إن تنصروا اللــه ينصركم
تغيير الفكر الدينى فى ظل العقيدة

محمد صادق في الإثنين ٠٧ - يناير - ٢٠٠٨ ١٢:٠٠ صباحاً

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ

مقدمة
بعد آخر مقالة نشرت لى " لا إلــه إلا اللــه والعقيدة " قرات تعليق للأستاذ أحمد شعبان يدعو إلىالرجوع إلى مقالة بعنوان " هل يوجد حل " للأستاذ فوزى فراج. وبما أنى حديث العهد بهذا الموقع – شهرين ونصف – فقد توقفت قليلا وبدءت مراجعة ما قيل وكتب فى هذا الموضوع. ومن حصيلة التعليقات التى قرأتها بدءت أضع بعض النقط فوق الحروفg;ف.
تعليق بواسطة الأستاذ أحمد شعبان
يقول " ولكن تنحينا عن مجرد محاولة تشخيص الأمراض والتى انبثقت عنها هذه المظاهر". وفى تعليق آخر يقول سيادته " الخطوة الأولى تقع على عاتقنا نحن فى المقام الأول وهى إصلاح تديننا ( اصلاح الفكر الدينى ) والسؤال الواجب الاجابة عليه هو كيف؟ ".
تعليق بواسطة الأستاذ زهير قورطش
طرح الأستاذ زهير سؤال هام جدا فقال" لكن السؤال الهام، لماذا انقسم المسلمون، أو لماذا اختلفوا إلى حد القطيعة والتصفية الجسدية والفكرية ". وقال أيضا " وبرأى أهم قضية يجب معالجتها قضية التوحيد. ومن ثمة ننطلق إلى الأفكار الأخرى".
تعليق بواسطة الأستاذ جمال قاسم
يقول سيادته " أى مشكلة تتسبب فى مرض (اسميه انا) المرض الاجتماعى (فى مجال حديثنا هنا) والاساس فى حلها هو اكتشاف السبب وبعد ذلك البحث عن دواء لهذا الداء ".

سلام اللــه عليكم جميعا،
وقبل أن ابدأ فى سرد هذه المقالة، أود أن اشكر الأستاذ أحمد شعبان على التوجيه الذى ذكره بأن نقرأ مقالة الأستاذ فوزى فراج " هل يوجد حل " فأخذت بنصيحته. وأود أن أذكر فى هذا المجال أنى أوافق بالكلية على أراء الأستاذ أحمد شعبان والأستاذ زهير قورطش. وأود أن أجيب بإختصار شديد، فى هذا المقال، على السؤال الذى طرحه الأستاذ زهير " لكن السؤال الهام، لماذا إنقسم المسلمون أو إختلفوا إلى حد القطيعة والتصفية الجسدية والفكرية ".
إذا عرف السبب بطل العجب، فإن لكل مشكلة او داء أسباب تسبب هذه المشكلة فإذا عرفنا الأسباب الحقيقية للمشكلة فيسهل علينا إيجاد الحل لكل سبب على حدة فيكون الحل الشامل أسهل وأدق. وبالله التوفيق

الواقع الحاضر أو المعاصر لم ينبت فجأة ولم ينبت بدون أسباب من الماضى فلا يمكن رؤية الحاضر إلا بإستعراض الماضى. الواقع المر الذى يعيشه العالم الاسلامى اليوم لا هو الأصل بالنسبة لهذه الأمة ولا هو جاء بغير أسباب وأن جذور هذا الحاضر موجودة فى الماضى.

وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ
ما العبرة من قصة ابراهيم عليه السلام، ان القصص فى القرءان ليست مجرد قصصا تقص للتسلية، إنها دروس تربوية وتوجيهية وهى دروس للأمة المسلمة لتعلم كما ينبغى أن تعلم ان العهد فيها ما استقامت على طريق اللــه فإن حازت فلا عهد لها عند اللــه. والواقع المر الذى نعيش فيه اليوم فهو مصداقا لذلك. وبقى وعد اللــه قائما:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

هذا الوعد مشروط " يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا " فإن حازت كما حازت بالفعل، فلا استخلاف ولا تمكين ولا تأمين إنما هو الواقع الذىنعيشه اليوم.
المئات الذين يذبحون كل يوم من المسلمين والعالم الاسلامى فى سكرة وكأنه نائم فى غفلة مما يحدث وكأن هذه الأحداث لم تمر به. أهذا هو الواقع الذى أخرج اللــه هذه الأمة لتكون فى هذا الذل فى هذا الضياع التى تعيشه الأمة اليوم.
إنما أخرجها لأمر عظيم ذكره اللــه " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ....." " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا "
أخرجت هذه الأمة لقيادة البشرية لتكون شاهدة عليها ورائدة لها وهادية لها إلى النور الربانى فأين هى من تلك المهمة. إن كل الأمم المؤمنة السابقة على هذه الأمة كلفت تكليفا واحدا " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ "
هذه المهمة التى كلفت بها أمة ابراهيم وأمة عيسى وأمة موسى وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام، أما هذه الأمة الأمة الخاتم التى ارسل اللــه إليها النبى الخاتم فقد كلفت تكليفين معا، احدهما هو نفس التكليف الذى كلفت به الأمم المؤمنة السابقة، ثم بعد ذلك أى بعد أن تستقيم الأمة على الطريق السليم فتخلص للــه الدين حنيفا ليس مشركة، بعد ذلك فلتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف.....

ولقد قامت هذه الأمة برسالتها ردحا من الزمن غير قصير، بضعة قرون، ولكنها بدءت رويدا رويدا تنحرف عن الطريق السليم، بدءت تتفلت من تكاليف هذا الدين، بدءت تخفف قبضتها من حبل اللــه المتين الذى أمرت أن تستمسك به وظلت يتزايد إنحرافها جيلا بعد جيل فأدركتها السنة التى لا تحابى أحد ولا تجامل أحد وأنها سنة اللــه التى لا تتبدل ولا تتحول. وصل بها الانحراف إلى الواقع المر الذى نعيشه.

فأنظروا إلى حال الأمة اليوم وقدروا كم بلغ الانحراف الذى يجعل قدر اللــه أو يجعل سنة اللــه تسلب من هذه الأمة كل ما كان لها من استخلاف وتمكين وتأمين وتضعها فى هذا الواقع المر الذى تعيشه هذه الأمة اليوم " ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "
ما كان اللــه يسلب من هذه الأمة ما أعطاها الا أن تكون قد غيرت ولقد تغيرت بالفعل، وإن هذا الانحراف الذى أصاب الأمة لم يحدث فجأة إنما يجرى حسب السنن الجارية، كانت الأمة قوية ممكنة مؤمنة لأنها كانت على طريق اللــه فبدءت تنحرف، كانت الانحرافات فى الحقيقة كثيرة ولكن لا نستطيع أن نذكر كل هذه الانحرافات ولكن نقتصر على أهمها خطورة.
الانحراف الأول هو التفلت من التكاليف الربانية
التفلت طبع البشرية ولقد عهدنا الى آدم فنسى، وابناء آدم كأبيهم آدم ينسون ويغفلون ويضعف عزمهم، اذن هذا الداء لا علاج له، بلى ان اللــه قد جعل له علاجا فى قوله تعالى: " وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ " الذكرى لمن .. ان الاية تقول للمؤمنين. الايمان فى قلوبهم، فبما يذكرون، ما الذى نسوه وغفلوا عنه .. هو العمل بمقتضى ذلك الايمان فاذا ذكروا يعودون الى القيام بمقتضيات هذا الدين.
فاذا وجدنا ان الأمة تتفلت وتزيد تفلتا ويستمر التفلت فى الزيادة فلنا ان نستنتج ان التذكير لم يكن بالقوة الكافية ولا بالقدر الكافى ولا بالنوعية الكافية.

فى الوقت الذى كان فيه التذكير ليس بالقوة الكافية ولا بالنوعية الكافية تدخل تياران ( ولا أريد أن اتكلم عن مصادر هذان التياران لأنه ليس هو الموضوع الذى يهمنا الآن).
الانحراف الثانى (التيار الأول) هو الفكر الذى يقول أن الايمان هو التصديق والاقراروليس العمل داخل فى الايمان. بالطبع هذا ليس من دين اللــه، اذا فصلنا العمل من هذا الدين فماذا يبقى... يبقى التصديق القلبى والاقرار اللسانى، والتصديق القلبى والاقرار اللسانى مطلوب ولكن من زعم ان هذا هو الدين المنزل، من زعم ان التصديق القلبى والاقرار اللسانى يكفى لتأدية المهام الذى انزل اللــه هذا الدين من أجلها فهو يخالف الواقع.
لماذا أنزل هذا الدين وكل الرسالات السماوية " لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ "
فان هناك هدف من ارسال الرسل والكتب والميزان الربانى، هل يقوم الناس بالقسط بمجرد التصديق بالقلب والاقرار باللسان فقط ...استحالة.
هذا الفكر الدخيل ليس من الاسلام لكن مع الأسف ظل هذا الفكر يسرى فى الأمة تدريجيا خلال القرون وقد أصبح الدين الآن عند أكثرية المسلمين قولهم " ربك رب قلوب ما دام قلبك عامر بالايمان ميهمكش" وبعضهم يقول " من قال لا إله إلا اللــه وهو مؤمن ولو لم يعمل عملا واحدا من اعمال الاسلام دخل الجنة بغير حساب" وهذا كله مكتوب فى الكتب وما أكثرها. انما هو التيار الدخيل الذى هو من اشد خطرا ما اصاب هذه الأمة من الانحرافات.
الانحراف الثالث (التيار الثانى) تيار موازى تماما وإن كان أصوله مختلفة عن الفكر الأول، فما تأثير هذا الفكر فى قلب الأمة وعمل الأمة وفكر الأمة.
كما أقنع الفكر الأول عباد اللــه انهم يستطيعون دخول الجنة بغير عمل بمجرد التصديق والاقرار، فجاء هذا التيار يقول انكم تستطيعون ان تدخلوا الجنة وتنالوا رضوان اللــه بدون العمل بالتكاليف...تريدوا أن تصلوا الى اللــه تعالوا ندلكم على طريق قصير- من الباب الخلفى ولا تتعب نفسك، خذ هذا الورد اقرأه 1000 مرة وخذ هذا الاسم من اسماء اللـه الحسنى وكرره كذا وكذا مرة – حلقة الذكر تقنع عباد اللــه انهم بهذا الطريق يصلون فما حاجتهم الى الوسيلة – انتهت القضية، ان العمل هو الوسيلة لينال القرب من اللــه، يعمل الانسان لينال رضوان اللـــه.
إن اصحاب هذا الفكر يقولون فلان واصل فاذا وصل هل يحتاج الى الوسيلة، إنما يحتاج اليها الضعفاء والفقراء اما الواصلون فلا. ويقولون أن هذا الواصل روحه خفيفة وجسمه خفيف وانه وصل فبذلك يسقط عن نفسه التكاليف الربانية وفى وهمه انه قد وصل بالفعل وان اللــه راض عنه. فمن الذى يجاهد ومن الذى يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ومن يصد الفساد والانحراف فى الأرض اذا كان الأتقياء يغيبون فى هذه الغيبوبة التى تخيل إليهم انهم واصلون وهم قاعدون فى اماكنهم.
هذان التياران اللذان دخلا حياة الأمة كانا من أشد ما أصاب هذه الأمة بالاضافة الى التفلت الطبيعى من التكاليف الذى لم يجد كفاية وقوة من التذكير ليعود الناس الى مقتضيات هذا الدين.

الانحراف الرابع وهو الاستبداد السياسى الذى بدء مبكرا فى حياة هذه الأمة كان له تأثير خطير جدا. ما التأثير، إن الدين انحصر تدريجيا من كونه ممارسة جماعية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتسعى لاقامة المنهج الربانى فى واقع الحياة إلى ممارسة فردية مع التركيز على الشعائر التعبدية.
صار المسلم الذى يؤدى الشعائر التعبدية يعتقد فى دخيلة نفسه انه قام بالاسلام كله وانه لم يعد مطالب بشيئ وراء ذلك، والاسلام كما تعلمون ليس شعائر فحسب انما هو منهج متكامل ليقوم الناس بالقسط وقد أنزل اللــه الكتاب لهدف واسع والشعائر التعبدية ذاتها إن هى إلا وسيلة من الوسائل التى تعين على اقامة القسط فى حياة البشر، لكن نتيجة الاستبداد السياسى الناس إنكمشوا لأنهم إن امروا بالمعروف ونهوا عن المنكر يتعرضون لغضب السلطات ويقول القائل منهم فى نفسه "لأ يا عم خليك فى نفسك – دع الخلق للخالق – صلى الركعات المفروضة وصم رمضان وادفع الزكاة وحج البيت وابعد عن الشر وغنيله ".
هذا أثر تأثيرا خطيرا فى هذه الأمة، إن الاسلام اليوم ليس كما أنزله اللــه، إنما اراده اللــه ليقوم الناس بالقسط لتعيش البشرية فى ظل المنهج الربانى ويحكمه شريعة اللــه ويحكمهم ما أنزل اللــه.
الاسلام لابد له من بشر يقومون به هو دين اللــه هو شفاء من كل الأمراض، نعم ولكن سنة اللــه الجارية انه لابد من جهد بشرى ليمكن هذا الدين فى الأرض – اللــه قادر على أن يمكن دينه بغير بشر وبغير ادوات ولو يشاء اللــه لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض.
ان تنصروا اللــه ينصركم ... وأول شيئ لنصرة اللــه هو التمسك بكتابه.
هل يعجز اللــه ان ينصر دينه.. حاش للــه ولكن لما تجمع هذا الانحراف كله كان تأثيره ان الاسلام الذى انزله اللــه ليؤدى فى هذه الأرض مهمة معينة ولكن الدين إنحصر والأمة دورها انحصر فى الأرض.
والأسباب كثيرة ولكن أخطر ما فيها هذه الأربعة التى ذكرتهم لشدة خطورتهم على ألأمة الاسلامية فإذا عرفنا الأسباب يسهل علينا معرفة الحل ومن أين نبدء ويتضح الحل بعد المناقشات البنائة وتبادل الأراء واللــه أعلم

اجمالي القراءات 13855