بسم الله الرحمن الرحيم
د. أحمد صبحى منصور
الموت والمعادلة الصفرية
1 ـ (س ) من الناس يملك ألف بليون دولار، و(ص ) شخص آخر لا يملك إلا دولارا واحدا. يأتيهما الموت . والموت عدم ، أى صفر. إذن المحصلة النهائية لذلك البليونير هى الف بليون دولار فى صفر = صفر. ونفس الحال مع الفقير المعدم الذى كان لا يملك سوى دولار واحد ، مصيره هو واحد فى صفر = صفر. أى بالموت ينتهى كل منا الى صفرغنيا كان أم فقيرا. هذه هى المعادلة الصفرية فى هذه الدنيا.
هل هذه المعادلة الصفرية صحيحة ؟
هى صحيحة فى حالة واحدة ـ إذا كان (س) البليونير و (ص ) الفقير يشتركان فى شىء واحد هو تركيزهما معا على الدنيا فقط. بمعنى أن كلا منهما لم يعش إلا لدنياه ، بذل كل منهما أقصى جهده صراعا فى سبيلها ، وانتهى الأمر بأحدهما بليونيرا ،بينما خسر الآخر كل ما يملك سوى دولار واحد. ثم جاءهما الموت ـ أى العدم ـ فانتهيا الى لا شىء. أى الصفر.
تختلف المعادلة الصفرية الى نتيجة عكسية هى إذا كان (س) أو ( ص ) يسعى فى الدنيا بالحلال و الخير واضعا نصب عينيه أن ينجح فى اخنبار يوم الحساب فى الآخرة . النتيجة هنا كالآتى: (س ) أو (ص ) أدركه الموت وهو يملك دولارا واحدا أو يملك مليون بليون دولارستكون النتيجة أيضا متساوية ، وهى واحد على صفر = اللانهائية ، بليون على صفر = اللانهائية. المكسب هنا لا نهائى. أى الخلود فى الجنة.
2 ـ الموت اساس المعادلة الصفرية .
الموت هو الحقيقة الكبرى التى تنتظر كل الخلق، ومع تسليم الانسان ـ نظريا ـ بأنه سيموت كما مات كل اسلافه من آدم الى جده أو أبيه المباشر، إلا إن الانسان ينكر الموت عمليا وسلوكيا ، إذ يتصرف كما لوكان سيعيش خالدا مخلدا فى الدنيا. إنظر الى السادة الأفاضل حكامنا العرب ـ بل أنظر الى صاحب أى منصب ، الحكمة تقول ( لو دامت لغيرك ما وصلت اليك ) يعنى أن وصوله الى المنصب واستمراره فيه هو مجرد ظرف مؤقت سرى على غيره من قبله و سيسرى عليه ثم على من سيأتى بعده ، وإنه لا بد أن يترك المنصب أو أن يتركه المنصب ، كما حدث مع من كان على نفس الكرسى من قبل ، ومع الوضوح الشديد إلا أنه لا يرى سوى خلود نفسه فى منصبه، ويتصرف كأنه باق وخالد. يرى الناس تموت حوله و يشارك فى الجنازات ، ولكنه يتصرف كما لو كان هو الوحيد الذى لن يموت. والنتيجة أنه يفاجأ بالموت ـ أو يأتيه الموت بغتة. مع أنه لو تعقل لأدرك أن كل دقيقة تمر فى حياته تسرع به الى الموت، لأن الأعمار محددة ولكل انسان أجل محدد بالدقيقة والثانية ، وعندما تأتى ساعته فلا تستطيع قوة أن تؤجل موعد موته ،أو أن تؤخرها. الموت أحدى الحتميات الأربع الالهية التى لا يمكن لانسان الفرار منها، وهى ظروف الميلاد والموت و الرزق و المصائب .
يظل يصارع و يكذب بل و يسفك الدماء حتى يصل الى المنصب ـ وقد لا يصل اليه. وفى كل الأحوال ـ سواء حقق أمنيته أم لم يحققها ـ يأتيه الموت بغتة فيرى حياته مضروبة فى صفر كبير..
3 ـ انتهاء الموت و المعادلة الصفرية فى الدنيا
ليس فى الجنة أو النار موت ـ وإنما خلود دائم فى نعيم قائم أو فى عذاب مستمر.
هذا يجعل المعادلة الصفرية أكثر حدة. بقدر ما تكون الحياة الخالة فى الجنة نعيما متجددا تكون الحياة الخالدة فى الجحيم عذابا يكون فيه أمنية لا تتحقق ، فاصحاب النار يطلبون الموت املا فى الراحة ، ولكن بلا جدوى . أى إنه بناء على قرارك فى هذه الدنيا تتوقف حياتك الأبدية فى الآخرة بين نعيم دائم أو عذاب خالد .
وهذا القرار بالغ البساطة : هل تكون عقيدتك خالصة بالايمان والاعتقاد فى الله تعالى وحده الاها لا يشرك فى حكمه أحدا من الخلق ، وأن كل البشر و الخلق لا يشاركونه فى حكمه و أنه ليس له ابن أو ولد أو زوجة أو معين أو شريك ، وأنه وحده الولى ووحده النصير ووحده الشفيع ووحده الوكيل ، وأن كل ما عداه من عداه مخلوق من خلقه وعبد من عبيده محتاج اليه تعالى فى الحياة و فى الرزق ، ومحتاج الى رحمته وعفوه ، وان يوم الدين ملك له تعالى وحده ـ لا شفيع سواه ولا معقب لكلمته ، وانه لا حديث فى الدين السماوى سوى حديث الله تعالى فى القرآن المحفوظ من لدن الله تعالى الى يوم القيامة. وبعد هذا الايمان الخالص بالله تعالى يكون العمل الصالح الذى يشمل العبادة المخلصة له تعالى و عمل الخير للناس ابتغاء وجهه جل وعلا.
إذا إختار الانسان هذا فقد ضمن لنفسه الخلود فى الجنة و السعادة فى الدنيا . وإذا اختار غير ذلك أضاع حياته فى الدنيا مقابل صفر كبير ـ ثم عليه أن يواجه الخلود فى النار حيث يتمنى الموت فلا يجده ، يظل أبد الآبدين فى عذاب لا تخفيف فيه و لا خروج منه.
القضية هنا واضحة ، كما يطرحها الدين السماوى. والله تعالى خلق البشر أحرارا فى الاختيار ، فالعمل الصالح مع الايمان الحقيقى يؤدى الى الجنة خالدا فيها ، و العمل السىء المقترن بالايمان الناقص مصيره الخلود فى النار ، وأنت لك مطلق الحرية فى الاختيار. والله تعالى وعد بأنه لا يضيع أجر من أحسن عملا و أحسن فى عقيدته وايمانه ن والله تعالى لا يخلف الميعاد.
4 ـ يأتى الدين الأرضى ليضيع هذا الوضوح.
فهو يصادر الحرية الدينية التى فطر الله تعالى الناس عليها حين أعطاهم حرية الاختيار بين الايمان و الكفرـ وبين الطاعة و المعصية. المستفيد من مصادرة الحرية هم رجال الدين أو الكهنوت الذى يخلق له سلطان بالدين الأرضى يتسلط به على الناس.
ثم هو ـ الدين الأرضى ـ يحوّل الدين الى احتراف و تكسب إقتصادى وجاه اجتماعى و سيطرة سياسية، وبهذا ( يعلو) فى الأرض مع أن ( العلو ) يجب أن يكون لله تعالى.
الغريب أن البشر فى أغلبيتهم المطلقة ينقادون الى الدين الأرضى الذى يجعلهم يخسرون الدنيا والآخرة .
5 ـ كيف يتمكن الدين الأرضى من ذلك ؟
والجواب لأن الدين الأرضى يتمسح دائما بالدين السماوى و يسرق اسمه و مظهره ، ثم يخترع أقوالا و أحاديث وروايات ينسبها كذبا و بهتانا الى الله تعالى ورسله ، ويقومون بتحريف الدين السماوى ليتسلطوا باسمه على الناس. وبهذه الخديعة الكبرى يتدين بعض الناس بالدين الأرضى و يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، وبعض الناس يرفضون هذا الدين الأرضى ويرونه هو الدين الالهى ، أى يسبون الله تعالى و يعتبرونه مسئولا عن الجرائم التى يرتكبها الكهنوت و رجال الدين. ولهذا أصبح الاسلام متهما بالارهاب و التخلف و التعصب والتطرف ـ وكلها ملامح الدين الأرضى السنى المتسلط ، وكلها تتناقض مع حقائق الاسلام.
وسط غابة من الأكاذيب والخرافات والروايات ينشغل الناس بالدين الأرضى بين مؤمن بها أو لاه عنها بالدنيا و زينتها أو منكر لتك الأكاذيب ولكن ناقم على الله تعالى متهما رب العزة بأنه صاحب هذا الدين الأرضى.
وفى النهاية يأتى الموت بالصفر الكبير و بالخلود فى النار لكل ضحايا الدين الأرضى.
6 ـ كل المصائب تاتى من الدين الأرضى ، هو قرينة أو منبع الفساد والاستبداد . وبه يشقى البشر فى الدنيا وفى الاخرة.
من المضحك أن الراقصة تتوب فتذهب الى الضريح وتتحجب ، أى تتوب من المعصية (العلمانية ) لتنغمس أكثر فى الدين الأرضى ـ أى تتحول من العصيان الجسدى الى الشرك العقيدى الذى لن يخلو أيضا من عصيان جسدى ولكن تحت النقاب و الحجاب ووفق شريعة أرضية منسوبة كذبا لله تعالى ورسوله.
ويظل الكافر بالدين السماوى سادرا فى إنكاره العلنى إذا كان ملحدا أو منكرا بقلبه بسبب تدينه بدين فاسد . يظل هكذا الى أن يأتيه الموت فيصرخ راجيا فرصة أخرى ، ولكن لا مناص .
يجد أمامه الصفر الكبير فى الدنيا ، ثم ينتظره الخسران الأبدى فى نار جهنم .. وبئس المصير..
7 ـ كل هذا أخبار سيئة ..
ولكن الخبر السار أنه لا تزال أمامنا فرصة التوبة و الهداية.
فهل نتوب ونصحح عقائدنا ونعقد صلحا مع رب العزة قبل أن أن نواجه الموت أو الصفر الكبير ؟