قراءة نقدية لكتاب (محنتي مع القرآن ومع الله )
للدكتور عباس عبد النور . إن الملاحظ من بداية الكتاب أن المؤلف مريض نفسياً ومصاب بالحزن والاكتئاب والنظرة السوداوية، وهذا من خلال كلام المؤلف عن نفسه من كونه قد أجرى عمليه جراحية لعينيه ، وعملية جراحية لقدمه سببت له عاهة دائمة ( العرج ) مع ترقق في عظامه وتعبه من السير ، وإصابته بأزمات مادية شديدة إلى درجة أن هّمَّ أن يبيع منزله ، وما شابه ذلك من مصائب التي لا يخلو منها إنسان في الوطن العربي على الغالب ، وبدأ بعمáaacute;ية الدعاء والابتهال إلى الله، يُذكِّره بعبادته لمدة أعوام طويلة دون أن يطلب منه شيئاً والآن حان دورك يا الله لترد لي جزاء عبادتي وتفي بوعدك ، وتقف بجانبي وتفرج عني كربي وهمي ، وكرر الدعاء ، وأقام الليالي بالصلاة والابتهال ، فلم يتم حل مشكلته المادية وتأزمت معه الأمور أكثر ، فسارع إلى إنكار وجود الخالق لأنه لم يستجب دعاءه ، ويفرج عنه مصيبته .
وللانتقام من الخالق قرر في نفسه الطعن في كتابه الذي سهر الليالي وهو يتلوه ويقرأه ، فدخل إلى النص القرآني وقلبه مليء بالحقد عليه ، فبدأ يثير الإشكاليات من هنا وهناك مستغلاً التراث وضحالته ، فيأتي بفهم الآباء للنص القرآني وكأنه وحي نزل مع النص ذاته ، ويعده صواباً ، ويبدأ بنقده وطعنه والسخرية منه ، ثم يسحب ذلك الفهم الساذج إلى النص القرآني ذاته فيحكم عليه بالبطلان والتحريف ، وهكذا تابع رحلته من الإيمان إلى الشك !! ينقل عدواه إلى أمثاله ممن في قلوبهم مرض .
وسوف أناقش مجمل دعواه بعقل منفتح ، وبصورة مختصرة جداً اعتماداً على ثقافة القارئ .
- أول مقولة تظهر تخبطه وضلاله هي قوله : ( رحلتي من الإيمان إلى الشك ) .
فهذه المقولة باطلة على أرض الواقع ، وساذجة وسطحية ، فهي معكوسة المراحل وهي مثل مقولة : ( رحلتي من العلم إلى الجهل ) ! فهل يمكن أن يصل الإنسان إلى حقائق الأمور أو صوابها بطريقة منهجية علمية ثم يقوم بإنكار ذلك ويعود إلى حالة الجهل !؟ متى كان الجهل هو المرحلة العليا للعلم ؟
أيها الأخوة
إن الإيمان! ليس مجرد تصديق وإتباع فقط ، إنه تصديق قام عليه البرهان من الواقع ونتج عنه الإتباع ، فإن انتفى الإتباع انتفى الإيمان عن حالة الإنسان ، وصار اسمه تصديق فقط ، ويكون محله في الذهن معلومات ليس أكثر ، ولسان مقال الإنسان ( العمل ) هو الكفر الذي يدل عل تغطية الحقيقة سواء بإنكارها قولاً ، أم ممارسة عملية خلاف الحق في الواقع . فمفهوم الإيمان قائم في أساسه على العلم أولاً ، والإتباع ثانياً ، لا يفترقان فكيف يمكن لإنسان صادق مع نفسه يريد الحقيقة أن ينتقل من الإيمان إلى الشك !؟
فهو أمام أحد احتمالين :
أ- لم يكن في مرحلة الإيمان أصلاً ، ولم يصل إليها علماً ودراسة وإتباعاً ، وإنما كان في مرحلة التقليد والحفظ للمتون ، والضياع والضلال يظن أن ذلك هو الإيمان !، وإنما هو التقليد والعمى والاعتقاد بأفكار دون برهان ، وهذا دلالة مفهوم العقيدة ، وليس مفهوم الإيمان ، لذا لم يتم استخدام كلمة ( عقيدة ) في النص القرآني لانتفاء عنها دلالة العلم والبرهان .والفرق بينهما هو التالي :
- الإيمان : هو التصديق المطابق للواقع مع قيام البرهان على ذلك حيث يصير مفاهيماً يكيف الإنسان سلوكه بحسبه إتباعاً والتزاماً ،وينتج عنه الأمن والسلام .
- العقيدة : هي التصديق بمجموعة من الأفكار دون البرهنة عليها ، ولا يشترط مطابقتها للواقع ، ولا يشترط أن ينتج عنها عمل وإتباع . فهي ولاء فكري يقوم على العصبية والمصلحة ، ودائماً ينتج عنها الحروب والدماء .
ب - وصل عباس عبد النور إلى الإيمان مثله مثل أئمة الكفر والضلال في تاريخ الإنسانية، ونكص على عقبيه مثل نكوص إبليس ، واختار العمى على الهدى ، والكفر على الإيمان .
وإن كان ذلك الاحتمال هو الصواب فكان ينبغي أن يسمي الأمور على حقيقتها ويقول :
( نكوص من الإيمان إلى الكفر ) مثل مقولة ( نكوص من العلم إلى الجهل ) لأن مقولته الأولى ( رحلتي من الإيمان إلى الشك ) يوهم القارئ أنه انتقل من الأدنى إلى الأعلى وارتقى بفكره ! وهذه مغالطة وتدليس في صياغة الكلام ، وإخفاء الحقيقة ! متى كان الكفر أو الشك أو الجهل حالة راقية بالنسبة للإيمان واليقين والعلم .
- المسألة الثانية : سؤال يفرض ذاته، ألا وهو : لماذا تناول النص القرآني نقضاً وطعناً يريد أن يثبت للقارئ أنه ليس من كلام الخالق ، وبالتالي ينتفي عنه الإعجاز والبلاغة والقداسة إذا كان عباس منذ البداية قد أنكر وجود الخالق وتدبيره لخلقه ، فنفي وجود الخالق كافٍ لبطلان قداسة القرآن !!
ولكن نشاهده قد سَوَّد الصفحات يتتبع الآيات التي أشكل فهمها عليه ( وهذا شيء طبيعي لمن هو في مرحلة التقليد والعمى ) وصار يضرب الآيات ببعضها ، مثله مثل طفل صغير دخل إلى غرفة معدات تقنية ليلعب فيها وصار يضرب المعدات ببعضها لا يعلم وظيفة كل واحدة منها على حدة ، لأن الأدوات تتكامل في وظيفتها أثناء استخدامها على أرض الواقع .
- المسألة الثالثة : قوله : ( إن أدلة إثبات وجود الله تتساوى مع أدلة نفيه ، وكلما أتيت بدليل إثبات أُؤتيك بدليل نفي له ) .
وهذا الكلام مغالطة كبيرة ما كان ينبغي لدكتور فلسفة أن يقع فيها !
أخي القارئ انظر إلى هذه القواعد العقلية المنطقية التي هي محل تسليم من العقلاء بناء على ثبوتها في الواقع
1- النفي لا يحتاج إلى برهان ، وإنما الإثبات يحتاج إلى برهان ومن ذلك صاغ الحقوقيون قاعدة ( البينة على المدعي ) أو ( إن كنت مدعياً فالبينة ) .
2- إن إثبات أمر ببرهان هو في حد ذاته يتضمن نفي النفي ضرورة . وبالتالي لا يصح أن يأتي إنسان ويقول : أنا سوف آتيك ببرهان على نفي ما تم إثباته ببرهان . فهذا كلام هراء وهرطقة وسفسطة لا يعتد به الفلاسفة أو العقلاء ، ولا يقيمون له وزناً .
انظر مثلاً لجملة : الشمس ساطعة . فهي جملة خبرية تثبت سطوع الشمس من خلال الحس بالواقع المشاهد أو المحسوس وبذلك الإثبات المرافق للبرهان الحسي تم عملية نفي النفي لعملية سطوع الشمس ، فيكف يمكن أن يأتي عباس ببرهان على نفي سطوع الشمس !؟.
3- الأمور البديهية لا يصح نقاشها ، أو ضياع الوقت على البرهنة عليها .
نحو نصف الأربعة اثنين ، أو يملك الإنسان وعياً وإدراكاً لما حوله . وقصدت بذلك مسألة نقاش وجود الفاعل ( الخالق ) ، هل يقبل أحدكم ( وهو فعل ) أن يناقش مسألة وجود فاعل له !؟ انظر على سبيل المثال : جملة ( قرأ زيد الدرس ) وتصور أن فِعل ( قرأ ) صار عنده وعياً وإدراكاً ، وذهب إلى فعل ( كتب ) مثلاً ، وقال له : أنا أشك بوجود زيد وأنه فاعل !؟ ماذا يمكن أن يرد عليه فعل ( كتب ) ؟ وهذا مفهوم قوله تعالى : ( أفي الله شك فاطر السموات والأرض ) أفي الفاعل تشك أيها الفعل القاصر !؟ إن وجود الفاعل أثبت وأشد وضوحاً من وجود الفعل ، غير أن الفاعل سابق في وجوده عن الفعل ضرورة!
ومع ذلك شك الفعل عباس بوجود فاعل له !! إن هذا لشيء عجاب !!.
- المسألة الرابعة : إن الموقف الذي اتخذه عباس كان نتيجة ظروفه النفسية والمادية السيئة ، والسؤال الذي يفرض ذاته هو : هل كان من الممكن أن يبقى عباس على ما هو عليه من أفكار لو تم تغيير ظروفه السيئة !؟
فأنا أظن أن هناك جهة ما استغلت ظروف عباس السيئة ، وساومته على مبدئه ، وعرضت حلاً مادياً لكل مشكلاته بشرط أن يقوم بكتابة كتاب يدفع ضعاف الناس إلى الإلحاد والتشكيك بدين الإسلام ، وهذا ليس بتأثير نظرية المؤامرة ، فمن الخطأ أن نرفض تحليل الأمور ومن يقف خلفها بحجة نظرية المؤامرة ، وإن لم يكن هذا الموقف من عباس فقد حكم على نفسه وشهادته بالتفاهة والهراء ، وأثبت للعالم كله أن الشهادة لا تدل على العقل أو العلم ، وإن كان عالماً وأخفى علمه وكتب خلافه يكون أضل من الأنعام !! فمن أين ما نظرت لموقف عباس تجده محصوراً بين العمالة المأجورة ، وبين أضل من الأنعام !. ومن هذا الوجه يتم تسويق كتابه على أنه أخطر أو أعظم كتاب إلحاد في تاريخ الإلحاد العفن الميت !! وبعد الاطلاع عليه ، وقراءته بوعي تبين زيف هذا الإدعاء فهو لم يصل في بطلانه وافترائه إلى مستوى الباطل !! إلى درجة أني عرضت شبهاته المتعلقة بإثبات وجود الله على ابنتي التي لم تتجاوز أربعة عشر عاماً فلم تتمالك نفسها من الضحك على هذا المستوى من الانحطاط في تحليل واستنتاج الأفكار ، وقالت : هذا رجل عنده عقدة الفقر والنقص ، وينطبق عليه مقولة الأغنية ( اللي ما يطول العنب حامض عنه يقول ) .
- أما مسألة قصور وسوء فهمه للآيات ، فسوف أستعرض بعض منها لأبين للقارئ كيف أن عباس لم يُعمل عقله أبداً ، وإنما اكتفى بتلاوة التراث ، وبناء عليه حكم على النص القرآني ، وكان الأجدر به أن يدرس القرآن ذاته ، ولكن أنى له أن يفهمه إذا دخل إليه ابتداء وهو يعتقد بكذبه وبطلانه .
1- قوله ( إن دلالة كلمة ( الظن ) ) تأتي في القرآن بصورة متناقضة ومختلفة ، فتارة بمعنى الشك ، وتارة بمعنى اليقين ). وكذلك قال بالنسبة لدلالة كلمة ( المحصنات ) .
أقول له،ولأمثاله: إن جهلكم باللسان العربي هو الذي أوصلكم إلى هذه الإشكاليات .
فالكلمة في اللسان العربي لها دلالة أو مفهوماً تجريدياً واحداً فقط ، ولكن حين استخدامها على أرض الواقع تلبس صورة الاستخدام وترتبط به ، ويتم فهمهما بناء على ذلك دون إلغاء لمفهومها اللساني .
أ-كلمة ( ظن ) تدل على ميل وشعور في داخل الإنسان ، فإن كان هذا الشعور ضعيفاً فيظهر بصورة الشك ، وإن زاد ورجح فيظهر بصورة الظن الغالب ، وإن تم البرهنة عليه صار يقيناً .
وقد تم استخدام كلمة ( الظن ) في القرآن بالصور الثلاثة .
1- ظن شك ( إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) الأنعام 116
2- ظن غالب ( وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخرَّ راكعاً وأناب ) ص 24
3- ظن يقين ( الذين يظنون أنهم مُلاقوا لله ) البقرة 249
ب- كلمة ( حصن ) تدل على المنعة والحماية والستر ، ومن ذلك الوجه تم إطلاق كلمة ( الحصن ) على البناء الذي يتم بناءه لحماية المدينة .
وظهرت كلمة ( محصنة ) في القرآن متعلقة بالمرأة على عدة صور :
1- إحصان المرأة من خلال انتمائها إلى أسرة ومجتمع تكون لها بمثابة الحصن .( ومن لم يستطع طولاً أن ينكح المحصنات ......)النساء 25
2- إحصان المرأة من خلال انتمائها إلى زوج يكون لها بمثابة الحصن .
حُرِّم عليكم أمهاتكم .....، والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ) النساء 24
3- إحصان المرأة من خلال التزامها بالقيم والأخلاق والعفة حيث تكون لها بمثابة الحصن ( والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا ) الأنبياء 91
ت- قال عباس الملحد : إن القرآن يهبط في صياغته البلاغية أحياناً إلى مستوى ما ينبغي أن يصل إليه عامة الناس . وضرب مثلاً على ذلك قوله تعالى : [ وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا ....] الزمر 71
وقوله تعالى : [ وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا....] الزمر 73
وقال : إن دلالة كلمة ( سيق ) كما ذكر المفسرون في كتبهم أنها تدل على السوق بعنف وشدة لإذلال الكفار ، فهي عملية سوق إجبارية وقهرية وإذلالية ، فكيف يصف الله المؤمنين بعملية السوق هذه ، ويشبهم بسوق الكفار أو سوق الأنعام ؟ ألا يدل ذلك على هبوط بلاغة النص القرآني ، وأنه ليس من عند الله ( إن كان يوجد إله ) . ونقول لعباس الملحد : إن كلمة ( سوق ) تدل على إتيان شيء بصورة غير محددة ممتدة بانضمام منتهية بوقف أو قطع شديد . ومن هذا الوجه سمي المكان الذي تجُلب إليه البضائع من كل حدب وصوب سوقاً .
فدلالة كلمة ( سوق ) لا علاقة لها بذم أو مدح ، وإنما تستخدم على كل ما يتم سوقه دون إرادة منه أو معرفة . ومن ذلك الوجه نستخدم كلمة ( السوق ) لبدء عملية طلب الشباب إلى الجيش بصورة إجبارية ، ونستخدمها على سوق السيارة والبهائم .
فعملية سوق الكفار إلى جهنم تحقق فيها صفة عدم الإرادة و المعرفة لجهنم ، وكذلك المؤمنين يُساقون إلى الجنة دون إرادة منهم أو معرفة لها ، لأن قرار الدخول لم يصدر منهم ، ونفي الإرادة لا يعني بالضرورة القهر والإجبار ، فهذا متعلق بالشيء الذي يُساق إليه الإنسان ، فإن كان يُساق إلى ما يَكره وفيه هلاكه يترتب على ذلك السوق قهر الإرادة والإذلال له، وإن كان يُساق إلى ما يحب ويرضى، فلا يترتب على ذلك قهر إرادته ، بل الرضا والسرور بعملية السوق . وعدم استخدام هذه الكلمة ( السوق ) في ثقافة المجتمع إلا مرتبطة بقهر الإرادة والإذلال عامة نحو سوق البهائم ، فهذا ليس بحجة على اللسان العربي ، لأن القرآن نزل باللسان العربي، ولم ينزل بما تعارف عليه الناس من مصطلحات أو استخدامات .
وبذلك يظهر لنا صواب استخدام كلمة ( سيق ) للكفار إلى جهنم ، وللمؤمنين إل الجنة ، فهي تُصور الحدث على حقيقته تماماً من حيث عدم صدور القرار منهم ، وعدم معرفتهم بكيفية الذهاب إلى مصيرهم، وترتب على سَوق عملية الكفار القهر والإذلال لهم لأنهم يساقون إلى ما يكرهون ، بينما المؤمنون يساقون إلى ما يحبون ، فيسيرون وهم مسرورون مُكَرَّمون ظاهر عليهم الرضا والانشراح .
ث - وتناول عباس هذا قوله تعالى : [ وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ] وسأل سؤالاً وجهه إلى السادة المفسرين : ما هي العلاقة المنطقية بين فعل الشرط ( ألا تُقسطوا في اليتامى ) مع جواب الشرط ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) وظن أنه ألقم المفسرين حجراً ، و بنى نتيجته الوهمية نتيجة وهمه الأول، فقال : لا بد من وجود جملة بين فعل الشرط وجوابه تُبين هذه العلاقة ، وهذه الجملة قد تم نسيانها أو نسخها أو تحريفها، مما يؤكد تحريف النص القرآني، وهو ليس من عند الله.( إن كان يوجد إلهاً أصلاً) .
ولقد تناولت تفسير هذا النص في مقالات سابقة ، وسأختصره هنا :
إن كلمة ( قسط ) لا تدل على عدل أو ظلم ، وإنما تدل على عملية القسمة والتجزئة .
وكلمة ( يتامى ) تطلق على الأولاد ( ذكوراً وإناثاً ) الذين فقدوا والدهم وهم دون سن البلوغ ، وليسوا هم محل النكاح لقصورهم .
والنص يتكلم عن العناية بالأيتام وأموالهم حسب سياق النص ، وما قبله وما بعده من نصوص .
ويكون مفهوم النص هو : إن شعرتم بأنفسكم أنك لن تقعوا في عملية القسمة والتجزئة للأيتام عن أمهم ، ولن تأكلوا أموالهم ( نفي لفعل حصول القسط ) فانكحوا ما طاب لكم من أمهات اليتامى ، وتم استخدام كلمة ( نساء ) لأن أمهات اليتامى هن جزء من مفهوم النساء ، وبذلك الاستخدام أتى الشارع بفهم زائد على نكاح اليتامى ، وهو إباحة نكاح النساء عموماً إضافة للحكم الخاص لأمهات اليتامى ، ولو تم استخدام أمهات اليتامى عوضاً عن كلمة ( النساء ) لتم حصر التعددية بهن فقط . وبذلك يظهر العلاقة المنطقية بين فعل الشرط وجواب الشرط في النص دون لبس أو إشكال.
ج- أما قوله فيما يتعلق بقوله تعالى : [ والنازعات غرقاً ، والناشطات نشطاً ] وأمثال هذه النصوص الخبرية بأنها كلام فارغ لا قيمة له ولا معنى ، فهذا عجيب وغريب من أن يصدر من دكتور فلسفة ! ألا يعلم هذا الفعل الناقص ( عباس ) أن الفعل يستحيل أن يدرك أبعاد ومعاني أفعال الفاعل كلها !!، ناهيك عن استحالة إدراك مقاصد الفاعل!! ، لذا، سؤاله وإشكاله لا قيمة له البتة على أرض الواقع ، فالنص القرآني لم ينزل إلى عباس فقط ليدرك معانيه ومقاصده ، وإنما نزل إلى الناس جميعاً عبر الزمان والمكان ، وكل مجتمع يأخذ نصيبه العلمي والمعرفي منه من خلال استخدام أرقى أدواته المعرفية التي وصل إليها ، ويتم الحكم على أحقية القرآن ومصدريته بصورة كلية وعامة، فإن تم ذلك ثبتت مصدريته الربانية ، ويتعامل الإنسان معه بصورة نسبية بقيادة العقل، والعلم، ومنظومة القرآن، ويترك الجزئيات إلى غيره من المجتمعات اللاحقة لتقوم بمتابعة الدراسة والتراكم العلمي، وهكذا يستمر عطاء النص القرآني وصلاحيته لكل زمان ومكان .
لذا ، ما قام به الفعل الناقص ( عباس ) هو موقف غير علمي ، لأن انتفاء علم الإنسان عن شيء لا ينفي وجود الشيء أو صوابه ، لأن الإنسان قاصر ومحدود العلم والمعرفة .
ح - لقد خلط بين دلالة فعل ( قرأ ) ودلالة فعل ( تلى ) ، وعدَّ أن القراءة مصدر لفعل التلاوة .
خ - فسر آية ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) بالكتلة التي تظهر على جبين الإنسان من أثر احتكاكه في السجود . وهذا تفسير مضحك وهزلي ، فالنص يشير إلى سمة الإنسان المسلم سلوكياً من أثر خضوعه لأوامر الله عز وجل في المجتمع فيظهر بصفة الإنسان الصالح ، ويظهر ذلك على وجهه سروراً وبهجة و رضا وثقة بالنفس ، لا علاقة لذلك بالكتلة الدهنية التي تظهر على الجبين!!! .
د- ادعى أن الفلسفات أنكرت وجود الله ، والصواب، أنها اختلفت في ماهية الله، وأحديته، وليس في وجوده.
ذ- وصف مسألة إنكار وجود الله بأنها الحق المبين ، ولا أدري كيف يكون نفي الفاعل حق مبين مع إثبات وجود الفعل الذي يمثله عباس نفسه!! .
ر- فهم أن الدعاء في القرآن هو سبب حتمي لحصول الأشياء ، فقام بالدعاء فلم يتم الاستجابة له فأنكر وجود الفاعل لأنه لم يرد عليه ، وكأن الفاعل يستمد وجوده من فعله أو اعتراف الفعل به !!
ز- كذبه وافتراؤه بوجود آيات كثيرة معارضة للحقائق العلمية في القرآن !!
س- عدَّ أن النص القرآني فوضوي ومُقطَّع الأوصال، والمواضيع لعجزه عن التعامل معه،وفاته أن القرآن له نظام خاص به، ومفاتيح داخلية، وخارجية لدراسته كامنة في ذات النص.
هذا ما تيسر لي على عُجالة في الرد على عباس ( الفعل الناقص ) ، وتبيين جهله وعواره ،وأن كتابه لا يصلح للقراءة قط، ولا يضر أحداً ، ولا خوف منه ، ولا من غيره على الحق أبداً، ولم يصل إلى مستوى أن يُطلق عليه أخطر كتاب إلحاد في تاريخ البشرية!، وليس من عادتي أن أرد على أمثاله ، ولكن استفزني هذا الوصف له من بعض الأخوة والمنتديات الذين يروجون له، فكتبت نقدي هذا لتعريفهم بمستوى الكتاب ، وهبوطه الفكري ، وضحالته .
( قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) ( قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) .
---------------------------------------------
1- الدكتور (عباس عبد النور) ولد في دمنهور (قرية في مصر) سنة 1927.التحق بكلية أصول الدين في الأزهر، وبقي فيها ثلاث سنوات، وعزم على إتمام الرابعة في جامعة فؤاد الأول كلية الآداب قسم الفلسفة ، وسافر إلى باريس والتحق بجامعة السوربون ليحضر دكتوراه في فلسفة العلم ، وعندما حصل عليها رجع إلى بلده ، وصار إماماً وخطيباً ، وواظب على التعليم الجامعي وتأليف الكتب الفلسفية العلمية، ثم تعرض لصدمات نفسية ومادية شديدة دفعته لمراجعة أفكاره حول معتقداته الدينية، والفلسفية في أواخر عمره ( 80 سنة )، وخرج بنتيجة مفادها أن مفهوم الله مفهوم من صنع الذهن الإنساني لا وجود له على أرض الواقع ، وتباعاً لذلك نقض النص القرآني، واتهمه بالقصور في البلاغة، ومخالفته للحقائق العلمية، وتناقض مواضيعه ، واختلافها مع بعضها ، وحصول التحريف لنصه ، وغير ذلك مما قرره في كتابه المشؤوم !.