عندما يلحق الإنسان بالأنعام

رمضان عبد الرحمن في السبت ٢٩ - ديسمبر - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

عندما يلحق الإنسان بالأنعام

من الحقائق القرآنية المطلقة التي سوف تكون واقع لا جدال فيه هو ان المولى عز وجل هو مالك يوم الدين ، لأن الذي قال عن هذه الحقائق هو رب العزة، ولذلك لا جدال مع الله، لأنه قال:
((لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)) سورة الأنبياء آية 23.

وهذا الموضوع يصحبنا إلى بعض ما توعد به الله للناس كافة، بخلاف معتقداتهم وطريقة العبادة لله، قد ذكر لنا رب العزة في القرآن مئات الآيات التي تتحدث عن إتباع الحق، قوله تعالى:
((إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ)) سورة الأنعام آية 134.

والوعد هنا من الله ولن يخلف الله وعده لأهل الجنة أو لأهل النار، ولو أتى دور العقل في التفكير والتدبر في هذه الآية لمن يريد من الناس أن يتخذ إلى ربه سبيلا، سوف تنعكس على سلوك كل إنسان، وإن اليوم الذي توعد به الله آت لا مناص منه، فبالتالي سوف يعمل من أجل هذا اليوم الذي لا مرد له، وإذا لم تخشع الناس لكلام الله فبماذا تخشع، وقد قال سبحانه وتعالى:
((لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) سورة الحشر آية 21.

وماذا يشكل الإنسان بالنسبة إلى الجبل؟!.. ندعو الله أن نكون من الذين يخشعون من كلام الله ويعملون من أجل الآخرة التي هي خير وأبقى، ويثبتنا على الحق، أما عن موضوع أصحاب الوهم والأمل يقول تعالى عن هؤلاء:
((ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)) سورة الحجر آية 3.

وقد ضرب الله أمثالاً كثيرة عن الذين يجحدون بآيات الله ووصفهم بالأنعام، بل أضل سبيلا، وأن الحمار مثلاً حين تحمل عليه على سبيل المثال خشب أو تراب لا يسأل عن نوعية ما تحمله عليه، وهذا هو القصد من الآية لتقرب لنا نوعية الناس الذين لا يتأثرون بكلام الله، فيكون مثل الحمار وإن كان للحمار فائدة فإنه مكلف ومذلل أن يحمل دون عصيان، يقول تعالى:
((مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) سورة الجمعة آية 5.

عكس الإنسان، إنه مكلف أن يعبد الله كما أراد الله عز وجل، وعلى سبيل المثال أيضاً عن بعض الأشخاص الذين ينسلخون من آيات الله يأتي لهم التشبيه من الله بأنهم كالكلاب، يقول تعالى:
((وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ))
سورة الأعراف آية 176.

وأن هذا التشبيه لا يعني أن الله يسخر من الحمار أو الكلب، لأن الله خلق كل شيء بالحق وكرم بني آدم بالعقل والقوام، يقول تعالى:
((وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)) سورة الإسراء آية 70.

ويقول تعالى أيضاً عن تكريم الإنسان:
((لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)) سورة التين آية 4.

فالذي يتمسك بكلام الله ويعلم ماذا يحمل وفي ماذا يقرأ ويتدبر يبقى على هذا التكريم والذي لا يعلم في ماذا يقرأ ولا يحمل كلام الله كما أراد الله، ينزل من مستوى تكريم البشر ويلحق بمستوى الأنعام والجوارح كما وصفهم الله، ولا جدال في كلام الله وأعتقد من يريد من الناس أن يظل على درجة التكريم التي ذكرها الله لبني البشر أن يبحث في القرآن ليعلم أنه يحمل كلام الله كما أراد الله، أم أنه كما وصفهم الله؟!..
أما إذا كابر الإنسان على نفسه، ينطبق عليه قول الله:
((وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)) سورة الحشر آية 19.

وحين ينسى الإنسان نفسه لا يعلم هو على أي طريق يسير، هذا هو السبب الذي يجعل الإنسان يلحق بالأنعام ويفقد مستوى التكريم كإنسان، ثم أن الأغلبية تقول (اهدنا الصراط المستقيم) دون علم ما هو الصراط المستقيم، ولكي نعلم لا بد أن نقرأ ونبحث في كل شيء، وأن العلم لا يأتي بسرنجة أو كبسولة، ولا أي نوع من الأدوية يجلب العلم إلا بالقراءة، وأن أول آية نزلت في القرآن:
((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ)) سورة العلق آية 1.

هل لديكم وقت للقراءة لتعلموا على أي طريق تسيرون؟!.. أم أن الأغلبية تجادل دون علم أو معرفة؟!.. ولديهم الوقت أن ينقدوا ويكذبوا دون دراية.. هذا هو تأثير ثقافة السمع التي يعتنقها جهلاء كل عصر، ومع احترامي للجميع ودون أن أزكي نفسي أذكر فقط بقول الله سبحانه وتعالى حين قال:
((... قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ .... )) سورة الزمر آية 9.

أي يعلمون بالحق ولا تعني التعليم أو الشهادات وإنما تعني الجهل بالشيء والعلم به بغض النظر عن مستوى أي شخص في محصلاتهم العلمية، إذا لم يبحث عن الحق مهما بلغ علمه في النهاية يساوي صفر.

اجمالي القراءات 10902