ما زالت آثار حرب البوسنة والهرسك في تسعينيات القرن الماضي تلقي بظلالها القاتمة على مساجد البوسنة التي تعرضت للتدمير.
وحسب إحصائية حديثة عن المشيخة الإسلامية دكت قنابل ومدفعية الصرب والكروات 1144 مسجدا, 615 دمرت بالكامل, و307 أصيبت بأضرار بالغة, و222 تضررت جزئيا, وبنسبة 80.5% من إجمالي عدد المساجد الموجودة في عموم البلاد.
ولم تقتصر عمليات التخريب على المساجد التي بنيت حديثا بل شملت مساجد أثرية بناها العثمانيون, تشكل إرثا حضاريا وتاريخيا عزيزا على مسلمي البوسنة, كجامع إبراهيم باشا الذي بني في 1562 وفجرت منارته وقبته في مرحلة أولى في 1993, ثم خرب كاملا في مرحلة تالية.
ومسجد فرحت باشا في بانيا لوكا الذي بني في 1579, من روائع البناء العثماني الإسلامي في البلقان, ودمر كليا في 7 مايو/ أيار 1993, في اليوم نفسه الذي فجر الصرب فيه جامع آرنودية أكبر مساجد المدينة الذي بني في 1594.
كما دكت المدفعية الصربية مئذنة مسجد علي باشا في قلب مدينة سراييفو الذي بني في 1561, لكنه رمم بعد الحرب, وكذلك حال جامع خسرف بك في حي بشارشيا.
ودك الصرب مساجد وبنوا كنائس على أنقاضها كما في منطقة ديفيتشي, وسووا بالأرض أخرى استخدمت أراضيها لأغراض مختلفة كمستودعات بضائع أو حظائر ماشية أو مواقف سيارات.
شح الموارد
وقال نظيم خليلوفتش مستشار إدارة الأوقاف للجزيرة نت إن الحكومة البوسنية ساهمت في إعادة بناء وترميم نصف المساجد المهدمة على نفقتها, لكنها الآن عاجزة عن ترميم ما تبقى لشح مواردها.
بعض البوسنيين عولوا على محسنين من أثرياء العالم الإسلامي لإعادة بناء المساجد, لكن المراقبة الصارمة على تحويلات الأموال القادمة إلى البوسنة بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 حدّت من المعونات ما عقد المشكلة، حسب خليلوفيتش.
غير أن مساجد جديدة تبنى بوتيرة سريعة في الأحياء الجديدة من سراييفو ومدن أخرى ومناطق الريفية.
الجمعيات الخيرية
ويبنى سنويا بين 60 و80 مسجدا, جميعها على نفقة الأثرياء البوسنيين والصدقات الجارية, حسب خليلوفيتش الذي وصف بالضعيف دور الجمعيات الخيرية في البلاد الإسلامية في ترميم المساجد المهدمة, وإن وجد لها عذرا باعتبار أن هناك مناطق أخرى في العالم الإسلامي أكثر احتياجا.
لكن بعض البوسنيين يلقون باللائمة على هذه الجمعيات, كما حال أرمن دوريتش التي تقول إنها, خاصة في بلاد الخليج الغنية بالنفط, تجمع التبرعات من الناس لبناء مساجد في بلاد المسلمين, "غير أننا هنا في البوسنة لم نلمس شيئا على أرض الواقع بدليل أن مئات المساجد ما زالت مدمرة منذ 1993 ولا مغيث لها", وطالبت بتخصيص جزء من أموال الزكاة للمساهمة لهذا الغرض.