أخي ومعلمي الدكتور أحمد
أحمد لديك الله الذي أضاء بنور القرآن ظلمات القلوب ، فانشغلنا بخدمة القرآن انشغال المحب بالمحبوب ، وأشهد ألا إله إلا الله شهادة ندرأ بها عنا الخطوب ، وندخرها ليوم الوعد الحق غير مكذوب ، وأن محمد عبد الله ورسوله خير محبوب ، اللهم صلي وسلم وبارك عليه صلاة تكشف بها عنا الكروب ،،، وبعـــــــــــــــــــد
أخي الحبيب ومعلمي الجليل ، غابت رسائلي عنك حين ، وما غبت أنت عني معلما ومعين ، ولكن بعدما قرأت فتواك (التشهد في الصلاة) ومداخلاتك دفاعا عن ا&il;لصلوات الخمس ، رأيت أن أكتب لك رسالتي هذه من عدة نقاط.
أولا: أشكركم أخي الحبيب على دفاعكم عن الصلوات الخمس ، وأعجبني قولكم أن (الصلاة ليست موضوعا للجدل أو مباراة بين اللاعبين ، ولكنها أهم ركائز المستقبل الخالد يوم الدين) وقولكم (بدلا من الدخول في متاهات فاعتقد أن الأهم هو مستقبل كل واحد منا.والصلاة أهم أركان هذا المستقبل بوجودها والحفاظ عليها أو بتضييعها بالشطحات الكلامية أو بالتهاون فيها عمليا وتبرير ذلك بالفلسفة و التلاعب بآيات الله جل وعلا) كما أعلن إيماني بقولكم (وأنه لا ينبغي أن تؤخذ بهذه الخفة التي يرتكبها بعض الناس فيجعلها هدفا لاجتهاده وهو غير مؤهل أصلا للاجتهاد) وأعتقد كما تعتقد أن (من يتكاسل عن الصلاة و يهملها أقل سوءا من الذي يبرر و يشرع هجر الصلاة بالتلاعب بآيات الله جل وعلا).
فكلامك معلمي عالج موضوعين في غاية الأهمية وهما الصلوات الخمس التي حاول ويحاول وسيحاول كثيرون أن يطعنوا في عددها وعدد ركعاتها فكان كلامك واضحا لا لبس فيه وهو ما أنت عليه وأنا وجميع من يأخذ بالقرآن مصدرا وحيدا للتشريع ، واضعين نصب أعيننا قوله سبحانه وتعالى" وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" المائدة 48 ، فقد قرن الله سبحانه وتعالى (الشرعة) - وهي النص وبالنسبة لنا النص القرآني – (بالمنهاج) وهو فعل الرسول ، وقد أداها رسول الله خمسا على النحو الذي نصلي عليه الآن دون زيادة أو نقصان وأداها معه المسلمون جميعا وتواتر أداءها كابرا عن كابر حتى وصلتنا.
والموضوع الثاني الذي عالجه كلامك هو (حق الاجتهاد) والذي تمادى فيه البعض ممن ليس له أي دراية بالعلم الديني وبكيفية تقدير الأدلة وتكاملها وبفهم معنى الكلمات وقت التنزيل وبفهم السياق القرآني واستنباط حلول المسائل ، فراح يصدر فتواه هنا وهناك بجرأة لا يحسد عليها وقد تضعه في مشكلة مع الله سبحانه وتعالى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، ولا أكون مبالغا إذا قلت أن الاجتهاد مع قلة العلم يضعنا تحت حكم قوله تعالى" كَمَا أَنزَلْنَا عَلَى المُقْتَسِمِينَ (90) الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91) فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (93)[الحجر]
فشكرا لكم أخي الحبيب ومعلمي القدير على ما بينت فيه من تعليقاتك حتى تضع الأمور في نصابها الصحيح ، ولكن لي سؤال حقيقي بريء وأنت تعلم كم أحبك وأقدرك وأبجلك ، لم أرى فيمن قام بالتعليق على الموضوع أحدا تصدى لعدد الصلوات وأراد التقليل منها ، فلماذا كان تعليقكم دفاعا عن عدد الصلوات وإنها خمس وليست ثلاث؟ نعم في مواضع أخرى ومقالات أخرى تصدى البعض لعدد الصلوات ، ولكن في هذا الموضوع الكلام عن التشهد ، ثم أن اجتراء البعض على الله ومحاولة تقليل عدد الصلوات من ثلاث لخمس تحتاج لمقالة كاملة تفرد لها لا تعليق على فتوى ، أخي الحبيب ومعلمي الجليل ، وهذا رأي والله تعالى أعلم.
ثانيا: كان في مداخلات البعض على فتوى التشهد في الصلاة جرأة غريبة على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فمثلا قال أحد الإخوة الأفاضل وهو الأخ محب الله (أرى ان بعض الإخوة لم يفهموا بعد قوله تعالى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ) ( طه 14) أي الصلاة لذكر الله و لا يجوز ذكر اسم آخر أمام الله تعالى لبشر أو حتى لنبي الله فقط لان الصلاة لذكره) وقال الأخ الكريم محمد دويكات [أنا أري (وهذا رأي شخصي ) أن ما هو موجود في الصلاة الان ماشي حاله (ما فيش فيه مشكلة و لا تعارضات مع القرءان)باستثناء ذكر اسم الرسول محمد و تخصيصه بالشهادة فهذه مرفوضة للاسباب التي وضحها لنا استاذنا الرائع أحمد.. حيث أننا بذكر محمد (فقط) فإننا:
1- ذكرنا اسما مع الله في أثناء تعبدنا له و الاعتراض ليس لمجرد ذكر الاسم، فلو ورد في قرءان أثناء الصلاة فلا مشكلة لكن أن تخصص هذا الاسم و تقرنه مع رب العالمين فهذا موضع شبهة و قد نبهنا الله أن لا ندعو مع الله أحدا(ولا حتى محمد عليه السلام.
2- فاضلنا و فرقنا بين الرسل على اعتبار أن محمد على راسه ريشه في مقابل آلاف الانبياء والرسل.
أما مسألة (التشهد!!) فلو سمينا جلسة تذكر مع الله بدل( تشهد) لزال الكثير من الاختلاف الذي مرده محاولة الموائمة مع ما اجتمع عليه الناسو الانشغال بالمسميات عن الاصول.]
وكنت أحب معلمي وأستاذي الجليل أن يثيرك الكلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الطريقة وهو الذي أمرنا رب العزة أن نتعامل معه بأسلوب خاص به ولا يجوز لنا أن نتعامل معه كما نتعامل مع بعضنا البعض فقال الله سبحانه وتعالى" لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره ان تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم" النور 63 ، ويخطئ من يظن أن المخاطب بهذه الآية الكريمة من عاصر النبي دون غيره من المسلمين ، فالله سبحانه وتعالى ذكره بصفة الرسول وليس بصفة النبي فنحن مأمورون عند ذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن نتأدب معه عليه الصلاة والسلام وليس من الأدب معه أن يقول أحدنا (على رأسه ريشه) أما الآية التي تخاطب الصحابة دون غيرهم فهي قوله تعالى" يا أيها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا ان يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين أناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث ان ذلكم كان يؤذي النبي فيستحي منكم والله لا يستحي من الحق وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم اطهر لقلوبكم وقلوبهن وما كان لكم ان تؤذوا رسول الله ولا ان تنكحوا أزواجه من بعده أبدا ان ذلكم كان عند الله عظيما" الأحزاب 53 فهنا جاء الحديث بصفته نبي ، والحديث عن بيوته ونساءه وهذا مرتبط بوقت التنزيل دون سواه ، والحديث القرآني في عظمته عندما عالج مسألة أزواج النبي وعدم الزواج منهن بعده عليه الصلاة والسلام ذكره بصفته رسول لأن ذلك يكون من بعد وفاته وعن فعل الإيذاء فيرتبط ذلك برسالته ، والله تعالى أعلم.
ثالثا: موضوع التشهد
معلمي الجليل أرجو من سيادتكم الرد على سؤال أخي ألمعتزلي والذي قال(و كيف اتفقت أمة كاملة على تحريف التشهد في الصلاة؟ ألا تجد استحالة في تزوير و تحريف هذا العمل المتواتر و أن الأولى هو قبول الصلاة بهيئتها المتواترة و لننتظر إلى يوم الدين لنعرف الحق كله من الله عز و جل؟
من قال أن التشهد على هيئتها هذه فيها دعاء لغير الله مع الله ، فنحن نقول (محمد رسول الله)فقد ذكرناه بصفته مضافا لمن أرسله فهو الله وفي ذلك تعظيم للمرسل (بضم أوله وكسر ما قبل أخره) ولا يوجد شبهة عبادة للمرسل(بضم أوله وفتح ما قبل أخره) والله تعالى يقول " رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا (166)[النساء] ، والسؤال ، كيف تشهد الملائكة بأن الله أنزل إلي محمد رسوله القرآن؟ أليس يكون ذلك في صلاتهم؟ فلماذا لا يكون في صلاتنا ما في صلاة الملائكة؟
ثم من قال أن ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاتنا تفريق بين الرسل بالمخالفة لقوله تعالى (لا نفرق بين أحد من رسله)؟ فعدم التفريق بين الرسل في الإيمان بهم جميعا ، كما نؤمن نحن بالملائكة جميعا ولكننا نفرق في الوظائف بينهم فهناك الوحي وهناك الحفظة وهناك ملك الموت وهكذا... ، كما أننا نؤمن بالكتب جميعا ولكننا نعبد الله بكتاب القرآن فقط فهل يعني ذلك التفريق في الإيمان بالكتب؟
ولكن الله سبحانه وتعالى ذكر أنه فرق بين الرسل بالتفضيل فقال" تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات واتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس..." الآية البقرة 253 ، وقوله تعالى" وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين" الأنعام 86 ، وقوله تعالى" وربك اعلم بمن في السماوات والأرض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض واتينا داوود زبورا" الإسراء55 ، وقوله تعالى" ولقد آتينا داوود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين"النمل 15 ، فكل هذه الآيات تثبت أن الله فضل البعض على البعض ، وأن هذا التفضيل له وحده سبحانه وتعالى لا معقب عليه فيه ولكنه أعلم به عباده وأخبرهم به ، فبماذا فضل محمد عبده ورسوله؟
فضله بالكتاب الخاتم الذي جعله مهيمنا على كل الكتب السابقة فقال تعالى" وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه..." الآية المائدة 48.
وفضله بمدحه بأنه على خلق عظيم فقال تعالى" وانك لعلى خلق عظيم" القلم 4
وفضله بأن أقسم به ولم يقسم الله من قبله بأي رسول أو نبي فقال تعالى" لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون" الحجر 72.
وفضله بالصلاة عليه فقال تعالى " ان الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما" الأحزاب 56
وأدعوك أخي الحبيب ومعلمي الجليل أن تزيدنا علما مما علمك الله وأفاء عليك به في موضوع فضل رسول الله محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
رابعا: أين الحق المطلق؟
دعني معلمي وأخي أجيب على هذا السؤال ، وجود الله هو الحق المطلق ، وكتاب الله هو الحق المطلق ، والموت أيضا حقا مطلقا وما عدا ذلك هو حق نسبي ، قد يقول البعض أن الموت وحده هو الحق المطلق لأنه لا يختلف عليه أثنين أما الله سبحانه وتعالى فهو حقا مطلقا بالنسبة لمن يؤمن بوجوده أما الملاحدة فلا يؤمنون بذلك و كتاب الله أيضا فهو حقا مطلقا بالنسبة للمؤمنين به دونما عداهم.
أقول لهم أن هذا الرد هو من كلام الفلاسفة ، ولكن هناك حقيقة علمية وفلسفية لا يمكن إغفالها وهى أن جهل البعض بالحق المطلق لا يبرر إنكار هذا الحق ، فجهل البعض بوجود الخالق لا يمكن أن يبرر بأي حال من الأحوال إنكار وجوده فيظل وجوده سبحانه وتعالى حقا مطلقا ، وكذلك الأمر مع كتابه الذي أنزله على رسوله حقا مطلقا رغم إنكار الجهلة لذلك.
وما عدا ذلك هو حق نسبي أو جهل نسبي ويدخل في ذلك كلامي وكلامك وكلام البشر جميعا كما يدخل في ذلك نطاق فهمنا للحق المطلق ، ففهمنا للحق المطلق هو حق نسبي ويظل الحق المطلق مطلقا ، ففهمك وفهمي وفهم الآخرين لكتاب الله داخل في نطاق الحق النسبي ، لذلك نرى عالم كالشافعي يقول (كلامي صواب يحتمل الخطأ وكلامك خطأ يحتمل الصواب).
لذلك عندما يختلف معك أحد تلامذتك في مسألة فإنه من الواجب عليك كأستاذ ومعلم أن تناقشه في هذه المسألة ولا تجعلها تمر مرور الكرام فلو كان الحق معك أتبعك ولو كان الحق معه آزرته وعلمت الآخرين ، ولا ينقص ذلك من قدرك العظيم ومكانتك العالية قيد أنمله بل يزيد ، أقول لكم معلمي الفاضل ذلك وأنتم تعلمون قصدي فلا ندع الباب مفتوحا ليقول أحد التلاميذ مثلي في محراب علمكم الرفيع كلاما قد يفهمه زميله التلميذ تعريضا به ، ويقف الأستاذ مكتوف اليدين.
وأخيرا أخي الحبيب ومعلمي الجليل أرجوا أن تغفروا لي جرأتي وتطاولي ، والله يعلم كم أحبكم وأجلكم عالما جليلا وأخا كريما ومربي فاضلا ، دمتم لنا علما على الطريق وجعله الله في ميزان حسناتنا جميعا ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شريف هادي