( قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) الجن)فكل معصية لله عز وجل نقترفها ونحن واعون لها مدركون لحرمتها بكامل إرادتنا ووعينا تحمل في طياتها أمرين عظيمين الأمر الأول هو مصدر تلك الأوامر التي دفعتنا لاقتراف تلك المعصية وهو إما يكون من شياطين الإنس أو الجن أو الهوى أو النفس وبذلك جعلناه ندا لله وشريكا له باتباعنا لأمره مقابل معصية الله وبذلك أكون قد أشركت بالله ما لم ينزل به سلطانا وهو ما ذكره المولى عز وجل في كتابه (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) والأمر الآخر هو طبيعة تلك المعصية سواء كانت فاحشة كالزنا( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) الإسراء وهنا ينبغي على المرء أن ارتكب إثما أن يبادر إلى أمرين الأمر الأول هو التوبة وهي العودة إلى عبادة الله وحده والأمر الثاني وهو إصلاح ما افسد والتكفير عن تلكم المعصية وذلك ما بينه المولى عز وجل (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) الفرقان)) وإنه مما كان من انحراف بني إسرائيل عن دينهم وافترائهم على الله عز وجل أن قالو بالخروج من النار لمن كان على معصية اقترفها عالما بحرمتها ثم لم يتب عنها وقد عبر عنه كتاب الله بأجمل تعبير وأبلغ كلمات إذ قال
( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) البقرةمن أماني بني إسرائيل التي لا تستقيم مع عدل الله , ولا تتفق مع سنته , ولا تتمشى مع التصور الصحيح للعمل والجزاء . . أن يحسبوا أنهم ناجون من العذاب مهما فعلوا , وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات يخرجون بعدها إلى النعيم . . علام يعتمدون في هذه الأمنية ? علام يحددون الوقت كأنهم مستوثقون ? وكأنها معاهدة محدودة الأجل معلومة الميقات ? لا شيء إلا أماني الأميين الجهال , وأكاذيب المحتالين العلماء ! الأماني التي يلجأ إليها المنحرفون عن العقيدة الصحيحة , حين يطول بهم الأمد , وينقطع ما بينهم وبين حقيقة دينهم , فلا يبقى لهم منه إلا اسمه وشكله , دون موضوعه وحقيقته ويظنون أن هذا يكفيهم للنجاة من العذاب بحكم ما يعلنونه بألسنتهم من أنهم على دين الله:
(وقالوا:لن تمسنا النار إلا أياما معدودة . قل:أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ? أم تقولون على الله ما لا تعلمون ?). .
وهذا هو التلقين الإلهي للحجة الدامغة: (أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده ?). . فأين هو هذا العهد ? (أم تقولون على الله ما لا تعلمون). . وهذا هو الواقع . إنه الشرك بالله بعينه بل هو أعظم من ذلك أجعلوا أنفسهم فوق رب العزة ليحددوا كيف يكون العذاب يوم القيامة
(بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)
هنا يأتيهم الجواب القاطع والقول الفصل في هذه الدعوى , في صورة كلية من كليات التصور الإسلامي , تنبع من فكرته الكلية عن الكون والحياة والإنسان:إن الجزاء من جنس العمل , ووفق هذا العمل .
(بلى ! من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون). .
ولا بد أن نقف قليلا أمام ذلك التصوير الفني المعجز لحالة معنوية خاصة , وامام هذا الحكم الإلهي الجازم نكشف عن شيء من أسبابه وأسراره :
(بلى ! من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته . .). .
الخطيئة كسب ? إن المعنى الذهني المقصود هو اجتراح الخطيئة . ولكن التعبير يوميء إلى حالة نفسية معروفة . . إن الذي يجترح الخطيئة إنما يجترحها عادة وهو يلتذها ويستسيغها ; ويحسبها كسبا له - على معنى من المعاني - ولو أنها كانت كريهة في حسه ما اجترحها , ولو كان يحس أنها خسارة ما أقدم عليها متحمسا , وما تركها تملأ عليه نفسه , وتحيط بعالمه ; لأنه خليق لو كرهها وأحس ما فيها من خسارة أن يهرب من ظلها - حتى لو اندفع لارتكابها - وأن يستغفر منها , ويلوذ إلى كنف غير كنفها . وفي هذه الحالة لا تحيط به , ولا تملأ عليه عالمه , ولا تغلق عليه منافذ التوبة والتكفير . . وفي التعبير: (وأحاطت به خطيئته). . تجسيم لهذا المعنى . وهذه خاصية من خواص التعبير القرآني , وسمة واضحة من سماته ; تجعل له وقعا في الحس يختلف عن وقع المعاني الذهنية المجردة , والتعبيرات الذهنية التي لا ظل لها ولا حركة . وأي تعبير ذهني عن اللجاجة في الخطيئة ما كان ليشع مثل هذا الظل الذي يصور المجترح الآثم حبيس خطيئته:يعيش في إطارها , ويتنفس في جوها , ويحيا معها ولها .
عندئذ . . عندما تغلق منافذ التوبة على النفس في سجن الخطيئة . . عندئذ يحق ذلك الجزاء العادل الحاسم:
(فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون). .
ثم يتبع هذا الشطر بالشطر المقابل من الحكم .
(والذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون). .
في الواقع لو بحثنا في موضوع الإيمان والشرك يلزمنا أكثر بكثير من هذا الموضوع المقتضب ومهما عبرت ومهما كتبت فإنه يبقى عالة على ما ذكره الله في محكم آياته حيث أني أكاد لا أجد سورة من كتاب الله تخلو من هذا الموضوع فالإيمان بالله والالتزام بمقتضاه هو أساس الهدى وفي المقابل الشرك بالله هو أصل الضلال هو أصل المعصية هو أصل كل ما لم يرتضيه لنا المولى عز وجل
والله أعلم